لقد أظهرت حرب الجنرالات تبعاتها وتأثيرتها بشكل أكبر على حياة المدنيين بولاية شمال كردفان غربي السودان لا سيما مدينة الأبيض عاصمة الولاية.

التغيير- فتح الرحمن حمودة

ومنذ بداية الحرب هجر الكثير من المدنيين الذين يقطنون بمدينة الأبيض بولاية شمال كردفان غرب السودان منازلهم بسبب استمرار و تجدد العمليات العسكرية بين الجيش والدعم السريع، رغم أنها تأتي خلال فترات متقاطعة إلا أن المعارك تُعد الأعنف خلال الفترات الأخيرة الماضية.

وكان قد شهدت المدينة في وسطها وعلى أطرافها أكثر من مواجهات عسكرية دامية بين طرفي القتال ما أدى إلى سقوط المئات من القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي بين الطرفين.

وبحسب متابعة «التغيير» فإنه منذ «15» أبريل الماضي كان سقوط القتلى والجرحى من المدنيين بسبب القصف العشوائي والمستمر إثر تجدد الاشتباكات بين الجيش و الدعم السرييع داخل المدينة.

وحتى الآن لم تتحصل «التغيير» على أرقام دقيقة للخسائر التي تكبدها المدنيين جراء العمليات العسكرية بالمدينة، حيث تسببت في تدمير وتعطيل حياة الناس داخل المدينة.

ووفقاً لمصادر تحدثت ل «التغيير» تجاوز عدد القتلى بالمدينة «300» قتيل وأكثر من ألفين جريح من المدنيين منذ اندلاع الحرب وبحسب كوادر طبية وصفوا  الأرقام بالتقريبية فقط فيما تٌبرر حكومة الولاية بأنها لا تملك القدرة حاليا لنشر الأرقام الحقيقية لضحايا الحرب.

ومنذ أبريل الماضي كان قد حاصرت قوات الدعم السريع مدينة الأبيض لشهور ماضية نا أدى الى الكثير من الازمات من بينها انقطاع المواد الغذائية في كثير من الأحيان.

وما زالت مدينة الأبيض تشهد مشاكل صحية من بينها انقطاع الإمداد الدوائي بجانب إنعدام بعض الأدوية المنقذة للحياة وتوفرها في الأسواق السوداء بأسعار خرافية.

وقال احد المدافعين عن حقوق الانسان ل «التغيير» إن المدينة باتت مقبرة للسكان وليس هنالك مخرج أو مدخل آمن للمدينة،  وأضاف إن هذا الأمر خلف الكثير من الازمات التي يعاني منها سكان المنطقة.

 

ومع ازدياد وتيرة المواجهات أصبحت المدينة منطقة صراع استراتيجي بين طرفي القتال خصوصا عقب تعقيدات المشهد السياسي والعسكري بعد تعثر الوصول إلى حل للحرب الأمر الذي جعل حياة المدنيين بالمدينة في رحلة من المجهول.

 

ومنذ «15» أبريل الماضي تحاول قوات الدعم السريع دخول المدينة والسيطرة عليها فيما يواصل الجيش في حماية قيادة الفرقة الخامسة مشاه والمواقع الاستراتيجية داخل المدينة.

وخلال أكثر من شهر ماض واجه سكان المدينة ظلاماً دامساً تحت نيران الأسلحة الثقيلة بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي كان بمثابة حرب ثانية يواجهها المواطنين.

و أنعكس  انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من «30» يوماً على حياة الناس بصورة سيئة عقب سقوط عدد من الأبراج الناقلة للكهرباء بمنطقة «ام كويكة» التابعة لولاية النيل الأبيض في فترات ماضية.

وكان قد عاد التيار الكهربائي بعد أكثر من شهر بفضل جهد المهندسين وبتدخل المجموعات الأهلية لإصلاح تلك الابراج في فترة قصيرة وفي ظروف طبيعية وأخرى إستثنائية.

و أوضح مواطنون بأحياء مدينة الأبيض، في حديثهم ل «التغيير»، أنهم ظلوا في مواجهة المعاناة طيلة فترات الحرب الحالية من قطوعات الكهرباء بمعدل يصل لأسابيع أو شهر على الأقل و أنه رغم المعاناة اصبحوا يتكيفون مع الوضع الحالي وقالوا أنه لا حل سوى الإنتظار.

و مؤخراً عاد استقرار التيار الكهربائي داخل المدينة منذ أكثر من ثلاثة أيام ماضية و لكن ما زالت هنالك مخاوف وسط سكان المدينة من عودة انقطاع التيار لأسباب عدة يراها البعض طبيعية وآخرين يرونها أنها اسباب غير معروفة بالنسبة لهم.

