الاختيار بين التعاون والأزمة
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
يجد زعماء العالم الذين يحضرون الاجتماعات السنوية لمجموعة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش هذا الأسبوع صعوبة في اتخاذ بعض القرارات الحاسمة.
بداية، تتأرجح العديد من الاقتصادات النامية -بما في ذلك مصر، وإثيوبيا، وغانا، وكينيا، وباكستان، وسريلانكا، وتونس، وأوكرانيا، وزامبيا- على حافة التخلف عن سداد ديونها أو تخلفت بالفعل عن السداد، ومن ناحية أخرى، يُظهِر تقرير المناخ العالمي الأخير الصادر عن الأمم المتحدة أننا بعيدون عن تحقيق هدف إبقاء درجات الحرارة العالمية دون 1.
وفي مراكش، سيحاول ممثلو 190 دولة، تواجه كل منها نزاعاتها الداخلية، تحقيق التوازن بين التعاون الدولي والسياسات الداخلية. يُقدم كتاب داونتون العديد من السيناريوهات التحذيرية التي يتعين عليهم أخذها بعين الاعتبار. وفي حين أن الجزء الأول من كتاب داونتون، الذي يركز على الاستجابة لأزمة الكساد العظيم، ليس مُشجعًا، فإن الجزء الثاني، الذي يغطي حقبة بريتون وودز، يتضمن أمثلة أكثر نجاحًا للتعاون الدولي الفعّال. فقد كان إنشاء مؤسسات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سببًا في تسهيل التوصل إلى فهم أعمق للمشاكل الاقتصادية العالمية والحلول المحتملة، حيث تمكن الخبراء من جمع وتحليل البيانات الواردة من جميع البلدان الأعضاء.
وعلى عكس العديد من الأعمال الأخرى، يُسلط داونتون الضوء على تلك التي أُحيلت إلى أطراف هذا النظام الناشئ، حيث تتعمق روايته في سياسات غانا والهند والعالم النامي خلال الحرب الباردة. وفي ستينيات القرن العشرين، ساهمت جولة كينيدي للاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (التي خلّفتها منظمة التجارة العالمية) في خفض التعريفات الصناعية. ونتيجة لتهميش مخاوفها ومصالحها، لجأت البلدان النامية إلى منتديات دولية بديلة مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والنظام الاقتصادي الدولي الجديد. يرصد الجزء الثالث من كتاب داونتون صعود الإجماع «العالمي المُفرط» و«الليبرالي الجديد» في واشنطن. ومع تحول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى وكلاء للعولمة، تم إنشاء منظمة التجارة العالمية، وانتشرت رأسمالية الاحتكار واقتصادات الربح، ووصلت إلى عمق الاتحاد الأوروبي. يبدأ الجزء الأخير من رواية داونتون بالأزمة المالية في عام 2008، ويستكشف التهديدات التي تواجه النظام العالمي القائم. ثم يقترح داونتون مجموعة من المسارات المحتملة نحو «رأسمالية أكثر عدالة وشمولا»، بما في ذلك إنفاذ قوانين المنافسة بشكل أكثر صرامة، وفرض ضرائب تصاعدية، ومبادرات التوظيف، وتسوية الأوضاع المالية، وإلغاء التمويل، وتنفيذ صفقة خضراء جديدة.
