تهجير الفلسطينين في أربعينيات القرن الماضي يتكرر اليوم.. وحماس وايران يعززان التعاون
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
15 أكتوبر، 2023
بغداد/المسلة الحدث: بينما تواصل إسرائيل يوم الأحد الاستعداد لاجتياح بري لقطاع غزة الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يتأهب سكان القطاع الذين فقدوا العديد من أفراد عائلاتهم في الضربات الجوية العنيفة للمزيد من الدمار في إطار هجوم إسرائيل غير المسبوق على القطاع المكتظ المحاصر، فيما قالت (حماس) في بيان إن رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية اجتمع مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم السبت في قطر حيث ناقشا الهجوم الذي شنته الحركة على إسرائيل و”أكدا التعاون المستمر لإنجاز أهداف المقاومة والشعب الفلسطيني”.
وخلال اجتماعهما في العاصمة القطرية الدوحة، أشاد وزير خارجية إيران بالهجوم ووصفه بأنه “انتصار تاريخي”، مشيرا إلى أنه “يسجل انتكاسة جدية للاحتلال ومشروعه في فلسطين والمنطقة”.
وجلست أم محمد اللحام بجوار حفيدتها فلة اللحام البالغة من العمر أربع سنوات التي ترقد في مستشفى تعمل مثل باقي مستشفيات القطاع بأقل القليل من الإمدادات من الأدوية والوقود.
وقالت أم محمد إن ضربة جوية إسرائيلية أصابت منزل العائلة مما أسفر عن مقتل 14، من بينهم والدا فلة وأشقاؤها، بالإضافة إلى أفراد من العائلة الأكبر.
وقالت الجدة التي شهدت العديد من جولات القتال بين حماس والجيش الإسرائيلي على مدى السنوات الماضية ووصفت الجولة الحالية بأنها الأعنف “فجأة ودون سابق إنذار قصفوا البيت على رأس ساكنيه. لم ينج أحد سوى حفيدتي فلة. ربي يشفيها ويعطيها القوة”.
وتابعت قائلة “استشهد 14 ولم يبق سوى فلة اللحام. لا تتكلم هي راقدة فقط في الفراش ويعطونها الأدوية”. وقالت الجدة إن طفلا آخر في العائلة تركه القصف دون أقارب أيضا.
وتشن إسرائيل أعنف ضربات جوية على القطاع على الإطلاق أسقطت آلاف القتلى والمصابين المدنيين في إطار رد على أكبر هجوم مباغت عليها منذ حرب 1973 شنته حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس ردا على اجتياح مقاتليها لبلدات إسرائيلية في الهجوم الذي أسفر عن مقتل مئات الإسرائيليين واحتجاز العشرات.
والجيب المحاصر يقطنه نحو 2.3 مليون فلسطيني ودمر القصف الإسرائيلي المكثف أغلب بنيته التحتية. ودعت إسرائيل الفلسطينيين لترك منازلهم في مدينة غزة والتحرك جنوبا. لكن حماس حثت السكان على عدم المغادرة وقالت إن الطرق غير آمنة وإن العشرات قتلوا في ضربات على سيارات وشاحنات تحمل نازحين يوم الجمعة.
وذكر مسعفون ووسائل إعلام تابعة لحماس وأقارب أن أسرا بأكملها قتلت في الضربات الجوية. ولم يتسن لرويترز التحقق من ذلك بشكل مستقل.
وتقول الأمم المتحدة إنه لا يمكن نقل عدد كبير من الأشخاص بأمان داخل غزة دون التسبب في كارثة إنسانية.
ويقول بعض السكان إنهم لن يغادروا إذ تعيد تلك الأحداث التي يعيشونها الآن لذاكرتهم ما حدث وقت “النكبة” عام 1948 عندما أجبر الكثير من الفلسطينيين على ترك منازلهم خلال الحرب في وقت تزامن مع قيام دولة إسرائيل.
* معاناة غير مسبوقة
وكثفت إسرائيل قصفها في أنحاء مدينة غزة وشمال القطاع. وتقول سلطات القطاع إن أكثر من 2300 قتلوا أغلبهم نساء وأطفال بينما أصيب ما يقرب من عشرة آلاف.
