بعد إعلان إسرائيل للمرة الأولى منذ 50 عاما “حالة الحرب” غداة عملية “طوفان الأقصى” يراقب العالم الخيارات التي يمكن للجيش الإسرائيلي المحتشد على حدود قطاع غزة القيام بها، وسط مخاوف من تداعيات خطيرة قد تزلزل إسرائيل والمنطقة من جراء الاجتياح البري المحتمل لقطاع غزة والرد المحتمل لمحور المقاومة التي أعلنت الانخراط في خيار “وحدة الساحات”.


الثورة / أبو بكر عبدالله

طوال الأيام الماضية، لم يكف نتنياهو الذي حسم مشاكله الداخلية بتشكيل بحكومة حرب مع المعارضة عن إطلاق التهديدات إلى الحد الذي تحدث فيه عن حرب طويلة وصعبة ستغير الشرق الأوسط، وهي تصريحات اثارت القلق من احتمالات أن يقود خيار التصعيد الإسرائيلي المنطقة إلى حرب إقليمية يصعب السيطرة عليها.
تصريحات نتنياهو أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي حدد أهدافاً خطيرة للغاية، تتجاوز القضاء على البنية التحتية العسكرية لفصائل المقاومة المرابطة داخل قطاع غزة، لكنها تبقى دعائية، كون هذه الحرب هي الأخيرة التي سيخوضها نتنياهو وعلى ضوء نتائجها سيتحدد مستقبله السياسي.
وقد حصل نتنياهو على دعم دولي واسع النطاق، شجعه على تجاوز القوانين الدولية، وارتكاب جرائم حرب تكللت بقطع إمدادات الغذاء والماء والكهرباء والاتصالات عن قطاع غزة، وسط غارات كثيفة بأسلحة محرمة دوليا خلفت دمارا واسعا في مدن القطاع، ناهيك عن حشد عشرات الآلاف من الجنود والآليات العسكرية في غلاف غزة، بالتزامن مع إخلاء معظم المستوطنات الواقعة هناك.
لكن التقديرات تشير إلى أن دورة القتال الحالية بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية ستكون مختلفة عن دورات القتال السابقة، فهذه المرة هي الأولى التي تعلن فيها إسرائيل “حالة الحرب” منذ حرب أكتوبر 1973م، كما أنها المرة الأولى التي تخوض فيها فصائل المقاومة حربها متسلحة بترسانة أسلحة هجومية فائقة استطاعت اختراق الدفاعات الإسرائيلية والوصول إلى أبعد نقاط العمق الإسرائيلي.
هذه المعطيات هي من دعت نتنياهو إلى تشكيل حكومة حرب، وحشد نحو 340 ألف جندي من قوات الاحتياط وتهيئة الشارع الإسرائيلي لتقبل سقوط المزيد من الضحايا والخسائر. كما مهدت الطريق لحصول إسرائيل على دعم عسكري أمريكي بريطاني مباشر، شجعها على جريمة إخلاء مناطق كبيرة في شمال غزة وإخلاء جماعي للطواقم العاملة صمن بعثات الأمم المتحدة.
مع ذلك فإن التقديرات تشير إلى أن المعركة الحاسمة لم تأت بعد، وغير بعيد عنها ما تخبئه إسرائيل من خطط للاجتياح البري لقطاع غزة في القطاع، إما لغرض احتلاله من جديد أو لتقطيع أوصال القطاع وتقسيمه إلى مربعات يمكن السيطرة عليها، وهو سيناريو يمكن أن يقود إلى حرب شرسة بين الجانبين قد توقع عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين، ناهيك عن المخاوف من أن تقود إلى توسيع الحرب الدائرة اليوم في قطاع غزة إلى حرب إقليمية ستلقي بتأثيرات كبيرة على الشرق الأوسط والعالم.

معطيات ومراوحات
التعقيدات التي يتسم بها الوضع في إسرائيل وفي قطاع غزة، وكذلك الأوضاع الإقليمية والدولية، تجعل من الصعب تتبع الخيارات الممكنة في الوقت الراهن ولا سيما خيار الاجتياح البري الإسرائيلي للقطاع، فتل أبيب لا تزال حتى اليوم غارقة في مواجهة عمليات الاقتحام والتسلل، كما انها منهمكة في استعادة ثقة الشارع الإسرائيلي المحتقن وترميم التصدعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي أحدثتها عملية ” طوفان الأقصى”.
لكن احتمالات قيام إسرائيل باجتياح بري للقطاع تزايدت مع استدعائها نحو 340 الفا من قوات الاحتياط بمن فيهم الجنود الذين يقضون إجازات في الخارج، وهو عدد يضاف إلى القوات البرية الإسرائيلية التي يصل عددها إلى 140 ألف جندي.
وعلى أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لم تتوقف عن التأكيد أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة بما فيها الاجتياح البري، فإن معطيات كثيرة تؤكد أن إسرائيل ليست جاهزة في الوقت الراهن لعملية برية، في مقابل جهوزية فصائل المقاومة التي تشير كل التقديرات إلى أن لديها خططاً لمواجهة خيار الاجتياح البري.
