لماذا تدعم واشنطن إسرائيل دائما حتى في الأخبار المفبركة؟
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
لماذا تدعم الولايات المتحدة إسرائيل في جميع الظروف، حتى لو كانت تنتهك القانون الدولي بشكل واضح ولا تتعرض لعقوبات، وهو دعم يصل إلى ترديد الأخبار بدون التحقق منها؟
في هذا السياق، أوردت صحيفة "حرييت" التركية أنه رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن رفض مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب تشكيله حكومة مع اليمين المتطرف واتهامات بدعمه ترامب في الانتخابات، إلا أنه بعد الهجوم الأول لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأزمة الأسرى، لم يكن من المفاجئ أن يعلن بايدن والولايات المتحدة "مرة أخرى" الوقوف إلى جانب إسرائيل والاستعداد لتقديم المساعدة.
قيمة إستراتيجية
وأوضحت الدكتورة نورشين أتيش أوغلو جوناي، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة نيشانتاشي، في حديثها للصحيفة أن واشنطن تدعم تل أبيب في معظم الأحيان، وقد أعلنت الولايات المتحدة، التي لا تريد التخلي عن سيطرتها في الشرق الأوسط على المستويات العسكرية والاقتصادية والإستراتيجية، إسرائيل "حليفا موثوقا به".
كذلك، ورغم وجود بعض الصعوبات بين الجانبين من وقت لآخر، إلا أن هناك عناصر تربط إسرائيل والولايات المتحدة ارتباطا وثيقا "وحتى لو تغيرت الخطابات أحيانا، فإن سياسات الولايات المتحدة لا تتغير أبدا".
ويرى خبير العلاقات الدولية، هاكان أق باش، أن إسرائيل أصبحت شريكا إستراتيجيا موثوقا به في الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة منذ حقبة الاتحاد السوفياتي، حيث أصبح لإسرائيل دور مهم في تحقيق التوازن الإقليمي بالنسبة للولايات المتحدة.
وقال إن هناك تعاونا استخباراتيا وعسكريا وثيقا بين الطرفين، ويعملان معا في العديد من المشاريع التكنولوجية والاستخبارية، إلى جانب المشاريع الاقتصادية؛ حيث تستورد إسرائيل كميات كبيرة من الأسلحة والتكنولوجيا من الولايات المتحدة. فضلا عن أن الكونغرس الأميركي يوفر أكبر مساعدة مالية ومعدات لإسرائيل بموجب قانون تفويض الدفاع الوطني.
إلى جانب كل ذلك، فإن مجموعات ضغط قوية في الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، حيث يتعاون المرشحون الرئاسيون دائما مع هذه الجماعات ويقدمون وعودا لهم.
ويقول الدكتور حسين باغجي، رئيس معهد السياسة الخارجية بجامعة الشرق الأوسط التقنية وأستاذ العلاقات الدولية، إن اللوبي الإسرائيلي قوي في الولايات المتحدة، ويؤثر على موقف واشنطن في المنطقة.
قطع الرؤوس !
ويتجلى الدعم الأميركي الكامل كذلك في تبني كل الأخبار الواردة من إسرائيل من طرف أعلى قيادة في الولايات المتحدة، حتى لو كانت مفبركة كما حدث مع خبر قطع حماس رؤوس أطفال إسرائيليين الذي فبركته مصادر إسرائيلية وتحدث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن، فضلا عن وسائل إعلامية غربية مشهورة.
وذكر تقرير نشره موقع ميدل إيست آي أن وسائل الإعلام البريطانية هيمنت عليها تقارير عن مذبحة ارتكبها مقاتلو حركة حماس في المستوطنات في جنوب إسرائيل، وزُعم على نطاق واسع أنهم قطعوا رؤوس الأطفال.
لكن التقارير -التي اعترف عدد من الصحف نفسها بأنه لم يتم التحقق منها واعترض عليها صحفيون آخرون وأدانوها- أدت إلى اتهامات بأن المنشورات ربما كانت تنشر "أخبارا زائفة" و"تعمل كوكيل للدعاية الإسرائيلية" وتأجيج الإسلاموفوبيا.
وفي تقريرهما الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ذكرت دانيا عقاد وسيمون هوبر أن فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، نفسها أثارت مخاوف بشأن دقة التفاصيل في القصص داعية الصحفيين إلى توخي الحذر في تقاريرهم.
