لجريدة عمان:
2025-01-28@02:15:07 GMT

«وما أعلنتم».. عندما تتجاوز الرغبة الحاجة

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

يجدر التوضيح هنا، أن الرغبة هي ارتقاء آخر للحاجة، شريطة أن يكون هذا الارتقاء سليما، صحيحا، لا ضرر فيه ولا ضرار، لا ينتهك حرمة، ولا يتطاول على مبدأ، ولا يتصادم مع عقيدة، ولا يتجاوز حقوق الآخر، وينبغي ألا يخرج عن صورة (وأمّا بنعمة ربّك فحدّث) من حيث الاستمتاع بالنعمة الحلال في غير إسراف، ولا تقتير، فالترف يذهب إلى المبالغة في الرغبات، وتعددها وتنوعها، وهو أمر مكروه، فالحصول على المال يعد من الحاجيات الأساسية لاستمرار مقومات الحياة اليومية عند كل فرد، فهو أمر مشروع لتعزيز حياة آمنة مستقرة، وتدخل الرغبة فيه عندما يتجاوز به صاحبه إلى الإضرار بنفسه، وبمن حوله، حيث يسخّره لكسب مزيد من الرغبات، قد تكون غير ضرورية، وإلى مزيد من المبالغة في صرفه، حيث يصل إلى مستوى الإسراف، الذي يذهب بذات المال ولا يذر له من باقية، فيخسر الإنسان أهم مقوم لحياته اليومية، وفي كلا الأمرين (الرغبة/ الحاجة) هناك سلوك سواء بالقول أو بالفعل يفصح عن مسافة الاشتغال في كلا المعنيين، سواء هذا الاشتغال في جانبه الإيجابي أو جانبه السلبي، وفي كلا الحالتين هناك تقييم لهذا السلوك، وعلى أساسه يصنف هذا الفرد أو ذاك، وفق سلوكه الظاهر والمعلن.

يتم التحضير في كل البدايات لكل ما نود تحقيقه من خلال تحقيق الحاجات الأساسية كأول خطوة لبدء مشروع الحياة التي نريد، فالحاجات هي المغذي الأول للوصول إلى كثير من الرضا، رضا النفس، رضا العاطفة، رضا العقل، رضا تحقيق الذات، رضا إقناع الآخر بأنك موجود، وأن لك صوتا، وأنك لا تقل عنه في شيء مما وصل إليه، والحاجة بهذا المعنى هي القاعدة العريضة، والصلبة التي تنبني عليها كل المشاريع الحياتية الحاضرة والمستقبلية، ومن دون تحقق الحاجات الأساسية الأولية للفرد يظل مقطوعا عن حقيقة الحياة التي يود عيشها، والوصول إلى مستوياتها الأولية، وبذلك تكون الحاجات الأولية هي العنوان الذي يقود صاحبه إلى الشروع في العمل لما بعد الحاجة، وهي الهاجس المقلق لاكتمال هذا المشروع أو ذاك، ولن نحصي عددا مجموع المشروعات التي نود تحقيقها في حياتنا.

وطوال سني الحياة -العمر المتاح للإنسان- تكون مساحة الحاجات الأولية هي المساحة التي يمكث فيها أطول فترة ممكنة، ولربما يقضي ثلثي عمره، وهو لا يزال يعمل على تحقيق حاجياته الأولية دون أن ينتقل إلى المرحلة التي بعدها وذلك لطول فترة التأسيس التي نحتاجها لهذا المشروع الوجودي «الحياة» ولتشعب الحاجات الأساسية عند كل منا، وهي المرحلة التي تنقله من حالة العسر إلى حالة اليسر، وتعد المستوى الأعلى للترقي في الحياة، لذلك فالغالبية العظمى من البشر هم في هذا المستوى من البناء والتأسيس، وهو مستوى بقدر ما يستنزف من زمن ومال، إلا أنه في الوقت نفسه يدفع بالكثير من الخبرات والتجارب التي تعين الإنسان على إكمال مشوار حياته محققا بذلك نجاحات كثيرة، ومن خلاله يمكن للإنسان أن يصل إلى كثير من الرضا، والقناعات المهمة في الحياة، ومن خلال هذه القناعات يترقى الإنسان في حياته، وإن نظر إلى هذا الترقي، على أنه ترق مادي بحت، إلا أن له جوانب معنوية كثيرة تعزز من قدرات الإنسان لأن يراكم الكثير من الإنجازات خلال مسيرة حياته، وكما هو معلوم بالضرورة أن مرحلة تأسيس وتكوين الحاجيات الأولية هي المرحلة المهمة لبناء الذات، ومعروف أن بناء الذات حالة مستمرة، وفي كل يوم هناك عمل دؤوب في تعزيز هذا البناء؛ فالبناءات الذاتية تظل سبلا استرشادية، يستشرف، من خلالها الإنسان، الآفاق القادمة، ويكوّن من خلالها أيضا تصوراته القادمة، وقد يخمّن بعض النتائج المتوقعة.