والمؤكد أن فصائل المقاومة الفلسطينية المشاركة في عملية ” طوفان الأقصى” وضعت في حساباتها كل الردود الإسرائيلية المتوقعة للعملية، بما في ذلك الاجتياح البري، ما يجعل خطوة كهذه اشبه بعملية حشر قسري للجيش الإسرائيلي بداخل مصيدة بتداعيات قد تقلب المعادلة العسكرية القائمة الآن رأسا على عقب.
وإذا كانت الخسائر التي تكبدتها إسرائيل جراء عملية اقتحام نفذها حوالي ألف مقاتل من فصائل المقاومة للعمق الإسرائيلي كانت كبيرة للغاية، فإن التوقعات تشير إلى أن خسائر إسرائيل من جراء وجود 80 الفا من مقاتلي المقاومة داخل قطاع غزة، يمتلكون عتادا كاملا للمواجهة، ستكون مضاعفة بحوالي 80 مرة.
ومعروف أن المقاومة الفلسطينية بحسب إعلان قياديَّها لا تزال تمتلك الكثير من الوحدات القتالية المدربة على حرب الشوارع والكمائن المتفجرة ناهيك عما تملكه من وحدات للقناصة ومخزون كبير من الصواريخ والطائرات المسيَّرة تمكنها من أن يكبد القوات الإسرائيلية خسائر لا تتوقعها.
فوق ذلك فإن الغزو البري لمناطق كثيفة السكان، سيقود حتما إلى سقوط عدد هائل من المدنيين، ما قد يغير الموقف الدولي المؤيد لإسرائيل كليا وقد يضعها في عزلة كاملة، كما سيعمل في الوقت ذاته على توسيع رقعة الصراع إلى جبهات جديدة لا ترغب إسرائيل حاليا بإثارتها.

شروط الدعم الغربي
العنف المفرط الذي استخدمته إسرائيل في هذه الحرب، كشف أن المجتمع الدولي منح الضوء الأخضر لإسرائيل لتفعل ما تريده دون الاكتراث للقوانين الدولية، غير أن خيار الغزو البري لغزة يبدو حتى الآن خطاً أحمر أمام إسرائيل كونه قد يفتح الطريق لحرب إقليمية واسعة النطاق، لا تريدها الولايات المتحدة ولا الغرب في هذا الوقت.
وبحسب المعلن حتى الآن، فإن الضوء الأخضر الغربي لا يعني السماح لإسرائيل بحرب برية تجتاح القطاع، كون قرار كهذا يحتاج إلى نقاشات واسعة في واشنطن، كما أن الظروف السياسية المضطربة التي تعيشها الولايات المتحدة حاليا تجعل من الصعب على الإدارة الأمريكية اتخاذ قرار كبير بهذا الحجم دون أن يكون هناك اجماع بين الجمهوريين والديموقراطيين.
والمؤكد أن الحسابات الداخلية بين الديموقراطيين والجمهوريين سيكون لها دور مؤثر في أي قرار تتخذه إدارة بايدن في شأن طبيعة الدعم الأمريكي أو بشأن السماح لإسرائيل توسيع رقعة الحرب، وهي لذلك سارعت إلى إرسال بوارج حربية إلى شرق المتوسط لمنع أي تدخل يؤدي إلى اتساع دائرة الحرب، قد يؤثر على أولوياتها في الحرب الدائرة في أوكرانيا.

فخ استراتيجي
ليس هناك تعتيم تفرضه إسرائيل مثل التعتيم الذي تفرضه على خططها العسكرية حتى على المستويات القيادية العليا، ورغم ذلك فإن هناك مؤشرات تتحدث عن رد عسكري يسير وفق سيناريوهات عدة، يتصدرها شعور إسرائيل بوجود تهديد وجودي بعد التداعيات الكبيرة التي خلفتها عملية “طوفان الأقصى”، وهو ما دعا سلطات الاحتلال إلى الحديث بصوت مرتفع عن الاجتياح البري الذي يضمن عدم تكرار ما حدث.
لكن هذا الخيار من الناحية العملية يبدو بعيدا، إذ أنه قد يتحول إلى تهديد وجودي لإسرائيل أكثر من التهديد الذي تمثله فصائل المقاومة الناشطة في القطاع؛ فالغزو البري لن يكون عملية عسكرية تحت السيطرة، بل احتلال كامل للأرض وطرد السكان، بما يعني الخراب الشامل لقطاع غزة وتهديد حياة نحو 2.4 مليون فلسطيني لن يكون أمامهم خيارات سوى المقاومة والاستماتة حتى الرمق الأخير، بما يضع إسرائيل أمام أخطر تحد وجودي.
ويصعب التكهن أن إسرائيل ستجازف بطرد الفلسطينيين والبقاء على ركام غزة لفترة طويلة أيا كانت إمكانياتها، كون ذلك سيفتح عليها أبواب جهنم بحالة انتقام جماعية قد تتجاوز النطاق المحلي إلى الإقليمي والدولي يزيد من ذلك.
ومع وجود الكثير من فصائل المقاومة الفلسطينية بداخل غزة التي تمتلك ترسانة أسلحة قوية، واحتمالات انتقال فصائل أخرى إلى القطاع، فإن ذلك سيجعل الاجتياح الإسرائيل لغزة بريا اشبه بمصيدة يصعب على الجيش الإسرائيل الخروج منها سالما.
