ميترو غزة، المدينة الأرضية.. هل ينجح الجيش الإسرائيلي في تدمير أنفاق حماس؟
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
إعداد: بهار ماكويي | مارك ضو إعلان اقرأ المزيد
يستعد الجيش الإسرائيلي لشن عملية عسكرية برية وشيكة في قطاع غزة ردا على الهجوم المباغت وغير المسبوق الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وشمل توغلا داخل مستوطنات غلاف غزة وعمليات أسر وخلف مقتل لا يقل عن 1300 إسرائيلي. وعلى الجانب الفلسطيني، ارتفع عدد الضحايا في غزة إلى 2329 حسب أحدث حصيلة صادرة عن وزارة الصحة في القطاع الأحد.
ومنحت إسرائيل مزيدا من الوقت للفلسطينيين لإجلاء شمال القطاع والانتقال جنوبا، بعد أن كانت أمهلتهم 24 ساعة، فيما أكد الجيش الإسرائيلي أنه ينتظر "قرارا سياسيا" بشأن توقيت الهجوم البري الكبير على قطاع غزة.
في المقابل، يقول بعض السكان إنهم لن يرحلوا من غزة، لأن الأحداث التي يعيشونها الآن تحيي ذاكرة "النكبة" عام 1948، عندما أجبر الكثير من الفلسطينيين على ترك منازلهم خلال الحرب في وقت تزامن مع قيام دولة إسرائيل.
الاجتياح الإسرائيلي البري لغزة "محتوم"لكن تعبئة الجيش الإسرائيلي وقصفه مألوفين إلى حد يُنذر بالشؤم لنحو 2.3 مليون نسمة من سكان القطاع الذي انسحبت منه إسرائيل في 2005، حيث يبدوان تمهيدا لاجتياح بري ربما يماثل، إن لم يتخط، التوغل الإسرائيلي في 2008 و2014.
في السياق، قال مصدر أمني إسرائيلي لرويترز إن الهجوم البري "بات الآن محتوما". وأضاف بأن الاجتياح البري "لا يمكن تفاديه بسبب الثمن الباهظ الذي دفعناه. سيكون هذا بعد الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو".
اقرأ أيضا???? مباشر: الجيش الإسرائيلي في انتظار "قرار سياسي" لشن هجومه البري الكبير على قطاع غزة
وفيما حشدت دباباتها ومدافعها وآلاف المقاتلين قرب غزة، تُبقي تل أبيب منظارها مُركزا مجددا بشكل خاص على الأنفاق التي يتطلق عليها "مترو حماس" أو "مترو غزة"، والتي حفرتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي ويسميها سكان القطاع "المدينة الأرضية".
لكن تدمير هذه الشبكة السرية يبقى أيضا من أبرز التحديات في كل مواجهة جديدة مباشرة، في وقت أعلنت الدولة العبرية أنها تسعى هذه المرة إلى القضاء بشكل نهائي على حماس.
أنفاق غزة.. ما هي؟تمتلئ الحدود البرية بين غزة ومصر والبالغ طولها 14 كيلومترا، بالمئات من الأنفاق التي تستخدم عادة لتهريب المقاتلين والأسلحة وغيرها من البضائع والمؤن الاستهلاكية التي يفتقر إليها القطاع المحاصر.
وقد يصل عمق البعض من هذه الأنفاق إلى 30 أو 40 مترا تحت الأرض، ما يسمح للمسلحين بتغيير مواقعهم للاحتماء من الضربات الإسرائيلية. لكن يبقى المدى الحقيقي لتلك الشبكة غير معروف.
في عام 2021، أعلن الجيش الإسرائيلي تدمير "أكثر من 100 كيلومتر" من هذه الحصون التحت أرضية "بفضل الضربات الجوية".
ويمكن لبطاريات قاذفات الصواريخ المخبّأة على عمق بضعة أمتار تحت السطح أن تخرج من خلال نظام الباب المسحور لتطلق النار وتختفي مرة أخرى.
القتال تحت الأرض يعطي حماس ميزة تكتيكية كبيرةلا شك في أن أجهزة الاستخبارات في إسرائيل تعرف مسار جزء على الأقل من شبكة الأنفاق الفلسطينية. إلا أن باقي الأجزاء الأخرى تبقى سرية ما سيجعل أي عملية برية إسرائيلية في قطاع غزة أكثر صعوبة.
يقول مدير الأبحاث في مركز صوفان للأبحاث في نيويورك كولين كلارك إن حركة حماس "تعرف أنفاقها عن ظهر قلب". ويوضح: "بعضها فيها فخاخ. الاستعداد للقتال في مثل هذه الأماكن (...) سيتطلب معلومات استخباراتية واسعة النطاق (...) والتي قد لا يمتلكها الإسرائيليون".
