موقف مصري مختلف تجاه الطوفان.. حقيقي أم مناورة؟
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
من بين المواقف العربية والإسلامية المتباينة تجاه معركة طوفان الأقصى بدا الموقف الرسمي المصري هذه المرة مفاجئا، ومختلفا، إذ انحاز من البداية نسبيا إلى المقاومة محملا جيش الاحتلال الإسرائيلي المسئولية، ومحذرا من الاعتداء على المدنيين، وداعيا لوقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بمسئوليات الدولة القائمة بالاحتلال (البيان الأول للخارجية المصرية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر)، كما حذرت مصر من دعوة الجيش الإسرائيلي للغزاويين لمغادرة بيوتهم والتوجه جنوبا نحو سينا، مؤكدة أن هذا الإجراء يشكل "مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني (البيان الثاني للخارجية يوم الجمعة 14 تشرين الأول/ أكتوبر).
لم يقتصر الأمر على وزارة الخارجية، بل إن السيسي أكد أيضا خلال حفل عسكري (الخميس الماضي) أن دعوات التهجير تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ومع إشارته إلى احتضان مصر 9 ملايين لاجئ من عدة دول إلا أنه أوضح أن وضع غزة مختلف تماما عن تلك الدول، في إشارة إلى أن لاجئي تلك الدول محتفظون بحق العودة إلى بلادهم عقب انتهاء الأزمات على خلاف الفلسطينيين الذين لا يسمح لهم بالعودة، مؤكدا أن مصر ستبذل أقصى جهد للتخفيف عن سكان القطاع.
موقف جديد على السلطة الحاكمة في مصر منذ عشر سنوات، إذ اقتصر خلال الاعتداءات والاجتياحات السابقة في 2014، و2019، و2021، و2022 على الوساطة بهدف تحقيق التهدئة ووقف العمليات العسكرية، لكنها هذه المرة سارعت إلى تحميل جيش الاحتلال المسئولية عقب انطلاق عملية طوفان الأقصى
مصر الرسمية لم تقتصر على بيانات الشجب والإدانة والتحذير من التهجير، ولكنها سعت لتوصيل معونات إنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، ودعت الدول الشقيقة والصديقة لتقديم الدعم، واضعة مطار العريش في خدمة هذا الغرض، كما انخرطت مصر الرسمية في سلسلة من التحركات الدبلوماسية لمحاولة وقف الاجتياح الإسرائيلي للقطاع وتهجير أهله.
هذا موقف جديد على السلطة الحاكمة في مصر منذ عشر سنوات، إذ اقتصر خلال الاعتداءات والاجتياحات السابقة في 2014، و2019، و2021، و2022 على الوساطة بهدف تحقيق التهدئة ووقف العمليات العسكرية، لكنها هذه المرة سارعت إلى تحميل جيش الاحتلال المسئولية عقب انطلاق عملية طوفان الأقصى التي حققت فيها المقاومة مكاسب عسكرية كبيرة، أهمها كسر نظرية الردع الإسرائيلي، وكسر صورة الجيش الذي لا يُقهر والجدار الذي لا يهدم، والقبة الحديدية التي لا تخترق، وهي الانتصارات التي استنفرت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة لدعم الكيان الصهيوني، وتحريك حاملة طائرات أمريكية وغيرها من القطع البحرية الأمريكية والأوروبية في جيش عرمرم لدعم جيش الاحتلال.
هناك العديد من التفسيرات للموقف المصري الجديد، منها ما هو تكتيكي ومنها ما هو استراتيجي، فقد يكون ذلك بهدف اكتساب شعبية تراجعت كثيرا بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية معا، أو قد يكون للتغطية على اتهامات بتقديم معلومات مسبقة للجانب الإسرائيلي عن عملية مرتقبة لحماس، ورغم نفي نتنياهو شخصيا لذلك، إلا أن مسئولين أمريكيين ووسائل إعلام أمريكية وغربية أصروا على هذه الرواية التي لم تبادر السلطات المصرية الرسمية لنفيها، وتركت المسألة للردود غير الرسمية.
أما الجانب الاستراتيجي فيتعلق بشعور مصر بخطر على أمنها القومي هذه المرة، وربما كانت لديها معلومات قبل انطلاق عملية طوفان الأقصى عن تحركات لتنفيذ المخطط القديم الجديد لتوطين فلسطينيي غزة في سيناء، وهو ما سبق أن رفضته مصر مرارا، بل إن الحكم الحالي، وضمن مساعيه لتشويه حكم الرئيس مرسي وتحريض الشعب ضده حاول تمرير رواية كاذبة أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن قبول مرسي لخطة التوطين في سيناء، وهو ما لم يقدم عباس أو السلطات المصرية عليه أي دليل مكتوب أو منطوق رغم امتلاكهم كل وثائق سنة حكم الرئيس مرسي، وبالتالي فقد ساهم النظام نفسه في تسخين الرأي العام المصري ضد خطط التوطين، وأصبح صعبا عليه تجاوز هذه المشاعر، ناهيك عن الخوف من رد فعل المؤسسة العسكرية ذاتها.