وبحث منقذون باستماتة عن ناجين تحت أنقاض بنايات تهدمت في القصف الليلي. وأشارت تقارير إلى أن نحو مليون نزحوا من منازلهم.
وزاد الاجتياح البري الإسرائيلي المتوقع والضربات الجوية التي تتواصل بلا هوادة المخاوف من معاناة لم يشهدها القطاع المنكوب من قبل وهو أحد من أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان في العالم.
وفي مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة حيث يرقد أطفال يعتمدون على أجهزة تنفس صناعي قال الطبيب حسام أبو صفية “إذا أردتم قتلنا اقتلونا ونحن نواصل العمل هنا فلن نغادر. نحتاج لأيام وأسابيع لتحضير مكان آخر”.
وأضاف “الوضع خطير حقا… نقل هؤلاء الأطفال من هذا المكان يعني الحكم عليهم بالإعدام. سيموتون.. تلك المعدات لا تعمل إلا بالكهرباء والأكسجين”.
وتقول المستشفيات إن الأدوية والوقود تنفد بسبب الحصار الإسرائيلي.
وقال شهود في مدينة غزة لرويترز إن الهجوم الإسرائيلي أجبر المزيد على الخروج من منازلهم. واكتظت مستشفى الشفاء أكبر المستشفيات بمن فروا من منازلهم.
وقالت امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها “نعيش أسوأ كوابيس حياتنا. حتى هنا في المستشفى لسنا آمنين. استهدفت ضربة جوية المنطقة خارج المستشفى مباشرة عند الفجر”.
والسير على الطريق المؤدي إلى جنوب القطاع الذي يعتبر منطقة أكثر أمنا زاد صعوبة إذ يقول كثيرون ممن قطعوا تلك الرحلة إن إسرائيل تواصل القصف هناك. ولم يتسن التواصل مع الجيش الإسرائيلي بعد للحصول على تعليق.
وقال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة إن 70 بالمئة من سكان مدينة غزة وشمال القطاع محرومون من الخدمات الصحية بعد أن أخلت وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) مقراتها وأوقفت خدماتها.
وفي شرقي خان يونس جنوب قطاع غزة حيث نزح المئات من سكان شمال القطاع، طهى البعض الطعام للنازحين باستخدام الحطب لإعداد 1500 وجبة تبرع بها سكان المنطقة.
وقال يوسف وهو أحد السكان الذين شاركوا في ذلك “كنا نطهو على مواقد الغاز في أول يومين لكن الغاز ينفد ولذلك نطهو على الحطب”.
(شارك في التغطية عابد صالح وإسماعيل خضر ومعاذ فريج – إعداد سلمى نجم للنشرة العربية – تحرير سها جادو)
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: مدینة غزة
إقرأ أيضاً:
ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
يتبين للمتابع منذ عودة حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة في 18 آذار/ مارس الماضي أنها حرب فوق كل الأهداف المعلنة المزعومة لها، وعودتها خارج كل المبررات المساقة من الإسرائيليين، وجاءت بعد اختبارهم الناجح للعالم وللإدارة الأمريكية الجديدة عبر انتهاك الاتفاق عشرات وربما مئات المرات أمام ترامب، فكانت نتيجة طبيعية للشعور المفرط بقوة الدعم الأمريكي لكل ذلك. وفي الواقع كانت بقرار وأمر أمريكي يدعو بنيامين نتنياهو لذلك أو يحركه بهذا المسار لينوب عن واشنطن في إبادة أهل غزة؛ لدوافع سياسية اقتصادية كشف عنها ترامب نفسه من خلال صفقته المضخمة حول غزة مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الذي دمرته إسرائيل، وهو ما شكل حجر الأساس الأمريكي لتدمير الاتفاق وبما يتماشى مع رغبات نتنياهو الشخصية والسياسية بمواصلة حرب ضد شعب فلسطيني أعزل، بهدف دفعه نحو التهجير القسري وتفريغ غزة وسرقتها.
