نظم الأمريكيون في كل أنحاء البلاد احتجاجات مؤيدة لإسرائيل وأخرى مؤيدة للفلسطينيين بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

اعلان

تجمع آلاف المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين يوم السبت في واشنطن واحتجوا أمام البيت الأبيض هاتفين "حرروا فلسطين" فيما يستمر عدد قتلى الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في الارتفاع.

وقالت المتظاهرة ليندا هوتون: "ما يحدث اليوم يتجاوز كل الحدود... إنه أمر يثير الاستياء، نحن نشاهد أشخاصا يُقتلون بيد جيش يدعمه هذا البلد".

ونظم الأمريكيون في كل أنحاء البلاد احتجاجات مؤيدة لإسرائيل وأخرى مؤيدة للفلسطينيين بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، الذي اسفر عن مقتل حوالى 1300 شخص معظمهم من المدنيين، بينهم أطفال واحتجز 120 شخصا على الأقل رهائن، بحسب مسؤولين إسرائيليين.

"أوقفوا الاحتلال"

وأدى الرد الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 2300 شخص بينهم أكثر من 700 طفل، في قطاع غزة المحاصر الذي تسيطر عليه حماس. وقطعت إسرائيل أيضا إمدادات الغذاء والمياه والكهرباء عن سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.

وقال أحمد عبد، أحد المتظاهرين الذين ساروا وسط مدينة واشنطن في ظل أعلام فلسطينية "أتمنى لو كنا نستطيع القيام بشيء، أتمنى لو كنا نستطيع وقف الحرب". وأضاف متحدثا عن قطاع غزة المحاصر "إنهم في سجن".

صورة من المظاهرةANDREW CABALLERO-REYNOLDS/AFP or licensors

ومما كتب على اللافتات التي حملها المتظاهرون "أوقفوا الاحتلال" و"أوقفوا إطلاق النار الآن".

وفي نيويورك، معقل أكبر عدد من السكان اليهود خارج إسرائيل، تجمع مئات في بروكلين الجمعة للإعراب عن استيائهم من الهجوم الاسرائيلي رافعين لافتة كتب عليها "اليهود يقولون: أوقفوا الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين".

واليهود في نيويورك منقسمون، إذ تحض بعض الأصوات إسرائيل على الدفاع عن نفسها، في حين تحذّر أخرى من "إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين.

لوس أنجلوس: "بالروح بالدم"

تجمع آلاف الأشخاص أمام القنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلوس للاحتجاج على الرد العسكري الإسرائيلي والمطالبة بـ "دولة فلسطين الحرة". وسار المتظاهرون، بما في ذلك عدد قليل من الأمريكيين اليهود، في شوارع لوس أنجلوس في واحدة من أكبر الاحتجاجات التي شهدتها المدينة خلال الأشهر الأخيرة.

شعور بالتهديد الوجودي.. أجانب يغادرون إسرائيل في ظل استمرار الصراع مع غزةطوفان الأقصى: عدد الضحايا الفلسطينيين في 8 أيام تجاوز عدد قتلى 51 يوما في حرب إسرائيل على غزة 2014

إد فيرارو، وهو مواطن أمريكي قال: "لقد قامت حكومتنا بتمكين إبادة جماعية، وكما تعلمون، لفترة طويلة جدًا. لقد ذهبت أموال ضرائبنا لتمويل الاستعمار والفصل العنصري والجرائم ضد الإنسانية. لقد سئمنا ذلك. الشعب يريد التحرير الفلسطيني".

أما الفلسطينية لين زادة، فقالت: "أنا فلسطينية وُلدت في الأردن. وانتقلت للتو إلى لوس أنجلوس، لذا أردت حقًا أن أظهر دعمي للشعب الفلسطيني في الوطن. لقد كنت أشاهد الأخبار ومقاطع الفيديو وكان الأمر حقًا حقًا "إنه أمر محزن. ما يحدث أمر محبط حقًا".

صورة من المظاهرةAFP

وقالت إحدى السيدات من حركة الشباب الفلسطيني: "نحن لا نساوي بشكل لا لبس فيه بين مستعمرينا والمستعمرين أو المحتلين والذي يتم احتلاله فالشعب المضطهد له الحق في المقاومة والدفاع عن نفسه بأي وسيلة للسيادة والتحرر من نظام قمعي. إسرائيل هي النظام القمعي المعني الآن".

