ليعذرني القارئ الكريم بدايةً، ولكن هذا أدنى وأبسط توصيف لِمَا يُمكِن أنْ يقالَ تجاه ما يُبديه الغرب من مواقف متناقضة وانحياز سافر وازدواجيَّة المعايير نَحْوَ خرق القانون الدوليِّ وجرائم الحرب والانتهاكات ضدَّ الإنسانيَّة التي يرتكبها كيان الاحتلال الصهيونيِّ؛ لأنَّ هذا الغرب في مواقفه المتطرفة انتقل من النقيض إلى النقيض.


نعم يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ حين يتبنَّى الرواية الصهيونيَّة الزَّائفة بأنَّ أبطال المقاومة الفلسطينيَّة يقطعون رؤوس الأطفال، وأنَّ حركة حماس هي تنظيم داعش الإرهابيِّ، في حين أنَّه لا يوجد طفل صهيونيٌّ واحد قُطِعَ رأسه، وفي الوقت ذاته وهو يتبنَّى هذا الزَّيف والكذب يتستَّر على جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها المحتلُّ الصهيونيُّ وبدَعْمٍ أميركيٍّ مُعلَنٍ بحقِّ الأطفال والنِّساء.
نعم يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ حين يتعلَّق الأمْرُ بالصهيونيَّة العالَميَّة، بل عَلَيْه أنْ يعلنَ ولاءه للصهيونيَّة صراحةً ودُونَ مواربةٍ كما أعْلَنها وزير الخارجيَّة الأميركيُّ الإسرائيليُّ توني بلينكن: أتيتُ إلى «إسرائيل» ليس بصِفَتِي وزيرًا لخارجيَّة أميركا فقط، أنا هنا لأنِّي يهوديٌّ.. وتعبيرًا عن هذا الولاء والانتماء لَمْ يكُنْ تحريك حاملات الطائرات والبوارج الحربيَّة وإقامة جسرٍ جوِّيٍّ للقنابل والصواريخ لِيتمكَّنَ الكيان الصهيونيُّ من فرْمِ كتلة اللحم البَشَريِّ في قِطاع غزَّة، إلَّا إحدى الصوَر الشاذَّة والمؤكِّدة للحقيقة القائمة، وكذلك منْع المظاهرات المُندِّدة بجرائم الحرب الصهيونيَّة والتهديد بسِجْن المشاركين فيها.
يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ وحقِّ البَشَريَّةِ في الحياة.. لكَيْ يصدَّ بحاملات طائراته وبوارجه الحربيَّة طوفان الحقِّ الهادر عن قاعدته العسكريَّة المتقدِّمة في الإقليم المُسمَّاة «إسرائيل»، ولِيُمكِّنَها من تسويق نصرٍ واهمٍ تُقدِّمه للداخل الصهيونيِّ، ولِيُرمِّمَ الصورة المُهشَّمة لأكذوبة «الجيش الذي لا يُقْهَر».
نعم يدرك الأميركيُّ ومَن في جلبابه من الحلفاء والأتباع والعملاء والخوَنَة أنَّ هذا الإقليم بِدُونِ هذه القاعدة العسكريَّةِ المُسمَّاة «إسرائيل» يعني قيام إقليم بِدُونِ الولايات المُتَّحدة ومَن لفَّ لفيفها، إقليم طاهر من رجْس الاحتلال والاستعمار والعمالة والخيانة، لذا فإنَّ نجاح «طوفان الأقصى» في إنهاء الحالة الشاذَّة لهذا الإقليم واستئصال الغدَّة السرطانيَّة من جسَده، مؤدَّاه الفشل في إعادة رسم خريطة الإقليم لإحكام القبضة عَلَيْه، وانهيار مشروع التطبيع المجَّانيِّ الذي يُعدُّ عمودَه الفقريَّ الممرُّ التجاريُّ وسكك الحديد الرابط بَيْنَ الهند والإقليم وأوروبا، وبالتَّالي انهيار مُخطَّط تمزيق مشروع الحزام والطريق الصينيِّ. لذلك هذا الأمْرُ ـ في نظَرِ الأميركيِّ ـ يستحقُّ أنْ يُسحقَ الأطفال والنِّساء في قِطاع غزَّة، وأنْ يتغوَّطَ الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ. ألَمْ تُجِبْ مادلين أولبرايت وزيرة الخارجيَّة الأميركيَّة الأسبق مِن قَبْل عن سحقِ أكثر من نصف مليون طفل عراقيٍّ بأنَّ هذا الثَّمنَ مُستَحقٌّ؟
نعم يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ، حين ترتعد فرائصه عِندما يقع جنودٌ قتَلَة صهاينة أسرى بِيَدِ المقاومة، بَيْنَما ضميره يتبلَّد أمام ستَّة آلاف أسير فلسطينيٍّ في سجون الاحتلال تُنتهك حقوقهم يوميًّا. وإمعانًا مِنْه في الانتهاك والازدواجيَّة أطلَقَ على الجنود الصهاينة الأسرى صِفَة «رهائن»، في حين حتَّى مَنْ يوصَفُون بالمستوطنين هُمْ في التوصيف القانونيِّ والشرعيِّ محتلون ومسلَّحون وجاؤوا إلى أرض ليست ملكًا لَهُمْ، فَهُمْ قانونًا أسرى وليسوا رهائن إنْ وقعوا في الأَسْرِ.
ما يُؤسفُ له ويَندى له الجبين أنَّه مع تكالُبِ الغرب الاستعماريِّ على الحقِّ الفلسطينيِّ تعجز جامعة الدوَل العربيَّة الهَرِمَة عن إصدار بيان مُشرِّف يَحفظُ ماء وجْهِها، فخنَعتْ لِمَا أرادته الخارجيَّة الأميركيَّة، وخرج اجتماع الجامعة ببيانٍ هزيلٍ يعكس مدى ما أصابها من هزال وهوان، فأسهَمتْ بصورة أو أخرى ببيانها في تشجيع مُجْرِمي الحرب على ارتكاب المجازر بحقِّ الأطفال والنِّساء وكبار السِّن في غزَّة.

خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: على القانون الدولی

إقرأ أيضاً:

لماذا تصر إسرائيل على خرق البروتوكول الإنساني في غزة؟

غزة- منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، خرق الاحتلال الإسرائيلي على نحو منتظم ومتكرر البروتوكول الإنساني الوارد ضمنه.

وكادت هذه الخروق أن تؤدي بالاتفاق إلى الانهيار، الأسبوع الماضي، عندما هددت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- بأنها "لن تسلم دفعة الأسرى في موعدها المحدد"، حتى تدخّل الوسطاء وانتهت الأزمة بتعهد إسرائيلي بتنفيذ التزامات هذا البروتوكول.

بيد أن إسرائيل واصلت خروقها واستمرت في تقييد دخول المساعدات الإنسانية المنصوص عليها من حيث النوعية والكمية، حسب ما يؤكده المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

تحايل وتلاعب

ويعتقد مراقبون أن إسرائيل تريد من وراء هذه الخروق ممارسة ضغوط على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة، لفرض إرادتها وابتزازها في المرحلة الثانية من مباحثات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى.

ويقدر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة أن الاحتلال خرق الاتفاق أكثر من 390 مرة منذ 30 يوما.

وقال للجزيرة نت إن ما دخل قطاع غزة من شاحنات مساعدات لا يتعدى 11 ألفا و700 شاحنة منذ بدء تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، وهذا خرق لما جاء في الاتفاق والبروتوكول الإنساني المنبثق عنه الذي نص على إدخال 600 شاحنة في اليوم الواحد، بواقع إجمالي 18 ألف شاحنة كان يُفترض دخولها القطاع منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

إعلان

وفي محاولة من الاحتلال للتحايل والتلاعب بأولويات الاحتياجات المطلوبة لمواجهة تداعيات حرب الإبادة، فإنه يسمح بدخول مساعدات غذائية غير أساسية مثل "الأندومي، والشيبس، والشوكولاتة، والمكسرات وما شابه ذلك"، وفق الثوابتة.

