ما تزال تداعيات الهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة الفلسطينية المسلحة على إسرائيل مطلع الأسبوع المنصرم، تحظى باهتمام وسائل الإعلام الأميركية.

فقد نشرت صحيفتا وول ستريت جورنال وواشنطن بوست مقالين يتناولان بالتحليل توقعات ما سيحدث في حال أقدمت إسرائيل على غزو قطاع غزة، وهو ما بات حتميا ووشيكا حسبما أجمعت عليه وسائل الإعلام الغربية، والأميركية على وجه الخصوص.

وتفيد وول ستريت جورنال أن هدف إسرائيل الواضح من الغزو هو تدمير قدرة حركة حماس على حكم قطاع غزة كما أكد ذلك وزير دفاعها يوآف غالانت عقب لقائه نظيره الأميركي لويد أوستن في تل أبيب الجمعة الماضي، إلا أن الصحيفة ترى أن إسرائيل لم تقدم أي إشارة توحي بما يمكن أن يحدث بعد ذلك. وتؤكد الصحيفة أنه لا توجد خيارات جيدة أمام تل أبيب.


غير أن القادة الإسرائيليين لم يجيبوا عن سؤال مهم وهو: ماذا سيحصل بعد القضاء على حماس؟

ويؤكد مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون للصحيفة أنه لا توجد بدائل جيدة، فالاحتمالات تتراوح بين إعادة احتلال عسكري مباشر لغزة، أو انسحاب كامل منها بعد الحرب وترك الأمر للفلسطينيين لتخمين ما سيحدث.

وتلفت الصحيفة إلى أن الكثيرين في إسرائيل يعتبرون "معاقبة" المسؤولين عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول أهم من معرفة ما سيحدث بعد الإطاحة بحركة حماس. ونقلت عن جاكوب ناجل مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عدم اكتراثه بذلك قائلا "إن الحسم وإنهاء المشكلة هو الأهم بكثير، وبعد ذلك يمكننا أن نقرر ما ينبغي علينا فعله".

ووجدت وجهة نظر ناجل صدى لدى القادة العسكريين والسياسيين من مختلف الأطياف السياسية في إسرائيل، وفقا لوول ستريت جورنال.

ونسبت الصحيفة إلى مسؤول أميركي -لم تذكر اسمه- زعمه أنه لم تدر مناقشات تُذكر حتى الآن مع الإسرائيليين بشأن ما يُتوقع حدوثه بعد الغزو، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة واجهت معضلة مماثلة عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي شنها تنظيم القاعدة ضدها، مما مهد الطريق أمامها لغزو العراق واحتلاله طوال 10 سنوات وهو ما كان "مكلفا".

وأضاف المسؤول الأميركي أن على المسؤولين الإسرائيليين التفكير في العواقب وعدم التسرع في حرب دون إستراتيجية خروج.

مسؤول أميركي: على المسؤولين الإسرائيليين التفكير في العواقب وعدم التسرع في حرب دون استراتيجية خروج

وتابع محذرا من أنه لا توجد خطة، وموجها كلامه للإسرائيليين: "إذا دمرتم حماس، فما الذي سيملأ الفراغ؟ فعندما دُمرت القاعدة، جاءت داعش (تنظيم الدولة الإسلامية). وإذا دمرتم حماس، فستأتيكم حماس الثانية".


ثلاثة خيارات

وعددت وول ستريت جورنال 3 خيارات قالت إنها هي المتاحة أمام إسرائيل وأحد هذه الخيارات في حال الإطاحة بحماس فعليا يكمن -برأي وول ستريت جورنال- في احتلال غزة مثلما فعلت في السابق. لكن إسرائيل "لا ترغب في إرسال قواتها لفرض حكم عسكري" في القطاع.

وهناك رأي آخر يحظى بمزيد من الاهتمام وهو أن "تسحق" إسرائيل  حركة حماس ثم تخرج من غزة لتترك الأمر بيد الفلسطينيين وداعميهم ليقرروا بشأنها.

