شراع : الغرب الاستعماري يتغوط على القانوني الدولي والحق الإنساني
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
ليعذرني القارئ الكريم بدايةً، ولكن هذا أدنى وأبسط توصيف لِمَا يُمكِن أنْ يقالَ تجاه ما يُبديه الغرب من مواقف متناقضة وانحياز سافر وازدواجيَّة المعايير نَحْوَ خرق القانون الدوليِّ وجرائم الحرب والانتهاكات ضدَّ الإنسانيَّة التي يرتكبها كيان الاحتلال الصهيونيِّ؛ لأنَّ هذا الغرب في مواقفه المتطرفة انتقل من النقيض إلى النقيض.
نعم يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ حين يتبنَّى الرواية الصهيونيَّة الزَّائفة بأنَّ أبطال المقاومة الفلسطينيَّة يقطعون رؤوس الأطفال، وأنَّ حركة حماس هي تنظيم داعش الإرهابيِّ، في حين أنَّه لا يوجد طفل صهيونيٌّ واحد قُطِعَ رأسه، وفي الوقت ذاته وهو يتبنَّى هذا الزَّيف والكذب يتستَّر على جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها المحتلُّ الصهيونيُّ وبدَعْمٍ أميركيٍّ مُعلَنٍ بحقِّ الأطفال والنِّساء.
نعم يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ حين يتعلَّق الأمْرُ بالصهيونيَّة العالَميَّة، بل عَلَيْه أنْ يعلنَ ولاءه للصهيونيَّة صراحةً ودُونَ مواربةٍ كما أعْلَنها وزير الخارجيَّة الأميركيُّ الإسرائيليُّ توني بلينكن: أتيتُ إلى «إسرائيل» ليس بصِفَتِي وزيرًا لخارجيَّة أميركا فقط، أنا هنا لأنِّي يهوديٌّ.. وتعبيرًا عن هذا الولاء والانتماء لَمْ يكُنْ تحريك حاملات الطائرات والبوارج الحربيَّة وإقامة جسرٍ جوِّيٍّ للقنابل والصواريخ لِيتمكَّنَ الكيان الصهيونيُّ من فرْمِ كتلة اللحم البَشَريِّ في قِطاع غزَّة، إلَّا إحدى الصوَر الشاذَّة والمؤكِّدة للحقيقة القائمة، وكذلك منْع المظاهرات المُندِّدة بجرائم الحرب الصهيونيَّة والتهديد بسِجْن المشاركين فيها.
يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ وحقِّ البَشَريَّةِ في الحياة.. لكَيْ يصدَّ بحاملات طائراته وبوارجه الحربيَّة طوفان الحقِّ الهادر عن قاعدته العسكريَّة المتقدِّمة في الإقليم المُسمَّاة «إسرائيل»، ولِيُمكِّنَها من تسويق نصرٍ واهمٍ تُقدِّمه للداخل الصهيونيِّ، ولِيُرمِّمَ الصورة المُهشَّمة لأكذوبة «الجيش الذي لا يُقْهَر».
نعم يدرك الأميركيُّ ومَن في جلبابه من الحلفاء والأتباع والعملاء والخوَنَة أنَّ هذا الإقليم بِدُونِ هذه القاعدة العسكريَّةِ المُسمَّاة «إسرائيل» يعني قيام إقليم بِدُونِ الولايات المُتَّحدة ومَن لفَّ لفيفها، إقليم طاهر من رجْس الاحتلال والاستعمار والعمالة والخيانة، لذا فإنَّ نجاح «طوفان الأقصى» في إنهاء الحالة الشاذَّة لهذا الإقليم واستئصال الغدَّة السرطانيَّة من جسَده، مؤدَّاه الفشل في إعادة رسم خريطة الإقليم لإحكام القبضة عَلَيْه، وانهيار مشروع التطبيع المجَّانيِّ الذي يُعدُّ عمودَه الفقريَّ الممرُّ التجاريُّ وسكك الحديد الرابط بَيْنَ الهند والإقليم وأوروبا، وبالتَّالي انهيار مُخطَّط تمزيق مشروع الحزام والطريق الصينيِّ. لذلك هذا الأمْرُ ـ في نظَرِ الأميركيِّ ـ يستحقُّ أنْ يُسحقَ الأطفال والنِّساء في قِطاع غزَّة، وأنْ يتغوَّطَ الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ. ألَمْ تُجِبْ مادلين أولبرايت وزيرة الخارجيَّة الأميركيَّة الأسبق مِن قَبْل عن سحقِ أكثر من نصف مليون طفل عراقيٍّ بأنَّ هذا الثَّمنَ مُستَحقٌّ؟
نعم يتغوَّط الغرب الاستعماريُّ على القانون الدوليِّ والحقِّ الإنسانيِّ، حين ترتعد فرائصه عِندما يقع جنودٌ قتَلَة صهاينة أسرى بِيَدِ المقاومة، بَيْنَما ضميره يتبلَّد أمام ستَّة آلاف أسير فلسطينيٍّ في سجون الاحتلال تُنتهك حقوقهم يوميًّا. وإمعانًا مِنْه في الانتهاك والازدواجيَّة أطلَقَ على الجنود الصهاينة الأسرى صِفَة «رهائن»، في حين حتَّى مَنْ يوصَفُون بالمستوطنين هُمْ في التوصيف القانونيِّ والشرعيِّ محتلون ومسلَّحون وجاؤوا إلى أرض ليست ملكًا لَهُمْ، فَهُمْ قانونًا أسرى وليسوا رهائن إنْ وقعوا في الأَسْرِ.
