هكذا يجب أن يردّ اللبنانيون على ما يحدث في غزة
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
كثيرة هي التحدّيات التي يعيشها لبنان اليوم، إضافة إلى تحدّياته المتعلقة بحياة أبنائه اليومية. وكثيرة هي التحليلات والتنظيرات عمّا يمكن أن يواجهه هذا البلد المنقسم على نفسه نتيجة التباينات التي لها علاقة بما يجري في غزة، وما يواجهه أهل القطاع من قتل ممنهج ومبرمج وفق سيناريوهات، يبدو أن "أحلاها" مرّ كثيرًا، وهو سيترك بصماته على كل مفاصل الحياة العامة في المنطقة كلها، وبالأخص في لبنان، وليس فقط في فلسطين.
فلبنان يعيش حالًا ضبابية لا يعرف فيها أحد عما ستؤول إليه الأوضاع في الجنوب في حال تدهور الوضع الأمني في شكل دراماتيكي، على رغم التحذيرات الأممية من انزلاق لبنان إلى مستنقع الحرب، وأخر هذه النداءات ما صدر عن فرنسا، التي حذّرت من هذا الجرف، وما يمكن أن تكون عليه التطورات الدرامية، خصوصًا إذا تخطّت إسرائيل قواعد الاشتباك المعمول بها منذ حرب تموز في العام 2006.
ولكن في المقابل، وكما يقول المتفائلون من أهل السياسية أن الخيارات الممكنة للخروج من هذا النفق المظلم كثيرة، على رغم ما يقوله المتشائمون من أن لا نهاية قريبة لهذا النفق الطويل، مع ما يحيط به من ضباب وغبار. وكثيرة هي الاختلافات بين اللبنانيين، الذين لم تتوحدّ كلمتهم، ولو لمرّة واحدة في تاريخ أزماتهم المتواصلة والموصولة بأحداث خارجية طالما كانت عامل قسمة لا عامل وحدة منذ اتفاق القاهرة حتى اليوم.
فما يجري في غزة حاليًا، وما يمكن أن يحدث في أماكن أخرى من تطورات استتباعية، أكبر من لبنان، وأكبر من قدراته الذاتية، وإن كان "حزب الله" يُعتبر لاعبًا إقليميًا أساسيًا. فالمواجهة، سواء أكانت بالمباشر أو بالواسطة تتخطّى القدرة الاستيعابية للتركيبة اللبنانية الهشّة، وبالأخص في غياب رأس الدولة، الذي هو حكمًا القائد الأعلى للقوى المسلحة، وفي غياب الدور الفاعل للحكومة الممنوعة حتى من تصريف الأعمال بفعل المواقف غير المنطقية، التي يتخذها الوزراء الذين يدورون في فلك "التيار الوطني الحر"، المدعوون اليوم، على رغم عدم مشاركتهم في آخر جلسة لمجلس الوزراء، إلى وقف المكابرة والكيد السياسي، خصوصًا ان هذه الجلسة بحثت في أمرين يهمّان جميع اللبنانيين، وهما في غاية الأهمية والخطورة، وهما الوضع المتوتر في الجنوب على أثر التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة والاستنفار المقابل لمواجهة هذه التهديدات من قِبَل "حزب الله" ودخول العامل الفلسطيني على خطّ هذه المواجهة، إضافة إلى مقاربة وضع النازحين السوريين الجدد، وما يخطّط للبنان المربوط غصبًا عنه بالقضايا الإقليمية الكبرى.
ولأن أي مواجهة على الجبهة الجنوبية سيكون لها مفاعيل خطيرة على مستوى كل الوطن، وأمام هول المخاطر المحدقة به من كل حدب وصوب، لا بدّ من أن يقدم نواب الأمة على خطوة دستورية في غاية الأهمية، ويذهبوا إلى دورات متتالية لمجلس النواب من أجل انتخاب رئيس لجمهورية قد تضيع هويتها في حال تفاقمت الأوضاع المحيطة به جنوبًا وشرقًا وشمالًا، وقبل أن يُفتح البحر أمام هجرة لبنانية واسعة قبل أي هجرة أخرى.
فانتخاب رئيس جديد للجمهورية في شكل سريع وفوري من شأنه أن يكون على الأقّل ضمانة لوحدة داخلية قد "تفرط" عند أول امتحان، وهذا ما لا يريده أحد لا في الداخل ولا في الخارج، باستثناء بالطبع من يسعى إلى فرط عقد هذه الوحدة، التي تبقى الأساس في ما ارتضاه اللبنانيون من عيش واحد مشترك تحت سماء واحدة.