لهث وراء الفبركة
ووفق الكاتبين، تضمّنت تقارير العديد من الصحف الرائدة في المملكة المتحدة -بما في ذلك "ديلي ميل"، و"ذا صن"، و"ذا تايمز"، و"ديلي تلغراف"- تفاصيل عن عمليات القتل المزعومة لـ40 طفلا، بما في ذلك الأطفال الرضع، في العملية التي وقعت صباح السبت على كفر عزة بعد أن شنّ مقاتلو حماس هجوما عليها وهاجموا بلدات في جنوب إسرائيل.
وأبلغت عدة صحف، نقلا عما قاله جندي إسرائيلي لقناة "آي 24" الإخبارية الإسرائيلية، عن قطع رؤوس الأطفال الرضع أو "قطع حناجرهم".
وقالت صحيفة "ذا صن" في صفحتها الأولى "المتوحشون يقطعون رؤوس الأطفال في مذبحة". وقالت "التايمز" "لقد قطعت حماس حناجر الأطفال في مذبحة"، علما أن الصحيفتين مملوكتان لشركة روبرت مردوخ للأخبار في المملكة المتحدة.
وقال مارك أوين جونز، وهو أكاديمي يبحث في المعلومات المضللة في الشرق الأوسط، لموقع ميدل إيست آي، إن التغريدات حول القصة المتعلقة بـ "قتل 40 طفلا" حصدت 44 مليون تفاعلا بحلول منتصف صباح الأربعاء.
حملة منظمة
وأقرّ جونز بأنه لا يعرف ما إذا كانت هناك حملة منظمة وراء انتشار هذه الرواية، لكنه قال إن الروايات حول الأطفال المقتولين كانت "عاطفية" واستخدمت في حملات دعائية تعود للحرب العالمية الأولى لشيطنة الأعداء.
واستشهدت عدة صحف ومواقع إلكترونية كانت قد نشرت القصة؛ بتقارير الصحفية نيكول زيديك من قناة "آي 24" كمصدر رئيسي لها، وفي منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت زيديك "أخبرني أحد القادة أنهم رأوا رؤوس أطفال مقطوعة وأخبرني الجنود أنهم يعتقدون أن 40 طفلا قتلوا". وقال صحفيون آخرون زاروا الموقع إنهم لم يسمعوا أو يروا أدلة تدعم هذه التقارير.
والأربعاء الماضي، كتب أورين زيف، الصحفي في مجلة "+972″، على وسائل التواصل الاجتماعي أنه "خلال الجولة، لم نر أي دليل على ذلك، ولم يذكر المتحدث باسم الجيش أو القادة أي حوادث من هذا القبيل". وأضاف زيف أنه سُمح للصحفيين بالتحدث مع مئات الجنود في المستوطنات بدون إشراف فريق المتحدث باسم الجيش، لكن لم يتحدث أي منهم عن أطفال مقطوعي الرأس.
واجب التحقق
وكتبت بيث ماكيرنان، مراسلة صحيفة "الغارديان" في القدس "نظرت للتو إلى الصفحات الأولى في المملكة المتحدة اليوم وأشعر بالرعب من العناوين الرئيسية التي تزعم أن "حماس قطعت رؤوس 40 طفلا في كفر عزة".
والأربعاء، قال تال هاينريش، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لشبكة "سي إن إن"، إنه تم العثور على أطفال رضع وصغار "مقطوعي الرأس". وفي تصريحات لمحطة الإذاعة البريطانية "إل بي سي"، قال هاينريش إن "جنودا على الأرض" أبلغوا عن ذلك.
من جهتها، نفت حماس "بشدة الادعاءات الكاذبة التي تروج لها بعض وسائل الإعلام الغربية، مثل قيام المقاتلين الفلسطينيين بقتل الأطفال واستهداف المدنيين".
وفي حديثه إلى موقع "ميدل إيست آي"، قال متحدث باسم مركز مراقبة وسائل الإعلام -وهي منظمة تشجع التقارير العادلة والمسؤولة عن المسلمين والإسلام في المملكة المتحدة- إن مهمة الصحفيين التأكد من مدى صحة تفاصيل المزاعم التي تنشر.
وأشار إلى أنه "يجب التعامل مع أي ادعاءات من الجيش الإسرائيلي بحذر والتحقق منها قبل نشرها، ناهيك عن أن تصبح قصة في الصفحة الأولى".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی المملکة المتحدة الولایات المتحدة الشرق الأوسط میدل إیست آی
إقرأ أيضاً:
متلازمة «الإعلام هو السبب».. لماذا نبحث دائما عن شماعة؟
•• فـي كل مرة أناقش فـيها مسؤولا فـي قضية من قضايا الوطن السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافـية أو حتى الرياضية يخلص نقاشنا إلى عبارة متكررة دائما: «هذا دور الإعلام» أو «الإعلام هو السبب» فـيما وصلنا إليه، بل إن الأمر تجاوز المسؤولين إلى اعتقاد شبه جمعي أن «الإعلام هو السبب»، إلى حد اعتقدت معه أن الجميع مصاب بـ«متلازمة الإعلام هو السبب»!