وتشير المعطيات منذ استئناف الإبادة إلى أن معركة وجودية لم يعد يخوضها الاحتلال ضد المقاومة المقاتلة ككيان عسكري في قطاع غزة، بل إنها معركة وجودية بالنسبة إليه ضد كل الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، وانتقل الحديث المعلن المكشوف لدى كثير من قادته ووسائل إعلامه باعتبار المدنيين أضرارا
جانبية إلى جعلهم هدفا معلنا، وهو أوقح أنماط الإصرار على الإبادة، فما يحدث في غزة الآن حرفيا هو إبادة فقط وإبادة للسكان الأصليين بدون الحد الأدنى من المقاومة المعتادة المعهودة، أو على الأقل الظاهرة بتكتيك المعارك الثابتة والتصدي المباشر.
إنها حرب يشنها جيش منظم على عظام المدنيين وخيام النازحين دون مقدمات أو مبررات، فحتى مبرر هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قد بطل كليا من النواحي السياسية والعسكرية والشعبية التي تحركها دوافع الانتقام نفسها والرغبة بالتدمير العسكري للمقاومة الفلسطينية نفسها وتحرير الأسرى، هذا إن افترضنا بشكل حيادي للحظات أنها معركة لفعل ذلك، فكل ذلك لم يعد مبررا بالمرة ولم يعد أحد يمكنه تصديق كل ذلك، حتى من كثير من الجنود وضباط الجيش والمخابرات في دولة الاحتلال وكثير من حلفاء إسرائيل والمؤيدين لإبادة غزة، فانتقلت إسرائيل بكل وقاحة لمرحلة الإفصاح عن الهدف المباشر، وهو القتل الجماعي بهدف القتل الجماعي الذي يؤدي لتهجير السكان أو دفعهم للهجرة بعد قتل نسبة كبيرة منهم. حتى الجولة الأولى من الإبادة قبل الاستئناف الأخير في 18 آذار/ مارس الماضي لم يكن شكلها بهذا الشكل.
وهذا الكلام ليس للوم المقاومين، فهم بذلوا كل ما يملكون وما يمكنهم سواء أكانوا يحاولون الحفاظ على بعض مقدراتهم المحلية أو ضرب العدو بذكاء وبشكل نوعي محقق ليظهر بمظهر الإرهابي أكثر وأن يسوؤوا وجهه أكثر سياسيا وحقوقيا وعسكريا من خلال عدم الرد أو التعامل معه عسكريا بنفس الطريقة السابقة قبل استئناف الإبادة، أو ربما بسبب أنه لم يعد لديهم مقدرات كافية لفعل ذات الأمر. وأتحدث هنا بتجرد تام وحيادية مؤقتة.
وفي سياق المقترح المقدم لاتفاق جديد مؤخرا فهناك نقطتان خطيرتان في المقترح الجديد الذي مررته مصر لحركة حماس من الاحتلال والذي قالت حركة حماس إنها تدرسه، وهما: تضمنه شرطا ابتزازيا بالتفاوض على نزع سلاح المقاومة بغزة كشرط أساسي لأي اتفاق لوقف إطلاق النار وفقا لما تم نشره وتداوله، وهو أمر رفضته حماس كليا وقطعيا، وثانيا فكرة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ضمن دفعتين فقط مقابل أسرى فلسطينيين، والتزامات تترتب على الاحتلال وضمن فترات زمنية. وهذا يسهل على إسرائيل التنصل لاحقا والعودة للإبادة التي ترغب بها، فهي فعلت شيئا مشابها وتنصلت من التزاماتها في الاتفاق الأخير ومنعت الانتقال للمرحلة الثانية رغم أن الإفراج كان يتم على دفعات صغيرة، فإن تم تعجيل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ضمن دفعتين فهذا يعني تعجيل تمكن الاحتلال من التنصل منه في حال لم تكن هناك ضمانات أقوى ضد إسرائيل؛ من خلال ابتزازها بأوراق من المقاومة داخليا أو بقوة ردع من المجتمع الدولي.
