ما تفعله إسرائيل الآن تطهير عرقي وتكرار لـ 48
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
تطالب الحكومة الإسرائيلية أكثر من مليون فلسطيني بأن يغادروا منازلهم في شمال غزة وأن يهربوا إلى الجنوب، وهي مطالبة تردد أصداء مروعة من الماضي.
لقد عملتُ صحفية في المنطقة في التسعينيات، وفي السنوات الأخيرة أنفقت قدرا كبيرا من الوقت في غزة وإسرائيل، أبحث في تاريخ مليونين وثلاثمائة ألف لاجئ في غزة.
ولقد كان من السهل التنبؤ بالمرحلة الأولى من انتقام إسرائيل من الأعمال التي ارتكبتها حماس ـ فهذه المرحلة هي القصف الجوي المكثف الذي شهدناه خلال الأيام القليلة الماضية. فكان من المحتم على كل فلسطيني بريء في غزة أن يدفع الثمن المروع، وقد دفعه الآلاف بالفعل.
ومع ذلك فإنني لم أتوقع من الغرب في هذه المرة أن يمنع حدوث ذلك ـ وهو ما تكرَّر من الغرب عدة مرات من قبل - بل إنه سوف يهتف لإسرائيل، ويرسل الأسلحة ويعدها فعليا بالإفلات من العقاب أمام القانون الدولي، ويتخلى عن الفلسطينيين تاركا إياهم يواجهون محنتهم.
في ظل الضوء الأخضر من حلفاء إسرائيل، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الجمعة أنه سوف يتم «إجلاء» مليون ومائة ألف من سكان غزة من شمال غزة إلى جنوبها. يريدنا نتنياهو أن نصدق أن اهتمامه الأساسي هو إبقاء المدنيين بعيدا عن الخطر أثناء الغزو البري المتوقع من الشمال، فبهذه الطريقة يفترض أنه يخطط «لسحق» حماس أخيرا. ولا تصدر هذه الادعاءات الفارغة ـ وقد لقي ألف وثمانمائة فلسطيني مصرعهم حتى كتابة هذه السطور بالفعل ـ إلا على أمل تحصين إسرائيل من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولكن من شأن دفع مليون شخص إلى الجنوب أن يتسبب في المزيد من الرعب، فنحن نعلم جميعا بالفعل أنه ما من مكان آمن يمكن أن يفر المدنيون إليه أو يلوذون به.
عندما قامت القوات الإسرائيلية بـ «تطهير» القرى المجاورة عام 1948، بدأت العملية بمثل الحرب النفسية التي نشهدها اليوم، أي بإنذارات تدعو إلى الفرار، وإلقاء منشورات، وتهديدات بما قد يحدث في حال عدم الامتثال للإنذارات. تعرضت قرى لقصف عام قبل دخول القوات البرية، ولقي العديد من المدنيين مصرعهم، ووقعت مجازر. وكانت القرية تتعرض في العادة للحصار، في ما عدا مخرجا واحدا يبقى مفتوحا ليهرب الفلسطينيون عبره. وفي نهاية المطاف، ذهب الناجون إلى قطاع غزة، إذ كان يعد منطقة آمنة. ومنحهم قرار الأمم المتحدة رقم 194، الصادر في ديسمبر 1948، حق العودة، ورفضته إسرائيل.
في حال استمرار نتنياهو في خطة «الإخلاء»، فإننا نعلم من التاريخ والأحداث على الأرض أنه بعد الإنذارات والتفجيرات التي نشهدها بالفعل، سوف يهرب اللاجئون، كما فعلوا في عام 1948. والمخرج المحتمل الوحيد لهم هو مصر. وبرغم أن مصر تعارض بشدة قبول اللاجئين، لعلمها أنها بذلك ستكون متعاونة في تطهير عرقي دائم، فإن هذا قد يتغير إذا ما تصاعدت الأزمة الإنسانية على حدودها. وفي حال تدفق سكان غزة بالفعل إلى سيناء، فقد لا يُسمح لهم بالعودة.
إن المخاطر التي يواجهها نتنياهو هائلة، وليس أقل أسباب ذلك أن في داخل غزة رهائن إسرائيليين. ولكن نظرا لأن مستقبله السياسي يبدو منتهيا بصورة شبه مؤكدة على أي حال، فقد يقدِّر أنه لم يبقَ لديه ما يخسره. ولطالما ضغط اليمين الإسرائيلي من أجل طرد سكان غزة إلى سيناء.
بعبارة أخرى، إذا لم يتحرك الغرب وغيره من الجهات الفاعلة المؤثرة لوقف هذا «الإخلاء»، فقد تكون عملية تطهير عرقي جارية بالفعل، جالبة في ثناياها مخاطر نشوب حريق إقليمي.
وكما كان الحال عند عمليات الطرد التي نفذتها إسرائيل في عام 1948، فإن قيادتها اليوم سوف تطرح بعد ذلك سردية مفادها أنه ما من مستقبل آمن لإسرائيل ما لم يتم طرد سكان غزة بالكامل بشكل دائم. ثم تبدأ بعد ذلك المفاوضات على ما إذا كان للاجئين الحق في العودة إلى غزة، التي كانت بالفعل منفى لهم.
قد يبدو هذا السيناريو متشائما للغاية، ولكن كما يعلم اللاجئون الفلسطينيون تمام العلم، هو ليس كذلك. لطالما رجت إسرائيل أن يطوي النسيان قصة التطهير العرقي الذي قامت به للقرى الفلسطينية عام 1948. ومنذ الأيام الأولى لحرب عام 1948، اختلقت إسرائيل سرديتها الخاصة لتلك الأحداث، زاعمة أن الفلسطينيين فروا بأوامر من القيادة العربية. وعندما حاولوا العودة إلى قراهم بعد الحرب، تم تصنيفهم باعتبارهم «متسللين» ثم «إرهابيين».