وعلى الرغم من عودته الكهرباء إلا أنه ما زال يعاني السكان من مشاكل توفر مياه الشرب لأسباب عديدة من بينها مشكلة التيار الكهربائي، مما جعل عدم انتظام وصولها إلى احياء المدينة لأام طوال سمة بارزة بالمدينة.

و أعرب كثير من المواطنين بالمدينة في حديثهم ل «التغيير» عن معاناتهم من استمرار انقطاع المياه لأكثر من شهر وتزامنها مع تذبذب التيار الكهربائي الأمر الذي زاد من معاناتهم اليومية بسبب الحرب الحالية.

وبعد نصف عام من الحرب تزايدت أعداد مراكز ايواء النازحين داخل مدينة الأبيض نحو أكثر من «50» مركزاً معظمهم يعيشون أوضاعا إنسانية سيئة للغاية.

فيما تسيطر قوات الدعم السريع على غالبية المحليات الواقعة على الشارع الرئيسي و المؤدية من وإلى مدينة الأبيض و أصبحت موجات النزوح الداخلي للمدنيين تكثر نتيجة لانعدام المخرج الأمن لهم.

وفي داخل أحد مراكز الايواء تتواجد  المُسنة «أنيل» القادمة إلى المدينة نازحة من جنوب الخرطوم بصحبة اسرتها وتقول ل «التغيير» لم اتوقع أن تلاحقنا حرب الخرطوم في الأبيض، ولكني أؤمن بأن الحرب سوف تتوقف قريبا ونعود إلى ديارنا.

ويعيش النازحون في عدد من المدارس الحكومية داخل المدينة معظمهم قادمون من الخرطوم وآخرين هجروا منازلهم الواقعة جنوب غرب المدينة بسبب انتهاكات قوات الدعم السريع التي ما زالت مستمرة.

وهنالك الكثير من التساؤلات ما زالت عالقة في أذهان سكان المدينة هل سيغادرون المدينة حال اشتدت العمليات العسكرية وإلى اين سيتجهون إذا حدث سيناريو مدينتي نيالا والجنينة بمدينتهم ؟

ومنذ أربعة أيام ماضية تعيش المدينة في حالة هدوء حذر عقب عمليات عسكرية كانت هي الأعنف منذ بداية الحرب راح ضحاياها عدد من القتلى والجرحى من المدنيين.

وتتمتع مدينة الأبيض حاضر ولاية شمال كردفان بموقع استراتيجي في غرب البلاد حيث تضم أكبر سوق للصمغ العربي على مستوى العالم واسواق أخرى للمحاصيل والماشية إلي جانب ارتباطها بطريق الصادرات الرابط بين ولايات السودان.

الوسومالأبيض الحرب الدعم السريع شمال كردفان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأبيض الحرب الدعم السريع شمال كردفان

إقرأ أيضاً:

السودان: حكومات الحرب الموازية

ناصر السيد النور

إن طرح إقامة حكومات في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع لم يكن مشروعا سياسيا وراء اندلاع الحرب ولكن بالتسلسل المنطقي للأحداث نتيجة للأزمات التي خلفتها الحرب. وعلى ما أثاره هذا المقترح الانفصالي أو الذي يؤسس لانفصال كإحدى استحقاقات إن لم يكن ثمنا فادحا لحرب في البلاد. فقد جاء في الأخبار أن قوات الدعم السريع وقوى سياسية “مدنية” عقدت في العاصمة الكينية نيروبي بهدف مناقشة آلية تكوين حكومات في مناطق سيطرة الدعم أي المواقع التي اخرج منها الجيش أثناء الحرب الجارية بين الطرفين. وهي مناطق وأقاليم بالمعنى الجغرافي تشغلها مساحات واسعة من أقصى الغرب إلى وسط وجنوبي البلاد وعلى الرغم من أن هذه المناطق تعد نقاط انطلاق خاصة في دارفور لقوات الدعم السريع أو حواضن بالمفهوم الاجتماعي الجديد للحرب لتلك القوات بما يشمل الكيانات القبلية المنتمية إليها.