على أن هذا الخيار يستصحب معه تحدياته، مع احتمال أن يتيح المجال لقوى "أشد تطرفا" لملْء فراغ السلطة.

أما الاحتمال الآخر فهو أن تمهد إسرائيل الطريق لعودة السلطة الفلسطينية المدعومة من الولايات المتحدة إلى سدة الحكم في قطاع غزة، مثلما تدير الضفة الغربية، ووفقا لوول ستريت جورنال.


نتنياهو مقابل روزفلت

ومن جانبها، نشرت صحيفة واشنطن مقالا حول نفس الموضوع لكاتب العمود ديفيد إغناتيوس الذي عقد مقارنة بين الرئيس الأميركي إبان الحرب العالمية الثانية، فرانكلين ديلانو روزفلت، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وكلاهما واجه مأزقا مماثلا.

فقد أبلغ روزفلت رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل أن على دول الحلف إذا أرادت القضاء على خصومها أن تسعى إلى إرغامها على الاستسلام غير المشروط. وفي هذا الصدد قال روزفلت: "إن ذلك لا يعني تدمير سكان ألمانيا أو إيطاليا أو اليابان، بل يعني تدمير فلسفتهم القائمة على الغزو والقهر".

ويعتقد إغناتيوس أن نتنياهو يعيش لحظة مماثلة، في وقت تتجه فيه دباباته صوب غزة، حيث طالب حماس بالاستسلام غير المشروط، وإنهاء ما يصفها سيطرتها "الإرهابية" على قطاع غزة، متوعدا بسحق الحركة.

على أن إغناتيوس يشدد على ضرورة أن يتحلى نتنياهو بالحكمة -كما كان يفعل روزفلت- لكي يشن حربا على نحوٍ يسمح بإقرار سلام مستقر بعد أن يلحق الهزيمة بخصمه. وحذر الكاتب أنه إذا ما انتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى انتهاء الحرب لكي يفكر في ما سيحصل بعدها، فقد يفوت عليه الأوان.

إغناتوس: أي تفكير جديد بشأن المنطقة لا بد أن يستوعب أن سلاما دائما سيكون مجرد وهم ما لم تُحل القضية الفلسطينية

"وإذا شن حربا تعاقب المدنيين الفلسطينيين، وليس "حماس"، فلربما يفقد الدعم الدولي ويقوض المهمة"، بحسب مقال واشنطن بوست، الذي يرى كاتبه أن لدى إسرائيل ورقة رابحة "إذا لعبت بها جيدا، فقد تعيد ترتيب الشرق الأوسط"، ألا وهي استعداد السعودية -القوة العربية المهيمنة- المتعاظم لإقامة شراكة مفتوحة مع إسرائيل".

ويعود كاتب العمود إلى التاريخ مرة أخرى ليستقي منه الدروس والعبر، فيقول إن فرص السلام في الشرق الأوسط تعقب حدوث الصراعات، ضاربا المثل بما حدث بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، "التي كانت بمثابة صدمة إستراتيجية أشبه إلى حد كبير بهجوم حماس في ذلك السبت". وأردف القول إن تلك الحرب أعقبتها زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس، وإبرام اتفاقية كامب ديفيد للسلام في نهاية المطاف.

وفي عام 1993، أفضت اتفاقات أوسلو في النهاية إلى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، التي أيدها رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إسحق رابين بعد "مذبحة" الانتفاضة الأولى.

واستعان إغناتيوس بأقوال مارتن إنديك المبعوث الأميركي الأسبق للشرق الأوسط، الذي تساءل: "من هو السادات الذي سيأخذ الفلسطينيين تحت رعايته ليقودهم نحو السلام؟".

ويستدرك إنديك قائلا "لكن حماس المدعومة من إيران أحدثت ثغرة في قدرة الردع الإسرائيلي، وأعادت إحياء فكرة هزيمة إسرائيل بالقوة"، معتقدا أن هذا يهدد أيضا كل القادة العرب، الذين صنعوا سلاما مع إسرائيل.