منذ أن حاصرت إسرائيل ومصر قطاع غزة في ما بين 2006 و2007، عازلة إياها عن العالم، ترى إسرائيل داعيا للأمل في أن تظل قصة عام 1948 مخفية أيضا. فتم حجب الأرشيف، وتدمير آخر بقايا القرى. ولكن الأمر لا يقتصر على أن العديد من سكان غزة اليوم يتذكرون عام 1948، بل إنهم يشعرون وكأنهم رجعوا إليه مرة أخرى.
لقد تحدثت إلى أصدقاء داخل القطاع فقالوا إنهم مصرون على عدم اقتلاعهم مرة أخرى من جذورهم، وأنهم يفضلون البقاء في بيوتهم والموت فيها.
قالت لي إحدى الأمهات، وتدعى «عدالة» وتعيش في وسط غزة: «لن أتحرك. سيقتلونني في بيتي ومع أهلي». ويقع بيت عدالة على الشاطئ مطلا على البحر، حيث تتحرك دوريات الزوارق الحربية الإسرائيلية. قالت لي «عدالة» إنها جمعت كل أفراد عائلتها في البيت لا تريد إلا أن يموتوا معا.
سارة هيلم مراسلة صحفية سابقة من الشرق الأوسط ومحررة دبلوماسبة لصحيفة (إندبندت).
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سکان غزة عام 1948
إقرأ أيضاً:
700 دبلوماسي أمريكي يرفضون تفكيك وكالة التنمية الدولية.. يعرضنا للخطر
وجه 700 دبلوماسي أمريكي رسالة احتجاج إلى وزارة الخارجية، للتحذير من "مخاطر" قرار الرئيس دونالد ترامب، تفكيك وكالة التنمية الدولية.
وقال الدبلوماسيون في رسالتهم، التي نشرت تفاصيلها "الغارديان"، إن تفكيك الوكالة "يقوض قيادة الولايات المتحدة وأمنها ويترك فراغات في السلطة لتملأها الصين وروسيا، ويعرض الدبلوماسيين والقوات الأمريكية في الخارج للخطر".
وفي برقية من المتوقع تقديمها إلى "قناة المعارضة" الداخلية بوزارة الخارجية، والتي تسمح للدبلوماسيين بإثارة المخاوف بشأن السياسة بشكل مجهول، قال الدبلوماسيون إن تجميد إدارة ترامب لجميع المساعدات الأجنبية تقريبا، "يعرض حياة الملايين في الخارج الذين يعتمدون على المساعدات الأمريكية للخطر أيضا، ويعرض شراكاتنا مع حلفائنا الرئيسيين للخطر، ويؤدي إلى تآكل الثقة، ويخلق فرصا للخصوم لتوسيع نفوذهم".
وفي إطار ما أسماه "أمريكا أولاً"، أصدر الرئيس الأمريكي أمراً بوقف مؤقت للمساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً عند عودته إلى منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير، وقد أدى هذا الأمر إلى وقف عمليات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مختلف أنحاء العالم، مما يعرض للخطر تسليم المساعدات الغذائية والطبية المنقذة للحياة، ويلقي بجهود الإغاثة الإنسانية العالمية في حالة من الفوضى.
وجاء في الرسالة أن "تجميد المساعدات المنقذة للحياة تسبب بالفعل في ضرر ومعاناة لا يمكن إصلاحهما لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم"، مضيفة أنه على الرغم من البيانات الصادرة بشأن الإعفاءات لبرامج منقذة للحياة، فإن التمويل ظل مغلقا.
وكلف الرئيس الملياردير ومستشاره إيلون ماسك بتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كجزء من حملة غير مسبوقة لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية بسبب ما يقول كلاهما إنه إنفاق مسرف وإساءة استخدام الأموال.
وجاء في الرسالة: "إن المساعدات الخارجية ليست صدقة، بل هي أداة استراتيجية تعمل على استقرار المناطق ومنع الصراعات وتعزيز المصالح الأمريكية".
وخلال عام 2023، صرفت الولايات المتحدة 72 مليار دولار من المساعدات في جميع أنحاء العالم، بدءًا من صحة المرأة في مناطق الصراع إلى الوصول إلى المياه النظيفة وعلاجات فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" وأمن الطاقة ومكافحة الفساد.
وبعد تقييم 6200 منحة متعددة السنوات، قررت الإدارة إلغاء ما يقرب من 5800 منها بقيمة 54 مليار دولار، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 92%، وفقًا لمتحدث باسم وزارة الخارجية. كما فصلت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو وضعت آلاف الموظفين والمقاولين في إجازة إدارية.
وأضافت الرسالة، أن "الضغوط المالية الناتجة عن ذلك لا تقوض الثقة في الحكومة الأمريكية كشريك موثوق فحسب، بل إنها تضعف أيضا النمو الاقتصادي المحلي في وقت تتزايد فيه المنافسة العالمية".
والشهر الماضي، رفعت المنظمات والشركات المتعاقدة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دعوى قضائية ضد الإدارة، ووصفت تفكيك الوكالة بأنه غير قانوني، وقالت إن التمويل قد تم قطعه عن العقود القائمة، بما في ذلك مئات الملايين من الدولارات مقابل العمل الذي تم إنجازه بالفعل.
ورفضت المحكمة العليا الأمريكية الأربعاء السماح للإدارة بحجب المدفوعات عن منظمات المساعدات الأجنبية مقابل العمل الذي قامت به بالفعل للحكومة، مؤيدة بذلك أمر قاضي المقاطعة الذي دعا الإدارة إلى الإفراج الفوري عن المدفوعات للمقاولين.