وجدت المخاوف المصرية المبكرة تأكيدا لها في دعوة وزير الدفاع الإسرائيلي المباشرة لأهل غزة بالرحيل إلى سيناء، والتي تبعتها تحركات واتصالات أمريكية لحث مصر على قبول التهجير، ثم تبعها إسقاط جيش الاحتلال لمنشورات باللغة العربية على أهل غزة تطالبهم بالتحرك جنوبا، أي إلى سيناء، طلبا للنجاة.
الرفض المصري لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء هو موقف رسمي وشعبي، ولأول مرة تتفق المعارضة في معظمها مع النظام في هذا الشأن. ولا ينطلق هذا الرفض من مشاعر سلبية تجاه الفلسطينيين بل من رغبة في الحفاظ على قضيتهم حية، وعدم تصفيتها، وتأكيد حقهم في إقامة وطن مستقل على ترابهم الوطني عاصمته القدس الشريف.
وقد شرعت السلطات المصرية في بناء حواجز إسمنتية عالية على بوابات معبر رفح لمنع العبور إلى الجانب المصري، مشترطة فتحه في حال موافقة الجانب الإسرائيلي على عبور المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والسماح للجرحى بالعبور نحو مصر لتلقي العلاج اللازم. وهذا الموقف المصري لاقى ترحيبا من القيادات الفلسطينية نفسها عبر عنه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، مؤكدا أنه لا نية للفلسطينيين في الهجرة إلى مصر أو غيرها، بل البقاء في وطنهم.
لكن شكوكا لا تزال تكتنف الموقف الرسمي المصري، تحيله إلى مجرد مناورة مؤقتة، حيث قامت السلطات المصرية خلال السنوات الماضية بتهجير أهل شمال سيناء من شريط حدودي بعرض خمسة كيلومترات، وهي المنطقة ذاتها التي تشير إليها بعض التوقعات باعتبارها المكان المقترح لتوطين الفلسطينيين الفارين من جحيم الاحتلال.
الحديث عن تنفيذ صفقة القرن ليس بعيدا عن هذه الشكوك أيضا، فهذا المصطلح ظهر لأول مرة على لسان السيسي نفسه في لقاء مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وجزء من هذه الصفقة حسب التسريبات توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء نظير حوافز مالية وسياسية كبرى لمصر.
الأزمة الاقتصادية الحالية، وخاصة أزمة الديون الضخمة التي حان موعد سداد جزء كبير منها لا تستطيع السلطات الوفاء به، تغذي هذه الشكوك أيضا، إذ أن السيسي لم تعد في يده من أوراق للخروج من مأزق الديون سوى إصدار صكوك بضمان إيرادات قناة السويس، والقبول بخطة التوطين في سيناء نظير إسقاط الديون أو جزء كبير منها
وفي تحقيق استقصائي لموقع "مدى مصر" نشره السبت (14 تشرين الأول/ أكتوبر) تحت عنوان "مصر تميل لقبول مشروط لأي نزوح فلسطيني تفرضه إسرائيل"، نسب إلى بعض المصادر "هذا الميل"، موضحا أن أسبابه "تتعلق أولًا بمعطيات الأمر الواقع. إذا تحرك مئات الآلاف من الفلسطينيين تجاه سيناء، بينما تدمر إسرائيل القطاع، وبالتالي لن يصبح أمام مصر سوى السماح لهم بالدخول، وفي هذه الحالة لم يعد السؤال حول ما إذا كانت مصر ستستقبل الفلسطينيين في حالة نزوحهم، الأسئلة الآن هي كيف، ومتى، وتحت أي شروط، بحسب تعبير أحد المصادر الحكومية".
الأزمة الاقتصادية الحالية، وخاصة أزمة الديون الضخمة التي حان موعد سداد جزء كبير منها لا تستطيع السلطات الوفاء به، تغذي هذه الشكوك أيضا، إذ أن السيسي لم تعد في يده من أوراق للخروج من مأزق الديون سوى إصدار صكوك بضمان إيرادات قناة السويس، والقبول بخطة التوطين في سيناء نظير إسقاط الديون أو جزء كبير منها، كما تم مع مبارك عقب مشاركة الجيش المصري في حرب تحرير الكويت ضمن التحالف الدولي حينذاك.