وينقل إغناتيوس عن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة أجريت معه الخميس، القول إن الخوف السائد في المنطقة يكمن في إحساس العرب بالغضب جراء ما يشاهدونه من سقوط ضحايا مدنيين، مؤكدا على ضرورة تغيير هذا الوضع وأن أي تفكير جديد بشأن المنطقة لا بد أن يستوعب أن سلاما دائما سيكون مجرد وهم ما لم تُحل القضية الفلسطينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: وول ستریت جورنال قطاع غزة ما سیحدث

إقرأ أيضاً:

وول ستريت جورنال: كيف تحدت إيران الولايات المتحدة لتصبح قوة دولية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

سلطت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية اليوم الأحد الضوء على كيفية تحدي إيران الولايات المتحدة والعقوبات الدولية لتصبح قوة دولية تؤثر على الساحة العالمية.
وأوضحت الصحيفة في تقرير لها إن الفائز في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية سوف يرث خلافا داخليا واقتصادا متضرر من العقوبات، ولكنه سيرث أيضا نقطة قوة خاصة بعدما أصبحت طهران لها تأثير أكبر على الساحة الدولية مما كانت عليه منذ عقود.
وذكرت الصحيفة إن إيران، تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، أحبطت عقودا من الضغوط الأمريكية وخرجت من سنوات من العزلة إلى حد كبير عبر التحالف مع روسيا والصين، والتخلي عن التكامل مع الغرب والدخول في شراكة مع قوتين رئيسيتين في الوقت الذي يكثفان فيه المواجهة مع واشنطن. 
وأشارت إلى أن الاقتصاد الإيراني لايزال يعاني من العقوبات الأمريكية، لكن مبيعات النفط إلى الصين وصفقات الأسلحة مع روسيا قدمت شريان حياة مالي ودبلوماسي كما أن إيران استغلت بشكل فعال عقودًا من الأخطاء الأمريكية في الشرق الأوسط والتقلبات الكبيرة في سياسة البيت الأبيض تجاه المنطقة بين إدارة وأخرى.
واليوم، تشكل طهران تهديدًا أكبر لحلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، حسبما أكدت الصحيفة.
وأضافت الصحيفة أن البصمة العسكرية الإيرانية تصل إلى نطاق أوسع وأعمق من أي وقت مضى حيث قصفت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران منشآت في أماكن عديدة كما شنت إيران بنفسها أول هجوم عسكري مباشر من أراضيها على إسرائيل في أبريل الماضي.
ونوهت الصحيفة بأن العقبات الإيرانية مثل تقديمها الطائرات بدون طيار لروسيا، والتهديد من الميليشيات المدعومة منها، وتوسعها الأخير في برنامجها النووي، ستظل قضايا ملحة بغض النظر عمن سيفوز في الجولة الثانية من الانتخابات الإيرانية المقررة يوم الجمعة المقبلة أو الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل.
ونقلت الصحيفة عن سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز، والتي قدمت المشورة للإدارات الديمقراطية والجمهورية بشأن السياسة تجاه إيران القول: "في كثير من النواحي، أصبحت إيران أقوى وأكثر نفوذا وأكثر خطورة وأكثر تهديدا مما كانت عليه قبل 45 عاما".
ورأت الصحيفة أن خيارات السياسة الخارجية الإيرانية جاءت بتكلفة كبيرة في الداخل حيث يتخلف اقتصادها كثيرًا عن النمو ومستويات المعيشة كما فقد النظام الكثير من الدعم الشعبي الذي أوصله إلى السلطة، مع اندلاع احتجاجات عديدة أدت إلى حملات قمع وحشية.
