سودانايل:
2024-11-23@15:38:42 GMT

إبداع الشعوب كيف تعثر؟؟

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

mohammedalfatih997797206@gmail.com

الأبيض 14/10/2023

الشعوب التي تتعرض لأزمة هوياتية لفترة زمنية طويلة تُسبب تلك الازمة الكثير من المشكلات وإحدى نتاج تلك المشكلات هو توقفت عمليات الإبداع لدى تلك الشعوب في شتى دروب الحياة من فكر و غناء و رقص ولحن و رسم و نَحت و شعر ......الخ، و عند حدوث الازمة الهوياتية يتحول الإنسان إلى آخر خصما على ذاته، والإنسان عندما يتحول إلى آخر فمن العسير جدا أن يبدع وإن أبَدَع فذاك الإبداع ينسب إلى الآخر لان الإبداع يتطلب تحقيق الذات.


الشعوب السودانية نموذج للشعوب التي توقفت عندها عمليات الإبداع سيما الابداع المؤسسي، وذلك لأن الإبداع المؤسسي له ارتباط وثيق بمؤسسات الدولة(و الكل عارف طبيعة الدولة)!!!......
المؤسسات السودانية الرسمية خاصة المؤسسات التعليمية و الثقافية غالبا ما وقفت حجر عثرة بين الإبداع و عقول شعوبها فتبلدت عقول الشعوب وصارت عقول عقيمة لا تُبْدِع و لا تسعى إلى عملية الإبداع.
من المعلوم بأن المؤسسات المذكورة سلفا هي التي المنوط لها بعملية إنتاج الفكر و الإبداع الفني و الأدبي في إطار مؤسسة الدولة حتى تتؤام العملية الإنتاجية تلك مع طموح و تطلعات الشعوب....
فماذا فعلت تلك المؤسسات؟؟
الدول التي تُحْكم بنظام حكم شمولي غالبا ما تَتَصبغ كل مؤسساتها بايديولوجية تلك الدول من مؤسسات اقتصادية اجتماعية صحية تعليمية ثقافية.
المؤسسات التعليمية و الثقافية في السودان لم تنجو من عدوى انظمة الحكم التي تعاقبت عليها، واخر تلك الانظمة هو نظام حكم الإنقاذ الشمولي 1989م و الذي انتهى به المطاف بثورة ديسمبر المجيدة2019م، و لكن آثار ذاك النظام الشنيعة ما ظلت عالقة في لا وعي الشعوب كوشم الحريق في الجباه.
المؤسسات التعليمية من رياض و مدارس و جامعات و معاهد و المؤسسات الثقافية من مراكز و نوادي و منتديات ثقافية صارت العملية الأساسية لها هي القمع عقول اكثر من إبداع العقول و ذلك من خلال كبح العقول الناقدة القائمة على التساؤلات، فسعت تلك المؤسسات بوضع نموذج تفكير محدد لتلك عقول محاطة بسياج الحرام و الحلال فنتجت شعب بنموذج تفكير واحد(نُسخ) يهاب التساؤلات و كل ما هو جديد فتوقفت عملية الإبداع، لأن الإبداع(الجنين) يتشكل داخل رحم التفكير الناقد المحاط بمشيمية التساؤلات لينتج طفل جديد بعقل مليئة بالتساؤلات و التفكير الناقد.
سعت هذه المؤسسات بتلبيس تلك الشعوب هوية عنوة عنها تتناقض مع أساليب حياة تلك الشعوب( تناقض في اللغة والبيئة الجغرافية و أدوات انتاج و الجماليات.....الخ)، مع العلم ان الأزمة الهوياتية كانت قائمة لدى الشعوب السودانية قبل نشؤ الدولة الحديثة لكن تلك المؤسسات وسعت من الفجوة ولا سيما مع نشؤ الدولة الحديثة لان تلك المؤسسات هي روح تلك الدولة الحديثة؛وكما يقولون"زادت الطين بلة".
أولى الادوات التي استخدمتها تلك المؤسسات هي اللغة لتبليد عقول الشعوب، و قيل بأن الإنسان يفكر باللغة. فماذا فعلوا بهذه الأداة؟؟ أن اللغة هي الأداة الأكثر روعة للتعبير عن أفكارنا و مشاعرنا،و ان اللغة، اكثر من اي شئ آخر، ما يجعلنا نشعر بأننا بشر...... لكن تلك الأفكار و المشاعر لم تجد لها طريق في مؤسساتنا تلك إذ سعت جاهدة أن تختار لغة من بين مئات اللغات أن تكون لغة تفكير و مشاعر لجمع من الشعوب تتباين لغويا وذلك قسريا!.
ففي المدارس كان يقمع التلاميذ بأن لا يتحدثو بلغة الام، لغة الام التي كانت تأتيهم موجاتها عبر جدار الرحم، لغة الأم التي يعبر بها عن مشاعرهم وافكارهم لتجعلهم بشر لكن ذاك الإحساس، الاحساس بالمشاعر جُرد داخل تلك المؤسسات فأصبح هؤلاء التلاميذ مجرد ببغاوات يرددون مفردات لا يكنون لها أي مشاعر ولا تنتج لهم معرفة تعينهم في الحياة اليومية.
تارة يرهب التلاميذ بإستخدام العنف (إستخدام السياط) لكل من ينطق حرف بلغته الأم، و تارة اخرى يتم ترغيبهم بهدايا و جوائز و كل من يستطيع أن ينطق بتلك اللغة بفصاحة بأنه انسان مثقف و مكتمل الوعي!! حتى صارت إحدى مرادفات الثقافة المتحدث الجيد بتلك اللغة!!. و تارة اخرى يستخدم لغة الام كسلح يضرب بها كل من يتحدثها وذلك بترسيخ افكار في عقل التلميذ بأن لغته الام غير مؤهلة لاستخدامها في الأماكن العامة وكل من تحدث بلغته الأم فهو عنصري!! فنشأ التلميذ في بيئة متناقضة بين أولية لغة التفكير و المشاعر ام لغة المثقف ذو المكانة الاجتماعية المرموقة....
في نهاية المطاف بعدما جُرد الجنين من كل آليات الوجود البشري(اللغة التي يتنفس بها، واللغة التي يعبر بها عن مشاعره، واللغة التي يستطيع أن يفكر بها)،أُجهد ذالك الجنين فتوقفت عملية الإبداع.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: تلک المؤسسات التی ت

