أقتفى خطوات الطيبين، أتعلم، وأستزيد، وأستنير. يرسمون البهجة، فأتشبث بكل خيط يبث سرورا فى زمنٍ جامد كالصخر، عاصف كالحرب. يصنعون الجمال، فأمد يدى لأمسك ببعضه، علّنى أسهم ولو بشبر فى توصيله للعالم. أستحب وأفضل وأتقرّب لأولئك المبدعين الطيبين الذين أسعدونا وأسعدونا بكلماتهم وقصصهم وبدائعهم الفنية.
تتسع قائمة أصدقائى لتشمل كل مَن يصنع جمالا شرقا وغربا، أنتقيهم، وأتابعهم، وأحادثهم، وأناقشهم إيمانا بأنهم أعظم البشر وأقربهم لنفع الناس وإسعادهم.
من هنا سعدت كثيرا بنبأ فوز جائزة كتارا للرواية بمبدع عظيم صاحب مشروع رائد، هو أشرف العشماوى الذى ركز على تجويد إبداعه وتطوير أدواته الفنية عملا بعد آخر فى دعة وهدوء وبتدرج مُتقن. لم يكن مفاجئا أن تفوز رواية «العشماوي» المعنونة بـ«الجمعية السرية للمواطنين» بالجائزة المرموقة هذا العام، فمعظم الوسط الثقافى يُدرك إلى أى حد نجح الرجل فى التحليق فى سماوات الخيال، متشابكا مع الواقع المعاش، وناقلا معاناة البشر وهمومهم وأوجاعهم الإنسانية سردا ساحرا على الورق.
قبل إعلان الخبر بساعات قليلة قال لى الصديق الناشر المعروف محمود عبد النبي: «هناك خبر حلو يخص كتارا»، فهتفت له على الفور: «أشرف العشماوي»، وعلق الصديق المثقف الكبير عماد العادلى بأن رواية «الجمعية السرية للمواطنين» عمل فذ يستحق الجائزة عن جدارة.
قبلها بأيام، كنا نتناقش فى صالون ثقافى حول روايات الرجل، وكان معنا الروائى والناقد المتميز شريف العصفوري، ونبهنا إلى أن رواية «الجمعية السرية للمواطنين» تمثل قمة فى النضج الابداعى المعاصر.
كنت ممن قرأوا الرواية مبكرا، وكُنت ممن رأوا فيها نموذجا مضيئا للإبهار والإمتاع مع نقد الواقع المعاصر بماديته وكذبه وبؤسه وآحاديته وتردى القيم فيه، ما يدفع الممسكين بالحلم إلى تشكيل جمعية سرية مهمتها مواجهة القبح، ومعاونة الفقراء، ودعم الجمال.
كان أشرف العشماوى مترددا وهو يبدأ خطواته فى درب الإبداع، وهو القاضى المتمرس المعروف بجديته ومهنيته. صاغ أول أعماله وعرضها على روائى كبير، فأحبطه، وصب عليه حمما من التقريع والتوبيخ، ما دفعه إلى أن يُضنى نفسه ويجالد لتحسين موهبته وتطويرها برفع قدراته فى السرد وبناء الشخصيات وصياغة المحاورات، والبحث الاستقصائى. لم يلجأ الرجل للشلل والتجمعات والميديا الممولة لتسويق إبداعه، وإنما استمع برضا واهتمام لكل كلمة ناقدة، وقام بمراجعة ما يكتب مرات ومرات بغرض التعلم والتطور.
بدا لى الرجل مدركا أن رحابة الصدر وتقبل النقد والاهتمام به هى أولى درجات الصعود إلى العالمية، فكان يتحدث بلباقة وأدب، دون غطرسة أو استعلاء، ويعاون مَن يستحق المعاونة، وينفتح على الجميع، ويحيى كل زهرة فُل يراها أمامه.
نجح العشماوى بامتياز فى اختبار تطابق المبدع مع ما يكتب فلم يشتبك فى معارك عبثية، ولم يتورط فى مساجلات لا معنى لها، ولم يتكبر على أحد، ولم يقل لطالب صغير يوقفه فى الطريق ليعرض عليه ما يكتب «هذا هراء».
أتذكر إنسانيا العالمى نجيب محفوظ الذى لم يستعلِ بعالميته، ولم يتغطرس بتفوقه، ولم يزدرِ الآخرين بما حقق من أمجاد. أقارن دوما بينه وبين يوسف إدريس، وأدرك يقينا سبب نفورى من «إدريس» رغم جمال ما كتبه، فقد كان مريضا بداء الغرور، وكان حادا مع أصدقائه وخصومه، ومازلت أنكر عليه حتى يومنا هذا تشفيه فى اغتيال أنور السادات، بل وتخوينه له بعد موته. وهذه حكاية أخرى ليس مجالها هنا.
لكن عن فرح حقيقى ودون شبهة مجاملة أقول لكم: مبارك لجائزة كتارا أن ضمت لحائزيها أشرف العشماوى.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحرب
إقرأ أيضاً:
عراب شبكات التمويل السرية..وفاة زعيم تنظيم الإخوان الإرهابي يوسف ندا
أعلنت اليوم الأحد، وفاة يوسف ندا، زعيم تنظيم الإخوان الإرهابي، عن 94 عاماً.
وانضم ندا المولود في 1931 بالإسكندرية المصرية باكراً إلى تنظيم الإخوان، والتحق به في 1947 حين كان في الـ 17، بعد تعرفه على مؤسسه حسن البنا.ومرت رحلة ندا في التنظيم الإرهابي بمراحل مختلفة، وكرس حياته منذ البداية لخدمة أهدافه، وفي مرحلة متقدمة أصبح محركاً ودافعاً لأجندته في العالم العربي بفضل أمواله الطائلة، والمؤسسات والبنوك التي وضعها تحت تصرف التنظيم وأعضائه.
وفي 1954، أي بعد بضع أعوام من التحاقه بتنظيم الإخوان اعتقل مع آخرين بتهمة الضلوع في محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، لكن السلطات أفرجت عنه بعد عامين.
انتقل ندا إلى ليبيا، وبدأ فيها تجربة جديدة، كان المال ركيزتها الأساسية، وأقام علاقات متينة مع الملك إدريس السنوسي، وحصل على جواز سفر ليبي ساعده في توسيع أعماله إلى أوروبا، وبعد انقلاب القذافي في 1969، غادر ليبيا إلى كامبيونا الإيطالية قرب الحدود السويسرية، ثم انتقل إلى النمسا، ومنها أسس عدة شركات تعمل لصالح الإخوان، ولُقب لاحقاً بـ"ملك الأسمنت في البحر المتوسط".
وأسس ندا "بنك التقوى" في جزر البهاما مع القيادي الإخواني غالب همت في 1988، واستطاع البنك تحقيق مكاسب كبيرة في سنواته الأولى، وخصص جزءاً كبيراً من أمواله لتمويل التنظيم الإرهابي.
وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، اتهمت الإدارة الأمريكية ندا "بتمويل الإرهاب" عبر بنك التقوى، فجمدت أصوله ووضعت اسمه على قوائم الإرهاب.
كما أدين يوسف ندا بتمويل عمليات إرهابية لحساب الإخوان في مصر، وأدرج على قوائم الإرهاب ضمن 76 قيادياً آخرين بناءً على الطلب رقم 8 لسنة 2024، من النيابة العامة في القضية رقم 1983 لسنة 2021 حصر أمن الدولة العليا.