والاجتياح البري عموما لن يجعل القطاع وحده مسرحا وحيدا للمقاومة والمرجح أن الرد سيشمل أيضا الضفة الغربية والقدس الشرقية، وربما حزب الله في الشمال، فمحور المقاومة لن يقف مكتوف الأيدي أمام الإبادة الكاملة لغزة وسكانها وسيفضي بلا شك إلى تحرك عسكري واسع لمواجهة إسرائيل.

سيناريوهات بديلة
المرجح أن إسرائيل وفي إطار ردها على عملية ” طوفان الأقصى” ستحاول اظهار قوتها بصورة تفوق مرارة الهزيمة العسكرية والمخابراتية والسياسية التي تلقتها جراء هذه العملية.
وهذا يفسر طابع العنف المفرط الذي اتسمت به عملياتها العسكرية بالقصف الجوي العنيف للمدن والأحياء، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، وهو خيار يبدو مرشحا للاستمرار حتى نهاية العام الجاري.
ومع ذلك فإن السيناريوهات المتاحة لإسرائيل لن تزيد عن محاولات لعزل منطقة العمليات العسكرية وتنفيذ عمليات اجتياح جزئية لبعض المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية اعتمادا على سياسة تقطيع الأوصال من خلال تقسيم قطاع غزة إلى مربعات يسهل السيطرة عليها ومراقبتها.
وقد كان لافتا أن إسرائيل باشرت فعلا وضع بدائل أخرى لعملية الاجتياح البري، وهي بدائل يمكن ملاحظها في النتائج التي خلصت إليها الغارات الجوية والتي أحدثت دمارا واسعا طاول معظم مرافق البنية التحتية الأساسية، بما فيها المدارس والجامعات والمشافي، وارغمت مئات الآلاف من السكان على الاحتماء في مدارس الأونروا في ظل حصار مطبق يمنع دخول الغذاء والمساعدات وجهود الإغاثة الإنسانية إلى مناطق القطاع التي يقطنها 2.4 مليون نسمة.
ورغم كل الضجيج الحاصل في إسرائيل عن احتمالات الاجتياح البري لقطاع غزة، فإن هذا الخيار يبقى الاحتمال الأقل حدوثا، فإسرائيل قد جربت هذا النوع من الحروب مرات عدة ولم تحقق فيه أي نجاحات.
ومن الناحية العسكرية الاستراتيجية فإن اقتحام القوات الإسرائيلية لغزة سيعني اتساع رقعة المواجهات والانتقال إلى حرب طويلة في جبهات متعددة وهو خيار لا تريده إسرائيل، وهي غير مستعدة له في الوقت الراهن.
وقد حاولت إسرائيل اجتياح القطاع بريا في أعوام 2008 و2012 و2014م وفشلت وفي آخر محاولة واجهت مقاومة ضارية، فقدت خلالها العشرات من جنودها وأصيب المئات، بالإضافة إلى أسر آخرين بالتوازي مع نتائج مروعة على الجانب الآخر، حيث ابيدت مناطق بأكملها وتحولت إلى كومة من الدمار.

قراءة موضوعية
قدمت عملية “طوفان الأقصى” أداء عسكريا نوعيا أذهل العالم وفاجأ إسرائيل وكل العواصم الأوروبية وأجهزتها المخابراتية، إذ كانت عملية استراتيجية بكل المعاني العسكرية والمخابراتية وخسرت فيها إسرائيل سمعتها على المستويين العسكري والإنساني ومثلت بالنسبة لكثيرين نقطة تحول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وستكون له تداعيات بعيدة المدى.
لكن الحقيقة أيضا أن ما حققه المقاومون في عملية “طوفان الأقصى” لم يكن سوى انتصار معنوي، فهو في النهاية لم يؤسس لحرب طويلة تستهدف استعادة الحقوق الفلسطينية وتحافظ على المقاومة كقوة وردع، بل كانت عملية خاطفة اثارت ردود فعل عنيفة لم تكن غزة تحتاجها اليوم، كما أنها لم تضف أي جديد إيجابي لقطاع غزة الذي خضع للدمار والحصار بصورة أكبر مما كان عليه الحال سابقا.
واستنادا إلى ما سبق من معطيات، فإن المرجح أن رد قوات الاحتلال لن يكتفي بالضربة السريعة الواحدة كما كان يفعل سابقا، بل إنه وبفعل الضغوط الدولية قد يقلل ضرباته خلال الأيام القادمة نسبيا، لكنه سيستمر بها لفترة طويلة تمتد بالقدر الذي يحقق أهداف الاحتلال في إنهاء حكم حماس للقطاع دون أن يستفز محور المقاومة ويضطره للتدخل المباشر.
وتبقى الإشارة إلى أن إسرائيل تسعى من خلال عملياتها الوحشية في غزة إلى إعادة صياغة المشهد الفلسطيني المقاوم، ولأبعد من ذلك استثمار الهزة التي حدثت داخل إسرائيل والمواقف الدولية المؤيدة لها، لإعادة صياغة الخارطة الإقليمية، وهو سيناريو خطر للغاية تنبهت إليه بعض الدول العربية في حين لا يزال غائبا عن أجندات الكثير منها.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!

عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الدولة السودانية التي ساهمت في صناعتها صدف الجغرافية واطماع الخارج وقدر غير قليل من سوء الحظ، اصبحت كالام التي تتبرأ من مولودها غير المرغوب او نتاج زواج الاكراه. ومن ثمَّ لم تقدم لشعوبها الطيبة المنكودة إلا بئس العيش ومشقة الحياة وتردي الاحوال يوما بعد يوم، رغم ما تزخر به من موارد مهولة (كحال مسعود في حفنة تمر للطيب صالح).
اما مصدر المأساة فقد تجسد في استيلاء كيانات مسلحة علي السلطة بالقوة العسكرية. وعلي تعدد شعاراتها ودعاواها ومبرراتها، إلا انها تتفق جميعا في خدمة مصالحها الحقيقية او المتوهمة (العقائدية)، اعتمادا علي آليات الاستبداد والارهاب والفساد. اي توظيف العنف لاحتكار الامتيازات وفرض وصاية قهرية علي بقية مكونات الشعب المقموعة والمحرومة من كافة حقوقها، وهذا ناهيك عن التحكم في مصير البلاد وخيارات العباد بطريقة اقل ما يقال انها تحكمية اعتباطية (مصدرها فرد معتوه مستبد).
والحال كذلك منذ قيام الدولة (بالجبرية) تم التحكم فيها وادارتها بذات (الجبرية)، اي عبر منطق مصالح القوة وقوة المصالح. هذا ما جعلها ممتنعة عن رعاية المصلحة العامة، لعدم قدرة العامة علي امتلاك دولتهم. وعليه اصبح المواطن الاعزل مطرود من رحمة الدولة (خدماتها)، وهذا عندما لا تتسلط عليه بنيران اسلحتها ومعتقلاتها واذلالها وجباياتها.
من يصدق ان هنالك شعب وجد ليكتوي بنير هذه العلاقة الجائرة (الاسترقاق والسخرة للحكام الطغاة)، بل ويُجبر علي تجرع مرها صامتا، واحيانا متهللا مستبشرا تحت تاثير شعارات الزيف والضلال (هي لله للوطن للاخوة للانسانية للعدالة للحرية..الخ). وذلك علي امتداد تاريخ الدولة منذ بزوغها بشكلها الراهن في الثلث الاول من القرن التاسع عشر. ولو كان هنالك استثناء فهو للاجانب الذين حكموها (اتراك وانجليز) لوعيهم بدور السلطة ووظيفة الدولة. اي بغض النظر عن مآربهم إلا ان ما يحكمهم العقلانية والمعرفة بالكيفية التي بها يحكمون ويضعون مخططاتهم وينفذون مشاريعهم ويحققون اغراضهم. اما سمة الحكومات المسمي وطنية وفرضت نفسها عسكريا، فغير ذهولها عن الواقع وكذلك العصر واحواله واحتياجاته، إلا انها تمتلك قدر غير يسير من الجهل والغرور المفضيان للعنجهية الفارغة والانشغال بشعارات هلامية، وكذلك لامبالاة واستهتار وعناد وبلادة، تمخض عنها نوعية من السلطات المتسلطة علي رقاب الوطن والمواطنين. لم يجنِ كلاهما منها غير القسوة والمحنة والفشل والدمار.
فمنذ استيلاء المهديين الكذبة علي الحكم عبر القوة المسلحة وطوفان من الدماء، لم يتورعوا عن الولوغ في دماء الشعب وإذلاله وتجويعه وافقاره، وبكيفية طغيان كاركاتوري اثارة سخرية العالم حينها، ومن نوعية اهتمامات حكامهم وطموحاتهم (وياء لسوء حظ الملكة فكتوريا التي اضاعت فرصة الزيجة الطاهرة، وتاليا ضاع علي الانجليز وراثة التشرذم والحروب الاهلية والمعارك العدمية واحتمال استعادة الامبراطوية لامجادها بالسيطرة علي العالم بسيف الخليفة ود وتورشين او محايته وتعاويذه!!).
من يصدق ان شرذمة من الدجالين (المهدي وودتورشين والترابي) يرومون حكم العالم من خرابتهم المسمي دول! وبنموذجهم السلطوي الموغل في التخلف والعنف! وشعبهم يكدح ليل نهار من اجل لقمة العيش من غير طائل! والسؤال والحال كذلك ما هي العلاقة بين هذه الانظمة العقائدية الحربية الرجعية والطموحات الجنونية والمفارقة، للسيطرة علي العالم؟ اما عندما تتحول هذه الهذيانات الي برامج عمل، فعندها تدفع الشعوب ودولها الثمن غاليا! وعن هذا فأسال شعبنا الجائع البائس ووطنا الفاشل الطارد، بعد ان تحولنا لاعجاز نخل خاوية في بلاد كالعصف المأكول. وطالما وُجدنا في دولة علي هذه الدرجة من الهملة، وفي عُهدة سلطات علي هذه الدرجة من الاستهانة بشعبها، لماذا لا ياتي مغامر مجرم جاهل مثل حميدتي ليجرب حظه (اين انتي ايتها الزلابية حتي تهوني علينا بعد ان غطس حجرنا العسكر والكيزان والجنجويد)؟!
