ربما لن أعيش لحظة السقوط الإسرائيلى وخروجه المخزى من دفات كتب التاريخ.. وربما لن أسمع وأنا فى عقدى الستينى عبر أثير المذياع وأمام شاشات التلفاز قصيدة الشاعر الفلسطينى الكبير «سجل أنا عربى» ترددها الجماهير العربية وهى تتحرك كأمواج بشرية هادرة نحو الجوامع والكنائس لكى تصلى بعد أن رأت نصر الله يتحقق منتشية: سجِّل!: أنا عربى: سلبت كرومَ أجدادى: وأرضًا كنتُ أفلحُها: أنا وجميعُ أولادى: ولم تتركْ لنا.
عدم اليقين بمعايشة هذه اللحظة الفارقة، لا يلغى إيمانى بحدوثها، فإن رحلت فهناك أحفادى سيعيشونها بالتأكيد.
الحتمية التاريخية تقول ذلك وتزيد.. ففى عام 2008 كتب المفكر وعالم الاجتماع المصرى الدكتور عبدالوهاب المسيرى مقال تحت عنوان: «الدولة الصهيونية بين المأساة والملهاة»، نشر للمرة الأولى بعد وفاته، كتب المسيرى قائلا: يجب ألا ننسى أن كل الجيوب الاستيطانية المماثلة للكيان الصهيونى (الممالك الصليبية – الجيب الاستيطانى الفرنسى فى الجزائر- دولة الأبارتهايد فى جنوب أفريقيا) قد لاقت نفس المصير، أى الاختفاء.
أيضًا ومع احتفال إسرائيل بالذكرى السنوية الستين لإنشائها يتوقع الدكتور عبدالوهاب المسيرى مؤلف موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية) «نهاية قريبة» للدولة العبرية ربما خلال 50 عاماً.
ونفى المسيرى أن يكون لهذا التوقع علاقة بالتشاؤم أو التفاؤل مُشدداً على أنه يقرأ معطيات وحقائق فى سياقها الموضوعى ويستخلص ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج.
وقال حينها إن هذا الهاجس لازم مؤسسى إسرائيل ومنهم ديفيد بن جوريون أول رئيس للوزراء الذى ألقى فى عام 1938 «خطبة فى منتهى الجمال والصدق» تضمنت أن الجماعات اليهودية فى فلسطين لا تواجه «إرهاباً».
وقال المسيرى إن بن جوريون عرف الارهاب بأنه «مجموعة من العصابات مُمَولة من الخارج.. ونحن هنا لا نجابه إرهاباً وإنما حرباً. وهى حرب قومية أعلنها العرب علينا.. هذه مقاومة فعالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصاباً لوطنهم من قبل اليهود.. فالشعب الذى يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعا».
هل ما تنبأ به المفكر الكبير الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيرى من زوال دولة إسرائيل هو ما يبعث فى نفسى هذا الإيمان العميق بالقادم فى المستقبل؟
الإجابة بالطبع لا.. ولكنها جزء كبير من الأمل الموجود فى قلبى وقلب كل عربى من الخليج إلى المحيط فى أن يرى فلسطين حرة.
اليقين فى زوال دولة إسرائيل يجىء أيضًا مع الباحث الفلسطينى بسّام جرّار فى كتابه: « زوال إسرائيل 2022.. نبوءة قرآنية أم صدف رقمية؟» الذى يستنتج فيه أنَّ الإفساد والعلوّ الإسرائيليَّين الأوّلين قد وقعا قبل الإسلام بعد عهدَى داود وسليمان – عليهما السلام – وأنَّ الإفساد والعلو الإسرائيليّين الآخَرين قد بدآ بقيام دولة «إسرائيل» عام 1948م، وأننا على مشارف مرحلة وعد الآخرة بتدمير الإفساد والعلوّ الإسرائيليّين، ممثلًا فى إزالة دولة اليهود الصهاينة. وهذه الرؤية العقلانية التزمت بضوابط التفسير القرآنى، والآية الكريمة: «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا».
المتيقنون من المؤرخين والمفكرين العرب بفكرة زوال دولة إسرائيل يولد منهم المئات كل يوم، ولكن ماذا عن اليقين الصهيونى بزوال دولتهم؟
المفاجأة فيما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إيهود باراك فى مقال أنه يخشى أن تنزل بإسرائيل لعنة العقد الثامن التى أصابت دولاً يهودية سابقة كدولة داود أو دولة الحشمونائيم.