أمّا إذا لم يفعل هؤلاء النواب، إلى أي محور انتموا، ما عليهم أن يفعلوه قبل أن يلعنهم التاريخ، فإنهم يضيّعون عليهم وعلى جميع اللبنانيين فرصة إنقاذ قد تبدو يتيمة في الوقت الراهن. وهذه الفرصة السانحة اليوم قد تصبح غدًا من الأمور المستحيل تحقيقها قبل أن ينجلي غبار الحرب الكونية، التي ستكون الحرب على غزة شرارتها الأولى والأخيرة. وعندها لن ندخل التاريخ وقد نخرج من الجغرافيا. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ماذا ينتظر اللبنانيين في اليوم التالي؟
مشهدان متناقضان في الشكل وفي المضمون. الأول ميداني، والثاني تفاوضي. وما بين الإثنين سباق محموم. فمن يصل أولًا؟ وهذان المشهدان يتكاملان من حيث المسؤولية وتقاذفها بين إسرائيل و"حزب الله" على شكل صواريخ بعدما أصبحت كل الأوراق مكشوفة على الطاولة. وحيال ما تشهده ساحات الوغى من تطورات دراماتيكية لم يعد يعرف المراقبون التمييز بين ما هو صحّ وبين ما هو خطأ. وما بين التفاوض على وقف شامل للنار وسخونة الميدان أكثر من تناقض وأكثر من ازدواجية. ولكن القاسم المشترك بين فريقي الصراع الدموي هو سعي كل منهما إلى تحسين ظروفه التفاوضية عبر الميدان والنار. هذا ما تقوم به إسرائيل. وهكذا يفعل "حزب الله". فالتصعيد الذي كان سيد المواقف في اليومين الماضيين أقلق المراقبين، الذين كانوا حتى اللحظة الأخيرة يراهنون على نجاح المفاوضات غير المباشرة بين لبنان ("حزب الله") وإسرائيل. إلاّ أن وصول صواريخ "المقاومة الإسلامية" إلى تل أبيب بهذا الشكل الكثيف، وما تلاه من غارات مدّمرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، ليس سوى محاولة أخيرة لتحسين شروط التفاوض.
فما حفلت به الساعات الماضية من تصعيد له دلالات كثيرة يوحي بأن حرب الاستنزاف قد اقتربت إلى نهايتها، وأن المفاوضات التي تتولاها الولايات المتحدة الأميركية لم تكن مسرحية لتقطيع الوقت الضائع، وذلك لأن ثمة من يعتقد بأن وراء كل طلعة هناك نزلة، وأن بعد كل ليل سيطلع فجر جديد. فالحرب بالنسبة إلى المتفائلين، ولو بحذر، ستنتهي عاجلًا أو آجلًا. وسيكون هناك يوم تالٍ جديد. واليوم التالي تختلف ظروفه ومعطياته بين فريق وآخر. فما يراه البعض هزيمة قد يعتبره الآخرون انتصارًا. فالمقاييس الطبيعية في هذا المجال لا تعود محل نقاش بعد اختلال منطق الموازين. فالخاسر في الحرب يعتبر نفسه رابحًا، والرابح لا يرى نفسه سوى رابح. هي معادلة معقدة ومتشابكة خيوطها، بحيث لم يعد في استطاعة هؤلاء المراقبين التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، وبين ما هو صح وما هو خطأ.
فالتفكير باليوم التالي لا يغيب عن بال أحد، لا في تل أبيب ولا في بيروت، حتى ولو كانت أصوات الصواريخ والغارات هي المسيطرة على المشهدية العامة. فما بعد الحرب قد يكون ما ينتظر الجميع في هذا المقلب من ضفة التراشق المدفعي أو ذاك أشد صعوبة من الحرب نفسها. فالاستحقاقات كثيرة بالنسبة إلى وضعية "حزب الله" بالتحديد، وفي طريقة تعاطيه مع سائر المكونات اللبنانية، سواء أولئك الذين أيدّوا حربه بمراحلها الأولى الاسنادية أو في مرحلتها الثانية كردّ مباشر على قصف إسرائيل لعدد من المناطق اللبنانية، أو بالنسبة إلى الذين عارضوا مبدئية فتح الجبهة الجنوبية لإسناد غزة وأهلها، ولكنهم تحفظّوا على توجيه الاتهامات له، وذلك مراعاة لظروف الحرب، على أن يأتي اليوم الذي يجب أن يُساءل به "الحزب" بسبب استفراده في اتخاذ قرار الحرب وسوق كل لبنان معه إلى حرب لم يكن يريدها أحد.
ففي اليوم التالي سيجد اللبنانيون أنفسهم أمام امتحان عسير. فخسائر الحرب كبيرة جدًّا، بشريًا وماديًا. فكيف يمكن اقناع تلك الأم التي استشهد وحيدها، وكيف يمكن كفكفة دموع الذين فقدوا أعزّ الناس على قلوبهم، وكيف يمكن تطييب خاطر الذي سيرى منزله، الذي بناه بعرق الجبين حجرًا فوق حجر، وقد أصبح على الأرض، وكيف يمكن تهدئة غضب ذاك المزارع، الذي غرس أشجاره المثمرة بمحبة وسقاها من روحه، عندما يرى بستانه وقد تحوّل إلى كومة من رماد؟
اليوم التالي سيكون أكثر حزنًا من أيام الحرب. ففيه يذوب "ثلج" الاعتداءات ويبان المرج بما فيه من كوارث ومآسٍ. ومع هذا اليوم تكثر الأسئلة والتحليلات وحفلات التنظير بالنسبة إلى الأسباب التي أملت وصول لبنان إلى هذا الدرك من المخاطر. فهذا اليوم سيكون مختلفًا بالنسبة إلى كثيرين، وسيشكّل نقطة بداية وانطلاق إلى المستقبل الأوسع والرحب.
المصدر: خاص "لبنان 24"