البوابة نيوز:
2025-04-25@08:36:55 GMT

لا أحد يجرؤ على الكلام

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

 

لم تكشف حرب غزة عن فشل التحصينات الأمنية المدججة  بالسلاح النووى وبأحدث الأسلحة التكنولوجية عن حماية إسرائيل من هجوم حماس فقط، بل فضحت كذلك  زيف قيم الليبرالية الغربية  الأخلاقية التى تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية وحماية حريات الرأى والتعبير  حول العالم، وهى تمعن فى تأييد الحكومة الإسرائيلية التى يتصرف وزراؤها كأعضاء فى عصابة لا رجال دولة، وهم يسفون فى استخدام اللغة ويصرخون ويتوعدون وينفذون حرب التجويع والإبادة والتهجير ضد غزة وشعبها الأعزل من السلاح.

جرائم ضد الإنسانية وحرب إبادة تدهس  بالأقدام كل  الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى تحدد شروطًا للحروب، وتلزم أطرافها بحماية المدنيين، وعدم التغيير فى معالم الإقليم، وتحظر العقوبات الجماعية، واستخدام الأسلحة الكيماوية والسامة وقت إندلاعها، لكن  تلك  الجرائم التى تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى الإنسانى، وترتكبها إسرائيل على الهواء بحق مدنيين أمام شاشات العالم، باتت محمية بحاملات الطائرات الأمريكية  والبريطانية فى شرق المتوسط، وبدعم الإتحاد الأوروبى ودوله التى تصف جريمة الحرب تلك بأنها حق لإسرائيل فى الدفاع عن النفس!.

أسقطت الحرب أكذوبة مهنية الإعلام الغربى واستقلاليته  ودقة معلوماته، وهو يجارى حكوماته فى تضليل شعوبها، بتزوير الحقائق وتزييفها ونشرها، والعودة للاعتذار عنها بعد أن فضحت وسائل التواصل الاجتماعى أكاذيب رواياته ومدى تلفيقها وكذبها.

أكدت الحرب ماهو مؤكد، أن إسرائيل أداة فى يد دول الغرب الاستعمارى لتقوية نفوذه الدولى، والهيمنة على موارد المنطقة لتؤول إلى مصالحها التى تتعارض مع مصالح شعوب المنطقة.. صارت إسرائيل تتحكم فى القرار الدولى الأوروبى والأمريكى.

قبل أكثر من أربعين عامًا أصدر السيناتور الجمهورى الأمريكى بول فندلى، كتابًا بعنوان «من يجرؤ على الكلام»، ولم يكن العنوان جملة استفهامية، بل هو جملة توضيحية تؤكد أن لا أحد يجرؤ على الكلام. وفى كتابه الذى لم  يأخذ حقه من الاهتمام العربى، كشف «فندلي» أن السياسة الخارجية الأمريكية بشأن الشرق الأوسط والصراع العربى - الإسرائيلى بشكل خاص، تصنع فى الكنيست الإسرائيلى، وليس فى الكونجرس الأمريكى أو الخارجية الأمريكية، أو فى البيت الأبيض، وتحدد أهدافها اللجنة الأمريكية - الإسرائلية للشئون العامة، والتى تعرف إعلاميًا باسم: إيباك.

وفى الكتاب يروى «فندلي» أن «إيباك» تمكنت بأموالها، ونفوذها الطاغي داخل المجتمع الأمريكى، والذى امتد من السلطات التنفيذية، إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والمؤسسات الصحفية والبحثية وهيئات التدريس فى المدارس والجامعات، وشركات صناعة الأفلام  والترويج لنجومها، من إسقاطه فى انتخابات الكونجرس، بعد أن ظل  فى الفترة من 1960 وحتى 1982 ممثلًا به عن ولاية إلينوى لما كان يحظى فيها من شعبية وثقة جارفتين.

وخلال 22 عامًا من عضويته فى الكونجرس كرس «فندلى» كل جهوده لحث بلاده لاستخدام أساليب الحوار لحل الأزمات الدولية، وعارض حربها فى فيتنيام، وساهم فى إصدار تشريع يقلص من صلاحيات الرئيس الأمريكى فى شن الحروب.

وحين  طالب بحل عادل للقضية الفلسطينية واعترض على النفوذ الإسرائيلى المتصاعد فى صنع وصدور القرار داخل الكونجرس، لأنه نفوذ يتعارض  فى كثير من الأحيان مع المصالح القومية الأمريكية، تحركت «إيباك» لإسقاطه فى الانتخابات بحملات  من التضليل وتزوير الحقائق ضده، لأنه أضحى  كما قالت أكثر منتقدى السياسة الإسرائيلية ظهورًا للعيان.