وهكذا استمر الحال، وبدل ان يتحول الاستقلال الي نعمة تفيض خير علي الامة، تحول علي يد العسكر الي نقمة غطت بمحنتها كامل ارجاء الوطن. وحتي عندما تاتي ثورة بوعود تغيير الاحوال بعد تضحيات جسام، يجهضها العسكر بانقلاب غادر اكثر بؤسا وتدميرا! ويشجعهم علي ذلك اهدار الطبقة السياسية للفرصة تلو الفرصة، وهي منشغلة بصراعات السلطة عوض الانكباب علي بناء الدولة ومصالحتها مع شعبها الممكون حرقة واسي. وهذه الدائرة الشريرة لم تفعل اكثر من احتجازنا في مرحلة الطفولة السياسية، بل وحالة شلل الاطفال التي لا شفاء منها إلا باعجوبة. وهو ما يحتاج لتسليم هذه البلاد للامم المتحدة لتديرها لمدة مائة عام او ثلاثة اجيال مع التعليم والتدريب والتكرار الممل ثم التكرار الممل، لترسيخ ثقافة اصول الحكم الناضج وكيفية تداول السلطة وادارة الدولة، وهذا اذا ما كنا محظوظين وتبقت لنا دولة بعد هذه الحر ب الوحشية، او وافقت الامم المتحدة علي تحمل عبء يحاكي تحويل النيل عكس مجراه.
وبصورة عامة يبدو اننا ضحايا سيطرة الايدولوجيات العقائدية وسرديات المظلومية ووعي الثورة علي السياسيين والنشطاء والثوار، بدل ان يسيطروا هم عليها، ويحولوها لادوات نفعية تخدم قضايا المواطن والوطن. وهذا بدوره يبدو انه افرز ثقافة الخلاص التي تستسهل الحلول وتستهين بالتحديات وتستغرقها الآمال العراض وارتفاع سقف التوقعات. وهي تجهل ان العمل المثابر وفق قوانين الواقع، ومراعاة مرحلة التطور التاريخية وواقعية الاهداف وانجازها بتمهل ودون مصادمة للعقبات، فيه المنجاة علي المدي البعيد. وهذا بالطبع دون التذكير بالاستفادة من التجارب وتغيير التكتيكات والاستراتيجيات بما يناسب كل مرحلة. اي ليس ليس هنالك وسيلة او اسلوب واحد لحل كافة المشاكل وفي كل الاوقات ولكافة المجتمعات سواء كان الثورة او غيرها. اي لا قداسة لوسيلة مهما كان نبلها ونبل دعاتها. وتجاربنا دون غيرنا لهي كافية ووافية، إلا اذا فضلنا الانتحار، وللاسف هو نفسه لن يغير من الامر شيئا. وهذا حتي لا تتحول وسائل العلاج لواحدة من اسباب الشقاء والخراب والموت التي لا تنقص شعبنا التعيس.
والحال ان واحدة من آثار ثقافة الخلاص التي اوردتنا المهالك هي حرف الصراع عن وجهته الحقيقية نحو حقيقة مشتهاة (الاستفراد بالسلطة). والمقصود تحكم العسكر بالسلطة طوال مراحل تطور الدولة، هو انعكاس لعكسرة السلطة تاريخيا وليس دمقرطتها، اي طالما هنالك سلطة في الدولة فهي معسكرة حتما. اي وعي السلطة هو وعي القوة والتحكم والسيطرة، اكثر منه وعي المشاركة والمسؤولية والمبالاة تجاه المحكومين. ولذلك مهما حاولت الثورات الانفلات من هذا القانون الحاكم تم ردها بعنف لحقيقته. ومؤكد هذه السيطرة تولَّدت عنها مصالح وتصورات متضخمة عن رؤية المؤسسة العسكرية لدورها في الدولة (نزعة الوصاية). اي تحولت الدولة الي جهاز ملحق بالجيش، لتصبح دولة الجيش عوض عن جيش الدولة.
وهذه المعضلة ظلت الثورات علي الدوام تتغاضي عنها، وتتوهم بمجرد ازاحة قائد الجيش واركان النظام الداعم لسلطته، ان الامر انتهي والديمقراطية نهضت علي سوقها لتسر الناظرين! لتفاجأ صبيحة الانقلاب ان الامر اكثر تعقيد، وان حركة السلطة رجعت لمركز ثقلها (الجيش). والمفارقة رغم اعتراف الثورات ضمنيا بقدرات ودور الجيش في السلطة باللجوء اليه لانتزاعها من قائده ونظامه، إلا انها تأنف عن اشراكه في السلطة حتي لا يتلوث مظهر الديمقراطية الطاهر، وهي تتجاهل قدرته علي استلام السلطة بكاملها انَّ اراد! بمعني الجيش نفسه لم يتشبع بقيم الديمقراطية، بل هو آخر من يتشبع بها طالما تمس جوهر مصالحه الخاصة. وهذه المعضلة، يحتاج حلها لفتح حوار معمق مع الجيش والوصول معه لتفاهمات، تحافظ علي استقرار الدولة من جهة وتسمح ببناء النموذج الديمقراطي المتدرج من جهة، وهذا ما فشلت فيه الطبقة السياسية ولم يساعدها فيه الجيش.