اقرأ أيضاالصحة العالمية: الإجلاء القسري لآلاف المرضى إلى جنوب قطاع غزة "بمثابة حكم إعدام"
وبالنسبة لهذا المتخصص، فإن القتال تحت الأرض يعطي قادة حماس ومقاتليها ميزة تكتيكية كبيرة.
بدوره، توقع ألكسندر غرينبرغ من معهد القدس للاستراتيجية والأمن أن "تستهدف الضربات أولا مراكز قيادة حماس وقواتها. ستأتي النيران من كل مكان"، مضيفا: "الجميع يعلم أن (العملية) ستكون طويلة وصعبة مع الكثير من الخسائر". وقال غرينبرغ أيضا إن هناك "روبوتات ووسائل خاصة أخرى تسمح بالدخول إلى الأنفاق".
لكن بالنسبة لحماس، قال نفس المصدر: "إنها ميزة يمكن أن تشكل أيضا فخّا. فعندما يتم تحديد مواقع الأنفاق، يمكن حبس من بداخلها. في هذه الحالة، ستكون التعليمات: لا رحمة".
فرانس24 زارت أحد تلك الأنفاقفي عام 2006، برزت أهمية "المدينة الأرضية" عندما استخدمت حماس أحدها لأسر الجندي جلعاد شاليط خلال هجوم استهدف موقعا حدوديا في رفح جنوب القطاع.
في البداية، كانت تلك الأنفاق تستخدم للتخفيف من التداعيات الإنسانية للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007، حيث يتم تزويد السكان سرا بالسلع والمواد الغذائية من مصر.
ويقف محمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس ومدبر عملية "طوفان الأقصى"، وراء استراتيجية التوغلات البرية عبر الأنفاق تحت الأرض، حسب الأجهزة الإسرائيلية. في 2013، اكتشف الجيش الإسرائيلي نفقا بطول 2.5 كلم يربط غزة بالدولة العبرية.
خلال عام 2014، زار صحافي فرانس24 ومراسلها السابق في القدس أنطوان ماريوتي، أحد تلك الأنفاق وأعد تقريرا مصورا في الموضوع بثته القناة. كشف التقرير كيف أن هذه الممرات مبنية بالخرسانة وليس بالرمل، وهي مجهزة بسكك وكابلات هاتفية وكهربائية. ونقل المراسل في تقريره عن بعض الخبراء قولهم إن "تكلفة هذه الأنفاق قد تصل إلى مليون دولار".
يوضح أنطوان ماريوتي في تقريره أيضا أن "اكتشاف مداخل هذه الأنفاق صعب للغاية.. حيث يتعلق الأمر بفتحات صغيرة مخبأة تحت أريكة أو سجادة" على سبيل المثال.
اقرأ أيضاغزة: ما حدود الهجوم البري الإسرائيلي؟ وهل تنجح الاتصالات بتفادي جبهات جديدة؟
وخلال عملية "الجرف الصامد" التي شنتها إسرائيل عام 2014 بهدف تدمير أنفاق غزة، استخدمت حماس هذه الممرات للتسلل إلى إسرائيل. وهي تكون بالكاد عالية بما يسمح بوقوف شخص فقط. يوضح مركز بيغن-السادات الاستراتيجي في جامعة بار-إيلان في تل أبيب، بأن الفلسطينيين تمكنوا بفضلها في حينه من قتل 11 جنديا إسرائيليا إثر ثلاث هجمات منفصلة.
ويتكون سقف النفق الذي زارته أيضا وكالة الأنباء الفرنسية ضمن جولة إعلامية نظمتها "سرايا القدس" عام 2022، وجوانبه، من ألواح اسمنتية جاهزة وأرضية ترابية، وهو يتسع لمرور شخص واحد تلو الآخر. على الجانبين، يمكن رؤية غرف صغيرة لتخزين الأسلحة زودت بالكهرباء وخطوط اتصالات أرضية مع فتحات للتهوية.
أساليب إسرائيل لمواجهة أنفاق غزةفي 2017، اتهم تقرير رسمي رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو والجيش الإسرائيلي بعدم تحضير البلاد جيدا للتصدي لهذا التهديد "الاستراتيجي" خلال حرب 2014. مذ ذلك، لجأت الدولة العبرية إلى عدة أساليب لتدمير الأنفاق أو منع بنائها، بما في ذلك بناء جدار تحت الأرض مزود بأجهزة استشعار لرصد أي نشاط حفر على الحدود مع قطاع غزة.
لكن استمرار استغلال شبكة الأنفاق هذه خصوصا من مقاتلي حماس، يثبت أن الحركة الإسلامية تبقى قادرة رغم المراقبة الإسرائيلية، على الحفاظ على السرية بشأن قدراتها العسكرية.
