دائرة العنف لن تنتهى والانتقام سيطر وما هو المستقبل بعد مشاهد القتل فى الأرض المحتلة التى نطالعها كل يوم وأصبح المشهد عجيبًا بربريًا إنما فقط يؤكد أن الإنسانية إنسحبت تحت أقدام جنون الدم وجبروت العنف وإستبعاد المنطق.. والخطر والدمار يزيد ويسيطر ويتجلى وقد يدخلنا للعصور الحجرية والبقاء للأقوى فقط، ماهذا الذى نشاهده فى الأرض المحتلة وما يحدث للمواطنين الأبرياء والأطفال وعويل النساء والمنازل التى تسقط وبكاء الأطفال والمسنين كيف لنا أن تغمض لنا عين ونستطيع النوم؟.
اكتب كإنسان غاضب مما يحدث وبعمرى الذى تجاوز عمر كثيرين وشاهدت وقرأت عن القوة المفرطه وويلات الحروب التى تنازلنا فيها عن كثير من إنسانيتنا.
لقد امتلئ الكأس بالدم. وأوضح ياساده، منذ الانتفاضه الأولى ١٩٨٧ ثم انتفاضه ٢٠٠٠ وجيل بعد جيل تصالح مع مشاهد الدم والقتل والدمار غير مكترث بكل أنواع الخطر من أكبر قوة عسكرية مفرطة فى التاريخ الإنسانى ويتباهى أحد قادتهم بذلك غير مبالين بكل إمكانياتكم المدججة، وأخشى على البشرية من تلك الحالة والعالم يشاهد ما تفعله القوة المفرطة ورجال مدججة بالأسلحة تسير بكبرياء متوحش داخل المسجد الأقصى الشريف وتشتعل قلوب المسلمين فى كل بقاع الأرض وتمتهن المرابطات وتضرب النساء وتنزع ملابسهن وتمتلئ العربات بالمقبوض عليهم أمام عائلاتهم وتمتهن حرمة المنازل فى أنصاف الليل ويشاهد العالم ونحن جميعًا تعتصر قلوبنا ألمًا وقهرًا.
من هنا حدث ما شاهدناه والعالم من شباب المقاومة وها هم يفعلون مالا يتخيله بشر، فما حدث إنما ناتج عن إنسداد الأفق لكل محاولات السلام ومعها مبالغات الجانب الصهيونى فى أحلامة الاستيطانية والتوسعية وزادت لديه الخيالات اليمينية المتطرفه وأباحت حمل السلاح للمستوطنين وزادت الاستفزازات وتوحش المستوطنون فيحملون السلاح ويحرقون المنازل بمن داخلها وتدمر الأراضى وتلك الأفعال فى حراسة أفراد الجيش المدجج بكل أنواع الأسلحة والكراهية لأصحاب الأرض بل ينظرون اليهم وكأنهم حيوانات كما وصفهم وزير دفاعهم.
كيف بالله عليكم؟.. الأطفال يقتلون ويوميًا على الشاشات، أين حقوق البشر؟ أين المنظمات؟ أين الأمم المتحدة؟.. أين وأين وأين؟ أكثر من ألف قرار لصالح الأرض وعودتها لأصحابها ولكنها داخل الأدراج وأخشى أن تحرق مع عالم يقترب من الاشتعال وسنحاسب جميعًا، وخاصة المسؤلون وأصحاب القرار وكأننا لم نتعظ مما حدث فى الحرب العالمية الأولى والثانية وويلاتها ولا ما حدث من جبروت فى العراق وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين.. كيف تغمض لكم عين لو لن تكون لجمعياتكم وبناياتكم فى نيويورك دور لإيقاف بحور الدم فى العالم فلكم أن تغيروا النشاط إلى أوتيلات!.. إنها دعوة للجلوس على طاولة المفاوضات لتحقيق حل الدولتين ليعيش الجميع بسلام وتقف دائرة الدم.
إننى أخشى من القادم، فهل لنا أن نطالب جميعًا بإعمال العقل؟.. العالم ياسادة يقترب من نهايته وأمام أعين الجميع بمن فيهم العلماء والمثقفون ورجال الدين فى كل الأديان والفلاسفة والمفكرون. والعجب العجاب والذى سيدهش كتاب التاريخ أن أرض الله واسعة وكما دعانا الرحمن الرحيم لإعمار الأرض أرى اننا نتجه لتدميرها ويشهد علينا التاريخ وكل من شارك فى تلك الحالة العبثية.