ما يُؤسفُ له ويَندى له الجبين أنَّه مع تكالُبِ الغرب الاستعماريِّ على الحقِّ الفلسطينيِّ تعجز جامعة الدوَل العربيَّة الهَرِمَة عن إصدار بيان مُشرِّف يَحفظُ ماء وجْهِها، فخنَعتْ لِمَا أرادته الخارجيَّة الأميركيَّة، وخرج اجتماع الجامعة ببيانٍ هزيلٍ يعكس مدى ما أصابها من هزال وهوان، فأسهَمتْ بصورة أو أخرى ببيانها في تشجيع مُجْرِمي الحرب على ارتكاب المجازر بحقِّ الأطفال والنِّساء وكبار السِّن في غزَّة.
خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: على القانون الدولی
إقرأ أيضاً:
سندات الأثر الإنساني.. نقلة نوعية في مبادرات تمويل المشروعات الخيرية
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، التي تفرض ضرورة البحث عن وسائل تمويل مستدامة وفعالة لدعم المشروعات الخيرية والاجتماعية، ظهرت على الساحة العالمية "سندات الأثر الاجتماعي والإنساني" كأداة مبتكرة في بدايات عام 2010، تجمع بين الاستثمار والهدف الاجتماعي. وتتيح هذه السندات توفير التمويل اللازم بآلية مختلفة عن التبرعات التقليدية، حيث تعتمد على استثمار رأس المال، وتحقيق النتائج الملموسة لضمان استمرار الدعم المالي.
فما هي سندات الأثر الاجتماعي والإنساني؟ وكيف يمكن الاستفادة منها في تمويل المشروعات الخيرية؟ وما أبرز التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال؟
سندات الأثر الاجتماعي والإنساني هي أداة مالية تهدف إلى جذب رؤوس الأموال لتمويل مشروعات تعالج قضايا اجتماعية محددة، وتقوم هذه السندات على مبدأ الدفع بناءً على النتائج، إذ يحصل المستثمرون على عوائد مالية إذا تحققت الأهداف الاجتماعية المتفق عليها، بينما يتحملون الخسائر في حال فشل المشروع في الوصول إلى تلك الأهداف. هذا النموذج يخلق توازنًا بين تحقيق العائد المالي وإحداث تأثير اجتماعي إيجابي.
تتطلب آلية عمل هذه السندات تعاونًا بين عدة جهات، الجهة الأولى هي الحكومة أو المؤسسة الممولة التي تحدد المشكلة الاجتماعية، وتتعهد بالدفع عند تحقق النتائج. الجهة الثانية هي المستثمرون الذين يقدمون التمويل اللازم لتنفيذ البرامج. أما الجهة الثالثة فهي المنظمات التنفيذية التي تتولى تنفيذ المشروع على أرض الواقع. وأخيرًا، هناك جهة مستقلة تتولى مراقبة الأداء، وتقييم مدى تحقيق الأهداف.
تتيح سندات الأثر الاجتماعي والإنساني فرصًا كبيرة للمؤسسات الخيرية والاجتماعية. فهي توفر مصدرًا متجددًا للتمويل بدلاً من الاعتماد على التبرعات الموسمية، وتدفع نحو تطوير حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية، كما أنها تعزز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتشجع على تبني نهج يعتمد على الأداء والنتائج، مما يزيد من كفاءة إدارة الموارد المالية، ويعزز الشفافية.
