جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-16@09:52:44 GMT

الوجه القبيح لحضارة الغرب العنصرية

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

الوجه القبيح لحضارة الغرب العنصرية

 

حمد الناصري

 

قد لا يستغرب أغلب القراء عنوان المقال، فلطالما تعوّدنا على أن نكون نحن المُسلمين موضع الاتهام الوحيد في كل صراع أو أزمة يكون الطرف المُقابل من غير المسلمين ولكن هذه المرّة تجاوز الغرب كل الخطوط الحمراء بعنصريتهم وصَفاقتهم.

ولنضرب أمثلة واقعيّة على الماكينة الإعلامية وتصريحات المسؤولين الغربيين فقد تناولت "صحيفة الأحداث الأمريكية"، تصريحات دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة السابق بكثير من الامتعاض والسخط والغضب وقد أثار تصريحه حول قيام نتنياهو بمدح حسن نصر الله أمامه ضجّة في أمريكا وبلاد الغرب قاطبة وهو الذي عُرف بصراحته مُنتقدًا إياهُ بقوله "إسرائيل بحاجة إلى تصويب الأمور"، وذلك عقب طوفان الأقصى التي نفذته قيادة المُقاومة الفلسطينية "حماس".

مُعقبًا على المعلومات الاستخباراتية التي لم تتحدث عن القرارات التي اتُّخِذت أو الأحداث التي حدثت بشكل خاطئ.

وصرح ترامب، أنّ عليهم- أيّ إسرائيل- تصحيح الأمر لأنهم يُقاتلون "قوة كبيرة جدًا مُحتملة"، وهي إشارة إلى المُقاومة الفلسطينية بكل أطيافها.. فأين شفافية وديمقراطية الإعلام الغربي ولماذا يُهاجمون رجلًا يقول الحقيقة بلا رتوش لأنها تتعارض مع مصالح الغرب العنصرية.

وفي مكان آخر من الأرض وفي فرنسا تحديدًا كان لتصريح وزير العدل الفرنسي اللاأخلاقي واللاّديمقراطي والذي يُذكّرنا بعهد النازية والفاشية في أوروبا، إذْ يقول "من يتعاطف مع حماس سيتم سجنه 5 سنوات ومن يُغرد لصالحهاـ أي لصالح المُقاومة الفلسطينيةـ في مواقع التواصل الاجتماعي سوف يُسجن 7 سنوات".

تصريح كهذا لو صدر من زعيم عربي لاتُّهم بالعنصرية والديكتاتورية والطغيان إلى ما لا نهاية من التهم الجاهزة، وهذا الكلام بلا أيّ شك فاشي عنصري صِيْغ وفق مبادئ لا إنسانية ومعايير لاوجود لها إلّا في عقول طُغاة العصور المُظلمة في أوروبا.. ومن هذا المفهوم الازدواجي في تبرير التحيّز والظُلم وانتهاك حقوق الإنسان يَنبغي على كل إنسان حُرّ في أي جزء من الأرض الرد عليه ووفق الأسس التي تقوم على فقه المبادئ الإنسانية، فجميع الأطراف تقف على قدم المُساواة أمام القانون. والكيل بمكيالين يُعدّ انتهاكا لمبدأ العدالة المعروفة باسم الحياد، والذي يقوم على أساس افتراض أنّ نفس المعايير ينبغي أنْ تُطَبّق على جميع الناس، والتحيّز بكل أنواعه مرفوض سواء على أساس الطبقة الاجتماعية، أو العرق أو الجنس أو الدين أو الجنسية أو شكل آخر من أشكال التمييز.

وسَمعنا وشهدنا في الأيام القليلة الماضية تصريحات من مسؤولين أوربيين يُفترض أنهم يُمثلون أنْظمة ديمقراطية تحمي حقوق الإنسان كلامًا ومَواقف، فأقل ما يُقال عنها أنها ظالمة وعنصرية ولا تصلح في أكثر الأنظمة ديكتاتورية وقمعًا في العالم ولو عُدنا لإجراء مُقارنة بسيطة لتعامل دول الغرب وخاصة هولندا، مع لاجئي سوريا وأفغانستان وتعاملها المُختلف كليًا بالمُقابل اتجاه لاجئي أوكرانيا.