من جهتها أكدت إيلين ساندر، وهي يهودية أمريكية: "لدي الكثير من الأصدقاء الفلسطينيين ويسألونني دائمًا: "لماذا تقومين بهذا من أجلنا؟ وأرد: حسنًا، كأمريكية أشعر بالرعب مما فعلناه. وكيهودية-أمريكية، أعاني من ضربة مزدوجة. لذا، نعم، أنا حزينة. لا أستطيع النوم، وكما تعلمون، هذا هو الأسوأ".

الآلاف يتظاهرون لدعم الفلسطينيين في سيدني

شارك الآلاف من المتظاهرين بسيدني الأسترالية  في تجمع لدعم الفلسطينيين ومعارضة العمل العسكري الإسرائيلي في غزة. ويأتي الاحتجاج بعد أن كثفت الدولة العبرية يوم الأحد استعداداتها لشن هجوم بري على غزة.

صورة من المظاهرةRick Rycroft/Copyright 2023 The AP. All rights reserved.

بيتر سليزاك، وهو ناشط يهودي مناصر لفلسطين قال: "يجب أن نكون قادرين، كما قال الكثير من اليهود مؤخرًا، على الحزن والحداد على مقتل الفلسطينيين والإسرائيليين. لقد قام القادة الإسرائيليون والغربيون بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. لكن ردنا لا يمكن أن يكون تجريد الإسرائيليين من إنسانيتهم. إذا فقدنا اتساقنا الأخلاقي نحن نضعف القضية الفلسطينية وإذا فقدنا تماسكنا الأخلاقي فإننا نضعف القضية الفلسطينية".

أما الفلسطيني فهد علي: "أنا على وشك البكاء لأنني أنظر إلى الأطفال الجالسين هنا أمامي. هؤلاء الأطفال هم مستقبل فلسطين. أنا لا أريدهم ولا أريد أن يولد أطفالي، وأحفادي، في عالم لا يتمتعون فيه بالحق في الكرامة والعدالة والسلام".

ولوح المتظاهرون بأعلام فلسطين وهتفوا "الحرية، حرروا فلسطين".

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاهد: مظاهرات حاشدة في إسرائيل تطالب باستعادة الأسرى وإقالة نتنياهو شاهد: حاخام إندونيسي يدعو إلى السلام وإنهاء القتال بين إسرائيل وحماس جمعيات خيرية مصرية تجمع المساعدات الغذائية والإنسانية لإرسالها إلى غزة إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية غزة مظاهرات أستراليا فلسطين اعلانالاكثر قراءة مراسلة شبكة "سي إن إن" الأمريكية تعتذر عن نشر مزاعم عن "أطفال إسرائيليين مقطوعي الرأس" مباشر. طوفان الأقصى: 2228 قتيلاً في غزة.. إسرائيل تتأهب لاجتياح بري وكتائب القسام تقصف تل أبيب المعارض المصري أحمد الطنطاوي يقول إنه تم منعه من خوض الانتخابات الرئاسية كيف تحولت فلسطين على الخرائط لإسرائيل في ظرف 7 عقود فقط؟ شاهد: القوات الإسرائيلية تنشر لقطات مصورة لهجوم مقاتلين فلسطينيين على موقع عسكري متاخم لغزة اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. طوفان الأقصى: عدد الضحايا الفلسطينيين في 8 أيام تجاوز عدد قتلى 51 يوما يعرض الآن Next وزير الداخلية الفرنسي: إيقاف 65 شخصاً في فرنسا منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس يعرض الآن Next شاهد: تظاهرات في لندن دعمًا للفلسطينيين وتنديدًا بالقصف الإسرائيلي على غزة يعرض الآن Next الجيش الإسرائيلي يستعد لحرب مدن طاحنة في غزة وفق محللين يعرض الآن Next جمعيات خيرية مصرية تجمع المساعدات الغذائية والإنسانية لإرسالها إلى غزة

LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم طوفان الأقصى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حركة حماس غزة إسرائيل قطاع غزة كتائب القسام لبنان الشرق الأوسط ضحايا حرية الصحافة Themes My Europeالعالممال وأعمالرياضةGreenNextسفرثقافةفيديوبرامج Servicesمباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Games Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعونا النشرة الإخبارية Copyright © euronews 2023 - العربية EnglishFrançaisDeutschItalianoEspañolPortuguêsРусскийTürkçeΕλληνικάMagyarفارسیالعربيةShqipRomânăქართულიбългарскиSrpskiLoaderSearch أهم الأخبار طوفان الأقصى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حركة حماس غزة إسرائيل قطاع غزة My Europe العالم مال وأعمال رياضة Green Next سفر ثقافة فيديو كل البرامج Here we grow: Spain Discover Türkiye Algeria Tomorrow Here we grow: Spain أزمة المناخ Destination Dubai Angola 360 Explore Azerbaijan مباشرالنشرة الإخباريةAll viewsنشرة الأخبارجدول زمني الطقسGames English Français Deutsch Italiano Español Português Русский Türkçe Ελληνικά Magyar فارسی العربية Shqip Română ქართული български Srpski

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية غزة مظاهرات أستراليا فلسطين طوفان الأقصى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حركة حماس غزة إسرائيل قطاع غزة كتائب القسام لبنان الشرق الأوسط ضحايا حرية الصحافة طوفان الأقصى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حركة حماس غزة إسرائيل قطاع غزة طوفان الأقصى یعرض الآن Next إسرائیل فی لوس أنجلوس قطاع غزة على غزة

إقرأ أيضاً:

إبادة عرقيّة وإبادة مجتمعيّة

إيهاب بزاري*

مرّت الحركة الصهيونيّة بمجموعة من المحطّات المفصليّة في تاريخ تطوّرها، بداية من وضع يهود أوروبّا الشرقيّة الخاصّ الّذي شكّل دافعًا للبحث عن ’الخلاص الاجتماعيّ‘؛ إذ كانوا يعيشون بعزلة اجتماعيّة ضمن نطاق الجيتو، واقتصرت أنشطتهم على العمل في بعض الحرف، على العكس من يهود أوروبّا الغربيّة الّذين عاشوا حياة أفضل من حيث الحقوق والمواطنة، إلّا أنّ الحرب العرقيّة المتزايدة في أواخر القرن التاسع عشر حالت دون محاولات اليهود في الاندماج، ودفعت بالصهاينة الاشتراكيّين إلى الخروج بخطاب الخلاص الاجتماعيّ، وهو العودة إلى فلسطين[1].

منذ أن بدأت الهجرات الصهيونيّة إلى فلسطين، وبعد إعلان تشكيل الدولة الإسرائيليّة، ظلّ التيّار الصهيونيّ اليساريّ مهيمنًا على الساحة السياسيّة حتّى سبعينات القرن الماضي، حيث عمل على بناء القواعد الأساسيّة للدولة، وخاض أبرز معاركها، وهما معركة ’التطهير‘ في عام 1948، وإعلان استقلال الدولة، ومعركة ’التطهير‘ الثانية في عام 1967، والاستيلاء على كامل فلسطين. وفي ظلّ الحكم الصهيونيّ الاشتراكيّ، حاولت الصهيونيّة الدخول بمجموعة من الاتّفاقيّات للتسوية مع الفلسطينيّين، أوّلها الترحيب باتّفاق التقسيم الصادر عن «الأمم المتّحدة» في عام 1947[2]، وآخرها عند عودة اليسار الصهيونيّ الأخيرة للحكم، وإبرام «اتّفاق أوسلو» مع «منظّمة التحرير الفلسطينيّة» بين 1992-1996[3].

ومع نهاية التسعينات خرج تيّار الصهيونيّة الاشتراكيّة من الساحة السياسيّة مفسحًا المجال لولادة الصهيونيّة الجديدة بقيادة الحركات اليمينيّة. وبغضّ النظر عن اليمين واليسار الصهيونيّين، فهم يشتركون معًا بالتطهير العرقيّ للسكّان الأصليّين؛ من أجل بناء دولة الخلاص الاجتماعيّ لتحقيق الفكرة الصهيونيّة، إلّا أنّهم يختلفون بتكتيك عمليّة التطهير العرقيّ؛ إذ يرى اليسار أهمّيّة الغطاء الدوليّ والطرق المثلى لعمليّة التطهير العرقيّ، بينما لا تهتمّ الصهيونيّة اليمينيّة للمواقف الدوليّة وصورتها أمامهم؛ فهي مكتفية بالدعم المسيحيّ-الصهيونيّ المحافظ، وأنّ النهاية المنطقيّة للصهيونيّة اليمينيّة هي النهاية المنطقيّة للمشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ في فلسطين[4].