تستغل حركة حماس هذا الوضع لتغذية الهواجس حول ترسانتها الحقيقية، حيث إن تدمير هذه الأنفاق الشهيرة بالنسبة لجيش الدفاع الإسرائيلي يبقى هدفا معلنا يبرر حسبه، حملة القصف المكثفة المتواصلة على غزة بما في ذلك المناطق التي تأوي السكان المدنيين.
للعلم، فقد كانت فرانس24 نشرت هذه المقالة لأول مرة في 19 مايو/أيار 2021، وقد تم تحديثها وفقا لآخر التطورات والتحليلات التي أعقبت هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: هجوم حماس على إسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج الحرب بين حماس وإسرائيل عملية عسكرية الغارات على غزة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني للمزيد حرب معارك الجیش الإسرائیلی هذه الأنفاق حرکة حماس تحت الأرض قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يتذرع بالأنفاق لاستمرار احتلال محور فيلادلفيا في رفح
يتخذ جيش الاحتلال من مزاعم وجود أنفاق أسفل محور صلاح الدين، "فيلادلفيا" على الحدود المصرية الفلسطينية، كذريعة لاستمرار احتلال المنطقة منذ آيار/ مايو 2024.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، عن مصدر أمني رفيع المستوى، زعمه "وجود أنفاق تجتاز الحدود أغلقت من الناحية الهندسية وتقع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، بعد أن تم إغلاق معظم الأنفاق، فيما ظل بعضها تحت السيطرة لإجراء أبحاث استخبارية وهندسية".
وزعم المصدر الأمني أنه "لو لم يتواجد الجيش في منطقة فيلادلفيا لاستخدم الفلسطينيون أنفاق التهريب القائمة أو شقوا أنفاقا جديدة".
وقال، إن "معلومات عُرضت على يسرائيل كاتس (وزير الحرب) تفيد بأن حركة حماس تعمل في عدة محاور من أجل تلقي مساعدات عسكرية إيرانية، ولهذا تعد محاور تهريب من أفريقيا وتنوي إعادة بناء قوات في قطاع غزة من أجل تنفيذ عمليات".
وتحت هذه الذريعة يصر كاتس على عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا لتمنع حماس من إعادة بناء قواتها.
كم عدد الأنفاق سابقا؟
وتوصل بحث سابق أجرته "عربي21" بالاستناد إلى معلومات حصلت عليها من مصادر مطلعة في رفح إلى أن عدد الأنفاق ذات الطابع التجاري بلغ ذروته بين عامي 2009 و2013 حتى وصل إلى أكثر من 1200 نفق متنوع الأطوال والمساحة، استخدمت أساسا لأغراض تجارية، منها إدخال المواد الغذائية وأخرى متعلقة بالإنشاءات، كالإسمنت والحديد، وثالثة خصصت للسيارات التي كان الاحتلال يمنع دخولها إلى قطاع غزة، وغيرها العديد من البضائع الأساسية التي حرم منها القطاع، كالوقود وغيره.
وكانت الأنفاق مكشوفة وواضحة للعيان ومن السهل تمييزها، ففي الطرف الفلسطيني يكفي أن تشاهد كابينة أو خيمة من القماش أو دفيئة زراعية، لتعلم أن هذه عين النفق من الجانب الفلسطيني، أما من الجانب المصري فكانت الفتحات تنتهي بمزارع أو منازل أو مناطق حرجية.
ماذا فعل السيسي بالأنفاق؟
ومنذ أن أمسك رئيس النظام المصري بالحكم في مصر عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب، محمد مرسي، عام 2013، فإنه عمد إلى خلق وقائع جديدة في مدينة رفح المصرية المتاخمة للحدود مع قطاع غزة، بذريعة منع تسلل المقاتلين إلى شبه جزيرة سيناء للالتحاق بتنظيم "ولاية سيناء"، الذي أعلن مبايعته لتنظيم الدولة.
وأقدم الجيش المصري على ترحيل كل سكان مدينة رفح من الجانب المصري، ونقلهم إلى مدينة العريش ومدن الداخل، كالإسماعيلية، ومن ثم قام بهدم منازل المدينة على طول الشريط الحدودي مع القطاع، بهدف خلق شريط عازل يصل عمقه إلى ثمانية كيلومترات.
في هذه الأثناء تكفلت الوحدات الهندسية التابعة للجيش المصري بهدم جميع الأنفاق الواصلة بين رفح المصرية والفلسطينية، والتي حفرت أساسا لأغراض مدنية، كان هدفها كسر الحصار عن قطاع غزة، بعد أن ضرب الاحتلال حصارا خانقا وغير مسبوق بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، عام 2007.