في سنة 1969م بلغ عدد الجنود الأمريكيين في غزو فيتنام (من 1964م) نصف مليون عسكري، كان عليهم أن يواجهوا قوات "الفيت كونج" التي كانت طليعة وطنية مقاتلة تهدف إلى طرد الأمريكيين من وطنها.. الحاصل أنه في هذه المعركة استعانت قوات "الفيت كونغ" بفكرة حفر الأنفاق تحت الأرض، لشن الهجمات، متسببة في خسائر فادحة للقوات الأمريكية، فما كان من الولايات المتحدة إلا الاعتماد على عمليات القصف الوحشي المكثفة بالطيران لتكبيد "الفيت كونج" خسائر فادحة، لكنها أثبتت فشلها، واضطرت أمريكا في نهاية الأمر إلى الخروج من فيتنام.
كل هذا أصبح جزءا من التاريخ.. لكنه يتكرر اليوم في غزة.. إنها "حماس والأنفاق والاحتلال" مفردات ثلاث تتشابه تماما مع فيتنام، وتختلف في مفردة واحدة.. مفردة أبناء الأرض وأهلها، في الأولى كانت "الفيت كونج" وفى الثانية كانت "حماس".. وفلسطين.
* * *
وهذ التشابه يتطابق مع التاريخ في وقائعه المعروفة والموثقة.. لكننا سنسمع تصريحات إسرائيلية وأمريكية تقارن بإلحاح مريب بين حماس و"داعش" في أحداث "طوفان الأقصى"، الهجوم النوعي الأكبر في تاريخ المواجهة العربية الإسرائيلية على الإطلاق.
كل هذا أصبح جزءا من التاريخ.. لكنه يتكرر اليوم في غزة.. إنها "حماس والأنفاق والاحتلال" مفردات ثلاث تتشابه تماما مع فيتنام، وتختلف في مفردة واحدة.. مفردة أبناء الأرض وأهلها، في الأولى كانت "الفيت كونج" وفى الثانية كانت "حماس".. وفلسطين
وتنظيم "داعش" في الذاكرة الإنسانية: إسلاميا وعربيا ودوليا، شيء سيئ للغاية، وأتى من الأفعال ما لا سند له من حق وما لا تبرير له من واقع.. وهو تنظيم خرج من رحم أحداث بالغة التعقيد، تتمركز حول الغزو الأمريكي للعراق في 2003م.
وأيا ما كان الظرف الذي أنتجها وأخرجها، سواء تصنيعا مخابراتيا غربيا، أو تفاعلا داخليا تلقائيا.. فلا محل لعقد أي تشابه بينه وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس).. والمسألة لا تحتاج لجهد كبير في إثبات ذلك.. ومجرد ذكر ذلك وتكراره، مشين وكاذب، ومحاولة بدائية لتغيير الحقائق البديهية التي يعرفها العالم كله، من قبل "طوفان الأقصى"، وسيعرفها أكثر وأكثر بعدها.
* * *
في عام 2009م زار غزة الزعيم الأيرلندي الشهير جيرى آدامز (75 سنة الآن) وكانت خارجة لتوها من قصف مكثف (عملية الرصاص المصبوب)، وعلق آدامز قائلا: لا أعتقد أن شيئا يوازي أن تكون في خضم الحدث نفسه، فبغض النظر عما تنقله محطات التلفزيون، وبغض النظر عن التعليقات السياسية للمراقبين، فإن المسألة تختلف تماما حينما ترى الناس يعيشون وسط الركام، المصانع والمستشفيات والمدراس بالإضافة إلى مقار أخرى، إنه الدمار بالمعنى الملموس والمرئي، حقا مخيف جدا جدا، وربما تشعر بغضب شديد.
وأضاف: غزة تشبه السجن المفتوح، فحينما تنظر إلى نقطة تفتيش حدودية يتراءى للمرء أنها تشبه ممر هبوط جوي من الحجم المتوسط، وحينما يدخل المرء فيها يرى كأنها قفص طويل، وكأنما قد سُجن في هذا المكان، إن غزة تشبه حقا "سجنا كبيرا مفتوحا".
وأضاف قائلا: لا بد من فك الحصار المفروض على أهالي قطاع غزة (كان هذا قبل 14 سنة!!).. وفتح المعابر والسماح لكافة البضائع بالدخول، وتسهيل سفر المرضى. إعادة بناء قطاع غزة ضرورة، ولكن الأهم هو عدم تكرار ما حدث من تدمير وقتل، وعدم رؤية هذه المشاهد القاسية "التي أراها أمامي الآن"!!..
* * *
قبل أن نعود إلى جملة "التي أراها أمامي الآن".. سيكون علينا أن نعرف أن جيري آدامز هو زعيم "الشين فين"، الحزب الأيرلندي الشمالي ذي التاريخ العريق في السعي للانفصال عن بريطانيا (حركة تحرر) وخاض جناحه العسكري مواجهات عسكرية استمرت 30 سنة ضد الحكم البريطاني، ولعب دورا مهما في اتفاقية السلام عام 1998م (اتفاق الجمعة العظيمة)..
سنسمع آدامز وهو يقول في أحد تصريحاته معلقا على تلك الفترة: لقد قالوا لنا في أيرلندا؛ لا يمكن أن تشاركوا في الحوار إلا بعد نبذ العنف، فقلنا لهم لماذا نحن فقط؟ يجب على كل الأطراف أن تنبذ العنف. وكان ما أرادوا.. وتم وقف العنف من الجهتين.
