من تمبكتو إلى سوق القش أم درمان: ضحية الهجرة الأفريقية وجانيها «1- 2»

د. عبد الله علي إبراهيم

كتب أحدهم عن لقاء جمعه بجماعات من شباب الجنجويد في سوق القش بأم درمان، فاستأجر سريراً من وكالة ما فيه، ونام إلى جانب شاب منهم. ولما صحا وجد أنه بين آلاف منهم باتوا في السوق نفسه. وكلهم مشغول بالحديث في الصباح إلى قريب أو بلديات سبقه إلى الخرطوم ليعلمهم بوصوله ويؤمن الاتصال به.

فسأل الرجل الفتى الجنجويدي عن القوم. فقال إنهم جاؤوا جميعاً من الغرب لأول من أمس من النيجر وتشاد ودارفور مستنفرين من “الدعم السريع”، ولبوا لأنهم رغبوا في نيل مثل ما غنمه زملاء سبقوه إلى الخرطوم من ذهب ومال وعادوا به إلى أهلهم. وقال الشاب إنه قادم من تمبكتو، منارة الثقافة الإسلامية في دولة مالي التاريخية والحالية، وأنه يحب بنت عمه، ولكن يحول المال القليل دون الزواج منها. فرأى في الاستنفار للخرطوم فرصة لتكوين نفسه وتحقيق حلمة في الزواج بمن أحب.

يدور الجدل في دوائر السودانيين حول هوية مثل شاب سوق القش ورفاقه ممن توافدوا من خارج السودان مصطفين مع “الدعم السريع” في معركة الخرطوم. فتجد من صرفهم كمرتزقة أجانب هم كل قوام قوى “الدعم السريع”، بينما يدفع آخرون عنهم هذه الصفة، أو يضعفونها، ويقولون إنهم سودانيون صرف. وهذا باب في التلاحي لن يغنينا عن النظر في مقاصد هذا الشاب ورفقته المستنفرين وسياسات الهجرة الأفريقية من ورائها، لمساسها بالحرب القائمة في الخرطوم. وهي الهجرة التي ارتبطت بحيثيات أوروبية حتى صح عندنا أنها مما تولي وجهها حصرياً شطر أوروبا. فحال تركيز الإعلام على عبور الأفارقة البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا دون فهم أفضل لمن يهاجر من الأفارقة؟ وكيف يهاجرون؟ وإلى أين؟ وعلى رغم أن أعداد المهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا تزايدت بوتائر كبيرة، فإنه لا يزال 80 في المئة منهم من هجرته لا تزال إلى أنحاء في داخل أفريقيا. ونتيجة لتركيزنا على الوجهة الأوروبية للهجرة الأفريقية صارت هجرة الأفريقيين في داخل أفريقيا نفسها موضوعاً متروكاً في مجال البحث. ويرى علماء الهجرة أن سردية الهجرة الأفريقية إلى أوروبا لا تخلو من توهم لا يقوم على دليل. فالأفارقة ليسوا حتى في غلبة المهاجرين إلى أوروبا، فلا يشكلون سوى 13 في المئة من حجم الهجرة الكلي للقارة.

وجاء شاب “سوق القش” إلى الخرطوم من مالي، وهي من دول الساحل الأفريقي الممتد من الأطلسي إلى البحر الأحمر. ومن أخوات مالي في الساحل بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، وموريتانيا، وأفريقيا الوسطى، وغينيا والأجزاء الشمالية من بلدان على ساحل غينيا للمحيط لأطلسي مثل ساحل العاج، وغانا، وغينيا. ودول الساحل هي التي تعاقد معها الاتحاد الأوروبي فيما عرف بـ”عقد التطويق” (في عام 2015) للجم الهجرة منها، أو عبرها، إلى أوروبا عن الطريق الأوسط للبحر الأبيض المتوسط. ولم يكن الساحل في رادار أوروبا حتى أزعجتها الهجرة والإرهاب، فارتفع عدد المهاجرين الأفارقة إليها من 40 ألفاً في عام 2013 إلى 154 ألفاً في عام 2015 إلى 181 ألفاً في عام 2016. فطلب الاتحاد الأوروبي من هذه الدول وغيرها تمتين حدودها وضبطها، وانتقاء جماعات بذاتها للهجرة إلى أوروبا دون غيرها. وتلتزم أوروبا من جانبها الأخذ بهذه الدول نحو مدارج التنمية كي تتفتح سوق العمل أمام الشباب فيجفف الحافز للهجرة. وخصص الاتحاد الأوروبي صندوقاً بمبلغ قريب من ثلاثة مليارات دولار لهذا الغرض.