مع نهاية التسعينات خرج تيّار الصهيونيّة الاشتراكيّة من الساحة السياسيّة مفسحًا المجال لولادة الصهيونيّة الجديدة بقيادة الحركات اليمنيّة…

تتقاطع الحركة الصهيونيّة مع أنظمة الاستعمار الإحلاليّ حول العالم، وتتفوّق عليها في أحيان كثيرة؛ إذ إنّ فعل التخلّص من السكّان الأصليّين صفة مشتركة بين الأنظمة الإحلاليّة عبر التاريخ، مثل النموذج الأمريكيّ والأستراليّ بإبادة السكّان الأصلانيّين. في فلسطين، تمارس الدولة الصهيونيّة فعل التطهير العرقيّ من خلال مختلف الوسائل المتاحة والممكنة للتخلّص من أكبر قدر من الفلسطينيّين، والاستحواذ على أكبر قدر من الأرض. وقد حوّلت هذه الشهوة الجغرافيّة فلسطين التاريخيّة إلى أكبر سجن في العالَم، وذلك ليس لمساعٍ أمنيّة تهدّد الكيان الصهيونيّ؛ بل لأسباب متعلّقة بأيديولوجيّتها الّتي تسعى إلى تفريغ الأرض من ساكنيها؛ بهدف تهويد فلسطين ونزع عروبتها[5]. وبالإشارة إلى فعل التطهير المستمرّ للفلسطينيّين، نطرح تساؤلنا: ما أشكال التطهير الّتي يتعرّض لها الشعب الفلسطينيّ من منظور سوسيولوجيّ؟

الإبادة المجتمعيّة مقابل الإبادة الجماعيّة

تشكّلت بدايات تناول فعل التطهير العرقيّ والإبادة رسميًّا من قِبَل «الأمم المتّحدة» في عام 1948، وذلك من خلال إصدار «قانون تجريم الإبادة»، الّذي تخلّله محادثات متكرّرة عن ممارسات للتطهير في فلسطين، وفي الهند وباكستان واليابان، وغيرها من الدول الّتي خضع شعبها للتطهير، إلّا أنّ القانون برمّته خرج لتلبية نداء أبيض؛ فجرائم الهولوكوست النازيّة ضدّ اليهود دفعت «الأمم المتّحدة» إلى بلورة «قانون تجريم الإبادة الجماعيّة». على الرغم من ذلك، لم يُعْجِب هذا القانون المركزيّ الأبيض المفكّر اليهوديّ أرنو ماير، الّذي يرفض حصر ما حصل لليهود في إطار الهولوكوست والإبادة العرقيّة، إنّما استبدال مفهوم أكثر وقعًا به، وهو إبادة/ قتل اليهود؛ لكيلا تتساوى إبادة اليهود بأيّ إبادة أخرى، وتبقى الحالة اليهوديّة حالة استثنائيّة ومركزيّة. لذلك سنتطرّق إلى مفهوم أوسع من الإبادة العرقيّة (Genocide)، وهو الإبادة المجتمعيّة، الّذي يشير إلى تدمير جميع المقوّمات المجتمعيّة، مثل القرى والمدن، والتشييد الحضريّ والعمرانيّ والتاريخيّ، والبنى التحتيّة، والثقافة، والاقتصاد، وغير ذلك[6].

لقد عَمِلَ الاستعمار الإسرائيليّ على استخدام مجموعة كبيرة من أدوات الإبادة على الشعب الفلسطينيّ من أجل إنجاح المشروع الصهيونيّ؛ فاستكمالًا للمشروع الاستيطانيّ لفلسطين التاريخيّة منذ ما قبل النكبة، وتهجير ما أمكن من السكّان الأصليّين من المناطق الّتي وقعت تحت السيطرة الإسرائيليّة خلالها، اتّخذ الاستعمار قرارًا ببناء المستوطنات إبّان حرب حزيران (يونيو) عام 1967؛ من أجل ضمّ أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينيّة، وبناء مشهد جيوسياسيّ مجتزأ ومشتّت في الضفّة الغربيّة. وذلك في سياق تحقيق ما عجزت إسرائيل عنه في حرب 1948، وستعوّضه في بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، على الرغم من دخولهم حيّز المفاوضات؛ للنظر في واقع الفلسطينيّين القاطنين فيهما، دون اهتمام المستعمِر لضمّهم إلى الدولة الاستعماريّة، أو تهجيرهم الكثيف كما حدث خلال عامي 1947-1949 وعام 1967[7].