وأضاف أن ما دخل غزة من شاحنات وقود تتضمن سولارا وغازا للطهي لا يتعدى 810 شاحنات منذ بدء تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، وهو خرق لما جاء في الاتفاق والبروتوكول، والذي نص على إدخال 50 شاحنة وقود (غاز وسولار) في اليوم الواحد، بواقع إجمالي 1500 شاحنة كان من المفترض دخولها منذ ذلك الحين.

ويحتاج القطاع إلى 500 آلية ثقيلة تشمل الجرافات والحفارات والرافعات والمعدات الهيدروليكية وغيرها من الآلات الثقيلة، ويؤكد الثوابتة أن الاحتلال لم يسمح إلا بإدخال 6 معدات فقط عبارة عن كباشات (جرافات) رغم مرور 30 يوما على الاتفاق، وبعضها صغيرة ومنها معدات معطلة ومستهلكة وتحتاج إلى قطع غيار وصيانة.

كما يحتاج إلى غرف أكسجين ومعدات طبية ومولدات كهربائية وألواح طاقة شمسية للمستشفيات والمراكز الطبية، لم يسمح الاحتلال إلى الآن بإدخالها مطلقا.

انفوغراف ٣٠ يوما من الخروقات إسرائيل (الجزيرة) خروق ممنهجة

وأكد الثوابتة أن كل هذه الاحتياجات والأولويات منصوص عليها بالنوعية والكمية في البروتوكول الإنساني وهو جزء لا يتجزأ من اتفاق وقف إطلاق النار. و"رغم ذلك، دأبت دولة الاحتلال -ومنذ اليوم الأول- على خرقه والتلكؤ وعرقلة تنفيذه".

ووضع مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي سلوك الاحتلال في سياق مواصلته حرب الإبادة بأشكال مختلفة، وإبداء استهتاره بالمعاناة والأزمة الإنسانية لزهاء 2.4 مليون نسمة في القطاع الساحلي الصغير والمحاصر.

ونتيجة للحرب والحصار المشدد، يواجه القطاع أزمة إنسانية خانقة مردها النقص الحاد في المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام وفتح الطرق ورفع الأنقاض لانتشال جثامين آلاف الشهداء، وعدد قليل من الآليات التي سمح الاحتلال بدخولها ليست بالجودة المرجوة ولا تناسب الواقع المتردي الذي خلفه العدوان وحول القطاع بأكمله لمنطقة منكوبة، وفقا للثوابتة.

إعلان

وبرأيه، يعكس "هذا السلوك تعنت الاحتلال وانتهاجه سياسة لا إنسانية تهدف إلى تعميق الأزمة الإنسانية وتعطيل جهود الإغاثة وإعادة الإعمار"، مطالبا "الوسطاء والجهات الضامنة بتحمل مسؤولياتها والضغط على الاحتلال لوقف هذه السياسة الهمجية التي تعمق معاناة شعبنا العظيم في غزة وتفاقم الوضع الكارثي فيها".

في السياق ذاته، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف للجزيرة نت إنه كان من المفترض دخول 200 ألف خيمة، وما دخل منها حوالي 74 ألف خيمة لا يتعدى 45% من إجمالي الاحتياجات، في حين لم يسمح الاحتلال مطلقا بدخول البيوت المتنقلة (الكرفانات).

وبشأن مستلزمات الإيواء الأخرى، مثل المولدات الكهربائية والبطاريات وألواح الطاقة الشمسية، يؤكد معروف أنه لم يدخل منها أي شيء.