الطريف هنا أن المبعوث الخاص الذي قاد مفاوضات "الجمعة العظيمة" كان أمريكيا (جورج ميتشل/ 90 سنة الآن).. والذي سترسله أمريكا إلى الشرق الأوسط في كانون الثاني/ يناير 2009م، وسيسمع من المسؤولين الإسرائيليين وقتها جملة: ضرورة نسيان فكرة حل الدولتين.. ثم استقال في 2011م، حين تبين له أن المسألة خداع تاريخي كبير لا أكثر.
* * *
من رأى الدقة والبراعة التي تم بها التخطيط والتنفيذ لعملية "طوفان الأقصى"، لا يمكن إلا أن يرى أن من قام بهذا العمل لا يمكن إلا أن يكون على وعي تام بما ستسير عليه الأحداث بعدها، وإلى ما ستنتهي
كان لا بد من إلقاء حجر ضخم وضخم جدا، في تلك البحيرة الراكدة العفنة المسماة "عملية السلام" والتي كان تحت ملائتها يجرى كل ما هو سيئ في حق كل ما هو مقدس وشريف.. فكان يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، ورأينا ورأى العالم ما لن يُنسي، وسنعرف أن "حماس" لم تكن تتحرك في فراغ تاريخي ولا فراغ سياسي واستراتيجي، لقد قرأت الأحداث البعيدة والقريبة جيدا، وفهمتها جيدا، واعتبرت أنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن "التحرير" كما فعلت "الفيت كونج" وكما فعل "الشين فين".. بل وتتحمل هذه المسؤولية، في واقع أسوأ كثيرا من الواقع الذي كانت تتحرك فيه الحركتين السابقتين.. واقع يلتبس فيه الديني بالسياسي بالتاريخي على نحو رهيب ومعقد، في واقع محاط بطوق حديدي من الخيانات والمؤامرات والاختراقات المرعبة.
* * *
ومن رأى الدقة والبراعة التي تم بها التخطيط والتنفيذ لعملية "طوفان الأقصى"، لا يمكن إلا أن يرى أن من قام بهذا العمل لا يمكن إلا أن يكون على وعي تام بما ستسير عليه الأحداث بعدها، وإلى ما ستنتهي وإلى ما ستتطور وتؤول.
الاحتمالات المتوقعة لم تكن أصلا متعددة، ولم تكن بعيدة عن التوقع، بدءا بالقصف المكثف بالغ الشراسة والوحشية، وحتى دخول القطاع بأكمله.. مرورا بما يمكن أن يتطور من تفاعلات داخل الإقليم كله وخذلان الأخوة والاشقاء.. لكننا في النهاية لا نملك إلا الاطمئنان إلى أن الأمور تسير في طريقها الصحيح.. طريق "الحق المستعاد".
twitter.com/helhamamy
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فيتنام حماس المقاومة فلسطين حماس إيرلندا الشمالية فيتنام المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا یمکن إلا أن طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
سر حقيبة الهدايا الثانية التي أرسلتها حماس مع الأسير الأمريكي
أظهرت صور وفيديوهات عملية تسليم عناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس أحد الأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم في عملية التبادل الرابعة ضمن صفقة التبادل يحمل في يديه حقيبتي هدايا أرسلته معه الحركة.
ونفذت اليوم السبت عملية التبادل الرابعة ضمن صفقة وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى والمحتجزين والتي أفرجت فيها حركة حماس عن 3 أسرى إسرائيليين مقابل إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي سراح 183 أسيرا فلسطينيا من بينهم 111 من قطاع غزة جرى اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر.
وسلمت حركة حماس الأسير الإسرائيلي الثالث والذي يحمل الجنسية الأمريكية كيث شمونسل سيغال في ميناء غزة، وسط ظهور كبير لقوات كتيبة الشاطئ التابعة لكتائب القسام.
وكشفت حركة حماس أن الهدية الثانية التي حملها الأسير الإسرائيلي الأمريكي الجنسية هي حقيبة هدية لزوجته "أفيفا" التي تم أسرها معه في عملية طوفان الأقصى وتم الإفراج عنها عملية التبادل التي تمت في شهر نوفمبر 2023.
وشنت القناة 13 العبرية هجوما على الحكومة الإسرائيلية و قيادات جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد ظهور مئات المقاتلين من حركة حماس في شوارع قطاع غزة أثناء عملية تسليم الدفعة الرابعة في عملية تبادل الأسرى والمحتجزين.
وتسألت القناة 13 العبرية في تقرير لها : "من أين خرج كل هؤلاء ؟ ماذا كان يفعل الجيش الإسرائيلي طوال 14 شهرا ؟ ما الذي حققه الجيش في غزة ؟" وهي الفترة التي قضاها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه في قطاع فغزة بعد عملية "طوفان الأقصى في 6 أكتوبر 7 أكتوبر 2023.
وقالت القناة: "الم يخرج الينا جالانت من رفح ويعلن القضاء على لواء رفح وخانيونس، ولواء الشمال، وان الحركة أصبحت مشتتة ومنهكة وغير قادرة على التعافي؟".
وقالت حركة حماس في بيان لها اليوم إنه "في إطار صفقة (طوفان الأحرار) أفرجت المقاومة عن عدد ثلاثة أسرى للعدو الصهيوني أحدهم (إسرائيلي) يحمل الجنسية الأمريكية مقابل تحرير دفعة جديدة من أسرانا".
وأضافت الحركة أن "عملية التسليم اليوم أمام منصة تحمل صور القادة الشهداء الضيف وإخوانه أعضاء المجلس العسكري رسالة عهد ووفاء وأن رجال القسام باقون وسيكملون المشوار".
وأوضحت أنه "رغم الظروف القاسية حرصت كتائب القسام على توفير الرعاية الصحية اللازمة للأسير ( الإسرائيلي) الذي يحمل الجنسية الأمريكية ويعاني من أمراض متعددة".