اتّخذ الاستعمار قرارًا ببناء المستوطنات إبّان حرب حزيران (يونيو) عام 1967؛ من أجل ضمّ أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينيّة، وبناء مشهد جيوسياسيّ مجتزِئ ومشتّت في الضفّة الغربيّة…

تشكّل عمليّة بناء المستوطنات في الضفّة الغربيّة وغربيّ القدس – ما تُعْرَف بمنطقة ’غوش عتصيون‘ –  والمناطق الحدوديّة مع الأردنّ، مواجهة للسكّان الأصليّين، وتحديد أماكن تجمّعهم عبر الإقصاء والمحاصرة من جهة، وهندسة معماريّة حضريّة أمنيّة للدولة من جهة أخرى؛ إذ عَمِلَ النظام الإسرائيليّ بعد انهيار «خطّ بارليف» في عام 1973، على إعادة النظر في الحدود الموسّعة الّتي حصل عليها إبّان حرب 1967، وإمكانيّات السيطرة على هذه ’البحبوحة‘ الجيوسياسيّة غير المتوقّعة في مخيالهم الاستعماريّ، وذلك عبر الهندسة الحضريّة الأمنيّة الّتي ستشكّل مأسسة واضحة لحدود الدولة، وذلك مثل شريط المستوطنات الحدوديّ مع الأردنّ، وشريط المستوطنات المتعرّج في الضفّة الغربيّة حول المدن والقرى الفلسطينيّة[8].

إنّ الإبادة المجتمعيّة متعدّدة السياقات لا تكتفي بالأرض وحدها؛ فهي تحاول تفكيك كلّ مركّبات المجتمع الّتي ستحلّ مكانه؛ ففي اجتياح بيروت في عام 1982 عملت آلة الحرب الإسرائيليّة في رأس بيروت، ولمدّة أسبوع كامل، على مصادرة مقتنيات الأرشيف الفلسطينيّ لـ «منظّمة التحرير الفلسطينيّة» عبر قوافل من الشاحنات العائدة إلى فلسطين المحتلّة، ودمّروا ما تبقّى في «مركز الأبحاث والأرشيف» في سياسة تسعى إلى إبادة مأسسة الذاكرة الفلسطينيّة وأرشيفها[9].

وخلال «انتفاضة القدس والأقصى»، عملت آلة الحرب الإسرائيليّة على مواجهة المقاومة الفلسطينيّة، وتوجيه ضربات لها عبر الفضاء المدينيّ؛ إذ مثّلت المدينة والمراكز الحضريّة مكانًا ملائمًا لهجمات المقاومة بالعمليّات المختلفة، وأبرزها الاستشهاديّة، الّتي اعتُبِرَتْ إسرائيليًّا حربًا ضدّ المدينة الإسرائيليّة. طبّقت الحكومة الإسرائيليّة آنذاك مبدأ الحرب على المدينة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، مثل نابلس وجنين وبيت لحم ورام الله الحديثة، بالهدم والحصار؛ من أجل القضاء على الفعل المقاوم.

ومع نهاية «انتفاضة القدس والأقصى»، عَمِلَ مركز الأبحاث العمليّاتيّ لجيش الاستعمار على طرح تكتيك جديد للعلاقة بالمدينة الفلسطينيّة، عبر استبدال نظام السيطرة المناطقيّة الدائمة إلى آخر يتجاوز حدود المكان[10]؛ أي احتلال للمدينة الفلسطينيّة والهيمنة على ساكنيها، بتكتيكات نفسيّة وعسكريّة تعتمد على القصف الجوّيّ والعمليّات الخاصّة المحدودة عندما يحتاج الأمر إلى ذلك. وما يعزّز عمليّة المراقبة والمداهمة فكرة بناء جدار شريطيّ شفّاف وواهٍ أمام المستعمِر، وخرسانة متينة أمام المستعمَر؛ إذ يتمكّن الإسرائيليّ من الحركة كما يريد منه وإليه، وتقيّد حركة المستعمَر بأذونات ممنوحة أو مسلوبة، وبالتالي يمكن للجيش الإسرائيليّ تنفيذ عمليّاته الحثيثة بشكل دقيق، وبناء نظام حكم ذاتيّ شديد النخر والتهالك للفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة[11].

