نظّمته هيئة المتاحف بحضور مختصين.. تعزيز التجارب المتحفية المعاصرة
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
البلاد ــ الرياض
تواصل هيئة المتاحف، سلسلة لقاءات شهرية، بهدف مناقشة واقع القطاع، وتوفير رؤى قيّمة لتطويره، ومناقشة التحديات، والإمكانات والفرص المتاحة،ا فضلا عن تعزيز حضور المتاحف ومفهومها، في الحياة المعاصرة ، وفي هذا السياق نظّمت هيئة المتاحف لقاءً مفتوحاً بعنوان: “فلسفة المتاحف في التراث والثقافة العربية والإسلامية”، في مقر المتحف الوطني بالرياض، بهدف استعراض مفهوم المتحف في الحضارة العربية والإسلامية، ومناقشة كيفية صنع التجارب المتحفية المعاصرة، بمشاركة مدير مختبر عرقه للفنون الإبداعية الدكتور عبدالقادر دماني، وعميدة كلية التصاميم والفنون بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الدكتورة مها خياط، وبحضور مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمختصين والمهتمين في مجال المتاحف.
وتناول اللقاء الذي أدارته الدكتورة علياء الفدا، مفهوم المتحف من منظور الحضارة العربية والإسلامية.
وأشار الدكتور دماني إلى أنّ المؤسسة المتحفية منذ نشأتها في القرن التاسع عشر كان لها انعكاس على الحضارة العربية والإسلامية، بانتشار المعلّقات التي تعد من أقدم أنواع الفنون الجدارية، وقال: “المتحف مفهوم عابر للحضارات إذ إنه مشروع اجتماعي إنساني، وكل المجتمعات بحاجة إليه، فالمتحف يجسّد الذاكرة والخيال، ويختزن ذاكرة الشعوب، كما يطلق العنان لمخيّلتهم، ويتيح لهم فرصة اكتشاف عوالم جديدة”.
بدورها تحدّثت خياط عن تاريخ الفنون في الحضارة العربية والإسلامية، مشيرة إلى تأصّل الفن فيها منذ القدم، وخير شاهد على ذلك فنّ الخطّ العربي حتى أصبح جزءاً لا يتجزأ من الهوية والثقافة العربية والإسلامية, وتطرقت إلى استحداث المملكة مناهج تعليمية مرتبطة بالمتاحف، وذلك لإثراء القطاع والنهوض به.
كما تناول اللقاء العديد من المحاور منها: دور المتحف في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الوطنية؛ وإسهام المؤسسة المتحفية في الحوار بين الثقافات والتبادل المعرفي؛ وضرورة تصميم المحتوى المتحفي بطرق مبتكرة، وجذّابة تسمح للجمهور بالتفاعل معها. ونوّه المشاركون بجهود وزارة الثقافة، وهيئة المتاحف في تطوير قطاع المتاحف، واستحداث متاحف بأفضل المعايير الدولية.
يذكر أن الإستراتيجية الخاصة بهيئة المتاحف حددت الرؤية التي ستسير عليها، ونصّت على تأسيس متاحف وطنية كوجهات ملهمة ومحفزات للمشاركة الثقافية والمجتمعية للمواطنين والمقيمين والزوار، فيما نصّت رسالتها التي تسعى لتحقيقها، على حماية التراث الوطني من جميع أنحاء العالم والترويج له وتقديمه لأغراض الدراسة والتعليم والترفيه، مما يمنح المملكة مكانة على الساحة الثقافية العالمية بأعلى معايير الجودة، أما الأهداف الإستراتيجية فاشتملت على 12 هدفاً هي إثراء المؤسسات ومجموعات المقتنيات وتعزيز قيمة المحتوى التراثي القائم، وتوسيع نطاق انتشار المتاحف بالاستعانة بمؤسسات عالية الجودة، وزيادة معدلات زيارة المتاحف بين السكان والسياح، وزيادة الميزانية العامة للقطاع وتحسين كفاءة الإنفاق، بالإضافة إلى إنشاء متاحف متميزة ومعاصرة في المدن الرئيسية ومتاحف محلية في المناطق ذات التراث الغني والمتنوع، وحماية مجموعات المقتنيات وعرضها وفقاً لأفضل المعايير، واستحداث تجارب تعليمية وترفيهية يسهل للجميع الوصول إليها، وجذب زوار المتاحف والسعي لنيل الاعتراف والتقدير المُستحقين من داخل المملكة وخارجها، إلى جانب إيجاد قوى عاملة مؤهلة ومتمرسة للمتاحف، وضمان تقديم الدعم المالي اللازم وتحفيز مشاركة القطاع الثالث، وإقامة الشراكات لاغتنام الفرص التي يتيحها قطاع المتاحف وتمكينه من إضفاء القيمة، وإصدار الرخص واللوائح التنظيمية لضمان تطبيق معايير الجودة الشاملة.