وإذا كانت الحكومات الموازية المزمع بحثها أو تطبيقها من قبل الدعم السريع تبدو للوهلة الأولى مشروعا سياسيا يعززه الموقف العسكري أكثر من دواعي شرعية أو قانونية وإدارية تستدعي إقامة حكومات مجهولة المهام والاختصاصات هذا إذا لم تعنِ غير إقامة كيانات مستقلة شبه دولة. ولعل الخلط بين مفهومي الحكومة والدولة في فكرة المشروع مع تداخل ما أفرزته الحرب من حالات استقطابات جهوية تطالب بفصل الأجزاء الغربية من البلاد على أسس عنصرية لها جذورها التاريخية والاجتماعية في البلاد يجعل من هذا الطرح مشروعا محتملا في المستقبل القريب. وقد زادت الحرب وبررت لهذه النزعات الانفصالية بما أحدثته من شروخات مجتمعية مفسحة المجال إلى بروز تيارات انفصالية أعلنت عن مسميات كياناتها المنفصلة عقيب اندلاع الحرب، وتستنسخ هذه الكيانات من تجارب الانفصال في التاريخ السياسي للبلد الذي لم يشهد استقرارا سياسيا يدعم من وحدته بين المكونات المتنافرة.

ومن ناحية أخرى يعد هذا الطرح تراجعاً في موقف وخطاب الدعم السريع السياسي الذي تكون على أسس عسكرية بحتة تبحث الآن وسط نيران المعارك عن تشكيل سياسي إلى جانب شعارات أخرى مختطفة عن قوى سياسية هامشية لم تكن ضمن أجندة قوات الدعم السريع، بل على النقيض من ذلك فقد عمل الدعم منذ تكوينه على محاربتها. فجاء تبنيه لها لجوء اضطراريا لملء فراغ سياسي في حاجة لتبرير حربه وإن تكن ما ينسب إليه من انتهاكات قد دحض أكثر هذه الشعارات وأفرغها من مضمونها.  وقد يتيح تمدد القوة العسكرية إعادة التشكيل الإداري في مناطق سيطرته ولكن يكمن التحدي في التوافق السكاني عليها. ومن سياق تطورات الأحداث فإن فكرة الحكومة الموازية ما هي إلا تطورا لفكرة إدارية سبق للدعم السريع تطبيقها في مناطق سيطرته ما عرف بالإدارة المدنية رحبت بها قوى سياسية أخرى على العكس مما يقابله مقترح الحكومة الموازية المطروح.

ولكن ما الذي يعنيه إقامة حكومة في تلك المناطق بعد مضي عشرين شهراً من الحرب؟ فالتوقيت أي تكن دلالته العسكرية لا يسعفه منطق بالمعنى السياسي حيث إن الفراغ الديمغرافي وانهيار بنية الدولة التحتية تجعل من قيام هذه الحكومات اشبه ما تكون بحكومات المنفى تبحث عن موضع وسط ركام خراب الحرب. وما حققته الحرب من سيطرة قد لا يحققه الإعلان عن اجسام إدارية لا تحمل من صفة الحكومة أكثر من اسمها وليس وظيفتها.  فإذا قامت قوات الدعم بتطبيق هذا المقترح فإنه سيظهر تقسيمات مجتمعية وقبلية حادة، فجّرتها الحرب وساعدت في ظل تنامي خطاب العنصرية والكراهية على تقبلها كحقائق أكثر منها حدودا جغرافية إدارية افتراضية. وهذا الطرح لم يكن جديدا من قبل الدعم فقد صرح من قبل قائده محمد حمدان دقلو بإعلان حكومة موازية في مناطق سيطرته إلا أن هذا الطرح الجديد في ظل التراجعات العسكرية التي تشهدها قوات الدعم السريع قد يفرض إن لم يكن بسبب شرعية الواقع فقد يكون بضرورة الظرف.

والمقارنة التي يركن إليها الدعم السريع في حكومة السودان القائمة بشرعية الأمر الواقع التي لجأت إلى مدنية بورتسودان الساحلية واتخذتها مقرا لمؤسساتها وسلطاتها السيادية لا تعني سهولة انتقال أجهزة الدولة بذات الطريقة كما يرغب فيها الدعم السريع، ولأن الفرق بين حكومة تقليدية ترسخت ومعترف بها عالميا يختلف عن أي تشكيل حكومة طارئ تفرضه قوة السلاح وتغيب فيها معطيات إدارة الدولة. والتجاء الحكومة إلى خارج عاصمتها شكل من جانبه فراغا للمرة الأولى في مركزية الدولة الرمزية، وفي الوقت نفسه منح الحكومة في “بورتسودان” تحكما في خدمات الدولة تفسيرا على الموقف من الحرب استخدم ضد المواطنين تمييزا على أساس الانتماء العرقي والجهوي.  وعلى الرغم من دعوات سابقة طالبت بها قوى سياسية من بينها الدعم السريع -بالضرورة- من نزع الشرعية عنها وبل عدم الاعتراف بها دوليا ولكن ظلت الحكومة قائمة تمارس سلطاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية بما فيها استبدال العملة النقدية في مناطق سيطرتها أيضا. وبعض من تلك الممارسات التمييزية شكلت ضغطا على مواطني مناطق سيطرة الدعم السريع مما جعلها ينظر إليها كحكومة موازية لسيطرة الدعم السريع تعمل ضد مصالحهم.

وقد لاقى هذا المقترح اعتراضات وصلت إلى حد الانتقادات مما يشير إلى خطورة المشروع برمته على وحدة السودان كما يبرر المعترضون من داخل القوى المدنية تنسيقية القوة الديمقراطية (تقدم) بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك التي تناوئ الحرب وضد الحكومة العسكرية القائمة في السودان بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.  وهذه الاعتراضات السياسية قد لا توقف مبدأ هذا المشروع لأنه يقوم بالأساس على عوامل عسكرية لها نتائج متحققة سيطرة على مناطق بعينها ولا يعتقد بأن يأخذ الدعم السريع بالمخاوف التي يبديها السياسيون من القوى المدنية التي تتهم من قبل مشعلو الحرب بممالأتها للدعم السريع في ظل الخصومة السياسة قبل وبعد الحرب بين الأطراف السياسية المتنازعة. وما يبرر لهذه الاعتراضات على مشروع الحكومة الموازية ما يعقبها من واقع انفصالي سيكون من الصعب التعامل معه أو الحد من تداعياته ولأنه يعرض البلاد فيما تبقى من وحدتها الترابية إلى دويلات عدة وستستعد كل المكونات القبلية والجهوية على المضي على هذا الاتجاه مما يعني عمليا تحول السودان دولة وشعبا إلى انقسامات أكثر حدة مما هي عليه. ومن ثم فإن هذه المناطق التي تبسط قوات الدعم السريع سيطرتها عليها وبما أحدثه التحول في الموقف العسكري للجيش بدخول الحركات المسلحة الدارفورية بما يعرف بالقوات المشتركة والتي تقاسم اثنيا مجموعات الدعم السريع مناطق السيطرة نفسها لن تخضع لمقترح المشروع بتصور الدعم السريع.

والتحدي الأبرز الذي يواجه هذا الطرح (الحكومة الموازية) لا يتوقف عند المستوى السياسي وربما العسكري فتكوين إدارة مدنية كما حدث في ولاية الجزيرة عندما اجتاحتها قوات الدعم السريع ومناطق أخرى وما مثله من سيطرة مطلقة لهذه القوات وهي عسكرية بالأساس لا يمكن لأي إدارة مدنية أن تتمكن من تنفيذ مهامها تحت ظل واقع أمنى غير مستقر.  وكثيرة هي العوامل التي تحول دون تنفيذ هذا المقترح منها ما هو استراتيجي ولوجستي وغيرها مما يعد من الأمور التأسيسية في إدارة الدولة وخدماتها المدنية.  ولكن مع تمدد نطاق العمليات العسكرية بين الطرفين وغياب لحل تفاوضي مدني لإنهاء الحرب سيكون قيام كيانات موازية بقوة السيطرة واقعا ستفرضه الأحداث أكثر من مقترحات التصورات السياسية المطروحة على موائد التداول السياسي.

كاتب من السودان

نقلا عن القدس العربي اللندنية_26/12/2024م

الوسومناصر السيد النور

مقالات مشابهة

  • الحرب في السودان: مسار السلام، التعقيدات والتحديات
  • انقطاع الاتصال بالطواقم الطبية والصحفية داخل مستشفى كمال عدوان
  • انقطاع الاتصال مع إدارة مستشفى كمال عدوان بعد محاصرته من قبل الجيش الإسرائيل
  • سفير ألمانيا لدى إسرائيل: تجمد الرضع في غزة حتى الموت دافع قوي لوقف الحرب
  • رئيس مدينة سيوة يسدل الستار علي دوري المدارس بمركز شباب المدينة
  • السودان: حكومات الحرب الموازية
  • كم جيل نُضحي به لنواصل (حرب الكرامة)..؟!
  • رمطان لعمامرة: أمد الحرب في السودان طال لما لا يقل عن عشرين شهراً
  • مؤسسة الكهرباء تعلن تشغيل التيار في مدينة جبن بدءا من الخميس
  • كودي يهنئ السودانيين بأعياد الميلاد ويدعو للوحدة والسلام