يُركز الكتاب على موضوع رئيسي يتمثل في الطبيعة المثيرة للجدل للتعاون الدولي. في وقت مبكر، علمنا أنه في الثلاثينيات من القرن الماضي، قامت مجموعة من المستشارين المقربين للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بتقديم عدد كبير من وجهات النظر المتضاربة بشأن السياسة الاقتصادية الخارجية. ولم تبدأ الحمائية وعدم استقرار العملة في فترة الكساد العظيم في التراجع إلا بعد أن انحاز فرانكلين روزفلت إلى كبار مسؤوليه من المؤيدين للعولمة. وخلال النصف الأول من القرن العشرين، نظرت المملكة المتحدة في ثلاث رؤى اقتصادية عالمية متنافسة. أكدت الرؤية الأولى على العمالة الكاملة، وهو ما يتطلب سياسات مُعاكسة للتقلبات الدورية، والمخزونات الاحتياطية الدولية للحفاظ على استقرار الطلب والأسعار، والأشغال العامة التي يتم تمويلها من قبل البنك الدولي للإنشاء والتعمير (ذراع الإقراض التابع للبنك الدولي) لتعويض تقلبات سوق العمل. أما الرؤية الثانية فقد ركزت على منطقة الجنيه الاسترليني، متصورة عالمًا منقسمًا بين الدولار الأمريكي والجنيه الاسترليني حيث تحافظ المملكة المتحدة على الأفضليات الإمبراطورية وتتطلع إلى إفريقيا باعتبارها سوقًا مُتنامية. وفي قلب المنظور الثالث نجد العلاقة الأنجلو-أمريكية، التي تشير إلى أن بريطانيا لا ينبغي لها أن تنحاز إلى إمبراطوريتها ولا إلى أوروبا، بل ينبغي لها أن تتعاون بدلاً من ذلك مع الولايات المتحدة في إطار اقتصاد قائم على الدولار.
تعكس السياسة البريطانية المعاصرة هذه المناقشات، حيث يناقش المسؤولون ما إذا كان ينبغي تعزيز العلاقات مع أوروبا، الثروة المشتركة (كجزء من استراتيجيتها في التعامل مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ)، أو مع الولايات المتحدة.
في كل عصر يتم استكشافه، يُقدم داونتون للقُرّاء نسيجًا غنيًا من الأفكار المتنافسة، مما يُؤكد على التحدي المُتمثل في صياغة اتفاقيات متعددة الأطراف بين العشرات من البلدان، لكل منها نزاعاتها الداخلية الخاصة. وكما لاحظ داونتون، فإننا نجد أنفسنا مرة أخرى في عصر يتسم بعدم اليقين والجدال حول بنية الاقتصاد السياسي العالمي. وعلى مدى الأعوام الثلاثين الماضية، غالبًا ما تم الخلط بين التعاون الدولي والعولمة، وتحرير الأسواق، وإلغاء القيود التنظيمية، والخصخصة، وتدفقات رأس المال. ومع ذلك، تتسم المناقشات المحلية والدولية القائمة بقضايا أخرى، بما في ذلك جودة الوظائف والرفاهية الاجتماعية، وتغير المناخ، والتداعيات الجيواستراتيجية المُترتبة على سلاسل التوريد العالمية، والمنافسة التكنولوجية المدفوعة باعتبارات الأمن القومي، والتطبيع المتزايد للعقوبات والحرب الاقتصادية. ورغم تعارض هذه الأولويات مع التعاون المُيسر للعولمة الذي يصفه داونتون، فإن الاتفاقيات والمؤسسات التي تم تشكيلها على مدى القرن الماضي تُمكننا من تحقيق شكل جديد ومختلف من أشكال التعاون. وقد قام صُناع السياسات وممثلو المنظمات الدولية الذين حضروا اجتماعات مراكش بدراسة التحديات المحلية والدولية، مما سمح لهم باستكشاف حلول تعاونية وإبراز اهتمامات ومشاغل البلدان الأعضاء خلال المُفاوضات. وعلى الرغم من أن هذه العملية قد تبدو غير فعّالة وشاقة، إلا أنها تظل تُشكل ضرورة أساسية لعالم يُقدر سيادة الدول ويُعزز التعاون الدولي. وفي حين يُسلط كتاب داونتون الضوء على العقبات العديدة التي تُواجه مثل هذه الجهود، فإنه يُبرز أيضًا الطرق العديدة التي يمكن من خلالها إنشاء نظام دولي فعال.
نجيري وودز عميد كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی الولایات المتحدة التعاون الدولی
إقرأ أيضاً:
أبو الغيط : المنطقة العربية تستضيف ٤١ مليون مهاجر ونرصد بقلق المصاعب
في الوقت الذي يتابع فيه العالم بقلق قضية الهجرة واللجوء ، انطلق بالقاهرة أعمال المؤتمر الإقليمي الثاني لاستعراض الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية في المنطقة العربية، والذي يُعقد بالتعاون بين جامعة الدول العربية والمنظمة الدولية للهجرة، والإسكوا.
أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية أن الهجرة من وإلى المنطقة العربية تمثل قسماً هاماً من الهجرة العالمية، قائلا ان منطقتنا تستضيف ما يُقدر بـ 41.4 مليون مهاجر ولاجئ، وتُعد منشأً لنحو 32.8 مليون مهاجر ولاجئ، وذلك وسط التحديات المختلفة التي تمر بها المنطقة خاصة في العقدين الأخيرين، مما أثر ذلك على عملية التنمية فيها، وزادت من الأعباء التي تتحملها المنطقة، مما أدى إلى زيادة وتيرة هجرة العقول والكفاءات، وزيادة الهجرة غير النظامية وما يرتبط بها من مخاطر كبيرة، منها تعرض المهاجرين للاتجار بالبشر من قبل عصابات التهريب التي يلجؤون إليها.
يعقد المؤتمر الإقليمي الثاني للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية في المنطقة العربية، بعد ستة أعوام من اعتماد الاتفاق العالمي في مراكش عام 2018، بحضور عبد الحميد الدبيبة رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية المكلف، دولة ليبيا، و أيمي بوب منسق شبكة الأمم المتحدة للهجرة والمدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، و رولا دشتي وكيلة الأمين العام والأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحد الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)
وأوضح أبو الغيط ان "تغير المناخ" أصبح دافعاً قوياً للتنقل البشري حيث تعد المنطقة العربية من المناطق المتأثرة بشكل مباشر بالتهديدات الكبيرة للتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، موضحا انه تزايد الوعي العربي والعالمي بالمسائل المتعلقة بالهجرة البيئية خلال العقد الماضي، وانعكس ذلك في الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، الذي دعا إلى فهم أعمق لتغير المناخ كأحد المحركات الهامة للهجرة، وإلى تطوير استراتيجيات التكيف والمرونة، مع مراعاة الآثار المحتملة على الهجرة والنزوح، مشيرا إلى الجهود والمبادرات العربية مقدرة في هذا الشأن خلال الدورتين السابقتين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ المنعقدتين في المنطقة العربية، وتحديداً في جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وعلى صعيد آخر، أشار الأمين العام انه يرصد بقلق متزايد المصاعب التي يواجهها المهاجرون من المنطقة العربية إلى الخارج في الفترة الأخيرة، وقال:" نتابع بقلق تعرض بعضهم للممارسات العنصرية المرفوضة والتمييز والإسلاموفوبيا والتهميش، مما يؤدي إلى صعوبة اندماجهم في المجتمعات"
وقال أبو الغيط ان المنطقة العربية تعرضت لحروب وصراعات أدت إلى ارتفاع أرقام الهجرة والنزوح على نحو مقلق، ولا نستطيع أن نغفل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وباقي الأراضي المحتلة منذ تسعة أشهر، من التعرض لكافة أشكال الانتهاكات من قتلٍ وتهجيرٍ وترويعٍ وحصارٍ وتجويع. مشددا على ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسئوليته تجاه ما يحدث في قطاع غزة وأن يتخذ إجراءات حاسمة وسريعة لحماية الشعب الفلسطيني، وذلك بإلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالوقف الفوري لعدوانها ضد المدنيين، ووقف كافة محاولات التهجير القسري والتطهير العرقي والتدمير المنهجي للشعب الفلسطيني.
وشدد أبو الغيط على أهمية معالجة الأسباب الجذرية الدافعة لخروج تدفقات الهجرة واللجوء، والربط بين الهجرة والتنمية من خلال اتباع مقاربات تنموية تعمل على تعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة في المجالين الإنساني والإنمائي، هو السبيل الوحيد لتقليص تلك العوامل الهيكلية السلبية التي تضطر الناس إلى مغادرة بلدهم الأصلي.