هندسة الإبادة

تعمل الهندسة الاستعماريّة الجديدة على مبدأ معكوس لما جاء في «انتفاضة القدس والأقصى» (2000-2005) [المعروفة بالانتفاضة الثانية]؛ من انتهاك للمدينة الفلسطينيّة والقتال فيها بشكل مباشر عبر تحويل الداخل إلى خارج والعكس صحيح؛ ما يضاعف من أزمة الجغرافية الفلسطينيّة المشتّتة أساسًا بالمستوطنات؛ من خلال جدار الدولة الّذي يحدّد كلًّا من الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة في الخارج، مع غطاء جوّيّ يسيطر عليه الاستعمار، وإمكانيّات في النفاذ بسهولة، وتعقيدات في الحركة لكلّ مَنْ هم في الخارج، ويصبح جدار الدولة شكلًا من أشكال حدودها الداخليّة.

في ذات الوقت، لا تتوقّف الهندسة الاستعماريّة للإبادة المجتمعيّة على الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة فحسب، بل تطال كلّ ما هو عربيّ وفلسطينيّ في فلسطين التاريخيّة؛ ففي النقب يعمل المشروع الاستعماريّ على تهجير الفلسطينيّين وحصرهم في 7 مناطق سكنيّة مفصولة عن بعضها بعضًا، دون اتّصال جيوسياسيّ وجيواجتماعيّ مباشر بعد مصادرة أراضيهم، البالغة أكثر من مليونين ونصف المليون دونم. وبذلك؛ يتبقّى لهم من مجمل أراضيهم الزراعيّة والرعويّة 150 ألف دونم فقط. واليوم ثمّة 42 ألف منزل في النقب مهدّدات بالهدم في عدد من القرى منزوعة الاعتراف الرسميّ من قِبَل الاستعمار؛ وذلك لاستكمال مخطّط جلب مستعمِرين جدد إلى منطقة النقب والسيطرة على أراضٍ فيه[12]، ومن ضمن ذلك تغيير الأنماط الثقافيّة والاقتصاديّة لسكّان جنوب فلسطين المحتلّة، من حياة البداوة والريف إلى حياة تعتمد على المدينة الإسرائيليّة.

تعمل آلة الإبادة الاجتماعيّة أيضًا على تهويد المعالم التاريخيّة والدينيّة وأسرلتها؛ من خلال الهدم والمصادرة…

كما تعمل آلة الإبادة الاجتماعيّة أيضًا على تهويد المعالم التاريخيّة والدينيّة وأسرلتها؛ من خلال الهدم والمصادرة؛ إذ هدم الاستعمار 41% من المساجد داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1948 ما بين عامَي 1948 و1967، وحوّلت العديد من المساجد إلى أغراض أخرى، مثل مسجد قيسارية قضاء حيفا إلى خمّارة، ومسجد عين حوض إلى مرقص، ومسجد الظاهر عمر في الجليل إلى مطعم، وتحويل غيرها إلى معابد يهوديّة[13].

وعلى صعيد الذاكرة والمكان، تعمل آلة الإبادة على تغيير أسماء الأماكن العربيّة والفلسطينيّة؛ من خلال «هيئة تسمية الأماكن الإسرائيليّة»، إلى أسماء تاريخيّة أو عبريّة لأهداف الأسرلة والتهويد. بالإضافة إلى إقامة المشاريع التجاريّة والاقتصاديّة الّتي تهدف إلى تغيير المشهد الحضريّ، واستنزاف الذاكرة الحيّة مثل «مشروع القدس الكبرى» الّذي يبلغ أكثر من 44 ألف دونم، وعَمِلَ على توسعة القدس على حساب رام الله وبيت لحم، وأكثر من 60 قرية عربيّة؛ عبر مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والطرق والحدائق العامّة، وتحديد النطاق الجغرافيّ للمدن الفلسطينيّة، واستقطاب أكبر قدر ممكن من اليهود إلى القدس؛ ليتصاعد المشهد الاجتماعيّ والحضريّ اليهوديّ للمدينة[14].