وتمكنت بجانب ذلك من السيطرة على الكونجرس الأمريكى بمجلسيه، وتوجيهه فى الاتجاه الذى تريد، بإرهاب كل من يقف فى طريقها، وتشويهه وتدميره، وذلك هو نفس ما فعلته مع بول فندلى، عندما جرؤ على القول أن جميع أعضاء مجلسى النواب والشيوخ، يطيعون بلا استثناء أوامر «إيباك» لأن معظمهم، يعتبرها، كما أكد الممثلة المباشرة للكابتول هيل - مقر مبنى الكونجرس - وذات القدرة السياسية التى تتيح أمامهم فرص النجاح فى الانتخابات، أو تقضى عليهم، وبعد عامين من تركه موقعه، تبنت «إيباك» تشريعًا فى الكونجرس عام 1984 بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس نفذته إدارة «ترامب» العام 2018.

تثبت حرب غزة دون ريب كل ماقاله بول فندلى، وتجدد التأكيد أن إنفراد الولايات المتحدة بما تسميه الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أوشك على محو القضية الفلسطينية من جدول النقاش العالمى.  وتفرض تحديات اللحظة التى تطرحها الحرب، تفكيرًا جادًا ومُخلصًا من كل الأطراف، لإنهاء الإنقسام فى الساحة الفلسطينية، وتوحد 14 فصيلًا من فصائل المقاومة الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، للعمل معًا لعقد مؤتمر دولى برعاية هيئة الأمم المتحدة تكون فيه واشنطن طرفًا بين أطراف دولية أخرى، لبحث التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، بما ينتهى بدولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية طبقًا للقرارات الأممية، ويتيح للسلطة الوطنية الفلسطينية الفرصة لتوثيق الجرائم الإسرائيلية فى غزة والذهاب بها إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وكل المنظمات الدولية المعنية، فذلك هو وحده طريق السلامة، وما عداه طريق للخيبة والندامة.

*كاتبة صحفية، رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهالي

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حماية إسرائيل

إقرأ أيضاً:

عنقاء الحداثة

د. عصام عبدالفتاح

ثمة كتب ثورية حينما يقرؤها الإنسان فإنه لابد أن يخرج منها بحصيلة فكرية عميقة تزوّده بإضاءات لامعة فى تفكيك الإشكاليات الحضارية التى تعانى منها المجتمعات المتخلفة، أى التى لم تطرق بعد باب الحداثة رغم أنها تغترف من ثمارها بل ـ وهنا تبدو المفارقة ـ تتباهى بكونها جمعت بين الأصالة والحداثة!.

إن مؤلفات عالم النفس الاجتماعى مصطفى حجازى هى من هذا الطراز الفريد الذى يغير من فكر قارئه ويمتعه بتحليلاته للمجتمع العربى وإشكالياته الكأداء. فمثلا كتابه الشهير «التخلف الاجتماعى: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» يعد من أهم الدراسات التحليلية فى علم النفس الاجتماعى «سيكولوجية الإنسان العربى المهدور». ففيه يتناول حجازى، بمنهجيته الاستقرائية الدقيقة، ظاهرة «العنف العربى» التى لم تتمكن المجتمعات العربية حتى يومنا هذا من الخلاص منها. لماذا؟ يجيبك حجازى بكلمة السر التى تتنوع مترادفاتها فى القاموس الدينى والسياسى والاجتماعى، بدءا من الطائفية والعصبية، مرورا بالتحزبية، وانتهاء بالأصولية والدوجمائية، فمثلا دولة كالسودان، منذ أبريل ٢٠٢٣، يعانى شعبها من حرب ضارية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أدت إلى تفاقم الأزمات الطاحنة فى بلاده وأطاحت بكل استقرار سياسى فيها وأدخلتها فى دوامة لا نهاية لها من النوازل الاقتصادية والإنسانية. إن السودان يشكو حاليا من أزمة نزوح لا نظير له. فثلث سكانه نازحون مشردون فى العراء بلا غذاء ولا ماء ولا مأوى ولا رعاية طبية. امتدت عواقب هذا الصراع المروع بين المتحاربين إلى ما وراء حدود السودان. وحسب تقارير الأمم المتحدة سيرتفع عدد ضحايا الصراع العبثى إلى أكثر من مليون شخص فى عام ٢٠٢٥.