هامش.. تحية إلى الأزهر
بعيدا عن الموقف الرسمي وتفسيراتنا له، يبقى موقف الأزهر هو الأهم من بين ردود الفعل المختلفة في مصر، ذلك أن الأزهر يتجاوز الحالة المحلية المصرية إلى الحالة الإسلامية العالمية، وهو موقف وإن لم يكن جديدا على الأزهر إلا أنه كان الأكثر صراحة في دعم المقاومة الفلسطينية والتنديد بالاحتلال، ومطالبة الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بالتحرك لإنقاذ الشعب الفلسطيني. وقد شهدت ساحة الجامع الأزهر يوم الجمعة الماضي مظاهرة هي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات دعما للمقاومة الفلسطينية والحق الفلسطيني وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الفلسطيني التهجير غزة مصر فلسطين غزة تهجير طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطات المصریة طوفان الأقصى جیش الاحتلال هذه المرة فی سیناء
إقرأ أيضاً:
اكتشاف تاريخي| علماء يعلنون العثور على سفينة نوح بعد 5000 عام من الطوفان
تخيل أنك تقف أمام بقايا سفينة صنعت قبل آلاف السنين، حملت في جوفها أمل البشرية للنجاة من طوفان هائل غير وجه الأرض.. هذا ليس مشهدًا من فيلم خيالي، بل واقع قد يكون على وشك أن يتحقق، بحسب ما أعلنه فريق من العلماء الدوليين. فقد أكدوا عثورهم على بقايا سفينة النبي نوح في تركيا، تلك السفينة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى. فهل نحن أمام اكتشاف أثري يعيد كتابة التاريخ، أم انه مجرد أمر افتراضي يحتاج إلي المزيد من التحقق؟ دعونا نغوص في تفاصيل هذا الخبر المثير.
في منطقة نائية بتركيا، على بعد 30 كيلومترًا جنوب جبل أرارات، يبرز تل غريب الشكل يشبه القارب، يُعرف بـ"تكوين دوروبينار". يبلغ طوله 163 مترًا ويتكون من الليمونيت، وهو نوع من خام الحديد.
منذ عقود، أثار هذا التكوين الجيولوجي فضول الباحثين، لكن اليوم يقول فريق دولي إنه ليس مجرد تشكيل طبيعي، بل بقايا متحجرة لسفينة خشبية تعود إلى 5000 عام مضت، وهي الفترة التي يُعتقد أن الطوفان العظيم وقع فيها، كما ورد في الروايات الدينية.
تقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية كشف أن هذا التل كان مغمورًا بالمياه في الماضي البعيد، مما يدعم فكرة تعرض المنطقة لفيضان مدمر.
والأكثر إثارة أن العلماء يخططون لتحويل الموقع إلى مزار سياحي، ليصبح وجهة تجذب الملايين من حول العالم لرؤية هذا الإثر التاريخي بأعينهم.
أدلة علمية تثير الجدل
لم يكن الادعاء مجرد تخمين، بل استند إلى أبحاث دقيقة بدأت منذ عام 2021، بمشاركة جامعات مرموقة مثل جامعة إسطنبول التقنية، وجامعة أغري إبراهيم جيجن، وجامعة أندروز الأمريكية.
الفريق، الذي يعمل تحت إشراف "أبحاث جبل أرارات وسفينة نوح"، جمع 30 عينة من التربة والصخور حول "دوروبينار"، وأرسلها للتحليل. النتائج كانت مذهلة: التربة تحتوي على رواسب بحرية، بقايا كائنات مثل الرخويات، ومواد طينية تشير إلى فيضان قديم.
تأريخ العينات أظهر أن عمرها يتراوح بين 3500 و5000 عام، وهو ما يتماشى مع الفترة الزمنية للطوفان المذكور في النصوص الدينية.
أكد البروفيسور فاروق كايا، الباحث الرئيسي، أن المنطقة كانت موطنًا للحياة البشرية في العصر النحاسي، وأنها غُمرت بالمياه في وقت لاحق، مما يعزز فرضية وقوع كارثة هائلة. هذه الأدلة، التي قُدمت في الندوة الدولية السابعة حول جبل أرارات، أضافت مصداقية للنظرية التي طالما اعتُبرت أسطورة.
مقارنة تاريخية وتفسير جديد للأبعاد
بحسب الرواية الدينية، كان طول سفينة نوح 300 ذراع، وعرضها 50 ذراعًا، وارتفاعها 30 ذراعًا.
وإذا تم تحويل هذه القياسات إلى الوحدات الحديثة باستخدام الذراع المصري الموحد (52.4 سم)، فإن طول السفينة سيكون حوالي 157 مترًا، وهو قريب جدًا من طول تكوين دوروبينار البالغ 168 مترًا، مما يزيد من احتمالية أن يكون هذا الموقع هو موطن السفينة الحقيقية.
ردود فعل وتوقعات مستقبلية
لم تخلُ النظرية من الجدل، فبينما يرى البعض أن الأدلة واعدة، يطالب آخرون بمزيد من التحقق لاستبعاد أن يكون التكوين مجرد ظاهرة جيولوجية طبيعية. لكن إذا ثبتت صحة الاكتشاف، فقد يصبح "دوروبينار" شاهدًا حيًا على واحدة من أعظم القصص في تاريخ البشرية، وربما نقطة جذب سياحية تجمع بين التاريخ والروحانية.
بين الأمل والحقيقة
في زمن تتشابك فيه الأساطير بالعلم، يقف العالم على أعتاب اكتشاف قد يغير نظرتنا للماضي. سفينة نوح، التي كانت يومًا رمزًا للنجاة والأمل، قد تكون الآن أمام أعيننا، محفورة في صخور تركيا، تنتظر من يكشف أسرارها.