ياسادة إن من عبر إلى مستعمرات غلاف غزة هم أطفال مشاهد الدم والعنف والهدم والتعذيب وهم أبناء الأسرى لدى الاحتلال، لقد عبروا إلى أراضيهم المحتلة رغم التحصين والجبروت وهم يدركون أنهم قد لا يعودون، إنه اليأس الذى زرعتموه فى أجيال قادمة تصالحت مع العنف والدم واليأس واللا مستقبل فهل لكم أن تبصرون؟!.
ملايين ومليارات تصرف على الأسلحه والدمار.. والأجدر أن يصرف الجزء الأكبر لتحسين معيشة البشر والقضاء على الجوع والاستعداد لغضب الطبيعة والأوبئة التى أراها دائمًا تأتى لتحذر بعض الغافلين وكما قالت أمى الحاجة نوحة دوام الحال من المحال وتطول يا ليل مهما تطول لابد من طلوع النهار.
*ناقد وفنان تشكيلى
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الأرض المحتلة الانتقام
إقرأ أيضاً:
فى وداع العالم الدكتور محمد المرتضى مصطفى
نقل لى الصديق العزيز الأستاذ سيف الدين عبد الحميد النبأ الحزين جدا عن إنتقال الدكتور محمد المرتضى مصطفى إلى جوار ربه اليوم الأربعاء بمدينة سان ريمون بولاية كاليفورنيا .
رحم الله الأستاذ الدكتور الفاضل ، محمد المرتضى مصطفى وانزله منازل المصطفين المكرمين وجعل البركة فى أبنائه وأحفاده وزوجته الراحلة السيدة منى عز الدين فى برزخها العامر البهى والتى سبقته إلى دار البقاء قبل أربعة أعوام ،وكل أسرته الكبيرة وكل عارفى فضله واحسن عزائهم فيه والزمهم الصبر الجميل ..
الدكتور محمد المرتضى من علماء البلد الأفذاذ والتكنقراط النادرين جدا.. وهو واحد من قلة من السودانيين من ذلك الجيل تلقوا دراساتهم العليا بجامعة هارفارد الأمريكية المرموقة .
شغل منصب وكيل أول وزارة العمل لسنوات إبان حكم الرئيس نميرى وبعض من فترة حكومة الصادق المهدى الذى اقاله بعد أن اختلفا فى التصورات على خطط إصلاحات الخدمة المدنية وقد رأى فيه رئيس الوزراء وقتها نموذجا للتكنقراطي المحترف صعب القياد .
بعد يومين من إقالته تلقى إتصالا من منظمة العمل الدولية بجنيف تطلب منه الحضور إلى مقرها بسويسرا فورا وقامت بتعيننه خبيرا بها ومديرا لمكتبها بإقليم جنوب إفريقيا مقيما فى هرارى عاصمة زيمبابوي وخلال فترة عمله هناك وضع واشرف على خطة إنتقال الخدمة المدنية ونظام العمل فى جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصرى إلى النظام الديمقراطى .وحينما كان يعمل بهرارى لعب دورا مهما فى إلتحاق الدكتور عبد الله حمدوك بالعمل فى اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة .
وبعد أن ساءت العلاقة بين نظام الإنقاذ ومصر فى النصف الأول من التسعينيات إثر تورط نظام الإنقاذ فى عملية إغتيال الرئيس المصرى وقتها حسني مبارك ووصلت إلى الحضيض تم نقله من هرارى إلى القاهرة مديرا لمكتب منظمة العمل الدولية لإقليم شمال إفريقيا وليمثل قناة خلفية لتخفيف التوتر فى العلاقة بين البلدين .
ربطتنى بالرجل محبة كبيرة وخالصة لوجه الله منذ أن تعرفت عليه أوائل الألفين فى زياراته لمقر صحيفتنا "الصحافي الدولي" والتى كان تجمعه صداقة برئيس مجلس إدارتها الدكتور محمد محجوب هارون .
كان يفرح جدا بزياراتنا المسائية له معا انا والاخ والزميل العزيز سيف الدين عبد الحميد مترجم الصحيفة او ايا منا بمفرده منذ أن كان بمنزل الأسرة فى الخرطوم (3) ثم بعد إنتقاله إلى منزله الفخيم بحى قاردن سيتى ويكرمنا غاية الكرم .. وكان يهدينى كتبا واشياء اخرى قيمة كلما عاد إلى السودان من اسفاره بالخارج وقبل كل ذلك كان ينفعنا بعلمه الغزير وتجربته وخبرته الثرة الحياتية والعملية فى السودان وخارجه ويصحح بلطف الكثير من المفاهيم والمعلومات الخاطئة عندى حينما يرى جنوحا من أثر فورة وحماس الشباب وقتها ويبقى على جوهرها الإنسانى . كما كان يلهمنى كثير من الأفكار النيرة التى استفدت منها فى اعمالى الصحافية وفى حياتى الخاصة . كان يفعل كل ذلك بتواضع جم ومحبة توصيل الخير إلى الناس .