أطراف الصراع هم سودانيون!، إن تحليل حجازى لظاهرة العنف فى المجتمعات العربية ينطبق برمته على الحالة السودانية عندما يقول: «يعود العنف السياسى الاجتماعى فى المجتمعات العربية إلى تفشى العصبيات وترسخها جذريا فيه. فالأنظمة العربية الاستبدادية لم تبنِ مجتمعا مدنيا، إنما راهنت القيادات على العصبيات، والعصبيات فى طبيعتها تحتوى على مكوِّن العنف، وهذا العنف يتفجر من العصبيات التى تنمو فى أزمنة الصراع ولا تستطيع العيش من دون عدو. كما ليس بإمكان الأنظمة العرقية الاستمرار خارج نطاق الصراع وصناعة العدو المتخيل أو الفعلى، لكى تتمكن من الحفاظ على ثباتها الداخلى بقوة الجمهور». ولئن تركز تحليل حجازى على لبنان بوصفه عينة خصبة للطائفية وجزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربى فقد أراد به الكشف عن الداء العضال الذى لم يبرأ منه هذا المجتمع منذ قرون خلت فأعجزه تماما عن بلوغ الحداثة، إن هذا الداء هو نفسه «جرثومة التخلف» التى تحدث عنها د. مراد وهبة فى كتابه الشهير تحت هذا العنوان.

وفى مؤلفه الأخير «النقلات الحضارية الكبرى. أين نحن منها؟» يرى حجازى أن قوى التخلف أو حسب تعبيره «قوى العطالة فى مجتمعاتنا العربية» لا تتمثل فقط فى العصبيات وحدها وإنما هى تتجسد فى تحالف ثلاثى: العصبيات والفقه السلفى والاستبداد الظاهر منه والخفى. هذا التحالف يستخدم سلاحا خطيرا فى الإجهاز على أى محاولة تسعى إلى إيقاظ العقل العربى من سباته، آلية هذا السلاح هى: التأثيم والتحريم والتجريم. تكمن فاعليته فى أنه يشل طاقات الإنسان العقلية تماما ويدخله فى حالة من الانقياد والتبعية والجبرية وفقدان السيطرة على الذات والمصير!.

إن الحداثة التى يحلم بها المجتمع العربى أشبه بطائر العنقاء الذى لا وجود له فى الواقع، لأن متطلباتها لم تتوافر فيه بعد. وتتجلى ازدواجية المجتمع العربى، كما يقول حجازى، فى أنه يستورد كل منتجات الحداثة المادية والفكرية من الأمم المبدعة، لكنه لا يملك مشروعا إنتاجيا وطنيا خليقا بأن يحدث فيه نقلة نوعية تتحرر فيها طاقات العقل المبدع وينضج فيها وعيه السياسى. فتحت غطاء الدستور فى لبنان مثلا وحكم المؤسسات المقتبس من الغرب تتسم العملية السياسية فيه بالمحاصصة واقتسام النفوذ والغنائم على حساب البلد وكأننا بصدد شركة تجارية بين أطراف مؤسسين يسعى كل منهم إلى زيادة حصته من النفوذ والغنيمة وتحولت النيابة فيه إلى نوع من الوجاهة أكثر مما هى عملية تمثيل بالتفويض من قبل الشعب، فتحول الانتخاب فيه إلى نوع من المبايعة!.

نقلا عن المصري اليوم  

مقالات مشابهة

  • اتحاد الأدباء والكتاب اليمنييّن.. كيانٌ ميّت من يجرؤ أن يكتبَ نعوته؟
  • أخبار العالم| استشهاد عشرة فلسطينيين في غارة إسرائيلية بجباليا.. حماس ترفض قرارات المركزي الفلسطيني وتدعو لإعادة بناء منظمة التحرير.. وجولة جديدة من المحادثات الأمريكية الإيرانية
  • شاهد | مجموعة الأزمات الدولية: الحرب الأمريكية على اليمن امتداد للحرب على غزة
  • الكونجرس يخشى على صورة القوة الامريكية في ما وراء البحار   
  • عيد تحرير سيناء|قصة نصر لا تنتهى.. 25 أبريل.. يوم رفرف فيه العلم على الأرض الطاهرة.. ملحمة شعب وجيش لا تنتهي
  • تأسيس مكتبة الكونجرس الأمريكية.. أبرز 10 أحداث وقعت في 24 ابريل
  • عنقاء الحداثة
  • من الفوضى الاقتصادية إلى الحرب المقدسة.. كيف يُعيد داعش صياغة الصراع العالمي؟
  • رسالة ترامب إلى زعماء الكونجرس بشأن الحرب ضد “عصابة القراصنة الحوثية” في اليمن
  • السيسي يحذر من خطورة اقتصار دور الأئمة على الكلام دون أفعال