وبالعودة لمسألة حرب الإبادة وقدرات المقاومة، فربما يرجح أن المقاومة تركت الجيش الإسرائيلي يقاتل دون إشعارها له بوجود عمليات مقاومة ثابتة متكررة الضربات ومتوقعة التكتيكات، وهو ما يربك الاحتلال ويعزز عنصر المفاجأة لدى المقاومة والخوف لدى الجنود الإسرائيليين المتوغلين، كما يعزز من استراتيجية اقتصاد القدرات لديها، ومن ناحية أخرى يثبت أو يتقارب مع نظريات عسكرية تحدث عنها جنرالات أمريكيون متقاعدون من أن المقاومة (بشكل عام وليست الفلسطينية فقط، بل من حيث المبدأ لدى المقاومات) تعمل أحيانا بتكتيكات تحاول إبراز الجانب الإجرامي والدموي الوحشي غير المبرر للاحتلال ضد السكان، من خلال كشف معركته الحقيقية التي هي ضد كل السكان الأصليين وليس ضد حَمَلة السلاح والمقاتلين، وهذا بحد ذاته يضعفه ويضعف روايته ويربكه أمام مجتمعه وأمام العالم وأمام المقاومين أنفسهم.
والمحتل في كل الأحوال يرتكب الجرائم وسيتم الرد عليه مهما اختلف التكتيك في القتال، لكن هذه الأساليب ترفع من أسهم المقاومة والرأي العام الداعم لها وللشعب الفلسطيني، وتحسن الحالة النفسية للمقاومين وتحسن الاستثمار الوطني والنتائج الممكنة بالتضحيات الكبيرة وفقا لوجهات نظر، كما تُشعر الجندي الإسرائيلي بأنه يقاتل بشكل عبثي ودون وجهة أو هدف واضحين، كما ينزع هذا الأسلوب وفقا لمقالة للمحلل في قناة الجزيرة سعيد زياد؛ الشرعية عن حرب الاحتلال داخليا أمام جمهور الإسرائيليين ويظهرها بمظهر الحرب العبثية التي تشن لأهداف شخصية لدى نتنياهو واليمين الإسرائيلي.
وعلى الرغم من كل ذلك تبقى حقيقة أن المقاومة هي بإمكانيات محدودة عسكريا من الناحية العملية، وموضوعيا إن أردنا مناقشة الأمر المتعلق بالشرط الإسرائيلي بنزع سلاح المقاومة بواقعية عسكرية وسياسية، فهدف إضعاف المقاومة عسكريا قد تحقق إسرائيليا وإن نسبيا، فيستحيل أن تكون المقاومة لم تفقد كثيرا من قوتها مقارنة بما قبل هذه الحرب الوحشية، وهذا لا يعني أنها غير قادرة على الردع والصمود والثبات.
وفكرة نزع سلاح المقاومة هي فكرة غير قابلة للتنفيذ بتاتا؛ ليس لأنه أمر غير قابل للمساومة والنقاش أو لأنه من ثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة للدفاع عن بقائه على قيد الحياة ومواجهة الاحتلال دون شطب كامل له ولهويته، فالفلسطينيون صنعوا سلاحهم محليا ويمكنهم صناعة مثله من أبسط الإمكانيات دائما، ولكن لأنه لا يوجد سلاح للنزع أصلا، بل هي محاولات فلسطينية لإيجاد سلاح وردع والحفاظ على البقاء، وليس سلاحا بالمعنى الحقيقي للسلاح الذي يمكن نزعه.
وفكرة استمرار القصف الإسرائيلي على غزة والتدمير والقتل حتى اللحظة دون مواجهة عسكرية شاملة في كل زقاق وشارع وحي كالسابق؛ من منظور عسكري غير مبررة عند الإسرائيليين، فالمقاومة حاليا شبه منزوعة السلاح وإن نظريا وصوريا أو إن كانت تفعل ذلك كخدعة، لكن هذا ما يظهر واستنفدت كثيرا من إمكانياتها في مراحل مضت من محاولة التصدي لجرائم الإبادة، بل إن أسلحتها من الأساس دفاعية خفيفة يمكنها إن استخدمت بذكاء واقتصاد ومرونة كما أن تحدث إصابات مؤكدة لكنها ليست حاسمة، ولا يمكن غالبا من تكرار طوفان الأقصى كل عدة سنوات مثلا، فعن أي نزع سلاح يتحدث الإسرائيليون إذا؟!