كما نجد في تهافت الغرب تصريحات فجّة، فها هو ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا صرح بقوله "نرفض المُساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأنا بجانب إسرائيل" فهل هذا مَنطق رئيس حكومة؟ وهل الإسرائيليون بشر والفلسطينيون مَخلوقات أخرى؟

أعجبني مقطع مُصور للمغني البريطاني روجر ووترز الذي وجه سؤالًا عبر تسجيله مقطع فيديو يقول فيه: "أتلقى من كل أصدقائي، قانونيين فلسطينيين، ولي الكثير من أصدقائي في إسرائيل والعديد من الأصدقاء في جميع أنحاء العالم من أمريكا الجنوبية، كولومبيا، تشيلي، سنتايغو ومن أماكن أخرى في أمريكا.. وكلهم يقولون نفس الشيء، إنّ ما يحدث مثلا في حي الشيخ جراح في القدس، حيث لا يزال بايدن مستمرًا في تقديم الدعم الكامل لإسرائيل، فهل تدعمون هذه الإبادة الجماعية وطرد الناس من منازلهم.. كيف ترى ذلك يا جو بايدن؟". وقال "تخيّل يا بايدن، أن تكون جالسًا في منزلك، حيث عاشت عائلتك لمئات السنين، ويأتي أحمق ما ويقول هذا المنزل لي، أنا مُستوطن وسوف آخذ منزلك منك؟ لا أهتم ما يحدث لك .. سيكون الأفضل أن تموت؟ هذا أمر لا يُصَدّق، إنه يُثير غضبي للغاية.. ما الذي تستطيع القيام به؟ سأخبرك ما تسطيع القيام به. فقط تستطيع أن تسجل فيديو كهذا وتنشره، أما بالنسبة لي فأنا أقول إنه يُحَطّم قلبي، وأنا سعيد جدًا لأنّ منظمة هيومن رايتس ووتش تتبع خطوات المُنظمة الحقوقية الإسرائيلية "بيتسليم" والتي أعلنت قبل أشهر أنّ إسرائيل دولة فصل عنصري".

وقال أيضًا: "لدينا موقف ضِد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لكن الأمر يختلف أو اختلف حينما كان الأمر يتعلّق بإسرائيل". وقد ختم المقطع بقوله "سأبدأ بحملة لإقناع الفيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم للتوقف عن لعب كرة القدم ضد الأندية الإسرائيلية، هذا من شأنه أن يجذب الانتباه، وذلك ما حدث في جنوب أفريقيا، مثلًا".

خلاصة القول.. أعتقد أنه آن الأوان لِمُعاملة سياسيي الغرب العُنصريين بما يَستحقون من احْتقار، والتصدّي علنًا لطروحاتهم الفاشيّة تجاه شُعوبنا الإسلامية والعربية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!

••هل تنهض المجتمعات لخصائص ثقافية متأصلة فيها أم يعود الأمر لسبب آخر؟ إن هذا السؤال يحتل موقعاً مركزياً في البحوث الاجتماعية المعاصرة، ويراد به فحص الجدل الدائر حول أسباب النهضة والتقدم الاجتماعي، ولعل طرحه يعود لفترة أقدم حين اطمئن علماء الأنثروبولوجيا إلى فرضية علاقة القيم الثقافية بقضية النهضة في الحياة الاجتماعية من مناحيها كافة، فالبعض منهم وضع شرطاً أساسياً لتركيز عمليات النهضة، وهو تحصيل التعليم وبناء المؤسسات، ولكن أكبر انعطافة هددت وثوقيات الاجتماعيين حول دور القيم الثقافية واعتبارها المرتكز الأساس في نهضة الشعوب، كانت على يد جاك غودي (توفي 2015م) الأنثربولوجي الإنجليزي والمحاضر الأشهر في جامعة كمبريدج، وغودي ومنذ الستينيات حين أصدر كتابه «محو الأمية في المجتمعات التقليدية «1968م» استطاع هدم الأساس الذي تقوم عليه المركزية الأوروبية ابتداءً من عصر النهضة وحتى الآن، وهي فرضة تشدد على أن ثمة خصائص «أوروبية بالطبع» موروثة من الحضارات اليونانية واللاتينية ثم من الأديان يهودية ومسيحية كلها هي التي مكَّنت لهذا الغرب من إنجاز عمليات النهضة، وما أعاق هذه العمليات في المجتمعات الأخرى هو فقدانها هذه الخبرة الثقافية المستندة إلى العقلانية والتي تنتشي فيها روحانية الشرق، وبذا فإن العالم الغربي تقدم لأنه صنع تاريخاً علمياً تسنده قيم ثقافية مكتسبة من سياق معرفي خاص، هو سياق الذات الغربية من اليونان وحتى عصر التنوير لينتج نهضةً ثقافية شاملة، أما غودي فإنه يقف على النقيض من ذلك تماماً، ويرى أن هذه السردية معرضة دائماً إلى التزوير وطغيان الأنا أكثر منها حقيقة اجتماعية، ليقول في تحليله أن تقدم جزء من العالم في الوقت الذي يتزامن معه ركود في أجزاء أخرى لا يعود إلى الخصائص الثقافية المتأصلة في طرف وغائبة في آخر، بل إن مسألة التقدم خاضعة وباستمرار لديناميكيات يمكنها أن تتوفر وفق عمليات مستمرة من التحديث الذاتي.

•وغودي نشر في العام 2007م كتابه «سرقة التاريخ» وهو بيان متماسك عن الكيفية التي استطاعت بها أوروبا أن تنسب لنفسها تراثاً علمياً لا يخصها بالدرجة الأولى، بل الأمر يشبه «السرقة» وأنها بموجب هذا التراث المركب بعنف التدوين بنت عليه قيماً إنسانية، قالت أنها أوروبية، أوروبية فقط، ويشير غودي إلى أن هذه المركزية أجبرت بقية العالم على ارتداء أقنعة تفكير لا تبصر معالم للتقدم إلا من وجهة نظر غربية في الأساس، واستمراراً في مشروعه صدر كتابه «الشرق في الغرب» والذي يعد نظرية في فضح الإدعاء الغربي بامتلاك العالم وصناعته بل وصياغة قيمه بشكل أحادي ومطلق، وقد صدر هذا الكتاب في نسخته العربية بترجمة محمد الخولي، والحقيقة أنه لا عذر لمن يشتغلون في المسألة الاجتماعية متخصصون ومهتمون من الإطلاع عليه ودراسته ونقده، وذلك للفائدة العظمى، ليس فقط كونه يفضح عمليات التنهيب التي مارستها أوروبا على العالم، وكيف صنعت أقانيم خالدة تحط من قدر كل ما هو غير أوروبي، بل الفائدة الأكبر تعود إلى كونه منجز محكم التأسيس قوي الحجة، ولدقة أحكامه فإنه يطرح التساؤل حول، متى أصبح الأوروبيون على وعي بتفوقهم بالنسبة إلى سائر الأمم؟» وفي إجابته عن هذا السؤال يقدم لنا مادة تحليلية عميقة وذات تكوين متسق يفسر بها بعض المقولات التي صنعت هذا التمايز، بل ويقوم بتفكيكها بشكل منهجي عظيم. ويستمر الرجل في هدم التصورات الأوروبية حول مركزية الغرب ضد الشرق، ويرى أن حضارات أوروبا وآسيا نشأتا من أصل واحد، بل ويرى في منجزات الفكر السياسي الأوروبي المرتبط بتطور ظاهرته الاجتماعية كونها استندت على ترسانة فكرية هي أسس عمليات التطور الاقتصادي، فإنه يرى من ضمن مقولاته الهادمة لخديعة الغرب بأن الديموقراطية ليست صناعة غربية، فهو يرى أنه إذا كان القرن الخامس عشر هو بدايات هيمنة أوروبا على العالم، وهي هيمنة أفصحت عن نفسها بمقولة رئيسة وهي أن الشرق المتخلف يحتاج إلى النهضة، والتي لن تتم إلا على يد الغرب، فإن وسم الشرق بالتخلف لا يعدو إلا عملية احتيال ممتازة العرض، فالصين ظلت البلد الأقوى في صناعة البارود منذ زمن بعيد، وهي الصناعة التي مكنت لأوروبا التوسع وغزو العالم، ولولا البارود الصيني لما استطاعت القيام بهذا الكم من عمليات الغزو لعدد من البلدان، وهو هنا يشتبه بقوة في رواية التقدم الغربية تلك التي صنعت لنفسها مساراً خطياً يبدأ من بترارك «فرانشيسكو، أحد أعمدة التفكير الإنساني في عصر النهضة» وحتى ديكارت صاحب نظرية الشك وقواعد المنهج، ويرى الأمر مجرد خدعة، فكونها «أوروبا» اعتمدت في نهضتها على بناء أسطوريتها القومية، هي تلك التي استعادت اليوناني وأدمجته في ذاتها الاجتماعية لتقول بثبات عمليات النسب الحضاري فيها، والرجل محق فالأمر ليس إبداعاً أوروبياً فالحقيقة أن عمليات استثمار الماضي هي دينامية مستقرة في أي بناء اجتماعي متحرك.

•لقد تركز نقد غودي على «عصر النهضة» أو بالأدق على الجانب المظلم في هذه السردية، وأن الأمر ليس كما تعرضه المركزية الغربية وهي تبشر بحداثتها إبان عصر التنوير، وأنه لا صحة لهذه السردية القائلة بتواصل عمليات الانتقال الحضاري منذ اليونان وحتى إيطاليا النهضة، بل يرى أنها فترات عاشت فيها الذات الحضارية الأوروبية انقطاعاتها الكبرى، فسقوط الإمبراطورية الرومانية، وبدأ اعتناق شعوبها المسيحية، ثم ظهور عهد الإقطاع وما تلاه من تطور في الاقتصاد السياسي فإنه لا يمكن والحال كذلك أن نطمئن لوجود منظومة قيم ثقافية هي سبيل لأوروبا للحصول على التفوق الحضاري دون غيرها من الأمم..

•إن جملة المناقشات حول الغرب والشرق ظلت خامدة ودون تأثير إلى أن قام جاك غودي وبفضل قدراته استخدام مناهج التحليل التاريخية والتجريبية والمقارنة في علم الاجتماع من فتح مسارات جديدة لفهم هذه العلاقة، نعم هو يريد الذات الغربية محل للدرس، وليس الآخر، فالآخر يظل انعكاس لعمليات التحليل عنده، ولذا فإن سجالات النهضة العربية لن تفلح في بناء حقائقها دون الوقوف الجاد على جدل النهضة والتقدم في الكتابة الغربية، وغودي هو أحد أهم الأمثلة المنتجة لفهم جديد في سياق علاقات الغرب والشرق، بل إن حتى الفضاء السياسي الذي يصر على احتقاب نظرة متعالية ضد كل ما هو شرق، وبالتالي عربي هو الآخر فضاء يقوم على بنية معرفية أهم ملامحها الخديعة بوجود تفوق وامتياز غربي مطلق كونه عقلاني النزعة، ضد تخبط وتراجع مستمر لشرق عاطفي التوجه، والدعوة هنا أن نبنى فضاءً تداولياً بين المعرفي في الغرب والشرق، لا أن نكتفي بالصدى دون فهم حقيقي لجذور الوعي الغربي، حينها فقط ستكون أشغالنا مستقلة وليست مجرد ردود أفعال مكتومة.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

مقالات مشابهة

  • كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • بالذكاء الاصطناعي .. سعاد حسني الوجه الإعلاني لبرامج وزارة التضامن
  • مدير مدرسة ثانوية يعتدي على طالبتين بالضرب ..فيديو
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • إخضاع 50 جامعة أمريكية للتحقيق بتهمة العنصرية ضد مواطنين بيض وآسيويين‎
  • المرغني: لا للدعوات الغوغائية العنصرية المفزعة ضد اللاجئين والمهاجرين
  • تصريحات صادمة.. مُحسن جابر: “لا أرغب في الحياة”.. وهذه خليفة “أم كلثوم” وأمنيتي الأخيرة
  • تصريحات صادمة.. مُحسن جابر: "لا أرغب في الحياة".. وهذه خليفة "أم كلثوم" وأمنيتي الأخيرة
  • صحة الدقهلية: الفريق الطبى بمستشفى شربين ينجح فى إجراء أولى جراحات الوجه و الفكين