ومفهوم الإعلان هنا (وما أعلنتم) هي مجموعة من الممارسات والسلوكيات التي يقدمها الإنسان لواقعه، انعكاسا لمجمل خبراته، ووعيه، والقوة البنائية التي يمتلكها عبر ذاته المعززة بالهمة، والمبادرة، والتي على أساسها يقيم الآخرون حقيقة هذا الفرد في المجتمع، فعقد المقارنات بين الأفراد من خلال مجموع السلوكيات التي يقومون بها: مشاركون، أو متعاونون، متخاذلون، متراجعون نتيجة عوامل اجتماعية مختلفة، ويؤدي السن وتجربة الحياة دورا مؤثرا في هذا الجانب؛ لأن الإعلان يحتاج إلى كثير من الحكمة، والتبصر، ووضع الحسابات الدقيقة، فـ«غلطة الشاطر بألف» وهذا ما لا يرضى به أصحاب الحكمة والخبرة، بعكس صغار السن، الذين يغلب على تصرفاتهم الشطط، والعجلة، وعدم احتساب النتائج المتوقعة من أي سلوك يهدر على قارعة الطريق فالموازين بمثاقيلها، والفرد عموما، كلما قطع زمنا مقدرا في تجربة حياته اليومية، أكسبه ذلك الكثير من الخبرة، والبصيرة، يستطيع من خلالهما أن يضع قدميه في المكان المناسب، حيث تقل حالات التهور، والاندفاع.

ينظر إلى مفهوم الإعلان (وما أعلنتم) سواء بالقول والإفصاح أو بالفعل والسلوك، على أنه أكبر مشروع إنساني على الإطلاق، وبقدر هذا الحجم الذي يمثله «القول» أو «الفعل/ السلوك» تكمن أكثر سقطات الإنسان فيه، فبقدر ما يكون وسيلة للإنسان لكي يقيم علاقة سوية مع الآخرين من حوله، قد يصبح أكبر معول لهدم ذات العلاقة، ولذا يتم التشديد عليه كثيرا سواء في نصوص القرآن الكريم، وفي السنّة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، أو في ما يتفوه به الإنسان نفسه من الشعر، والحكمة، والبصيرة القولية، فالكلمة ذاتها يمكن قياسها على الحاجة عندما تكون في حدود المعقول والمقبول، ويمكن إغراقها في بحيرات الرغبة، حيث الكذب وقول الزور، واليمين الكاذبة، وفي كل المناخات غير السوية التي تحل فيها الكلمة كرغبة، هي، بلا شك، خروج عن وسطية القول إلى المبالغة فيه، والمبالغة لن تكون إلا في تجاوز الحقيقة التي يحتكم عليها الجميع، ويقتنع بها الجميع، لأنها لا تقبل القسمة على اثنين، فإما الحقيقة، أو لا حقيقة، وإنما كذب وافتراء، وهذا أمر تكلفته كبيرة، ويحتاج التفكير فيه إلى كثير من الزمن، فسقطة الكلمة معناها سقطة في الأمانة، وسقطة في العدالة، وسقطة في الرجولة، وسقطة في المؤتمن عليه، وسقطة أكبر في الدين، ومتى وقع الفرد في كثير من هذه السقطات، إن لم يكن كلها ماذا بقي له من أمانة، ومن صدق، ومن اطمئنان، فمصيبته كبيرة، بلا شك، وما ينطبق على الكلمة كقول، ينطبق على الممارسة كسلوك، فالسلوك الشائن هو مصيبة على صاحبه، والسلوك الحميد أمن واطمئنان على صاحبه كذلك (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

