أغاني العتاب: موروث يروي حكايات المرأة الريفية في اليمن
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
تجدها في تفاصيل الحياة، لا تعرف غير العطاء، تنسج متفردة شخصيتها بيدها وعقلها وتسهم في حفظ الموروث وإثرائه. تلك هي المرأة الريفية التي كان له دور حيوي وفاعل في تنمية المجتمعات، والمحافظة على الهويات والتقاليد الثقافية، وتعزيز التنوع الزراعي، واستدامة الموارد الطبيعية. واعترافًا بجهودها يحتفل العالم في 15 أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للمرأة الريفية الذي حدّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007؛ لدعم دور المرأة الريفية وتعزيز التنمية ودفع عجلة التقدم في ظل الظروف القاهرة التي تعيشها.
واحتفاءً بدور المرأة الريفية اليمنية، الذي تمثل نموذجًا للإصرار والتفاني والقوة والعزيمة، ودعم عائلتها وتحسين أوضاع مجتمعها، في ظل قساوة الحياة وشظف العيش، سأتحدث عن بعض ما لاقته المرأة الريفية اليمنية، والذي ظهر في أحد أشكال الموروث الثقافي، المتمثل بالعتاب الذي جاء على لسانها من خلال الأغنية الشعبية التي تُعدّ لغة النفوس وترجمان العواطف.
يشكل العتاب جزءًا مهمًا من الأغاني الشعبية والفلكلورية للمرأة الريفية للتعبير عن مشاعر الحب والغيرة والغضب والاعتراض لمختلف الأمور والمواقف الحياتية والمشاكل اليومية التي تواجهها المرأة اليمنية في المجتمع الريفي، مثل: قلة الاهتمام والمتاعب وغياب الحبيب وخيبات الأمل والخيانة، في قوالب موسيقية وترانيم إيقاعية ممتعة، وبأسلوب سهل وعفوي، يعكس حياة المجتمعات الريفية الأصيلة، وتجارب النساء فيها.
عندما نتحدث عن عتاب المرأة الريفية في سياق الحب، يبدو وكأننا نفتح كتابًا فيه أعذب الشعر وأجمل الألحان، فدوّامة العواطف التي يعيشها العاشقون تصنع خلطة سحرية من الشوق والمشاعر والحنين، لتصبح ترياقًا للمحبوب، وعلى يد المرأة يصبح العتاب أداة سحرية للتعبير عن مشاعرها وأفكارها بشكل فني ومبدع.
ومن عبير العتاب في أغاني المرأة الريفية في اليمن تتكشف أمامنا العديد من الحقائق، وتتضح الكثير من البراهين، فالمرأة الريفية بكل صدقها ووضوحها وبساطتها كما عرفناها في أغاني أخرى نجدها صادقة وفيّة ودودة في أغاني العتاب الموجه كله دومًا نحو من تحب، الذي يتلمس شغاف القلب، ويجد طريقه في اكتمال العلاقة العميقة بين الأحباب، فنجد في أغانيها الطابع العاطفي النفسي المستوحى دائمًا من صميم حياة ومعاناة المرأة الريفية، ومن أجواء بيئتها، التي تستمدها من مطالع النجوم، ولوامع البروق، وأنوار الصباح، وأصوات الطيور، وفي هجعة الليل، ويقظة الفجر، وهبوب الرياح، أو ساعة هطول الأمطار، فلم تكن تلك الأغاني عبثاً أو ترفاً، بل جزءًا من حياة المرأة الريفية في سرّائها وضرائها، وكل غنوة من أغانيها تحمل مدلولات غاية في الإيحاء والتحفز.
لم تمانع المرأة الريفية على الاغتراب والهجرة؛ لأنها تعلم الأسباب الواقعية وضيق الحال التي دفعت الرجال إليها في كثيرٍ من الأحوال، لكن البُعد الجغرافي والانفصال الزمني يولد الحنين والقلق وهو أمرٌ طبيعي في هذا السياق. وتصور المرأة هذا الموقف بقولها:
من ضاق حالهُ توجه له الخُبوتْ
سيّب حبيبُه يحي وإلا يموتْ
إنهما موقفان متناقضان كما يصورهما هذا النص، ففي الشطر الأول رأي موضوعي في عوامل الهجرة، وفي الشطر الآخر نقف أمام تيار عاطفي قوي، تستجدي فيه المرأة الرجل بأن يُراعي مشاعرها وأحاسيسها كإنسانة ذنبها أنها تحب، وأن هناك من يشغل مكانة خاصة في قلبها وحياتها. فالمرأة هنا تتعامل مع الواقع والهجرة كخصمين لها، ولذلك فهي تعاتب حبيبها على استسلامه لظروفه، وبالتالي قبوله بواقع الهجرة على حساب حياة ومشاعر حبيبته.