وقال إريك بروير، المدير السابق لمجلس الأمن القومي لمكافحة انتشار الأسلحة النووية: "لقد فقد النظام شرعيته، ولا أعتقد أن لديهم حلًا جيدًا لهذه المشكلة، ففي كل مرة كان لدى خامنئي خيار تشديد قبضته أكثر".
وتابعت الصحيفة أن قوة إيران المتنامية تمثل فشلًا للغرب، فمنذ أن تولى جيمي كارتر منصب الرئيس، كان إيجاد استراتيجية فعّالة لاحتواء إيران بمثابة الحوت الأبيض الكبير لصناع السياسة الخارجية في الغرب.
ولم تعد العقوبات، الأداة السياسية التي يستخدمها الغرب، فعالة في عزل طهران دوليا حيث يقول محللون إن إيران ردت بتعميق المحور مع روسيا والصين، مما زاد من تعقيد الدبلوماسية مع طهران، وخارج الشرق الأوسط، ساعدت صناعة الطائرات بدون طيار في إيران في حرب روسيا في أوكرانيا.
ولأكثر من عقدين من الزمن، كانت السياسة الغربية في التعامل مع إيران متأرجحة، لقد قام الرؤساء الأمريكيون مرارا وتكرارا بتغيير التوازن بين الدبلوماسية والقوة والتواصل ومحاولة العزلة.
ومثال على ذلك كما أوضحت الصحيفة إنه عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001، سعت واشنطن إلى إيران وحصلت على مساعدة عسكرية واستخباراتية للمساعدة في الإطاحة بنظام طالبان. وبعد أشهر، وصف الرئيس الأمريكي بوش إيران بأنها جزء من "محور الشر"، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية - وهو ما اعتبره الإيرانيون بمثابة إهانة تهديدية.
ومن ناحية أخرى، اتبعت إيران لعقود من الزمن استراتيجية متسقة طويلة الأجل، والتي تسميها "الدفاع الأمامي"، لردع هجمات الأعداء في حين تعمل على بناء شبكة من الميليشيات الموالية.
كما ساهمت السياسة الأمريكية في بعض الأحيان، عن غير قصد، في تعزيز قوة إيران حيث أدت الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين عام 2003 إلى إزالة عدو لدود من حدود إيران كما أدى فشل واشنطن في تحقيق الاستقرار في عراق ما بعد الحرب إلى تعزيز نفوذ طهران.
ووفقا للصحيفة، لا تزال إيران بعيدة عن تحقيق هدفها المتمثل في إخراج الولايات المتحدة من المنطقة التي تستضيف الآلاف من القوات الأمريكية ومجموعة من التحالفات مع كل من إسرائيل والدول العربية. ولا تزال واشنطن هي وسيط القوة الأبرز في الشرق الأوسط لكن في روسيا والصين، أصبح لدى إيران الآن حليفان من الوزن الثقيل لديهما أيضًا طموحات في صد النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم.
 

مقالات مشابهة

  • “وول ستريت جورنال”: حماس تُعيد تجميع صفوفها.. “إسرائيل” قد تغرق في صراع طويل الأمد
  • وول ستريت جورنال: هكذا أصبحت إيران قوة دولية رغم أنف أميركا
  • (وول ستريت جورنال) : التصعيد في غزة يهدد بحرب استنزاف طويلة الأمد
  • «وول ستريت جورنال»: التصعيد في غزة يهدد بحرب استنزاف طويلة الأمد
  • بعد تسعة شهور من طوفان الأقصى.. هذه هي صورة الكيان من الداخل
  • وول ستريت جورنال: كيف تحدت إيران الولايات المتحدة لتصبح قوة دولية؟
  • "وول ستريت جورنال" تتساءل ماذا سيحدث في غزة مع استعداد إسرائيل لإنهاء حربها الكبرى
  • ماذا سيحدث في غزة مع استعداد إسرائيل لإنهاء حربها الكبرى ؟
  • سيناريو التقسيم والفقاعات.. هذه خطط إسرائيل لغزة بعد الحرب
  • وول ستريت جورنال: مناقشات سرية بين الديمقراطيين لاستبدال بايدن