وما نشاهده اليوم في الحرب الجارية على قطاع غزّة، حالة هستيريّة من الإبادة المجتمعيّة الّتي تهدّد كلّ مقوّمات الوجود في القطاع، بمَنْ فيهم ساكنوه البالغ عددهم أكثر من مليونَي إنسان؛ إذ ارتكبت إسرائيل مجازر عديدة، ودمّرت المشهد الحضريّ والتاريخيّ؛ من خلال تدمير المعاهد والجامعات والمدارس والمواقع التاريخيّة والدينيّة، مثل المساجد والكنائس والمستشفيات، وحتّى الأراضي الزراعيّة الفارغة؛ من أجل تقويض أيّ عمليّة زراعيّة بعد نهاية الحرب. بالإضافة إلى تدمير موانئ ومرافئ القطاع للتأثير في أنشطة الصيد، وتدمير المكتبات ومؤسّسات المجتمع المدنيّ. إنّ الإبادة المجتمعيّة عمليّة تشمل كلّ مقوّمات الحياة للشعوب، من أنماطهم الاقتصاديّة والثقافيّة، ومعالمهم الحضريّة والعمرانيّة، وحتّى طبيعتهم الجغرافيّة.

 

خرّيج علم نفس وعلم اجتماع في «جامعة بيرزيت». يعمل في مؤسّسة «تامر للتعليم المحتمعيّ» منسّقًا للشباب والحملات، يهتمّ بحقل العلوم الاجتماعيّة.

 

[1] شوقي السكري، “الصهونيّة الجديدة”، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، عدد 2(1984). 4.

[2] مرجع سابق.

[3] إيلان بابيه، “أصول النيو الصهيونيّة الجديدة ومستقبلها”، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، عدد 108(2016).5.

[4] مرجع سابق.

[5] إيلان بابيه، “أكبر سجن على الأرض: سرديّة جديدة لتاريخ الأراضي المحتلّة”، منظّمة التحرير الفلسطينيّة مركز الأبحاث، عدد 286(2021).7.

[6] باسم الخندقجي، “الإبادة الفرديّة في فلسطين المستعمرة”، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، عدد 136(2023)، ص 8.

[7] إيلان بابيه، “المستوطنات اليهوديّة في الضفّة الغربيّة الاحتلال والتطهير العرقيّ بوسائل أخرى”، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، عدد 91(2012)، ص 4.

[8]  إيال وايزمان، أرض جوفاء: الهندسة المعماريّة للاحتلال الإسرائيليّ (بيروت: الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، 2017) ص 129.

[9] هيئة التحرير، “النهب الإسرائيليّ لمركز الأبحاث إبادة الجنس وإبادة الذاكرة”، منظّمة التحرير الفلسطينيّة مركز الأبحاث، عدد 131(1982)، ص 7.

[10] إيال وايزمان، أرض جوفاء: الهندسة المعماريّة للاحتلال الإسرائيليّ، ص 330.

[11]  مرجع سابق، ص 331.

[12] هشام أسامة منور، “بعد محاولات تهويد القدس تهويد النقب في السياسة الصهيونيّة الرسميّة”، المنتدى الإسلاميّ، عدد 279(2010)، ص 4.

[13] نبيل السهلي، “تهويد المقدّسات في فلسطين”، مركز الدراسات الإستراتيجيّة، عدد 144(2013)، ص 6.

[14] علي السيّد علي محمود، “تهويد القدس العربيّة ثقافيًّا”، اللجنة الوطنيّة القطريّة للتربية والثقافة والعلوم، عدد 154(2005)، ص 15.

 

مقالات مشابهة

  • تحذيرات أممية وأوروبية من تهجير إسرائيل آلاف الفلسطينيين بخان يونس
  • بالفيديو .. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو
  • تجريم الهوية الفلسطينية في أميركا.. شباب يتحدى سياسة قمع الأفواه
  • إبادة عرقيّة وإبادة مجتمعيّة
  • فلسطين والنِّكروبوليتيكس: هل يملك أحد الحق في قتلنا؟
  • مندوب فلسطين بالجامعة العربية يدعو لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة
  • مناصرون للفلسطينيين ينهون اعتصامهم في حرم جامعة تورنتو
  • باحث: المستوطنون يعتبرون قتل الفلسطينيين عبادة (فيديو)
  • متضامنون مع الشعب الفلسطيني يتظاهرون أمام البرلمان في أستراليا
  • الاحتلال الإسرائيلي يدمر أبراج الاتصالات لحجب مأساة غزة عن العالم