إقرأ أيضاً:

إبداع|«متى يرحل الماضي».. قصة قصيرة للكاتبة السعودية دارين المساعد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يقلب المارة تراب الأرض بين أقدامهم في الشارع القديم. محاصرون ضمن الحارة الشعبية، حيث تجاري تعابيرهم رتابة الأيام. يسعى بين أيديهم طفل في السابعة، بملامح المتوسل وخطوات التائه.

اخترقت الحشود وخطوتُ فوق كل بائع افترش الأرض وصولا له. كان انتهاك حقوق الطفل يؤلمني «لقد أنقذت الكثير، لكنهم يتزايدون»، هكذا كنت أردد وكل دائرة حول نفسي تعيدني طفلاً. أفتش عنه، وأغرق في شعور التوسل للملاحظة. صوتي يختنق وسط الزحام وجدال البيع والشراء، لا أحد يراني.


فجأة لمسني من يدي، ثم شدّ كمّي يرجو شراء بضاعته. نزلت إلى مستوى عينيه وبلغته بخطورتها وبقدرتي على المساعدة. فهم أنني أرغب بشرائها فتهلل وجهه. لكنني، بعد إيماءة رفض حازم، عرّفته بنفسي، وقصصت قصتي من طفل مشرّد الى شرطي في مكافحة المخدرات.

تفحص وجهي بعينيه البنية، ثم تحسس ذقني بيده الملوثة. قربته، وبجملة وعود، زرعت الأمان في نفسه. شعرت بالانتماء لرائحة الضياع التي تفوح منه. احتضنته وملئت صدري من قوته وصبره.

كان هادئاً مطيعاً، طلبت عنوانه وأجاب برفع بضاعته مرة أخرى يريد بيعها. شعرت بالسوء من إصراره هذا ونهرته. وضع يده في صدره، ومن جيبٍ جانبي مرقوع، أعطاني قطعة نقود خشبية مصنوعة يدويا، عرفتها لمّا أخرجت مثلها من جيبي.

إنها ذاكرتي! تجترّ كل ما يؤلمني، وتمثله حياَ أمامي. فهمت أن الماضي لا يغادرنا بالنسيان، ويرحل للأبد بالتقبل والتشافي.

مقالات مشابهة

  • الاعيسر : الدولة يجب أن تتحدث بلسان واحد
  • توترات داخل ليفربول.. تعثر مفاوضات التجديد لـ محمد صلاح
  • مصطفى بكري: الأزمات التي تحيط بالمنطقة جعلت الدولة تضع قانونا لتنظيم وجود اللاجئين
  • إبداع|«كان بودى أعيش بخفة من غير قلق».. شعر لـ محمد الكاشف
  • إبداع|«كالعشاقِ تمامًا».. شعر لـ النوبي الجنابي
  • إبداع|«متى يرحل الماضي».. قصة قصيرة للكاتبة السعودية دارين المساعد
  • إبداع|«للحب وردة ذابلة».. شعر لـ حمدى عمارة
  • وزير الاستثمار: الحكومة تعمل على إزالة التحديات التي يواجها مجتمع الأعمال
  • عبدالقيوم: على الحويج التفكير في شرعية وجوده بدلاً من التصريحات الانتهازية
  • عبدالقيوم: على الحويج التفكير في شرعية وجوده قبل الحديث عن توحيد المؤسسات