•دائما عندما يكون الإعلام فـي قلب العاصفة، فهو العمل الوحيد، تقريبا، الذي يتابع الناس تفاصيله أولا بأول وأي خطأ فـيه يشاهده الناس على الهواء مباشرة، دون أي تجميل؛ ولذلك فإن الجميع يشتركون فـي الحكم على ما ينتجه الإعلام، كما يشتركون فـي توجيه أصابع الاتهام نحوه كلما حصل إخفاق مجتمعي أو أزمة قيمية أو برزت ظاهرة غريبة.. وتتكرر نفس السردية التي نسمعها فـي كل مكان: الإعلام هو المحرك، الإعلام هو المدمر، «الإعلام هو السبب»!. وهذا فـي الحقيقة تبسيط مخل جدا يعاد فـيه إنتاج وهم مريح بأن المجتمع، بكل مؤسساته، ضحية بريئة، والإعلام هو الجاني الوحيد.
•لكن، ماذا لو كان هذا الطرح مجرد إسقاط جماعي يخفـي الفاعلين الحقيقيين خلف ستار شاشة التلفزيون وعناوين أخبار الصحف اليومية؟!
•لا بد من القول إنني أكون سعيدا فـي ربط الإعلام بكل التفاصيل التي نعيشها ومرد ذلك أن الجميع يدرك أهمية عملنا الإعلامي فـي كل تفاصيل بناء وتشكيل المجتمعات، وفـي دوره باعتباره الوسيلة التي تعبر عن المجتمعات وعن آمالها وطموحاتها وفـي قدرته على صياغة الرأي العام، لكن سرعان ما يتبدد الأمر عندما تكال التهم، جزافا للإعلام، دون وعي حقيقي بالتفاصيل ودون رغبة فـي النقاش الحقيقي؛ فالإعلام فـي نهاية المطاف، لا يعمل فـي فراغ، بل يتفاعل مع بيئات سياسية واجتماعية تحدد له المساحة التي يتحرك فـيها؛ لذلك، فإن تحميله مسؤولية كل الإخفاقات المجتمعية هو اختزال مخل للأسباب الحقيقية التي تشترك فـيها السياسات العامة، والتعليم، والقيم الاجتماعية، وقدرة المؤسسات على احتواء التغيرات الثقافـية التي تحدث فـي المجتمعات، بل وفـي قدرة المجتمع على تحمل أدواره الحقيقية التي تشكلت عبر التاريخ.
•لا يمكن أن يتراجع المجتمع عن دوره فـي بناء القيم والأخلاق، أو تقصر المؤسسات الأخرى فـي عملها ثم يُتهم الإعلام أنه هو السبب.. ولا يمكن فهم توجيه أصابع الاتهام للإعلام فـي اللحظة التي تتصاعد فـيها الكثير من النزعات أو تسود أطروحات سطحية حتى فـي بعض المؤسسات الأكاديمية! وهنا علينا أن نطرح السؤال الأهم: هل هذه المشكلات من صنع الإعلام، أم أنه يعكس واقعا اجتماعيا أكثر تعقيدا مما يبدو لنا فـي الوهلة الأولى؟
•يوضح المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي والصحفـي إدوارد هيرمان فـي كتابهما الشهير «تصنيع القبول» كيف تعمل الأنظمة الإعلامية على إعادة تشكيل الوعي الجماعي بحيث يصبح من السهل قبول الكثير من القرارات دون مقاومة.. ما يحدث اليوم لا يختلف كثيرا، لكن هذه المرة، الإعلام نفسه هو الضحية، حيث يتم تصويره كقوة مسؤولة عن كل التحولات الأخلاقية والاجتماعية التي تحدث فـي المجتمعات ويبنى وعي جمعي وفق هذا الطرح، متجاهلين أن هذا الإعلام، فـي أغلب الأحيان، لا يعمل فـي معزل عن جميع مؤسسات الدولة، ولا يعمل بعيدا عن سياسة الدولة التي لها فلسفة واضحة ومسار على الإعلام أن يسير فـيه.