وفيما يتعلق بالاحتياجات الطبية، يضيف أن الاحتلال لم يسمح بدخول أي أجهزة طبية ومعدات تساعد على إعادة ترميم وتأهيل المستشفيات التي أخرجها عن الخدمة، وسمح فقط بدخول بعض الأدوية والمهام الطبية. وواصل تعداد خروق الاحتلال بمنعه دخول أي مواد إعمار وصيانة أولية مثل الإسمنت، ومواسير المياه والصرف الصحي.

انقلاب وابتزاز

من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية حسام الدجني، للجزيرة نت، إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول مخططات تهجير الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، فتحت شهية اليمين الإسرائيلي.

وأضاف أنها عززت من الاعتقاد أن خرق البروتوكول قد يدفع حماس نحو التمسك بعدم الإفراج عن الأسرى، وهو ما قد يستفز ترامب وإسرائيل للدخول في حرب تؤسس للتهجير، وهذا يدعمه انقلاب الاحتلال على اتفاقه مع الوسطاء بتنفيذ البروتوكول، وتشكيله لجنة لتهجير الفلسطينيين من غزة.

وبرأيه، فإن تصريحات الناطق باسم حماس حازم قاسم قطعت الشك باليقين فيما يتعلق بموضوع الاستجابة لما قاله ترامب، وفي الوقت نفسه الاستجابة على قاعدة تطبيق الاتفاق دفعة واحدة بالإفراج عن جميع المحتجزين في مقابل الإفراج عن كل الأسرى، والدخول في وقف دائم لوقف إطلاق النار، وانسحاب شامل وفتح المعابر وإعادة الإعمار.

إعلان

وتابع الدجني "باعتقادي، هذه المقاربة السياسية تسحب البساط من تحت أقدام الجميع، وتعيد الكرة للملعب الإسرائيلي، ويمكن أن تحتوي الموقف الأميركي".

من جهته، يضع الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي مصطفى إبراهيم خروق إسرائيل المتكررة للاتفاق في سياق مساعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإرضاء حلفائه من "المتطرفين" في الائتلاف الحاكم، كما تؤسس بها للمرحلة الثانية من مباحثات وقف إطلاق النار التي أعاقها أيضا نتنياهو وكان من المفترض أن تبدأ في اليوم الـ16 من مرحلة الاتفاق الأولى.

ويقول للجزيرة نت إن من بين ضغوط نتنياهو كذلك ومساعيه لابتزاز فصائل المقاومة، ما طرحه أخيرا ولا يتضمنه الاتفاق، ويتعلق بمغادرة قادة حماس قطاع غزة ونزع سلاح المقاومة، وهي اشتراطات يدرك أنها ستعرقل الاتفاق، ولكن ما يشجعه على ذلك تصريحات ترامب بخصوص تهجير الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • قصة المعلم الإسباني الذي وقع في حب السعودية .. فيديو
  • وزير الدفاع الروسي يهدد الغرب باللحظة الحاسمة للمواجهة
  • «حليمة» تتابع إنشاء منصة للتطوير القانوني والقضائي عن بعد
  • النائب العام: تطوير البحث العلمي وتعزيز الوعي القانوني من ركائز استراتيجية النيابة العامة
  • اتفاق بين النيابة العامة ووزارة الشباب لتعزيز الوعي القانوني ومكافحة الفساد
  • د. كهلان الخروصي: القانون الدولي الإنساني يواجه ازدواجية المعايير في النزاعات المعاصرة
  • الخارجية الفلسطينية تطالب جهات القانون الدولية بتحمل مسؤولياتها تجاه جرائم العدو الصهيوني
  • لماذا تصر إسرائيل على خرق البروتوكول الإنساني في غزة؟
  • ورشة لكبار ضباط القوة المشتركة حول القانون الدولي الإنساني
  • الإمارات تدعو إلى المساواة بتطبيق القانون الدولي والالتزام به