وكان رئيس الوزراء الصهيونى السابق بنيامين نتنياهو قد أعلن عام 2017 أنه سيجتهد من أجل ضمان أن تعمّر إسرائيل 100 عام، وأن هذا ليس بديهياً، لأنه لم يسبق لدولة يهودية بلوغ الـ80.
بدوره، أكد المؤرخ الإسرائيلى بينى موريس أن إسرائيل مكان ستغرب شمسه وسيشهد انحلالاً أو غوصاً فى الوحل، وخلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون ويكون اليهود أقلية فى هذه الأرض، إما مطارَدين أو مقتولين.
ختامًا: القادم سيشهد نهاية الأكذوبة الإسرائيلية.. رغم الحصار والقصف الجنونى على قطاع غزة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إسرائيل كتب التاريخ
إقرأ أيضاً:
كأسك يا وطن
لست بخير كالعادة منذ سنوات.. نشرات الأخبار العربية الحزينة باتت بالنسبة لى مكمن المرض اللعين الذى نخر فى أعصابى وتفكيرى.. ولم يعد يفلح فيها مسكنات الأمل وأدوية المستقبل المشرق وحبوب الوحدة العربية.. فلن تكفى أدوية العالم الشحيحة من العدل والرحمة ان تعالج حالات الخذلان المتكرر التى تنتابنى حالياً بشكل يومى.
فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى كنت طالبة بجامعة القاهرة وكانت مسرحية «كأسك ياوطن» للكاتب السورى الكبير «محمد الماغوط» تكتسح مسابقات الفرق المسرحية المتنافسة على مستوى الجامعات المصرية، لا أتذكر بالضبط كم مرة شاهدتها أو شاهدت عدد البروفات التى كانت تقام على مسرح كلية تجارة أو مسرح كلية حقوق.. فى كل مرة مع انتهاء العرض لا بد أن تدمع عيناك باللاشعور، حتى أن أحد النقاد قال ممازحاً ما معناه أنَّ الماغوط يقدم لك صحن البصل المقشر طازجاً مع كل سطر تقرأه.
أو كما تحدث الكاتب خضر الماغوط أبن عمه قائلاً: «عندما تقرأ محمد الماغوط تدمعُ عيناك لأنك ستضحك أولا وأنت تقرأ السخرية من الوضع القائم من حولك، ثم سرعان ما ستبكى عندما تكتشف أنك أنت المعنى شخصياً فى كتاباته، أنت الإنسان المهزوم دائماً الذى يتراقص من حولك الأقزام الذين هزموك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً حضارياً، إلى كلّ مجالات الانهزام».
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد ؟ لا أدرى كيف تكون إجابة هذا السؤال وتركيا مسيطرة وروسيا متداخلة وإسرائيل اللعينة نصبت الشرك على الحدود!!
فعلى الرغم من بصيص النور الذى انفتح على سجن «صدنايا» المرعب فخرج على أثره آلاف المسجونين ليروا السماء ولسيستنشقوا الهواء لأول مرة منذ سنوات بعيدة كانوا فيها رهائن قبورهم وزنازينهم تحت الأرض، تجسدت حجم الخسائر الروحية فى تلك الشابة السورية التى دخلت المسلخ البشرى «صدنايا» فى عمر التاسعة عشرة وخرجت وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها وفى يدها ثلاثة أطفال لا تعرف من والدهم من كثرة تعرضها للاغتصاب.
أتذكر ما كتبه الشاعر الكبير «محمد الماغوط» فى نص «سياف الزهور»: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة.
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف
بين بلاط الشارع وبلاط السجن
سوى بلاط القبر؟
أيتها الأمة الكذوبة
أين اجدادى الصناديد الكماة
وما الذى يؤخرهم؟
أشارات المرور؟
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ يطمئننى التاريخ بحكاياته ويؤكد لنا دوماً ان الطغاة يرحلون وتبقى الشعوب تقاوم الظلم والقهر وتنتصر فى النهاية، فهناك فى ريف دمشق وحماة واللاذقية وحمص وحلب أغنية للحرية بين الدروب وعلى شرفات المنازل المزينة بزهور الياسمين، أو كما يصدر الشاعر السورى الكبير «نزار قبانى» القدرة على الصمود فى قصيدته الشهيرة «آخر عصفور يخرج من غرناطة»:
أعجوبةٌ أن يكتب الشعراء فى هذا الزمان.
أعجوبةٌ أن القصيدة لا تزال
تمر من بين الحرائق والدخان
تنط من فوق الحواجز، والمخافر، والهزائم،
كالحصان
أعجوبةٌ.. أن الكتابة لا تزال..
برغم شمشمة الكلاب..
ورغم أقبية المباحث،
مصدراً للعنفوان...