وما زاد الطين بلة ليس افتقار الجيش للمشروعية والمهارة للتعاطي مع السلطة والدولة وما يستتبع ذلك من خلط الحابل بالنابل فحسب، وانما خضوع الجيش نفسه لقائد انقلابي لا يصدف انه من اقل الضباط انضباطا وكفاءةً واكثرهم نزقا وتهورا. ومن ثمَّ ارتهان مصير البلاد وشعبها لهوي شخص موتور لا يطول به المكوث في السلطة حتي ينتابه جنون الارتياب وتغشاه غاشية جنون العظمة، ليدفع بالبلاد واهلها الي اهوال لا قبل لهما بها. بل كل ما توغل في مصيبة يعالجها بمصيبة اكبر منها حتي يتم هلاكه بعد ان اهلك ما لا يمكن حصره من الانفس البريئة، وخرب ما لا يمكن اصلاحه إلا اذا ما توافر صبر ايوب وعمر نوح واموال قارون كما يقولون.
وفي الجانب الآخر، تستطيب كثير من القوي السياسية التحالف مع العسكر لجني المكاسب الآنية، ولو كان ثمنها تبجيل ومدح العسكر والخضوع لارادتهم وتمرير جهلهم ومباركة غطرستهم. ورغما عن ذلك عاجلا او آجلا ينتهي شهر العسل بينهما، اما بطرد القوي السياسية المتحالفة او تدجينها بصورة مذلة لتصبح تحت طوع وبنان العسكر المالك لكل شئ، أي ترتضي ان تصبح مجرد ديكور لتزيين عرش الجنرال العظيم. اما من يدفع ثمن تسلط العسكر وعجز الطبقة السياسية او العاب النار الصبيانية هذه، فهو المواطن المغلوب علي امره، والذي يحرم من ابسط حقوقه في الطعام والعلاج والتعليم وهذا اذا ما كان محظوظا، اما اذا لازمه سوء الحظ وهو الامر المعتاد، فسيكون اما وقود او ضحية لحرب عبثية، كتب لها الا تتوقف في هذه البلاد الملعونة.
المهم صراع السلطة كان محسوما دوما لصالح العسكر، الذين حولوا امتياز السلاح لامتياز شامل يحتكر الدولة ويستعبد اهلها، وهو ما قاد كما سلف لحالة من عدم الاستقرار السياسي والحروب الاهلية المتطاولة، والتي نجم عنها مغادرة الجنوب مغاضبا، ليعقبه اشتعال دارفور، بعد الاندفاع لمعالجة قضاياها عسكريا، ويؤدي سوء التعامل معها الي اشتعال كامل البلاد في آخر المطاف، ولكن هذه المرة من خلال حرب مدمرة طاولت كل البلاد ولم تبقِ ولم تذر شيئا باقٍ علي شئ، وكأنها من شدة وحشيتها وتدميرها خلاصة كل الحروب التي شهدتها البلاد علي طول تاريخها الحديث (وهوما يذكر باختلاف الاطفال علي اللعبة، فتدفع الثمن الكرة المسكينة).
المهم، بعد ان فهم الترابي بذكاءه الاجرامي اصول اللعبة، حدث تحول في طبيعة السلطة. أي نوع من التحالف الوثيق الصلة بين الجبهة الاسلاموية والجيش عبر آصرة المصالح والمصاهرة والايديولوجيا. وهذا التحالف الشيطاني تولد عنه نموذج من السلطة الارهابية المتغولة علي كل فضاء الدولة، وبما في ذلك الانشطة الاجتماعية البعيدة كل البعد عن السياسة ككرة القدم والفنون والجمعيات الاهلية، وذلك عبر فرية اسلمة الحياة، والمقصود التحكم في سكنات وحركات كل البشر علي الارض السودانية. وهذا التغلغل الشامل في كل مفاصل الحياة ليس المقصود منه خدمة المؤمنين، بقدر ما يقصد منه الاحتراز من تصديهم او تمردهم علي النظام. أي شئ من المرواحة بين التدجين والزجر، وهو ما دعا دكتور حيدر لوصفها بالحيونة. ولكن ما حدث فعليا ليس قمع الاحتياجات الحضارية لو جاز التعبير (النمو الروحي والانساني وترقية الحس الجمالي..الخ) ولكن للاسف الحرمان من اهم ضروريات الحياة. أي حالة ما قبل الحيونة نفسها، من خلال القتال الضاري علي الفتات، والتعايش مع بيئة فساد تأنفها الحيوانات نفسها. ليقدم الاسلامويون اسوأ نموذج للحكم مر علي تاريخ السودان الحديث، خاصة علي مستوي القهر والاذلال والحرمان، ولتتحقق نبوءة الشهيد محمود في اذاقتهم للشعب الامرين دون ان يطرف لهم جفن، بل بصفاقة وجلافة تحير الحليم.
والاسوأ من ذلك، هو حرصهم المرضي علي بقاء النظام باي ثمن! وكأن الغاية من السلطة هي الحكم والتحكم، أي خليط من اشباع لذة السيطرة ونزعة الانتقام، مما يثبت انحدار مرجعيتهم التربوية والقيمية وتواضع منابتهم الاجتماعية. وطبيعي مع افلاس النظام علي كافة المستويات تزداد هواجس بقائه، وبدل مراجعة الاخطاء ومعالجة جذور الاخفاق. يدفعهم الهاجس الامني والتركيبة الحربية والانكار للحقائق، لزيادة الانفاق علي حماية النظام. ولكن مع حدوث تصدعات في تماسك بنية النظام الصلبة (اجهزة الحماية). تعرضت البلاد لاكبر محنة تهدد امنها القومي، خاصة بعد ان حدث نوع من التنافس المكتوم، ما بين حرص البشيرعلي البقاء في منصبه، وتطلع مدير جهاز الامن لوراثة عرشه. وليصب كل ذلك في مصلحة متربص آخر من خارج صندوق الاسلامويين هذه المرة (قائد الجنجويد). الذي تم احضاره ورعايته وتقويته (اعلافه وتسمينه) ليخدم قادة الاجنحة المتصارعة، وعلي راسها البشير الذي يود البقاء في منصبه. وعندما اندلعت الثورة اتت الفرصة للخلاص من البشير، وليلعب توازن القوي لصالح حميدتي بعد تآمره مع البرهان علي التخلص ليس من البشير فحسب، ولكن من قوش وكبار ضباط الجيش الكيزان. اما نتيجة التآمر والتآمر المضاد، خاصة بعد دخول الايادي الخارجية علي الخط، فهي فقدان السيطرة والدخول في هذه المعمعة الكارثية.
وما يهم منذ صعود نجم جهاز الامن، ثم اعقب ذلك صعود نجم مليشيا الجنجويد علي حساب ادوار وامكانات الجيش، دخلت اللعبة المنطقة الحرام او منطقة الخطر. لانه لاول مرة يجد الجيش من ينازعه سطوته بقوة السلاح. اما الطامة الكبري لهذا التحول الوجودي هذه المرة وليس السلطوي فحسب، ان الكارثة تستهدف بقاء الدولة ذاتها، قبل ان تستسهل قتل المواطن واقتلاعه من جذوره وتجريده من كافة ممتلكاته.
وبما ان الصراع في اصله يتغيَّا المحافظة علي السلطة التاريخية وامتيازاتها المحتكرة للجيش ومن يتحالف معه سياسيا، والتي تحاول مليشيا الجنجويد ازاحة الجيش والحلول محله، ولكن هذه المرة برافعة خارجية بما يشبه الاحتلال، وبسلوكيات همجية ارتدت بنا لحروب القرون الوسطي! إلا ان الحرب تجاهلت ببرود غريب ما يتعرض له المواطنون من انتهاكات فظيعة وما تتعرض له البنية التحتية من دمار رهيب وكأن اطراف الحرب مصرون علي تحويل البلاد الي خرابة غير قابلة للحياة.
وهذا السلوك المستهين بحياة المواطنين ومصير البلاد، لا يمكن فصم عراه عن الفصل الحاسم بين السلطة المتألهة والمواطن المخلوق من الروث! أي المواطن مخلوق ليكون تحت رحمة وفي خدمة السلطة. وهكذا سلطة مطلقة لها الحق والقدرة علي فعل كل شئ وباي كيفية، تعبر قبل كل شئ عن مزاج وهوي وشذوذ وانحراف ومصالح من يتحكم بها، أي مجرد عسكري نفر، وهذا بالضبط مصدر التاله! ولكن ان تكون آلهتنا من صنف ود التعايشي والنميري والبشير والبرهان وحميدتي، أي اجتماع الجهل والغرور مع اللامبالة والاستهتار والقسوة والبرود، فطبيعي ان يُحكم علينا بالشقاء والعذاب السرمدي وعلي دولتنا بالخراب المستعجل.