عودة المهاجرين طوعية
ومن جهته ، قال الدبيبة انه من أجل الحفاظ على كرامة الإنسان نواصل التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في مجال الهجرة على تقديم التسهيلات لعودة المهاجرين الطوعية لبلدانهم والتي بلغت (21) بلداً، وتسهيل إجراءات رحلات الإجلاء الانساني التي تشرف عليها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين .
وصرح الدبيبة انه في ١٧ يوليو الجاري تستضيف ليبيا " منتدى الهجرة عبر المتوسط" بمشاركة الدول الاوروبية والأفريقية ذات العلاقة ، لمناقشة قضية الهجرة غير الشرعية ،واطلاق مبادرة تقوم على مبدأ الاحترام والتعاون من خلال القوانين و السياسات الوطنية المعمول بها في الدول المشاركة والتركيز على التنمية وبناء القدرات والتعاون في تنفيذ برامج ومشروعات تنموية في بلدان المصدر للحد من أسباب الهجرة .
وأوضح الدبيبة ان المنتدى سيناقش عددا من المحاور أهمها، انشاء اطار استراتيجي يعزز الحوار وينظم التعاون بين افريقيا وأوربا .و تطوير العلاقات الافريقية الأوربية في هذا الملف بما يكفل التعاون المتبادل والمصالح المشتركة، و بناء سياسات مستقرة ومستدامة تعالج أسباب الهجرة، سرعة الاستجابة الانسانية وضمان حقوق و سلامة المهاجرين.
واكد الدبيبة تمسك ليبيا بمواقفها من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنون " الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية " من خلال امتناعها على التصويت في العام 2018 لوجود نقاط خلافية تحتاج من الجميع توحيد المفاهيم بشأنها.
وفى هذا الشأن؛ أوضح أن ليبيا تظل بحكم موقعها الجغرافي دولة عبور للمهاجرين من مختلف الجنسيات إلى أوربا والذي يصاحبه الكثير من التعقيدات فرضت علينا أعباء تقيلة في التعامل معها فى جوانبها خاصة الأمنية منها، لافتا إلى اطلاق استراتيجية التنمية الوطنية لأمن وادارة الحدود وفق التشريعات الوطنية النافذة.
ونوه الدبيبة على أهمية تطوير السياسات الخاصة لمكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال تبادل الخبرات و القدرات ومعالجة المشكلة من جذورها بدعم المشاريع التنموية ببلدات المصدر.
أرقام صادمة
تجاوز عدد النازحين العام الماضي جراء الحروب والاضطهاد والصراع حول العالم ليصبح العدد الأكبر الذي تسجله المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على مدى نحو أكثر من 70 عاما.
وفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، ارتفع عدد الأشخاص الذين فروا أو أجبروا على الفرار من بلادهم إلى أكثر من 120 مليون شخص حتى مايو من هذا العام.
بالإضافة إلى ذلك، هناك ملايين من الأشخاص عديمي الجنسية، حيث حُرموا من الحصول على الجنسية والحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والعمل وحرية التنقل ، هذه الأعداد تشير إلى الحاجة الملحة للتعاون الدولي للتصدي لهذا التحدي العالمي وضمان حقوق اللاجئين وتوفير فرص آمنة وكريمة للمستقبل.
وتقول الأمم المتحدة أيضًا إن هذا يعني أنه في كل دقيقة، يضطر 20 شخصًا على الأقل إلى ترك كل شيء وراءهم هربًا من الصراع أو الاضطهاد أو الإرهاب.
وقال فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "وراء هذه الأعداد الصارخة والمتزايدة تكمن مآسي إنسانية لا تعد ولا تحصى، ويجب أن تحفز هذه المعاناة المجتمع الدولي على التحرك بشكل عاجل لمعالجة الأسباب الجذرية للجوء القسري".
وتابعت "ما نرى في تلك الأرقام هو تأكيد إضافي على ارتفاع أعداد الباحثين عن أمان من الحرب والصراع والاضطهاد".