وفي رأي علماء الهجرة فإن الاتحاد الأوروبي في سعيه إلى تنمية أفريقيا لحل مشكلته مع المهاجرين إليه منها، كمن يجرم التنقل الأفريقي سعياً إلى الرزق. فجعله، بتصويره كخطر داهم على أوروبا وأفريقيا، وباءً عليهما معاً. فـ “أمنج” الاتحاد الأفريقي الهجرة، أي جعلها شاغلاً أمنياً دون غيرها. فإذا بني دونالد ترمب حائطاً صخرياً لصد الهجرة من طريق المكسيك، في قول أحدهم، فحائط الاتحاد الأوروبي كان من حكومات في القارة تحجر الهجرة نيابة عنه.

وكان لعقد التطويق الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي آثاره الضارة على دول الساحل وغيرها على رغم نجاحه في خفض نسبة الهجرة إلى شواطئ أوروبا بـ80 في المئة في عام 2017. فلا سد باب الهجرة إلى أوروبا كلياً، لكنه زعزع أوضاع الدول التي تعاقد معها. فضغط التطويق على الأفريقيين للهجرة نحو أوروبا لم ينقطع. فمهما بلغت دول أفريقيا من النمو فاقتصادها غير مرشح لاستيعاب أفواج شبابها الذين يطرقون باب العمل. فإغلاق باب الهجرة إلى أوروبا لن يزيد على مجرد كونه تجريد الأفارقة عن متنفس يفرجون به عن ضيق عيشهم. وهو المتنفس الذي أعان أوروبيين في عقود مجاعاتهم حين هاجروا إلى أميركا وأستراليا بين عامي 1850 و1914، بل وهاجر الأوروبيون داخل أوروبا نفسها طلباً للنجاة في الفترة نفسها. فكثيراً ما وجدت التباينات الاقتصادية والديموغرافية الهيكلية بين القارتين فلا منجاة لأوروبا من الهجرة الأفريقية.

وأدت خطة الاتحاد الأوروبي بالتعاقد إلى تطويق الهجرة الأفريقية إلى زعزعة الأوضاع في أفريقيا لا محالة. والارتباك الاقتصادي والسياسي للنيجر من أكثر مظاهر الزعزعة التي نجمت عن هذه الخطة. فالهجرة تاريخياً هي قوام اقتصاد الساحل الأفريقي والنيجر قبل أن تستشعر أوروبا الخطر من هجرة الأفارقة. فالهجرة، في قول أحدهم، ليست مشكلة أفريقيي الساحل الأفريقي. إنها اقتصادهم. فأغاديز في النيجر، وعليها شعب الطوارق، عاصمة قديمة للهجرة للطريق الوسيط من البحر الأبيض. فـ50 في المئة ممن وصلوا إلى إيطاليا في عام 2015 من المهاجرين الأفارقة مروا بأغاديز. فرزق أهلها من خدمة المهاجرين حتى ارتفعت وكالات تلك الخدمة عدداً من 15 في عام 2007 إلى 70 في عام 2013.

ونواصل

IbrahimA@missouri.edu

الوسومأفريقيا أوروبا الاتحاد الأوروبي السودان تمبكتو د. عبد الله علي إبراهيم ساحل العاج سوق القش غانا

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أفريقيا أوروبا الاتحاد الأوروبي السودان تمبكتو د عبد الله علي إبراهيم ساحل العاج سوق القش غانا الهجرة الأفریقیة الاتحاد الأوروبی إلى أوروبا فی المئة فی عام

إقرأ أيضاً:

8 وجوه جديدة تنضم لقائمة المنتخب المصري للجودو استعدادًا للبطولة الأفريقية في كوت ديفوار

أعلن الاتحاد المصري للجودو برئاسة محمد مطيع، قائمة اللاعبين واللاعبات المشاركين في البطولة الأفريقية للكبار، المقرر إقامتها في مدينة أبيدجان بكوت ديفوار خلال الفترة من 24 حتى 27 أبريل الجاري، بمشاركة 185 لاعبًا ولاعبة من 24 دولة أفريقية.

