جريدة الوطن:
2025-04-10@21:27:06 GMT

نبض المجتمع : الأدب السياحي

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

نبض المجتمع : الأدب السياحي

يُمثِّل الأدب بكُلِّ عناصره، سواء النثر أو الشعر أحد الأساليب التي ما فتئت صناعة السِّياحة العالَميَّة في استغلالها لخدمة أهدافها. فالواقع كُلُّ شيء يجِبُ تطويعه لعمليَّة جذب السَّائح وزيادة شغفه، وأن تتمَّ صناعة الحدث والترويج له إعلاميًّا وخصوصًا مع تطوُّر واتِّساع رقعة التأثير الإعلامي بحُكْم تعدُّد الوسائط وانتشارها.


وكُلُّ ذلك يعتمد في الأساس على وجود خطَّة واضحة ومُحدَّدة بكُلِّ إجراءاتها لجعلِ أحداث رواية ما مثلًا على سلَّم أولويَّات السَّائح عِند زيارته للمنطقة التي دارت فيها أحداث تلك الرواية، ويكُونُ الأمْرُ أكثر إمتاعًا إذا كانت هذه الرواية قَدْ تحوَّلت إلى فيلم سينمائي شهير عِندها تكُونُ الرغبة أكثر إلحاحًا وشغفًا لزيارتها وتوثيق أحداثها، وقَدْ أدَّت الوسائط والبرامج التي أفرزتها الثَّورة الصناعيَّة الرابعة دَوْرًا مضاعفًا في ذلك.
والواقع أنَّ هنالك الكثير من المواقع ذات الارتباط بأحداث روائيَّة أو شعريَّة أو تاريخيَّة، ولكنَّ الأمْرَ يرتبط بمدى قدرتنا على الترويج الصحيح لها. فكثير من دوَل العالَم لدَيْها هذا الجانب، ولكن كم هي الدوَل التي استغلَّته سياحيًّا وعدَّته مصدرًا للناتج المحلِّي شأنه شأن النفط مثلًا. لا شكَّ أنَّها الأفكار هي التي تبدع في المقام الأوَّل وهي مَن يغيِّر المسار، فكما أنَّ هنالك دوَلًا لا توجد لدَيْها موارد طبيعيَّة وتستورد جميع احتياجاتها ولكنَّها دوَل متطوِّرة اقتصاديًّا والعكس موجود أيضًا، فلا شكَّ أنَّ الفكر السِّياحي أيضًا تنطبق عَلَيْه ذات القاعدة.
نتحدَّث هنا مثلًا عن قصَّة روميو وجولييت وهي رواية عالَميَّة مشهورة وقَدِ اتَّخذت من مدينة فيرونا الإيطاليَّة مسرحًا لقصَّة هذيْنِ البطلَيْنِ ومُثِّلت العديد من المسرحيَّات والأفلام حَوْلَ هذه القصَّة، ورغم أنَّ هذه القصَّة هي الأساس غير واقعيَّة، وإنَّما من نسيج خيال الكاتب الإنجليزي شكسبير ولا تمتُّ لمدينة فيرونا بصِلَة واقعيَّة، إلَّا أنَّ الفكر السِّياحي لصناعة السِّياحة الإيطاليَّة وظَّف هذه الرواية بطريقة أسهَمتْ في جذب ملايين السيَّاح سنويًّا لزيارة المدينة، حيث تمَّ وضع تماثيل لروميو وجولييت وتصميم مواقع مستوحاة من أحداث الرواية لإظهار الحدَث بتناغم تامٍّ مع خيال الكاتب. نلاحظ هنا أنَّ الرواية في الأصل ليست واقعيَّة، ولكن تمَّ تكييفها بصورة احترافيَّة لتتطابق مع الواقع لدرجة أنَّ الكثير من السيَّاح لا يعتقد بذلك. في المقابل هناك أحداث لروايات حقيقيَّة وبمواقعها الأصليَّة، ولكن لا يتمُّ الالتفات لها، لماذا؟ لأنَّه لا توجد صناعة في ذلك المكان، وليس ببعيد عن إيطاليا، ففي رومانيا أيضًا تقع قلعة دراكولا والتي ألَّف الكاتب الإنجليزي برام ستوكر روايته الشهيرة بنَفْسِ الاسم، ورغم أنَّ ما كتب في الرواية هو من خيال الكاتب إلَّا أنَّ القاسم المشترك فيما بَيْنَهما كان ضئيلًا باعتراف الكاتب نَفْسِه، وقَدِ اشتهرت القلعة بعد تأليف الرواية، فأصبحت الرواية هي سبب الشهرة، وربَّما يرجع السَّبب الأساس أيضًا في كلا المثالَيْنِ إلى تحوُّل هذه الروايات إلى أفلام عالَميَّة ساعدت ـ بلا شك ـ في تشجيع النَّاس وشغفهم بزيارتها.
من هنا يظهر لنَا أنَّ عناصر صناعة السِّياحة لا تعتمد فقط على بناء الفنادق الراقية أو المتنزهات والحدائق والمراكز التجاريَّة الكبيرة. بمعنى آخر، ليس الأمْرُ مرتبطًا فقط بالجوانب المادِّيَّة، بل يتعدَّاه للجوانب الثقافيَّة والمعرفيَّة التي لا تقلُّ أهمِّية في عمليَّة جذب السَّائح عن تلك الجوانب المشاهدة بالعَيْنِ المُجرَّدة. فالسيَّاح يتباينون في اهتماماتهم ورغباتهم، وبالتَّالي يجِبُ أن تتوافرَ في كُلِّ دَولة تهتمُّ بهذا الجانب جميع الخيارات لِتتناسبَ مع أذواق واهتمامات كُلِّ فئة من هؤلاء السيَّاح. وهنا تظهر أهمِّية استغلال المجال الأدبي لأيِّ أُمَّة في جذب السِّياحة لها؛ لوجود عددٍ كبير من السيَّاح ممَّن تستهويهم هذه الجوانب أكثر من غيرها. وما الروايات العُمانيَّة التي فازت بجوائز عالَميَّة وعربيَّة إلَّا مثال يُمكِن الاستفادة مِنْه في عمليَّة الترويج السِّياحي للسَّلطنة عن طريق تفعيل أحداث رواية معيَّنة وتجسيد شخوصها والترويج لها لِتكونَ مَعْلمًا يشدُّ السيَّاح رحالهم إليه كأحد الجوانب والمجالات المدرجة على خريطة السِّياحة العُمانيَّة.