كان الدكتور مرتضى شاهدا على العصر وعارفا باقدار الرجال فى بلادنا ومحيطها العربى و الافريقى يختزن مئات القصص والحكايات لاشخاص واحداث ومواقف عاصرها او كان جزءا منها او قرأ عنها فى مظان لا تتوفر ببلادنا خاصة تلك التى تكون قد شاعت بسردية معينة ورسخت فهما بعينه فى تاريخنا الحديث او القديم نسبيا وحينما تسمعها منه بوقائعها الدقيقة وحواشيها ومقدماتها تغير لك كل معرفتك عنها .
كان محبا جدا للاستاذ محمود ويرى فيه عالما ومصلحا دينيا كبيرا عاش فى واقع جاهل وحوكم بواسطة قضاة وفقهاء وحكام ليس لديهم من علمه ولا قلامة ظفر .
يدعونى كتيرا عنده حينما يكون عنده ضيوف مهمين عازمهم عشاء او غداء وخاصة فى رمضان ..
التقيت عنده بشخصيات مهمة سودانية وأجنبية خاصة من مصر وإثيوبيا وارتريا ومن ضمن عرفتهم عنده السياسى الارتري حروى تدلا بايرو الذى يقيم فى السويد وكان والده تدلا بايرو من كبار الزعماء السياسيين فى ارتريا .. عرفه دكتور مرتضى بعلاقتى الفكرية بالاستاذ محمود فتحولت جلستنا كلها للحديث عنه حيث أشار لى للعلاقة القوية التى ربطت قادة جبهة التحرير الارترية بالاستاذ محمود وكيف انهم كانوا يتلقون منه الأفكار والنصائح العميقة المضيئة والاكرام حينما كانوا يزورونه بمكتبه فى عمارة إبن عوف بالخرطوم .
وأذكر من ضمن الكتب التى اهدانى اياها د. مرتضى الترجمة العربية لكتاب البروفيسور عبد الله النعيم (نحو تطوير التشريع الاسلامى) الذى ترجمه وقدم له المفكر المصرى الدكتور حسين أحمد أمين وحدثنى مطولا عن المترجم وأسرته فقد كان د. مرتضى عارفا دقيقا بالحياة والثقافة المصرية وتاريخها ونخبها .
من ضمن زملاء د. مرتضى فى مرحلة الدراسة الثانوية بمدرسة خور طقت كان الدكتور فرانسيس دينق وحكى لنا كيف انه ولمكانة والده سلطان دينكا نقوك، دينق مجوك وعلاقته المميزة بناظر المسيرية بابو نمر تم استيعابه بالمدرسة المرموقة بعد أن انتهت فترة القبول وذكر لنا أنه استضافه فى غرفته بداخليات المدرسة لقرابة العام .
عندما يكون الدكتور مرتضى موجودا بالسودان وانقطع منه لأسبوعين يتصل بي ليسأل عن صحتى وأسباب غيابي .
عاش الدكتور مرتضى حياته باستقامة وطنية ومع انه لم يكن منتميا سياسيا لحزب ولكنه كان وطنيا غيورا فحينما كانت تغضبه اقوال وتصريحات مسؤولى نظام الإنقاذ وما أكثرها كان يتصل بى ويطلب منى الحضور إليه ويُملينى مقالا كاملا عالما فى نقد وتصويب مقولات ذلك المسؤول .
وكما كان الرجل متواضعا كان أيضا ضحوكا يطرب للطرفة ويحكى كثيرا من المواقف والأحداث الطريفة ويضحك لها بصوت مجلجل محبب إلى النفس.
استضفناه فى منبر صحيفة "الصحافة" عام 2007 تقريبا فى محاضرة عن جذور فشل الدولة السودانية وقد وجدت الأفكار التى اذاعها أصداء واسعة فى ذلك الوقت ولم ترق المسؤولين فى الدولة وقتها ولا زال يتم تدوير الرصد المنشور فى الصحيفة و الذى قام به الزميل قرشى عوض فى السوشيال ميديا كل حين وآخر وكانما كان الدكتور الراحل يحذرنا ويتنبأ لنا بهذا المآل الحزين الان .
الا رحم الله العالم الدكتور الفاضل ، محمد المرتضى مصطفى برحمة الرحيم وجزاه عنا المقامات العُلى عنده ..
لا حول ولا قوة إلاّ بالله
إنا لله وإنا إليه راجعون
علاء الدين بشير - الشارقة
20 نوفمبر