على سبيل المثال، يمكن لمنظمة غير ربحية تعمل على الحد من التسرب المدرسي أن تطلق برنامجًا تعليميًا لدعم الطلاب المهددين بترك الدراسة. إذا تمكن البرنامج من خفض نسب التسرب وفقًا للمستهدف، يحصل المستثمرون على عائد مالي بينما تحقق الجهة الداعمة أهدافها الاجتماعية. هذه الآلية ليست مجرد وسيلة للتمويل بل هي نموذج لتعزيز المساءلة، والشفافية في تنفيذ المشروعات الاجتماعية.
شهدت العديد من الدول تجارب ناجحة في تطبيق سندات الأثر الاجتماعي والإنساني. ففي مدينة بيتر بورو بالمملكة المتحدة، أُطلقت أول تجربة في 25 يونيو 2010 بهدف تقليل معدلات عودة السجناء السابقين إلى السجن. استثمرت جهات خاصة في تمويل برامج إعادة التأهيل، وعندما انخفضت معدلات العودة إلى السجن بنسبة 9%، حصل المستثمرون على عوائد مالية.
وفي الولايات المتحدة، أطلقت ولاية يوتا في 30 أغسطس 2013 مشروعًا لتمويل التعليم المبكر عبر سندات الأثر الاجتماعي. استهدف المشروع تحسين الأداء الأكاديمي للأطفال المحرومين، وعندما أظهرت النتائج تحسنًا ملموسًا، تم تعويض المستثمرين بينما وفرت الحكومة جزءًا من تكاليف الرعاية الاجتماعية.
أما في أستراليا، فقد أُعلن في 15 مايو 2016 عن استخدام سندات الأثر الاجتماعي لتمويل برامج الصحة النفسية. ركزت المبادرة على تقديم دعم نفسي للأفراد الذين يعانون من أمراض عقلية، وأسهمت هذه البرامج في تحسين جودة حياة المرضى، وخفض نفقات الرعاية الصحية.
في اليابان، وتحديدًا في مدينة يوكوهاما، تم تطبيق نموذج مشابه في 27 أكتوبر 2017 بهدف تحسين الرعاية الصحية للمسنين. مول المستثمرون برامج للوقاية من الأمراض المزمنة، مما ساعد في تقليل معدلات دخول المستشفيات، وتحقيق تحسن في جودة حياة كبار السن. استفاد المستثمرون من عوائد مالية بينما حققت الحكومة أهدافها في خفض النفقات الصحية.
وفي خطوة متقدمة، أصدر البنك الدولي منذ عام 2021 ثلاثة سندات بارزة لدعم مبادرات إنسانية مختلفة. تمثل الأول في سندات الكربون التي مولت مشروع أجهزة تنقية المياه في فييتنام، حيث تم تصنيع وتوزيع 300 ألف جهاز على 8000 مدرسة، مما وفر مياهًا نظيفة لما يقرب من مليوني طفل. أما السند الثاني فكان مخصصًا لحماية الحياة البرية، من خلال مشروع الحفاظ على وحيد القرن في جنوب أفريقيا. والسند الثالث خُصص لدعم منظمة اليونيسيف في جهود مكافحة جائحة كورونا.
على الرغم من النجاح الذي حققته هذه السندات في العديد من الدول، إلا أن تطبيقها لا يخلو من التحديات. فهي تتطلب معايير دقيقة لقياس التأثير الاجتماعي وتقييم مدى نجاح البرامج. كما أن المستثمرين يتحملون مخاطر خسارة أموالهم إذا لم تتحقق الأهداف، وتحتاج هذه السندات إلى أطر قانونية وتنظيمية معقدة لضمان التنفيذ الناجح، إضافة إلى أهمية تعزيز الثقة بين الأطراف المعنية لضمان الالتزام بالنتائج.
تشكل سندات الأثر الاجتماعي والإنساني تحولًا نوعيًا في تمويل المشروعات الخيرية، حيث تجمع بين تحقيق الربح والأهداف الاجتماعية. ومن المتوقع أن يستمر انتشار هذا النموذج عالميًا ليشمل مجالات أوسع في التعليم، والصحة، والبيئة، مما يفتح المجال أمام تعاون أعمق بين القطاعين العام والخاص. فهل تصبح سندات الأثر الاجتماعي والإنساني الأداة المفضلة لتمويل المشروعات الإنسانية في المستقبل؟