8 وجوه جديدة تنضم لقائمة المنتخب المصري للجودو استعدادًا للبطولة الأفريقية في كوت ديفوار

وشهدت القائمة انضمام 8 وجوه جديدة تخوض تجربتها الأولى على المستوى القاري، بعد تألقهم في بطولات الجمهورية الأخيرة، في خطوة تعكس خطة الاتحاد المصري للجودو الهادفة لتجديد دماء المنتخب وضخ عناصر شابة قادرة على تمثيل مصر بقوة خلال بطولات القادمة، خاصة بعد اعتزال عدد من نجوم اللعبة خلال الفترة الماضية.

يأتي هذا ضمن خطة طويلة من مجلس إدارة الاتحاد برئاسة محمد مطيع، لإعداد جيل جديد من الأبطال عبر إتاحة الفرصة للشباب لاكتساب الخبرة في كبرى البطولات، وفي مقدمتها البطولة الأفريقية.

تحرك جديد من الزمالك في ملف التحقيق مع زيزو إبراهيم صلاح: قطاع الناشئين كنز لنادي الزمالك.. ويجب على الجماهير مساندة اللاعبين

وضمت قائمة المنتخب 16 لاعبًا ولاعبة في مختلف الأوزان، حيث جاءت الأسماء كالتالي:

يسري سامي (60 كجم)، محمد سعيد رمضان (66 كجم)، مروان أيمن (73 كجم)، فارس شحاتة (73 كجم)، عبد الرحمن عبد الغني (81 كجم)، علي محمد علي (90 كجم)، عبد الله فهمي (100 كجم)، عمر الرملي (100 كجم)، محمد عبده مسعود (+100 كجم).

بالإضافة إلى، نورا أحمد سليمان (48 كجم)، زينب أحمد السيد (52 كجم)، تسنيم رشدي (57 كجم)، فاطمة محمد (63 كجم)، حبيبة أيمن (63 كجم)، فريدة مجدي (70 كجم)، صفا سليمان (78).

ويترأس بعثة المنتخب في البطولة الأستاذ محمد مطيع، فيما يقود الجهاز الفني الكابتن هشام مصباح رئيس جهاز المنتخبات الوطنية، إلى جانب الخبير الياباني ازومي هيروشي، والمدربين حسين حفيظ، محمد منير، مجدي الصعيدي (مدرب البنات )، وإيمان البنا مدربة

مقالات مشابهة

  • أمين عام “فلسطينيو أوروبا”: تسهيلات هجرة الفلسطينيين مفبركة ومضللة
  • وزير الخارجية يبحث تعزيز التعاون مع مفوضة الاتحاد الأوروبي
  • وزير الخارجية يؤكد هاتفيا لـ مفوضة الاتحاد الأوروبي للمتوسط أهمية التعاون المشترك
  • 13 دولة تشارك في البطولة الأفريقية للكونغ فو بالقاهرة
  • صعود الإمبراطورية الروسية في أفريقيا
  • الاتحاد الأوروبي يغرّم آبل وميتا 700 مليون يورو لانتهاكهما القواعد الرقمية للتكتّل
  • 8 وجوه جديدة تنضم لقائمة المنتخب المصري للجودو استعدادًا للبطولة الأفريقية في كوت ديفوار
  • التعاون ومواجهة الهجرة.. أجندة ماكرون في زيارته الأفريقية
  • "الاستثمار الأوروبي" يعتزم ضخ 60 مليون دولار لدعم التكنولوجيا الخضراء في أفريقيا وآسيا
  • 8 وجوه جديدة تنضم لقائمة المنتخب المصري للجودو استعدادا للبطولة الأفريقية