د. خصيب بن عبدالله القريني
kaseeb222@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

تهدف لتنمية خيالهم.. قصر ثقافة المحلة ينظم ندوة عن «الأدب الموجه للأطفال»

نظم نادي الأدب بقصر ثقافة المحلة الكبرى، مساء الإثنين 7 أبريل 2025، ندوة ثقافية بعنوان "الأدب الموجه للأطفال"، ضمن فعاليات الهيئة العامة لقصور الثقافة الرامية لتعزيز دور الأدب في تنمية الوعي المجتمعي، وبخاصة لدى النشء، بإشراف من زينب حسن، مشرف نادي الأدب، وبحضور حازم رشاد، مدير قصر الثقافة.

أدار الندوة الشاعر والناقد الأدبي أحمد عيد، الذي رحّب بالحضور وقدم المشاركين من الأدباء الذين تناولوا خلال كلماتهم أهمية أدب الطفل كرافد رئيسي من روافد الثقافة والتربية.

شارك في الندوة كل من مجدي الفقي، عبد الجواد الحمزاوي، جابر سركيس، محمد نجيب الجزار، وأكد الأدباء أن أدب الطفل يُعد من الفنون الراقية، ويهدف إلى تقديم محتوى إبداعي يسهم في تنمية خيال الطفل، وتطوير مهاراته اللغوية، وترسيخ القيم الأخلاقية مثل الصدق والعدل والرحمة. كما أشاروا إلى أن هذا النوع من الأدب يلعب دورًا أساسيًا في تشكيل شخصية الطفل ووعيه بالعالم المحيط.

تضمنت محاور الندوة أهمية الخيال في تنمية قدرات الطفل الإبداعية، وتعزيز اللغة من خلال تقديم نماذج لغوية صحيحة ومتنوعة، وترسيخ القيم الأخلاقية من خلال السرد القصصي والمواقف التربوية، والتعريف بأنواع أدب الطفل مثل القصص، والشعر، والمسرحيات، وكتب التلوين، وكذلك توضيح الخصائص الفنية لأدب الطفل مثل الوضوح، المتعة، التشويق، والتركيز على القيم.

كما استعرض المشاركون نماذج من أشهر كُتّاب أدب الطفل عالميًا، مثل شارل بيرو، والأخوان جريم، ولويز كارول، الذين أبدعوا في تقديم قصص خيالية أثرت في أجيال متعاقبة من الأطفال.

وتخلل الندوة فقرات شعرية ومسرحية أضفت طابعًا فنيًا مميزًا، وشارك فيها كل من مصطفى الزغبي، الذي قدم مشهدًا من مسرحية "الكراسي"، و محمد أبو الفتوح، بقصيدة "أيوب الجديد"، و علاء الدين، بمشاركة شعرية عن عيد الفطر، زكريا الفقي، أحمد عبد العزيز الجزار، بقصيدة "خواطر بحر"، إبراهيم سمير، بقصيدة "حنين للوطن"، مصطفى عيسى، بقصيدة "بقايا وردة"، منى حمد، بقصيدة "عارف أنت".

واختتمت الندوة بتفاعل كبير من الحضور الذين أشادوا بما طُرح من رؤى وأفكار تثري المجال التربوي والثقافي.

مقالات مشابهة

  • خبير سياسي: الانقسام الداخلي في إسرائيل يكشف زيف الرواية الصهيونية
  • حازم إمام: كان يجب بيع زيزو ولكن الزمالك خاف من الجماهير
  • أحمد داود وأحمد داش بفيلم إذما.. إليكم ما نعرفه عن الرواية الأصلية
  • بالصور.. آداب عين شمس تكرم الكاتب مجدي صابر عن مجمل أعماله
  • حزب الله يثير الجدل: مستعدون للتخلي عن سلاحنا ولكن بشروط
  • وثائق سرية تفضح الكاتب الخاص للملك المغربي .. فمن هو ؟
  • هذه حقيقة وفاة 3 لاعبين من البطولة الوطنية بالطريق السيّار
  • تهدف لتنمية خيالهم.. قصر ثقافة المحلة ينظم ندوة عن «الأدب الموجه للأطفال»
  • مصر وفرنسا إرث ثقافي ممتد عبر العصور
  • النظام ساقط… ولكن الظل قائم: في طقوس الإنكار وانفجارات الكذب الوجودي عند إبراهيم محمود