وبلا شك، سيظل الحب والفراق عدّوين لدودين أبدًا، لا يمكن الجمع أو التوفيق بينهما، والمُحب الحقيقي يتمنى دائمًا أن يعيش إلى جانب حبيبه، وليس الذي يقلقه بالتفكير فيه، وها هي المرأة تصور هذا الموقف بقولها:
الشمس غابت واختفت بِكَبّة
محبة المُبعِد تصير كَذْبه
فالمرأة تريد أن تقول بأن من يغيب عن العين يغيب عن القلب أيضًا، فهي لا تتصور أن الرجل يمكن أن يحب حبيبته ويغيب عنها بعيدًا في وقتٍ واحد.. وتبدو المرأة هنا بائسة من هذا الحب الذي المفعم بالفراق والبعد، حتى فقد معناه الحقيقي ولم يبق منه إلا ما تختزنه الذاكرة من المواقف والذكريات عن ماضٍ جميل يورق صاحبته ويقلقها، ولا سيما تلك الصغيرة التي تركها حبيبها المهاجر، ولم يبق لها سوى قلبًا مملوءًا بحقائب الشوق والحنين والذكريات:
هجرتني ما هجروا البنادقْ
سيبتني وأني صغير نافقْ
ثم نجدها تعاتب حبيبها وهي واقعةٌ تحت وطأة ألم الفراق الذي تتحمله صابرة؛ لأنها لا تمتلك غير الصبر سلاحًا:
حُبيبي يا هيل مخلوط مع الزِّرْ
أنت لك الغربة أما أني شَصبِر
وحين يطول الانتظار، الذي تتجرع فيه ألوان العذاب؛ فإنها لا تقوى على كتمان عذابها، لذا تبعثه مضمّخًا بعطر الكاذي، محمولًا على ورق رسالتها ختمًا معمدًا باللوعة:
كتبت لك مكتوب مَغري بكاذي
نقشت بالعنوان خاتم عذابي
في رحيل الحبيب والانتظار المضني، والرسائل المتكررة، والوعود المقدسة بالعودة، وأن الحب لن ينتهي، باتت تستجدي منه مجرد رسالة في صدمةٍ قوية تضرب القلب بقسوة:
كتبت لك مكتوب بالتواريخ
أشتي جواب وإلا أرسل الصواريخ
كتبت لك مكتوب قدُه من الضيقْ
الخط من دمعي والغراء من الريقْ
كان هناك وعدٌ مقدسٌ بالعودة، وأن الحب لن ينتهي، ثم نُكث بهذا كله، حتى رسائلها لم يعد يرد عليها.
كتبت لك مكتوب بعد مكتوبْ
أين الجوابات يا قليل الأسلوبْ؟!
وتزداد الحسرة عند المرأة وتبدأ بمناجاة السحاب وتخاطبها كشيء محسوس.
ياذي السحابْ يا طالعة كراديسْ
شتخبرك عن حالة المحابيسْ!
ثم تُعبِّر عن عذابها وهي تخوض معارك الوجد بعد فراق حبيبها الذي تركها لسنوات طوال، فحُسِبتْ زوجةً مع وقف التنفيذ:
خرجت نص الليل والرعد يقرحْ
كُل من عشق مكتوب عليه يسرحْ
ولم تقف عند هذا الحد؛ بل لقد رفضت كل المغريات المادية والمعنوية في سبيل وصوله وحضوره من غربته:
أشتي حبيبي في جبل مقفي
لو هو على اللقمة كدمه
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: المرأة الریفیة فی فی أغانی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تقتل طالب طب غزيا متفوقا وشقيقه يروي ما حدث
تسبب قصف إسرائيلي في استشهاد طالب غزي متفوق بكلية الطب إثر استهداف مسيّرة تجمعا للفلسطينيين على مفترق الغفري وسط مدينة غزة، مما أدى إلى استشهاد 9 فلسطينيين بينهم 4 أطفال.
وفي توضيح لما حدث، يقول شقيق الشهيد محمود حسين محمود شاهين إن شقيقه كان يصلي قبل دقائق من استشهاده، مشيرا إلى أنه سارع إلى استكشاف ما حدث عند مفترق الغفري عقب القصف الإسرائيلي.
وقال شقيق الشهيد -في حديثه للجزيرة- إنه لم يكن متأكدا عندما شاهد شقيقه قد استشهد عند مفترق الغمري، مشيرا إلى أن شقيقه كان يمر في الشارع لحظة الاستهداف الإسرائيلي.
ولفت إلى أنه عاد إلى البيت ليسأل عن شقيقه ومحاولة معرفة مصيره، ليضطر نهاية المطاف للذهاب إلى المستشفى ليتأكد وقتها بأن شقيقه من ضمن شهداء القصف الإسرائيلي.
وكشف أن شقيقه كان على بعد عامين فقط من التخرج من كلية الطب التي يدرس فيها، مشيرا إلى أنه الأول على الدفعة بمعدل 99.3%.
وقال في ختام حديثه إن "الله قدر أن يكون شقيقه شهيدا قبل أن يكون طبيبا" واصفا الأمر بأنه نعمة من رب العالمين.
وقد استعانت المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزة خلال الحرب بالخريجين الجدد وطلبة الامتياز وطلاب كليات الطب، وتدريبهم من أجل إنقاذ الأرواح المهددة بالموت في ظل النقص الحاد في أعداد الأطباء المختصين.
إعلانوفي سياق متصل، أعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة، اليوم الاثنين، ارتفاع حصيلة الحرب الإسرائيلية إلى 52 ألفا و314 شهيدا، و117 ألفا و792 مصابا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقالت الوزارة -في التقرير الإحصائي اليومي- إن حصيلة الضحايا منذ استئناف إسرائيل الحرب بلغت "2222 شهيدا و5751 مصابا".
واستأنفت إسرائيل -منذ 18 مارس/مارس الماضي- جرائم الإبادة عبر شن غارات عنيفة على نطاق واسع استهدف معظمها مدنيين بمنازل وبنايات سكنية وخيام تؤوي نازحين.