وتسهم الإستراتيجية في تطوير المتاحف الموجودة مثل المتحف الوطني ومتحف قصر المصمك، كما ستعمل على استحداث عددٍ كبير من المتاحف حول مناطق المملكة ابتداءً من عرعر إلى نجران ومن أبها إلى الدمام، وذلك بحلول عام 2024، بالإضافة إلى عدة متاحف كبيرة وأخرى صغيرة في السنوات القادمة حتى عام 2030. وتشمل أولى المتاحف التي سيتم إنشاؤها متحف طارق عبدالحكيم في جدة، ومتحف الذهب الأسود في الرياض، كما سيتم تخصيص مكان مؤقت للمتحف السعودي للفن المعاصر في حي جاكس الجديد بالدرعية، وذلك حتى افتتاح المتحف الكبير خلال السنوات المقبلة، بينما تنطوي الخطط متوسطة المدى على افتتاح متاحف رائدة مثل متحف المجمع الملكي للفنون، ومتحف الفنون الرقمية، ومتحف مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
العدالة الانتقالية (2/2)
دائماً ما يثور الجدل حول أولويات تطبيق العدالة الإنتقالية في بلد ما في أعقاب الحرب ، هل العمل على تحقيق الهدوء والاستقرار بعد الحرب أولاً أم محاكمة منتهكي الحقوق ومرتكبي جرائم الحرب؟
علي كل فإن الداعي الأساسي للعدالة الانتقالية هو قدرتها علي ملاحقة المتورطين والتصدي للانتهاكات بكل أنواعها، ومعالجة آثارها ، وهو ما تعجز عنه -أحيانا – العدالة التقليدية.
ورغم حداثة فكرة العدالة الانتقالية نسبياً ، إلا أن عدة دول شهدت أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، أحداثاً مؤسفة، مما جعلها تستعين بالعدالة الانتقالية لتجاوز آثار تلك الأحداث ، ومن التجارب التي نتجت عن تطبيق العدالة الانتقالية في تلك الدول تكونت مرجعية دولية واضحة المعالم مثلما حدث في كل من الأرجنتين وتشيلي وجنوب أفريقيا وبيرو و السلفادور وغواتيمالا و الهندوراس والبرازيل وبوليفيا وبارغواي والاكوادور وبنما وكوستاريكا وكولومبيا ورواندا وسيراليون وأوغندا وبولندا والمجر و ليبيا وسوريا مؤخراً، وقد أعطت كل هذه التجارب ثراء في نهج التطبيق للعدالة الانتقالية على أرض الواقع.
والعدالة الانتقالية ليست نوعاً خاصاً من العدالة ، إنما هي مقاربة لتحقيق العدالة بعد فترات حرب أو قمع من أجل إحقاق الحق ، وهي حزمة ترتيبات بغرض تهدئة النفوس مما حدث من جرائم انتهاكات وتهيئتها لمرحلة جديدة ، و تتطلب أيضاً استقلال القضاء لتطبيق القانون وحماية الشهود وحماية إجراءات المحاكمة وإعلانها للجميع ولا توجد فيها حصانة لمجرم ولا تسقط العقوبات في الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب بالتقادم ، وذلك بغرض إعادة الثقة في الأجهزة العدلية والقانون ، وتتطلب أيضا تكوين لجان الحقيقة ولجان تقصي الحقائق ، ولجان المصالحة.
و بالإضافة لما سبق، هناك بعض الدول أخذت بالسرد الشفهي على أساس أن السرد وقول الحقيقة والاعتراف بالجرم من الجاني أداة لمداواة الجراح للضحايا و تحقيق المصالحة على أساس من العفو بين الأطراف ، وهذا في حد ذاته تحدٍ .
لكن التحدي الحقيقي للعدالة الانتقالية يكمن في التطبيق الصحيح والسليم لها وفق تلك التجارب بالأخذ بنتائجها الايجابية والبعد عن القصور أو السلبيات في التطبيق .
لذلك اهتم فقهاء القانون الدولي بتطوير مفهوم العدالة الانتقالية وأقبلوا على البحث بشغف شديد لما له من ألق فكري وجاذبية بحثية ، فظهرت عدة نظريات قديمة وآخرى حديثة ، منها نظرية (جون رولز) صاحب نظرية العدالة، والذي يرى أن العدالة الانتقالية هي القدرة على تأهيل الناس لأجل تجاوز محنة مر بها المجتمع ، وسعي المجتمع والسلطة معا إلى تجاوز هذه المحنة بتدابير سريعة ، بينما (امارتيا صن) وهو ( أمريكي من أصل هندي) أعطى للعدالة الانتقالية رؤية أوسع بقوله “إننا لا نحتاج لنظريات مثالية في تطبيق العدالة الانتقالية بل نحتاج إلى خطط وقوانين وتدابير (ممكنة) وبطريقة موضوعية لتجاوز المحنة”.