وما يهم، وبعد ان التف اغلب الشعب حول الجيش بعد ان استباحته المليشيا بفظائعها وارتزاقها. كان المأمول ان يرد الجيش التحية بأفضل منها. باجراء مراجعة جذرية لتاريخه ومسيرته وعلي راسها علاقته بشعبه. اقلاه من باب المصلحة المشتركة في التخلص من المليشيا الهمجية. ولكن ان تمارس القوات المتحالفة معه ذات فظائع المليشيا الهمجية، وبذات الطريقة الاستعراضية المقززة. فكيف يكون المخرج والي اين المفر بالنسبة للمواطن الاعزل الذي وقع ضحية تقصير الجيش عن حمايته؟ والاهم ما قيمة القوانين والاعراف والشرائع السماوية التي يتبجحون بها؟! وصحيح ان المليشيا الهمجية ومنذ ظهورها في الساحة بعد اعدادها لاداء الادوار القذرة، استدخلت ثقافة جديدة لم تعهدها الحروب الاهلية السابقة (السلب والنهب والتخريب الممنهج، والاغتصاب والسبي واحتلال البيوت والقتل الاستعراضي والتمثيل بالضحايا ودفنهم احياء)، مهدت الارضية لردات فعل من ذات النوعية. إلا ان الاشكال يكمن في ان جرائم المليشيا جزء من تكوينها وتركيبة المنتمين اليها كمنبتي الجذور (لا تقيدهم قوانين او اعراف مجتمعية). ولكن ما بال اقوام يفترض ان لهم مكتسبات اجتماعية بل ويزايدون علي الآخرين بالمكتسبات الدينية والوطنية لم تعصمهم من الذهاب الي هذا المنحدر المرعب؟ أهي رواسب الوحشية الكامنة في النفوس من بقايا عصر الهمجية؟ ام ان الغضب من فظائع الجنجويد يعمي البصر والبصيرة ويحولهم الي ثيران في مستودع الخزف، لا يميزون بين مجرم وبرئ، او الفارق بين احترام القانون والشرائع والهمبتة؟ اما ما يبدو مثبت من هذه الوقائع، ان هذه واحدة من كوارث الحرب التي لا تجري تغييرات مدمرة علي احوال البلاد، ولكن قبل ذلك علي نفوس العباد. لتنتج كائنات مشوهة هي نفسها تستغرب تصرفاتها، وكأنها تلبستها روح شيطانية؟ لكل ذلك دون ذهاب الطبقة الحربية من المشهد، سنظل في سعة من العذاب وطريق مفروش الي الجحيم.
وبعد الفظائع التي أُرتكبت بعد دخول الجيش مدني، والتي ردت عليها المليشيا العدمية باستهداف البنية التحتية من سدود ومحطات كهرباء، يبدو ان الحرب دخلت منعطف خطير، يرفع من حجم الخسائر ويزيد المعاناة التي يكابدها المدنيون الي ما لا يمكن احتماله او تخيله. أي بدل ان يتعظ المتحاربون والمخربون من تجربة الحرب المدمرة في الفترة الماضية، ازداد جنون الحرب وتفاقمت كلفتها الي المدي الذي ينذر بتحول البلاد لاكبر منطقة كوارث يشهدها العالم.
وعموما لا يبدو ان هنالك عذاب يكابده هذه الشعب الشقي، يفوق عذاب غموض اهداف هذه الحرب القذرة! والدليل لماذا سُلمت ولاية الجزيرة ولاي اهداف؟ وهل الثمن المدفوع يبرر هذه الاهداف؟ وذلك قبل الحديث عن كلفة تحريرها؟! وما قيل في ولاية الجزيرة هو عينة من ممارسات غير مفهومة رافقت هذه الحرب، لدرجة يمكن ان توصف بانها حرب الكمائن من كثرتها، وجلها لصالح المليشيا! وهذا التساؤل يمتد للفترة لما قبل الحرب، أي منذ اليوم الذي سمح فيه للمليشيا ببناء قدرات موازية للجيش، واحتلال المناطق الحيوية في العاصمة، وتكوين صلات خارجية مستقلة، وكل ذلك برعاية قادة الجيش وصمت المؤسسة العسكرية؟!!
واخيرا
وطالما الجيش وصي علي البلاد منذ تاسيسها، فهو مسؤول مسؤولية كاملة عما اصابها من خراب وما تعرض له المواطنون من عذاب، حتي وصلنا مرحلة هذه الحرب المهلكة، التي تستهدف وجود الدولة وتجريد المواطنين من كافة حقوقهم او لكي تصبح مجرد منجم للامارات او حديقة خلفية لمصر، اما البقية فهي اشياء غير ضرورية.
ودون اعتراف الجيش بالمسؤولية وتحرره من عبء الوصاية المصطنع، وغير المؤهل له اصلا، وتسليم البلاد لاهلها، وعلي راسها الاستجابة لرؤية الطبقة السياسية والمجتمع المدني والادارات الاهلية وكل الشرائح المجتمعية، سواء في امر هذه الحرب او ما يترتب عليها في المرحلة القادمة. فسنظل في نفس المسار السابق أي مسار الحروب والدمار الشامل، وتحميل المواطنين عبء كل هذه الكوارث. اما الكيفية فهي محكومة بصدق النوايا وقوة الارادة ومراعاة المصلحة العامة، وكل ذلك يبدأ كما سلف بذهاب هذه الطبقة العسكرية وقادة الطبقة السياسية غير ماسوف عليهم. ودمتم في رعاية الله.

   

مقالات مشابهة

  • مقهى “النعناع البري” مساحة للزبائن والقطط لممارسة اليوغا والتأمل
  • بعد “جوجل”.. مايكروسوفت عززت دعمها للجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة
  • “رئيس هيئة الصيد البري” يزور منتجع الفرسان الدولي للرماية بالإمارات
  • قاليباف: “إسرائيل” هُزمت بالمعنى الحقيقي للكلمة أمام جبهة المقاومة
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تبارك عملية الطعن البطولية في مغتصبة “تل أبيب”
  • حماس تنعي "عبدالقاضي عزيز" منفذ عملية الطعن في إسرائيل
  • تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • سخرية وحزن في إسرائيل من وعد نتنياهو بالنصر المطلق في غزة
  • تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!