mohammedalfatih997797206@gmail.com
الأبيض 14/10/2023
الشعوب التي تتعرض لأزمة هوياتية لفترة زمنية طويلة تُسبب تلك الازمة الكثير من المشكلات وإحدى نتاج تلك المشكلات هو توقفت عمليات الإبداع لدى تلك الشعوب في شتى دروب الحياة من فكر و غناء و رقص ولحن و رسم و نَحت و شعر ......الخ، و عند حدوث الازمة الهوياتية يتحول الإنسان إلى آخر خصما على ذاته، والإنسان عندما يتحول إلى آخر فمن العسير جدا أن يبدع وإن أبَدَع فذاك الإبداع ينسب إلى الآخر لان الإبداع يتطلب تحقيق الذات.
الشعوب السودانية نموذج للشعوب التي توقفت عندها عمليات الإبداع سيما الابداع المؤسسي، وذلك لأن الإبداع المؤسسي له ارتباط وثيق بمؤسسات الدولة(و الكل عارف طبيعة الدولة)!!!......
المؤسسات السودانية الرسمية خاصة المؤسسات التعليمية و الثقافية غالبا ما وقفت حجر عثرة بين الإبداع و عقول شعوبها فتبلدت عقول الشعوب وصارت عقول عقيمة لا تُبْدِع و لا تسعى إلى عملية الإبداع.
من المعلوم بأن المؤسسات المذكورة سلفا هي التي المنوط لها بعملية إنتاج الفكر و الإبداع الفني و الأدبي في إطار مؤسسة الدولة حتى تتؤام العملية الإنتاجية تلك مع طموح و تطلعات الشعوب....
فماذا فعلت تلك المؤسسات؟؟
الدول التي تُحْكم بنظام حكم شمولي غالبا ما تَتَصبغ كل مؤسساتها بايديولوجية تلك الدول من مؤسسات اقتصادية اجتماعية صحية تعليمية ثقافية.
المؤسسات التعليمية و الثقافية في السودان لم تنجو من عدوى انظمة الحكم التي تعاقبت عليها، واخر تلك الانظمة هو نظام حكم الإنقاذ الشمولي 1989م و الذي انتهى به المطاف بثورة ديسمبر المجيدة2019م، و لكن آثار ذاك النظام الشنيعة ما ظلت عالقة في لا وعي الشعوب كوشم الحريق في الجباه.
المؤسسات التعليمية من رياض و مدارس و جامعات و معاهد و المؤسسات الثقافية من مراكز و نوادي و منتديات ثقافية صارت العملية الأساسية لها هي القمع عقول اكثر من إبداع العقول و ذلك من خلال كبح العقول الناقدة القائمة على التساؤلات، فسعت تلك المؤسسات بوضع نموذج تفكير محدد لتلك عقول محاطة بسياج الحرام و الحلال فنتجت شعب بنموذج تفكير واحد(نُسخ) يهاب التساؤلات و كل ما هو جديد فتوقفت عملية الإبداع، لأن الإبداع(الجنين) يتشكل داخل رحم التفكير الناقد المحاط بمشيمية التساؤلات لينتج طفل جديد بعقل مليئة بالتساؤلات و التفكير الناقد.
سعت هذه المؤسسات بتلبيس تلك الشعوب هوية عنوة عنها تتناقض مع أساليب حياة تلك الشعوب( تناقض في اللغة والبيئة الجغرافية و أدوات انتاج و الجماليات.....الخ)، مع العلم ان الأزمة الهوياتية كانت قائمة لدى الشعوب السودانية قبل نشؤ الدولة الحديثة لكن تلك المؤسسات وسعت من الفجوة ولا سيما مع نشؤ الدولة الحديثة لان تلك المؤسسات هي روح تلك الدولة الحديثة؛وكما يقولون"زادت الطين بلة".
أولى الادوات التي استخدمتها تلك المؤسسات هي اللغة لتبليد عقول الشعوب، و قيل بأن الإنسان يفكر باللغة. فماذا فعلوا بهذه الأداة؟؟ أن اللغة هي الأداة الأكثر روعة للتعبير عن أفكارنا و مشاعرنا،و ان اللغة، اكثر من اي شئ آخر، ما يجعلنا نشعر بأننا بشر...... لكن تلك الأفكار و المشاعر لم تجد لها طريق في مؤسساتنا تلك إذ سعت جاهدة أن تختار لغة من بين مئات اللغات أن تكون لغة تفكير و مشاعر لجمع من الشعوب تتباين لغويا وذلك قسريا!.
ففي المدارس كان يقمع التلاميذ بأن لا يتحدثو بلغة الام، لغة الام التي كانت تأتيهم موجاتها عبر جدار الرحم، لغة الأم التي يعبر بها عن مشاعرهم وافكارهم لتجعلهم بشر لكن ذاك الإحساس، الاحساس بالمشاعر جُرد داخل تلك المؤسسات فأصبح هؤلاء التلاميذ مجرد ببغاوات يرددون مفردات لا يكنون لها أي مشاعر ولا تنتج لهم معرفة تعينهم في الحياة اليومية.