•وما أسهل أن يبحث الجميع عن كبش فداء أو مشجب تعلق عليه الأخطاء، ويبدو أن الإعلام هو الخيار الأمثل فهو مرئي للجميع ويمتلك قدرة على نشر الأفكار وبناء الرأي العام وحتى توجيهه ما يجعله «عدوا» مثاليا يمكن «شيطنته» بسهولة. لكن هذه التهم، التي يتحملها الإعلام والعاملون فـيه ويصبرون عليها، تخلق وهما زائفا يمكن شرحه عبر هذا التساؤل: لو كان الإعلام كما يتمناه كل واحد فـينا هل ستُحل مشاكل الجميع، أفرادا ومؤسسات؟! الإجابة العميقة سهلة جدا: لا، لن تحل!
•ويبدو أن هذا اللوم المستمر له وظيفة نفسية واجتماعية تتمثل فـي أنه يبعد المسؤولية عن الأفراد وعن الأسر وعن المؤسسات التعليمية وعن المساجد وعن الأندية ويلقي بها فـي وجه الإعلام. يحدث هذا فـي ظل غياب قدرة الأفراد على النقد والتفكير النقدي، وفـي ظل تحديات حقيقية تواجهها الروابط الأسرية وإعلاء مكانة الحوار فـي المجتمعات، فـيكال السخط على الإعلام باعتباره النموذج الذي يَعتقدُ الجميع أن عليه حمل المثالية والتمسك بها حتى النفس الأخير. وهذا فـي حد ذاته يُشعر العاملين فـي الإعلام بالفرحة.. ولكن أيضا بالمسؤولية الكبيرة التي تحتاج إلى دعم كبير من كيان الدولة ومن جميع مؤسساتها.
•وهذا الطرح ليس طرحا محليا، فقط، ولكنه طرح عالمي. وتشير الدراسات فـي أمريكا إلى أن الإعلام كان متهما على الدوام بدوره فـي تفكيك الشكل التقليدي للعائلة، وفـي أوروبا، يتهم الإعلام بأنه وراء النزعة الفردية، أما فـي العالم العربي فإن أكبر وأخطر تهمة توجه له بأنه وراء انحلال القيم العربية الأصيلة!
•هل الإعلام هو السبب فعلا؟ أم أنه مجرد مرآة تعكس تحولات مجتمعية أعمق؟ شأن الإعلام مثل شأن كل مؤسسات الدول، فهي لا تعمل فـي معزل عن سياسة الدولة وعن اقتصادها وعن حركة المجتمع فـيها وعن خططها الاستراتيجية، وكلما مُكّن من أداء دوره استطاع أن يكون مُرضيا أكثر واستطاع أن ينجح فـي بناء الوعي الحقيقي المناط به فـي المجتمعات وتمكينها من فهم الحقائق التي تشكل المجتمع وتشكل وعيه وتحدد حركته فـي السياق التاريخي، وفـي غياب تمكين الإعلام، وتمكينه من أدواته يكون أكثر عرضة للهجوم والإشارة له بأصابع الاتهام.
•صحيح أن الإعلام أداة من أدوات التعليم لكنه لا يمكن، ولا يراد له أيضا، أن يكون بديلا عن المؤسسات التعليمية والسياسية والاجتماعية التي عليها القيام بأدوارها فـي بناء وتوجيه الناس. وعندما لا تقوم المؤسسات بأدوارها فإن الإعلام لن يستطيع، قطعا، سد هذه الفجوة، بل سيكون مجرد ساحة لمحاولات قد لا يكتب لها النجاح هذا إذا كانت إمكانيات الإعلام تسمح له بذلك من حيث الموارد المالية ومن حيث التمكين.
•وإذا أردنا تجاوز هذه «المتلازمة» التي تحاصر الإعلام فعلينا التوقف عن استخدامه كذريعة، والبدء فـي مساءلة جميع مؤسسات المجتمع عن أدوارها لفهم أين يكمن الخلل. مساءلة التعليم ومساءلة العائلة والأسرة عن دورها فـي بناء القيم.. إلخ.
•إن معركة أي مجتمع قوي لا يجب أن تكون ضد الإعلام بل ضد الجهل والتجهيل. رغم ذلك فإن الإعلام ليس كامل البراءة، ومن كان يوما كامل البراءة؟!، لكنه، أيضا، ليس العدو ولن يكون كذلك، فهو جزء من بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية. والتغيير الحقيقي الذي نريده لا يأتي من لوم الإعلام فقط، بل من خلق بيئة واعية قادرة على قراءة وتحليل ما يُعرض عليها، ومساءلة مؤسسات المجتمع. •
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان