في حي الضاحية التابع لمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء كان اللقاء، ولما لا نلقاها وهى شيخة وأم المجاهدين فى سيناء. منجم الأسرار ناضلت ضد الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، محترفة فى تجارة الملابس والأقمشة، فنانة فى شغل التطريز والنقش على الملابس، تحمل ذكاءً فطريًّا رغم أنها لا تجيد القراءة ولا الكتابة.. كتبت سطورًا خالدة فى سجلات بطولات أبناء سيناء الوطنية منذ بداية حروب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر 1973، إنها الحاجة فرحانة حسين سالم سلامة، شيخة المجاهدين فى سيناء والمولودة فى الخامس والعشرين من سبتمبر 1933، "الوفد" حلت ضيفاً على العقلية المخابراتية الفولاذية وكان اللقاء الذى كشفت فيه أسرار خريطة مطار الجورة واعتراف ابنها عليها فى إحدى نقاط التفتيش الإسرائيلية، وكيف كانت تكتب وتبعث رسائلها.

إطلالة تحمل عبق تاريخ نضالى

مُستندة إلى مشاية حديدية وبخطوات حانية تضع قدماً وتجر الأخرى، تخرج علينا من غرفتها بإطلالة تحمل عبق تاريخ نضالى، ملفوفة بطرحة طويلة بيضاء مطرزة بأوراق الزيتون، مرتدية الزى السيناوى الأسمر،  ونحن جُلوس فى صالة شقة بسيطة مفروشة بقعدة عربية، قائلة: مرحبا مرحبا.. والله يا شباب ويا بنات بريزة ممسوحة.. الحمدلله.. الحمد لله". رفضت التصوير فى البداية قائلة: بلاش تصور. وبعد محاولة اقتنعت ووافقت.

تاريخ يُقرأ وحكايات تروى

قصة كفاح شيخة المجاهدين فرحانة حسين سالم تاريخ يُقرأ وحكايات تروى تكشف عن معدن أصيل لشخصية عظيمة بدأت نضالها بين صفوف المجاهدين ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد النكسة حسب ما قال ابنها عبدالمنعم إبراهيم حسين خلال لقائنا معهما داخل منزلهما.

علم مصر مشغول بأديها


أوضح أنها بدأت العمل النضالي، مثل الكثير من أبناء العريش وسيناء بالانضمام إلى منظمة تتعاون مع المخابرات الحربية، تخدم الجانب المصري مشيرًا إلى أنها خطوة فوق الرائعة، لأنه كانت مصر تريد الحصول على معلومات عن العدو الإسرائيلي عن طريق أبناء سيناء، وكانوا مجموعة عمل تمارس دورها تحت ستار تجارة الأقمشة، الأمر الذي أتاح لها التنقل من مكان إلى آخر ، ما سهل لها عملها فى تجميع المعلومات ورصد تمركزت قوات العدو الإسرائيلي.

وأشار إلى أنه قبل انضمامها شاع فى المنطقة أن الحاجة فرحانة حسين سالم إنسانة قوية وعندها كارزمة ومجتهدة تتعامل بأمانة وإخلاص، فكل الكلام ده وصل إلى القيادة المركزية فى المخابرات المصرية بالقاهرة، فقالوا هنبعت ناس من قدامى المجاهدين فى الوقت ده منهم  الشيخ حسين أبو عرادة وناس كتير جاءوا البيت، وهى بكل صراحة لبت النداء وقالت أنا كلى فداء وطنى.. وبعد موافقتها، بدأ تدريبها فى قيادة  المخابرات فى مصر لمدة 6 أشهر، وحظيت بتدريب على أعلى مستوى على كيفية تجميع المعلومات وكيف تتعامل من المواقف، وازى تمشى فى الطرق، وكيف تتعامل فى أصعب الظروف التى تمر بها، وماذا لو تم كشف سرها. وبعد أن أتمت تدريب 6 أشهر بدأت تنطلق.


مهام شاقة للحاجة فرحانة


وكشف عن دورها الذى يتمثل رصد تمركزات قوات العدو الإسرائيلي وأعداد الدبابات والجنود، والسيارات رغم أنها لا تجيد القراءة ولا الكتابة، غير أنها كان لديها مهارة فى حفظ الرموز والنقوش الموجودة على سيارات العدو، ثم تقوم برسمها ونقشها على القماش ثم تطريزها على ثيابها، التى ترتديها حسب سلو كل بلد تذهب إليه، بطريقة عبقرية تُدرّس، لتقوم بنقل المعلومات إلى الجانب المصري من أشخاص آخرين وهى، وبعد أن يتم الحصول على المعلومة ويتم كتابتها على القماش بالتطرير والنقش تضعها داخل طيات الملابس فى لياقة أو ذليل التوب البدوى من أسفل، ثم تغلق عليها بالخياطة والتطريز، وتمر عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية إلى الجانب المصرى، ثم تقوم بفك الخياطة واستخراج القماش المطرز بالرسائل وتسلمها إلى المخبرات المصرية ثم يبدأون التعامل معها، فكانت تتستر تحت ثياب كل منطقة تذهب إليها؟

 

 

اعتراف في لحظات فارقة

وفى إحدى المرات كانت هناك لحظات فارقة، إذ كان عندى 4 أو 5 سنوات، طفل لا يدرك ماذا يقول، فرأيتها طوال الليل تعمل على تطريز الرسائل ووضعها داخل ذلك الثياب وتسرفل عليها من أسفل، ثم تقوم بخياطته مرة أخرى، فى هذا الوقت أنا شايفها وهى بتعمل جواب على القماش، وعندما وصلنا إلى نقطة التفتيش اليهودية، تم تفتيشها كاملة ولم يلحظوا إى شيء، غير أننى بعقلية الطفل أصررت أمام المفتشة اليهودية على أنها معها جواب، فقلت: "والنعمة والنعمة معاها جواب"، لكن لأنها تمتلك سرعة بديه وذكاء فطري، فقامت فقرصه قرصة شديدة جداً انتفض منها فى بكاء شديد لم ينقطع، من أجل التمويه على الكلام، الأمر الذى دفعهم إلى طرح الأسئلة، لماذ يبكى؟ فقال لهم لأنه جعان فأحضرت له المفتشة اليهودية عيش وبلوبيف، فأخذتها، ومشينا، وبعدها قالت لى “ياك تطفحه”.

 

خريطة مطار الجورة

من المواقف المؤثرة فى مسيرة شيخة المجاهدين فى سيناء الحاجة فرحان، عندما طُلب منها خريطة مطار الجورة العسكرى، كيف ستحصل عليها فى الوقت الذى لا تجيد التصوير، فدفعها ذكاؤها الفطرى إلى تكليف شخص معه جمل ليسير معها هذا المشوار، (هذا الرجل تزوج أربع نساء ولكن لم يُكتب له الخلفة، فعندما قابلها قالت لها : إن شاء الله هتخلف")، بعدها حصلت على الخريطة وخبأتها داخلى طيات ملابسها، ومشيت مئات الكليومترات سيراً على الأقدام فى صحراء ساخنة حتى أدميت قدماها، كانت تمشى من خلفها الجمل مع وضع جريد النحل والهايش وعيدان القصب وجلد ماعز حتى يختفى أثر الأقدام طول رحلتها وتستريح من منطقة إلى أخرى فى بئر العبد أوغيرها من المدن الحالية، إلى أن وصلت مثلث القنطرة (القنطرة شرق)، فأمسك بها عسكرى مجند مصرى ومعها الخريطة، وهو لا يعرفها، فقام بتسليمها إلى ضابط الجيش المسئول، فعندما علم أن فرحانة معها خريطة مطار الجورة، فمن فرحته قبل رأسها وحضنها وقدّم لها أفضل واجب.. وتتدخل فرحانة فى الحديث قائلة: كان التليفون انقطع وطلب عربية جات، وراح يجيب أكل لم يجد فجاب طبق بلح رطب، غسله ووضعه أمامي، وجاب سمك وكان عايز يسويلى أكل، والعربية كانت هتيجى تخدنى أبيت فى القنطرة، وحراسة 10 عساكر 5 يمين و5 شمال، نزلونى بيّت فى القنطرة.
ويواصل عبدالمنعم ابن الحاجة فرحانة: بأن الضابط أحضر لها بلح رطب وأخذ يطعمها وشوى لها سمك وأكلها، واتصل بالتلفون بأحد الأشخاص فأحد سيارة ليأخذها كتى تبيت فى القنطرة، إلى أن أوصلت الخريطة بيدها إلى مقر قيادة المخابرات الحربية المصرية.


النقش على الرمل والقماش


ظلت فرحانه تواصل أعمالها البطولية ، فطلب منها حصر سيارات قوات العدو ذهاباً وإياباً فى الشوارع، لكي يتم عمل حصر مبدى لقوات العدو فى ذلك الوقت، فكانت تجلس على الشارع فترصد السيارة، ثم تقوم بنقش الارقام والحروف بالعبرى على الرمل، حتى لا تنسى،  فهى لا تقرأ ولكن تنقش الكلام والحروف نقشاً، ثم بعد الرجوع تقوم بنقشها على القماش، ثم تعود إلى مصر فتذهب إلى القيادات فيضعون لها رمالاً فى صنية لتقوم بنقش العلامات عليه ثم يقومون بترجمتها إلى اللغة العربية ومن هنا يقدروا يعرفوا عدد السيارات.

لا إلة إلا الله .. من نقوش الحاجة فرحانة


وأشار عبدالمنعنم إلى أن من الأشياء التى أثرت فيه شخصياً أنهم بعد حرب 1967 هاجر والده ووالدته لسمالوط بالمنيا، ثم عندما كانوا مهجرين إلى مديرية التحرير بالبحيرة  كان لا يعرف حقيقة عمل والدته، فكانت تذهب إلى سيناء على اعتبار أنها تتاجر فى الأقمشة، حسب الرحلة شهر أو شهرين أو 3 أشهر، وكان الموضوع سريًّا تماماً، وكنت أتأثر عندما أشاهد أرجلها وهى متأثر بحتباس الدماء فيها نتيجة المشى الكثير على الرمال الساخنة، فكانت تقول "أقدامها شبعت" بمعنى إنها من كثرة المشى احتبست الدماء فى أصابع أرجلها، من هنا فهمنا قيمة ما تفعله أمى من نضال وما تبذله من مشقة وتعب من أجل رسالة سامية هى حب الوطن. 
شيخة المجاهدين فى سيناء كانت تخبر أيضاً بنجاح مهمتها عبر إرسال برقية عبر الإذاعة تقول فيها: أنا أم داؤد أهدى سلامى إلى إخوانى وإخواتى فى الأراضى المحتلة. وبمجرد وصول البرقية، يفرح المجاهدون ابتهاجاً بنجاح فرحانة فى مهمتها.

نضال أم المجاهدين فرحانة عند القبض عليها


من الموقف المؤثرة فى نضال أم المجاهدين فرحانة عند القبض عليها، فهى كان لديها شعور بذلك، لأنه أشيع فى ذلك الوقت أن اليهود يبحثون عنها، وهى فهمت انهم يلاحقونها، وعندما تأكدت أنهم سيقبضون عليها لا محالة خرجت من البيت الذى كانت فيه حتى لا يتضرر أصحابه من العدو، وألقوا القبض عليها، فأخذوها على كرم أبو سالم، وكان لهم طريقة مختلفة فى الاستجواب، فكانوا يأتوا لها بالطعام والشراب، لكن هى كانت على دراية كافية بالتعامل مع مثل هذه المواقف، وتأخذ حذرها من كل شيء، حتى الساعة التى وضعها الضابط الاسرائيلي على المكتب، فكرتها إنها ممكن تسجل، لكنهم قالوا لها نحن نريداً طلباً واحداًـ وأنت اطلبى اللى انت عايزه. قالوا لها إحنا عايزين عطية سالم، (عطية سالم رحمه الله، كان المسئول عن مجموعة المنظمة المجاهدين فى سيناء بالكامل، ومُسيّر أمورها)، فقالت لهم أنها لا تعرفه ولا عمرها شافته، فأخذوا يستجوبونها أكثر من مرة ولكن لم يستطيعوا فك طلاسمها، فتركوها الى حال سبيلها، وعندما خرجت بلّغت عطية سالم بما حدث، كما بلغت المسئول عنها بالقيادة شريف عزت أيضاً.

طائرة يهودية

وقالت فرحانة إن فى بعض المرات ظلت طائرة يهودية تلاحقها فى كل الأماكن وينشنون عليها بالرصاص، الأمر الذى دفعها إلى الاختفاء داخل جزوع النخيل الصغيرة، إلى أن مرت الطائرة، ومشيت فى سلام.

تكريم الرئيس السيسى لها


وعند سؤالها عن تكريم الرئيس السيسي لها قالت: إنها عرفته منذ زمن وجلست معه دون أن تنطق بأي كلمة معه، إنه من أحسن وأفضل الرجال فى مصر، وأشارت إلى أنها تعاملت معه عندما كان مديراً للمخابرات الحربية، ولكن لم تكشف عن أى تفاصيل، مشيرة إلى أنها تشعر بالأمان والاطمئنان وهى تشاهد أبناء مصر من الجيش وهم فى سيناء يقاتلون الإرهاب.
شيخة المجاهدين تعشق الجيش المصرى لدرجة أنها بمجرد أن ترى أى فرد منه تنادى عليه وتدعى له وتكرمه، وتتأثر جداً عندما ترى مشاهد نصر أكتوبر وتحطيم خط بارليف، فتنساب الدموع من عينيها، على شهداء الوطن، قائلة: "لو العمر بينشرى أشتريه .. وأرجع أناضل تانى زى دُول".
أم المجاهدين لها محبون يزورونها، منهم  عبدالكريم الشاعر وإسلام عروج ، كانوا يستمعون إلى كلامها ونصائحها، كما أنها هى أول من تبرع لفكرة إنشاء مستشفى حياة ، لها ممن الأولاد 3 أولاد: هم  عبدالرسول 72 عاماً، ودوود 62 وعبدالمنعم 59 سنة لهم كثير من أحفاد.
ووجهت الحاجة فرحانة حديثها إلى محرر الوفد قائلة: يا أبو نضارة واللى معاك.. انتم فى قلوبكم حساسين انكم جايين علشان بتحبنى ولا علشان مصلحة؟" فكانت الاجابة إننا جايين ننبسط ونفرح بيك، الأمر الذى دفعها إلى اعطائنا كلمة لا إله إلا الله، منقوش على القماش كما كانت تكتب رسائلها، وأخذت فى الدعاء للموجودين.

صورة بطاقة الحاجة فرحانة 

 


حلم فرحانة 


الحاجة فرحانة نفسها تشوف مستشفى حياة للأورام على أرض الواقع، هذا المستشفى التى تعد من أول من تبرع من أجل إنشائه، لأنه لا يوجد مستشفيات للأورام فى العريش.  

شيخة المجاهدين تقول إنها تنتظر الموت، فما أن تسمع المنادى فى المنطقة يعلن عن وفاة شخص إلا وتتمنى هى ذلك، وتحمد الله على هذا الحال.. 

ودعتنا بكلمات بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله.. أوصت بمصر حطوها فى عنيكم، وأعطتنا قطعة قماش منشوشًا عليها لا إله إلا الله. 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: على القماش إلى أن

إقرأ أيضاً:

ليه مفترض ما تخوض نقاشات مطولة؟

خلال نقاشك مع الناس ..مرات كتيرة بجيك احساس بالغيظة لانو في حاجة انت شايفها بديهية شديد و مستغرب كيف الطرف التاني ما شايفها او ما داير يقتنع بنفس الشي الانت شايفو
.
انت بالنسبة ليك الموضوع ممكن يكون واضح زي معلومة انو السماء لونها ازرق…و بتكون شايف انو الطرف التاني رغم الوضوح ده بقول ليك لالا لونها احمر … و ممكن اليغيظك اكتر انو بعض الناس تلتف حول الزول البقول لونها احمر ده و توافقو في الراي … و تتضايق اكتر لمن تبدا تشوف في مجموعة جديدة بدت تقول انو لون السماء اخضر …
.
احساسك بالغيظة ده بخليك تدخل في عملية نقاش مستمرة مع الناس دي بغرض فرض وجهة نظرك … و ممكن الموضوع يتحول لحاجة منهي عنها اسمها (المراء) او الجدال
.
و طبعا المراء هو النقاشات و الخلافات المطولة الممكن تخرب بين الناس و تفسد ذات البين .. من غير وجود مصلحة واضحة منها
.
الرسول صلى الله عليه و سلم قال ( انا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المرء وإن كان محقا)
.
دي الحاجة المفترض انت تعملها …انك تتجنب الدخول في مراء .. قول فكرتك ..ولو حسيت في زول عاوز استيضاح عن نقطة او سالك عن نقطة ممكن ترد ..لكن لو حسيت بالموضوع بدا يجر انا بنصحك توقف
.
يعني لو قلناها بي لغة الفيسبوك … انت ممكن تكتب منشور… جاك زول في الكومنتات استوضحك او غالطك .. ممكن تعمل ليهو ريبلاي … و لحدي هنا وخلاص … لكن 20 ريبلاي ده هنا مراء و جدل و ما حتصلوا لشي
.
ما حتصلوا لشي ليه… لانو طالب الحق يكفيه الدليل .. و طالب الباطل لا يكفيه مائة دليل…
.
وانا هنا استخدمت كلمة (الحق) دي مجازا … لانو انا بفترض فيك حسن النية و انك بتقول الحاجة الانت شايف انها حق
(لانو طبعا في ناس بتقول كلام و هي عارفة انو ما حق من باب التنطع )
.
لكن انا بفترض حسن النية انك انت بتقول في وجهة النظر الانت شايف انها حق ( على وزن السماء لونها ازرق القلناها فوق )
.
و الطرف التاني البرد عليك برضو شايف انو الحاجة البقول فيها دي هي الحق ( على وزن السماء لونها احمر )
.
في الحالة دي انت مفترض تشوف انو طالما هو ما اقتنع بكلامك و بدا يغالط ف خلاص هنا هو طالب الباطل الذي لن يكفيه مائة دليل
.
و هو من جانبو برضو يطبق نفس النظرية و يشوفك انت صاحب الباطل الذي لن يكفيه مائة دليل
.
و لو راجعت الحاجة دي احصائيا .. حتلقى انو نادر جدا بصورة تكاد تكون معدومة … انو زول نتيجة نقاش يقتنع .. يعني هسي انت هل بتتذكر قبل كدة دخلت ليك نقاش مطول مع زول… خلينا من باب المثال نقول انو بقول حمدوك كويس .. و انت بتقول حمدوك كعب … و انت بقيت تحشد في الاستدلالات و هو يحشد في الاستدلالات .. و قام النقاش انتهى بانو الزول ده قال ليك والله خلاص اقنعتني فعلا من الليلة قناعتي حتبقى انو حمدوك كعب؟
ابدا ما حيحصل كدة …
لكن هو زاتو رايو ممكن يتغير عبر الزمن و عبر تجلي حقائق و عبر التجربة … ممكن تجي بعد سنة تلقاهو يقول ليك والله انا كنت مغشوش في حمدوك … ( ده مجرد مثال ) … لكن الحاجة دي ما نتيجة نقاش معاك و انما نتيجة تجربة …
و السبب في انو صعب الحاجة الانت شايفها بديهية دي …غيرك يشوفها بديهية …عدة اسباب
.
منها اولا : اختلاف المرجعيات
.
في زول مرجعيتو الكتاب و السنة و السلف الصالح .. في زول مرجعيتو كتاب المفكر اليوناني فلان …في زول مرجعيتو فيلم .. في زول ما عندو مرجعية اساسا …
يعني كمثال انت هسي تجي تغالط ليك زول في مسالة المصافحة مثلا .. و تكون شايف انو كونك جبتا ليهو دليل حديث واضح كدة افحمتو و مفترض يقتنع … لكن انت ناسي انو الزول ده ما زيك و ما قام على المرجعية دي … و بالنسبة ليهو القران و الحديث دي حاجات هو ما بيتعامل معاها اساسا … ولا جزء من حياتو اليومية .. و احترامها كمرجعيات ده اساسا ما جزء من الفهم المزروع فيهو… فبالتالي انت ما متفق مع الزول ده في المرجعيات اساسا عشان تمشوا لقدام …فانت حتكون بتقول السماء زرقاء و هو بقول حمراء ..
.
ثانيا : اختلاف القيم
.
في قيم يا اما مزروعة في الانسان او ما مزروعة في الانسان .. و القيم دي بتتحول لاولويات …
يعني مثلا هسي جزء كبير من المواطنين السودانيين عندهم قيمة اسمها (الكرم) مزروعة فيهم … يعني لو انت جيت قعدتا جمبو و هو بياكل مستحيل ما يقول ليك اتفضل .. ولو مستعد يشاركك اكلو و يديك تلبس ملابسو …
انت ممكن تمشي تقعد ليك مع مواطن من احدى دول اوروبا مثلا … وهو بياكل تقول ليهو اديني معاك من السندوتش ده .. ممكن يعاين ليك كدة يقول ده مالو ده … و ما يديك.. ولو كترتا كلامك ممكن يجيب ليك البوليس
يلا ده ما تزعل منو ..
القيمة دي ما اتزرعت فيهو ..انت ما حتقدر عن طريق نقاش او حوار تزرع فيهو القيمة دي
او مثلا الغيرة ..ك قيمة …
انت ما ممكن مثلا تجيب ليك خواجي بخلي مرتو تحوم بالمايو في البيتش
و تحاول تشرح ليهو مفهوم الغيرة و انو ليه هو مفترض ما يرضى و ما يسمح بالحاجة دي
ما حتقدر تزرع فيهو القيمة دي عبر النقاش و الحوار …انت بينك و بينو اختلاف في القيم
هو ما متربي على انو يشوف الحاجة دي بالزاوية او بالطريقة الانت شايفها بيها ..
انت ممكن يكون بالنسبة ليك شي بديهي انو اذا مثلا المتمردين دخلوا قرية دايرين يغتصبوا او يسرقوا .. فرجال القرية دي ممكن بي عكاكيز و عصايات ساي يطلعوا يواجهو دوشكات و يموتوا عديل مقابل الحفاظ على العرض …. لكن في غيرك بشوف انو اهم شي انت تكون حي و سليم و الباقي هين … و بشوف انو الرشاش اقوى من العكاز … و هم 300 و نحنا 100 .. اذن احسن نمشي الموضوع و نحافظ على نفسنا من الهلاك و اهم شي الروح …
انت لو من النوع الاول ابو عكازة ما حتقدر عن طريق نقاش تحدث اي اختراق في عقلية الشخص بتاع نحافظ على انفسنا ده
و العكس صحيح .. هو مهما حشد ليك من الحاجات و الاسباب ما حيقدر يخليك تشيل فكرة المواجهة و الموت من راسك
و ده اختلاف قيم
كل زول فيكم قيمو براها
و نقاشكم مع بعض ضياع وقت
.
ثالثا : اختلاف المعرفة و التجربة
.
زول ما جرب حاجة بكون ما عندو وعي و ادراك كامل بيها حتى اذا كان عندو معرفة بيها
يعني هسي قبل الحرب دي اي زول كان عارف كمعلومة انو الحرب حاجة كعبة و غير محببة و انو بيحصل فيها قتل و تشريد
لكن بعد الحرب دي المعرفة اتحولت لوعي و ادراك كامل بابعادها
يلا اتخيل معاي زول جايي من منطقة عمرها ما شهدت حرب (رغم انو بيعرف الحرب نظريا)
يقوم يخش في نقاش في مسالة متعلقة بالحرب مع زول عايش ليهو 10 سنوات في ظل الحرب
اكيد هنا حيكون ده بيقول السماء زرقاء .. و ده بيقول حمراء
و كل واحد شايف انو كلامو بديهي شديد …. و مستحيل النقاش يفضي لاتفاق او لنقل الخبرة عبر الكلمات و الحروف …
عشان كدة نصيحة جانبية للناس ما ترفع شعارات متطرفة و التزامات مستقبلية زي مثلا شعار ( انا عمري ما حعمل الحاجة الفلانية )
لانو مع تطور خبراتك و معرفتك قد يتحول رايك و قناعاتك بخصوص بعض القضايا و الامور ….
.
رابعا: اختلاف المصالح
.
و دي بنشوفها كتير جدا
لما تكون ما عندك مصلحة في قضية معينة ساهل جدا تدعم الخيار الانت بتشوفو صح اخلاقيا
لكن لو عندك فيها مصلحة و خصوصا لو مصلحة كبيرة جدا .. غالبا مقياس الاخلاق ما يكون هو المقياس الوحيد الا اذا كنت انسان نزيه بمعنى الكلمة.
يعني هسي اتخيل معاي انو في دولة اسمها (الامارات) بتدعم بصورة مباشرة او غير مباشرة الحرب في السودان
وانت عايش في الدولة دي … و بتقري عيالك في مدارسها و شغال في وظيفة محترمة جدا فيها …
و فجاة الناس بدت تطالب بادانة واضحة للدولة دي …
غالبا انت حتكون فيك تخاذل عن الادانة الواضحة دي ..لانها ضد مصلحتك … لانو الادانة دي قد تعني ترحيلك .. و ترحل تمشي وين و بلدك فيها حرب؟ و عيالك حيحصل فيهم شنو؟ فبتلقي هنا نظرا لاختلاف المصالح في زول اخد موقف غير الانت شايفو واضح وضوح الشمس و المفترض كل الناس تقيفو
و الزول ده في النقاشات دايما بتلقاهو عندو راي مخالف للراي الانت شايفو و بدافع عن حاجة قد تبدو ليك غريبة
الحاجة دي بتلاحظها حتى في السياسيين .. لانهم الاكثر تعرضا للحاجة دي
سواء الاغراءات المالية او سواء استخدام كروت ضغط بحاجات ماسكينها عليهو او تهديدات ليهو او لعائلتو … و بتلقاها عند المحزبين في نقاشاتك معاهم لانهم مدفوعين بالمصلحة الحزبية وليس مصلحة الوطن … فانت بتقول السماء زرقاء و هو بقول حمراء …
.
و اخيرا .. اختلاف المقدرات الذهنية
.
و دي واضحة ما محتاجة شرح
.
دي واحدة من الحاجات البتخليك تقول السماء زرقاء و التاني يقول حمراء ..
.
و غير الاسباب دي في اسباب كتيرة برضو بتادي للاختلافات الكبيرة في وجهات النظر
.
و بتكون الاختلافات اصعب من انها تتحسم في نقاش او حوار
عشان كدة ما تضيع زمنك ..خت في بالك انو قناعات الزول اتشكلت من بيئتو و ثقافتو و معرفتو و و عيو و تربيتو و دينو و مرجعياتو و تجاربو و مصالحو و مقدراتو الذهنية .. الحاجات دي انت ما بتقدر تغيرها بي نقاش
اشرح فكرتك .. و ادي تعقيب تعقيبين و اكتفي …
و خت في بالك انو انت زاتك قد يحصل ليك تغيير في احد العوامل المذكورة فوق دي و تنضم لفريق السماء لونها احمر في المستقبل

Ahmed Crash

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ليه مفترض ما تخوض نقاشات مطولة؟
  • محمد رمضان يطرح أغنية «بمزاجي»
  • كامل الوزير لـ "الوفد": نتجنب مرور الطرق الجديدة من الأراضي الزراعية حفاظًا عليها
  • بعد وفاتها بشهرين.. سبب مفاجئ وراء رحيل التيك توكر الشهيرة إيفا إيفانزا
  • مفيش حد شبهي.. لماذا رفضت أسرة غادة عبد الرازق دخولها عالم التمثيل؟
  • مصرع ربة منزل سقط عليها جدار بمصنع طوب في الغربية
  • مصرع سيدة إثر نشب حريق فى منزل بمنطقة المجاهدين بحى غرب أسيوط
  • "المجاهدين": عملية الجليل تأتي في إطار ردود شعبنا الطبيعية على جرائم العدو
  • "المجاهدين": عملية "كرمئيل" تأتي في إطار ردود شعبنا الطبيعية على جرائم العدو
  • غادة عبد الرازق: لا منافس لي على الساحة الفنية