تستوقفنا بعض الحكم لنسترشد بها إلى كثير من التبصر، فالوسطية «خير الأمور يا فتى أوسطها» التي تنادي بها هذه الجملة، هي عنوان رائع لحياة كل منا، فمن خلال هذه الوسطية نحقق حاجياتنا الأساسية، ولا نحرم أنفسنا من الحصول على رغبات أخرى، فعندما تقتضي الحاجة إلى ارتداء ملابس محترمة، تظهرك أمام الآخر في صورة حسنة، فلن تكون هناك مشكلة في أن تنوع من هذا اللباس سواء في ألوانه، أو في قيمته المادية -وهذه من الرغبة- وذات المثال يمكن أن يقال عن اقتناء مركبة، أو جهاز هاتف، أو بناء منزل، أو التفكير في سفر لقضاء أوقات سعيدة، ففي كل هذه المناخات التي توجدها كأولوية في حياتك، يمكن لك أن ترتقي بها كرغبات، حيث تنقلها من الضرورة القصوى لوجودها إلى المبالغة الخارجة عن الضرورة، فما بين السلوكيين أنت تظهر للآخر (وما أعلنتم) من أنت، وما حقيقتك، وبهذا الإعلان تتيح للآخرين تقييمك، ومشكلة هذا التقييم أنه تنبني عليه أحكام، ومواقف، وقناعات، قد ينفعك البعض منها، وقد يضرك الأكثر منها، وكما يقال: «أنت وما صنعت» وقد ترتكن في بعض ممارساتك على مفهوم الحرية الشخصية، وأن الآخرين ليس لهم دخل في كل ما تقوم به، ولكن الواقع يقول غير ذلك تماما، فجميعنا موضوعين على كفة الموازين التي يقيمها الناس لبعضهم البعض.

وتبقى (وما أعلنتم) ميزان شديد الحساسية، يحتاج إلى كثير من الحكمة والبصيرة، والمحافظة عليه كمن يمسك على الجمر، فالجميع على فوهة بركان التقييم، والنقد، وتبدل المواقف والقناعات، والعاقل من دان نفسه.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى کثیر من من خلال وفی کل

إقرأ أيضاً:

أنشيلوتي: مبابي «كثير من الجودة»

 
مدريد (د ب أ)

أخبار ذات صلة برشلونة وريال مدريد.. السيدات على خطى الرجال! ليفاندوفسكي ومبابي يحصلان على «مساعدات متكافئة»!


أشاد الإيطالي كارلو أنشيلوتي المدير الفني لريال مدريد، بفوز فريقه على بلد الوليد في الدوري الإسباني بثلاثة أهداف «هاتريك»، حملت توقيع النجم الفرنسي كيليان مبابي.
وقال أنشيلوتي «المهم هو الفوز بالنقاط، من الواضح أن الفرق في المراكز العليا بالترتيب لديها جودة أكبر، لكن يجب النضال والقتال والتنافس في جميع المباريات من أجل الفوز».
وأضاف «يمكن التفكير الآن، بعد الفوز، إنها كانت مباراة سهلة، لقد أدار الفريق المباراة بشكل جيد، وتعامل بهدوء في جميع المواقف، عندما افتتحنا التسجيل أصبحت المباراة أقل تعقيداً».
ونقل الموقع الرسمي لريال مدريد عن أنشيلوتي قوله «يلعب مبابي بهذه الطريقة منذ فترة طويلة، وهذه هي المرة الأولى التي يسجل فيها ثلاثة أهداف، وهو يسهم بقوة، لقد اكتسب وتيرة جيدة، وهذا أمر إيجابي بالنسبة للفريق، لأنه يتمتع بكثير من الجودة».
وأشار المدرب الإيطالي «نحن بحاجة إلى القليل من التوازن، قدمنا أداءً جيداً في الدوري في الفترة الماضية، ولدينا ميزة في هذه اللحظات، لكن المسابقة طويلة، ولا يمكن التفكير في أن الأمر انتهى، لدينا ميزة صغيرة، وآمل أن نغتنمها في المباريات المقبلة».
وقال «لقد تمكنا شيئاً فشيئاً من اكتساب الوتيرة، ولدينا ديناميكية جيدة، نحن نتحسن في الجوانب التي أثرت علينا قليلاً في المباريات السابقة، وعلينا أن نواصل محاولة التحسن في الجوانب التي أظهرنا ضعفاً فيها».

مقالات مشابهة

  • جينيفر لوبيز تحتفل باللحظة التي كانت تنتظرها طوال حياتها
  • ابتداءً من فبراير: فواتير الكهرباء التي تتجاوز 1.050 ليرة ستدفع 2.000 ليرة تركية
  • الحقيقة التي أدركها أخيرًا كثير من جنود الميليشيا وضباطها من المخدوعين (..)
  • بعد إقراره.. التفاصيل الكاملة للتيسيرات الضريبية للمشروعات التي لا تتجاوز أعمالها سنويًا 20 مليون جنيه
  • كمية الماء التي نحتاج إليها في الشتاء
  • فلسفة الحياة
  • أنشيلوتي: مبابي «كثير من الجودة»
  • النواب يوافق نهائيًا على تيسيرات ضريبية للمشروعات التي لا تتجاوز أعمالها سنويًا 20 مليون جنيه
  • تعرف على كمية الماء التي يحتاجها جسمك في فصل الشتاء
  • محكمة أوربية في سابقة... المرأة التي ترفض إقامة علاقة جنسية مع زوجها ليست مخطئة