تارة يرهب التلاميذ بإستخدام العنف (إستخدام السياط) لكل من ينطق حرف بلغته الأم، و تارة اخرى يتم ترغيبهم بهدايا و جوائز و كل من يستطيع أن ينطق بتلك اللغة بفصاحة بأنه انسان مثقف و مكتمل الوعي!! حتى صارت إحدى مرادفات الثقافة المتحدث الجيد بتلك اللغة!!. و تارة اخرى يستخدم لغة الام كسلح يضرب بها كل من يتحدثها وذلك بترسيخ افكار في عقل التلميذ بأن لغته الام غير مؤهلة لاستخدامها في الأماكن العامة وكل من تحدث بلغته الأم فهو عنصري!! فنشأ التلميذ في بيئة متناقضة بين أولية لغة التفكير و المشاعر ام لغة المثقف ذو المكانة الاجتماعية المرموقة....
في نهاية المطاف بعدما جُرد الجنين من كل آليات الوجود البشري(اللغة التي يتنفس بها، واللغة التي يعبر بها عن مشاعره، واللغة التي يستطيع أن يفكر بها)،أُجهد ذالك الجنين فتوقفت عملية الإبداع.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تلک المؤسسات التی ت
إقرأ أيضاً:
رمضان 2025.. بين أمل الشعوب وألم الفقد في غزة وسوريا والسودان
يطلّ علينا رمضان هذا العام، كما في كل عام، ببهائه الروحي ونوره الذي يضيء القلوب قبل البيوت، لكنه يحمل معه أيضًا مرآة الحقيقة التي تعكس أوجاع أمتنا. إنه شهر الرحمة والمغفرة، لكنه لا يحجب عن أعيننا جراح غزة التي تنزف، ولا أنين السودان الذي يرزح تحت وطأة الألم، ولا دموع أمٍّ أضحت مائدتها موحشة بعد أن غاب عنها الأحبة شهداء، فصار الإفطار مجرد طقس لا يكتمل، بل ذكرى تفيض بالوجع.
رمضان الذي لطالما كان شهر اللقاءات العائلية والسمر بعد التراويح، أصبح هذا العام في كثير من البيوت موسم الفقد، حيث يجلس الناجون منهكين على موائد لم تعد تكتمل، يسترجعون أصوات من رحلوا، كأنهم لا يزالون هناك، حاضرون رغم الغياب.
لكن وسط هذا المشهد القاتم، ينبعث نور آخر. هناك في الشمال، في سوريا التي تعيش رمضانها الأول منذ أكثر من نصف قرن بعيدًا عن سطوة آل الأسد، تتسلل نسائم الأمل في شوارع لم تعرف الفرح منذ عقود. رمضان هنا ليس فقط شهر الصيام، بل شهر استعادة الحياة، شهر تذوق الحرية ولو بطعم الألم. فالأمل لا يأتي نقيًّا، بل يُعجَن بالدموع، لكنه يبقى أملًا، ينبض في القلوب التي لم تنكسر رغم كل شيء. إنها بداية جديدة، وإن كانت متعثرة، لكنها تذكير بأن الليل مهما طال لا بد أن يعقبه فجر.
يبقى رمضان شهر الرجاء، شهر الدعاء الذي لا ينقطع، شهر اليقين بأن بعد كل ليل طويل لا بد أن يسطع الفجر، وأن من صبروا على الجراح سيشهدون يومًا نور الخلاص.وفي غزة، حيث الصيام امتزج بالصمود، يرفع الأطفال أكفهم في صلاة التراويح، يدعون لمن فقدوهم ولأوطانهم الجريحة. في السودان، حيث الدماء لم تجف، يتشارك الناس القليل مما تبقى لديهم، فموائدهم ليست فقط للطعام، بل دروس في الصبر والتضامن. وفي اليمن، حيث الحصار والجوع، يصبح التمر والماء نعمة يدركها من لا يجدونها.
رمضان يعيدنا إلى جوهر الأشياء، إلى الحقيقة العارية التي لا يجملها صخب الحياة اليومية. إنه يذكرنا بأن الإفطار ليس مجرد طعام، بل اجتماع أرواح، وأن السحور ليس مجرد وجبة، بل فرصة لتضرع صادق بين يدي الله. لكنه يضعنا أيضًا أمام امتحان قاسٍ حين نتأمل موائد باتت فارغة، وبيوتًا فقدت أصوات أحبّتها، وأوطانًا تبحث عن سلامها الضائع.
ومع ذلك، يبقى رمضان شهر الرجاء، شهر الدعاء الذي لا ينقطع، شهر اليقين بأن بعد كل ليل طويل لا بد أن يسطع الفجر، وأن من صبروا على الجراح سيشهدون يومًا نور الخلاص. فسلامٌ على غزة وهي تصوم رغم الجراح، وسلامٌ على السودان وهو يتلمس طريقه بين الركام، وسلامٌ على سوريا التي بدأت تكتب صفحة جديدة في تاريخها، وسلامٌ على كل من جعل من هذا الشهر جسراً يعبر به نحو رحمة الله ونور الأمل.