أنا لا أتحدث هنا عن رؤية كل منا للطريقة الأفضل التي يمكن أن تدار بها معركة أو نهج قتالي من مقاومة شعبية ضد احتلال، فهذه معركة طويلة ولها رؤى عديدة كلها تحمل في طياتها الإيجابي والسلبي، وليس الحديث أيضا عن خلافات أيديولوجية أو خصومات سياسية أو توافق مع حركة المقاومة الأبرز حاليا، أو حول سؤال كيف نفكر باليوم التالي، فالأمر تجاوز ذلك منذ وقت طويل من عمر هذه المجزرة المتواصلة، وكل تلك القضايا نوقشت وقيل فيها كل شيء، بل إن اليوم التالي الفلسطيني نوقش مرارا وتكرارا بين الفلسطينيين بمن فيهم الفرقاء وتم التوصل لحالة يمكن تطبيقها كتشكيل حكومة وحدة وطنية أو لجان إسناد تدير القطاع مثلا. حتى مسألة إن كانت المقاومة قد فكرت مليا بنتائج الطوفان أم لا نوقشت، ولم تعد هذه المسألة هي الفكرة الرئيسية اليوم ولم يعد النقد الداخلي هو أساس الحل أو المشكلة، رغم أهميته، وذلك بصرف النظر عن كل الرؤى؛ من أكثرها تمسكا بالمقاومة المسلحة إلى الأبعد عنها أو حتى من يجاهر بالعداء معها. تجاوزت الأمور مسألة كيف يمكن للشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم دعم غزة وفلسطين في ظل حرب الإبادة المستمرة، كما تجاوز الأمر كل مراحل خذلان المدنيين والمقاتلين في قطاع غزة الذين خفت ذخيرتهم وجفف عنهم الطعام والدواء والماء وكل شيء، هذا عدا عن القتل الجماعي الذي لا يتوقف للحظة.
لكن بالفعل، ماذا يعني طلب نزع سلاح المقاومة في ضوء كل ذلك؟ وماذا تعني فكرة نزع سلاح كان بالأصل سلاحا دفاعيا مصنعا محليا خفيفا لم يعد موجودا منه الكثير، وحتى إن كان بالأصل موجودا فهو لا يعادل سلاح كتيبة شرطية في أصغر دولة في العالم؟ ماذا يعني نزعه كشرط لوقف المقتلة؟ وهل هذا يعني شيئا سوى تأكيد أن إسرائيل خائفة من أبسط أداة يمكن أن يقاتل بها الفلسطينيون للبقاء وتأكيد على استمرار المقتلة والإبادة أطول وقت ممكن؟
ما يعنيه ذلك باختصار هو أن السلاح الذي تتحدث إسرائيل عن ضرورة نزعه من غزة هو الشعب، نعم الشعب الفلسطيني، فإما نزع الشعب وتهجيره واقتلاعه أو الإبادة، أو ربما كلاهما معا، لأن السلاح العسكري الحقيقي بالأساس هو سلاح مقاومة قدراتها محدودة مصدرها الشعب نفسه، والتسليح كنظرية فعلية بسيط جدا وسطحي ومحدود في كل من تخشاهم إسرائيل عسكريا مقارنة بها، وهذا ما أثبتته الوقائع منذ نشوئها إلى اليوم وليس فقط خلال حرب الإبادة الأخيرة، ولا ترقى الأمور لفكرة النزع فهو سلاح متواضع خفيف بسيط محلي الصنع.
الشعب الفلسطيني في غزة ككتلة بشرية كبيرة هو السلاح المراد نزعه هذه المرة -على الأقل في غزة- لأنه سيقاوم دائما بمجرد بقائه في أرضه، وهو من يقاوم، وهو السلاح حتى لو امتلك حجرا أو قلما أو رصاصة. لو كان هناك سلاح عسكري حقيقي لدى الفلسطينيين لما استمر الشيء المدعو "إسرائيل" حتى اللحظة أصلا، باعتبار المعركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي المعركة الوجودية الصفرية الأشد بين الكيان والسكان الأصليين، ورفض نزع سلاح الفلسطينيين يعني رفض انتزاعهم من أرضهم بكل بساطة.