نتيجة لهذه النظريات الحديثة أقبلت الدول التي مرت بحروب طاحنة على الأخذ بالعدالة الانتقالية ومبادئها في متون قوانينها وذلك لرد الحقوق وجبر الضرر والتعويض للضحايا ،بل و (دسترة) بعض المبادئ كمبادئ دستورية لقطع الطريق على من يريد العودة للماضي المؤلم ، حدث ذلك في تجربة رواندا حيث تم إجراء اتفاق استدامة السلام والأمن، ولضمان ذلك اتفق على أن يكون المسار الحقيقي للبلاد نحو التعافي من الحرب؛ ونصّ تقرير مفوضية حقوق الإنسان على ضرورة عقاب مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وسن تشريعات بذلك ، وبناء نصب تذكاري لتخليد ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية التي حدثت ، كما حددت خطة العدالة الانتقالية التي اعتمدت في 2019م معايير مشتركة لعمليات العدالة الانتقالية وتقدم مبادئ توجيهية حول كيفية استخدام الحكومات لهذه العمليات بشكل فعال لمساعدة الدول الأفريقية على تخطي ماض مؤلم .
وقد أكدت التجربة الرواندية على خطة العمل المشتركة للاتحاد الأفريقي على الالتزام المشترك بإدانة ورفض الإفلات من العقاب .
في قارة آسيا كانت تجربة كمبوديا حاضرة باستيلاء الخمير الحمر بزعامة (بول بوت) عام 1975م على السلطة ، حيث قتل حوالي مليون وسبعمائة ألف كمبودي بسبب الجوع والقتل الجماعي الذي ارتكبته هذه الجماعة، وفي العام 2006م قامت محاكم مختلطة مدعومة من الأمم المتحدة بمحاكمة كبار قادة الخمير الحمر لمسؤليتهم عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي وقعت ووضع قوانين تمنع العودة لمربع العنف والحرب مرة اخرى .
من هذه النماذج يصبح السؤال الذي يطرح حين التطبيق، هل هي عدالة انتقالية أم سياسة انتقالية ؟؟
في كل الأحوال فالفهم الصحيح للعدالة الانتقالية يتبعه تطبيق صحيح حتى يمكن الوصول إلى نتائج مرضية، من حالة الاحتلال إلى الاستقلال ومن حالة الاستبداد إلى الحرية ومن وضع جبر الضرر إلى مرحلة المصالحة وتجانس المجتمع وتهيئة الجميع للعبور لمرحلة البناء والتنمية.
وهذا يقتضي أن تحدث خطوات أساسية
1/ القبض على المتورطين في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وتوجيه التهم لهم .
2/إعلاء النزاهة ومحاربة الفساد في أجهزة الدولة .
3/الإشراف على إنشاء آليات وطنية للعدالة الانتقالية بغرض العفو والمصالحة وبناء دولة القانون .
4/الإصلاح القانوني والدستوري للدولة وتفعيل الأجهزة العدلية الوطنية.
5/نزع السلاح من المدنيين الذين مروا بتجربة الحرب المريرة .
6/الاهتمام بتقديم رسالة إعلامية وطنية تحمل مبادئ العدالة الانتقالية لتوطيد دعائم و ثوابت المجتمع والدعوة للمصالحة الوطنية والبعد عن العنف و تأجيج الصراعات وإنهاء حالة العداء وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع مع الاعتراف بحق الضحايا وتعويضهم .
في كل التجارب الدولية للعدالة الانتقالية كان السعي دائما نحو الوضع المستقر والعمل على بناء المجتمع والدولة معاً وتحقيق التنمية والأمن والأمان ، وطي صفحة الماضي المؤلم .
لكن ،، ماذا عن بلادنا ؟ هل يحتاج السودان (لعدالة انتقالية) بعد فترة الحرب المريرة التي خاضها ويخوضها الجيش والشعب معا ؟
ما شكل ونوع العدالة الانتقالية المطلوبة ، والتي تصلح للسودان وشعبه ؟
في كل الأحوال، لا تبنى الأوطان إلا بأيدي أبنائها ، ولا تضمد جراحها إلا بالسلام والأمن والأمان
.د.إيناس محمد أحمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب