حقول الرؤية لأتباع الأحزاب السودانية الى لحظة إنقلاب البرهان
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
أسباب كثيرة تحجب رؤية أتباع الأحزاب السودانية عن مراقبة التحول في المفاهيم حول العالم من حولنا. و لكن حجر رأس الزاوية فيها أنها أحزاب من أقصى يمينها الغارق في وحل الفكر الديني الى أقصى يسارها المتكلس في نسخته الشيوعية أنها لم تخرج بعد من إدمانها لفكر يؤمن بالمطلق في زمن النسب و العقلاني.
مثلا لم يقدم الحزب الشيوعي السوداني مفكرين غير المثقف التراجيدي كما يصف عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب حال المثقف في العالم العربي حيث يسود في حقول فكرهم خنوعهم الى أحزاب الأيدويولوجيات المتحجرة كحال وثوقيات الحزب الشيوعي السوداني في عدم ايمانه بالدولة من الأساس و كذلك في وهمه عن مسألة إضطراد العقل و التاريخ و النتيجة نهاية الصراع الطبقي لكي تبرهن له عدم ايمانه بفكرة الدولة من الأساس.
بالتالي لا يؤمن الشيوعي السوداني بإمكانية إتساع الطبقة الوسطى و علاقتها إتساعها بعكسية العلاقة مع معدلات الفقر و بالتالي لا يطرح الشيوعي السوداني كمثقف تراجيدي غير مشروع تغيير جذري هو نفسه يعلم إستحالة إنزاله على أرض الواقع.
و بالتالي حالة الشيوعي السوداني يمكن أخذها كظاهرة على تدني مستوى الوعي بين النخب السودانية و خاصة لو أخذت أن الشيوعي السوداني يأمل في الوصول الى الحكم بوعي ملتبس عن فكرة الدولة الحديثة التي لا يؤمن بها من الأساس و كذلك إلتباس فكر الشيوعي السوداني عما يتعلق بمفهموم ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية.
و بالتالي الشيوعي السوداني و طرحه لفكرة التغيير الجذري يتوهم في أن الحزب الشيوعي السوداني قد أصبح بديل للشيوعي السوداني عن الدولة التي لا يؤمن بها. و يظن الشيوعي السوداني أن بإمكانه و عبر الحزب الشيوعي السوداني الذي يحل في ذهنه في مكان الدولة أنه يرفع عبر الحزب مستوى روح الثورة في النقابات و إتحادات العمال و منظمات المجتمع المدني و إتحادات الطلاب يرفع مستوى الوعي الثوري و يحقق دكتاتورية البلوريتاريا و هذا وهم لا يتوهمه غير الذين يتأهبون للخروج من التاريخ.
و عليه عودة الحزب الشيوعي السوداني الى أي جهة تحاول نقل الوعي وسط الجماهير و خلق وعي بمفهوم الدولة الحديثة و ممارسة السلطة لا يفيد في شئ و لا يزيد أتباع أحزاب الطائفية و الكيزان إلا بعدا عن الحد الأدنى للوعي الذي يفضي الى التغيير. عودة الجذريين الى أي تجمع يكون فيه أتباع الطائفية ما هو إلا إضافه صفر لصفر و تكون النتيجة أعمى يقود أعمى و مآلهم قعر الهاوية كما يقول السيد المسيح في أمثاله.
الأجدى أن يكون دور و جهود وقف الحرب على عاتق منظمات المجتمع المدني القريبة من نبض الشارع و شعار ثورة ديسمبر حرية سلام و عدالة و هذا الشعار لا يوجد في طيات أوراق الأحزاب السودانية و إلا لما أضاعوا الثورة بقبولهم بالمشاركة مع العسكر بل أغلبهم ورثوا الثورة بالتعصيب و ضياع الثورة بدأ يوم أصبح أتباع الصادق المهدي في قلبها و بالتالي أصبحوا الجلطة التي أصابت قلب الثورة في مقتل.
لو تتذكروا كان الصادق المهدي مراقب و متردد و لا يعرف ماذا يفعل مع الثورة بل وصفها أنها بوخة مرقة و بعدها جاء أتباعه لورثة الثورة و عليك أن تسأل نفسك كيف تنجح الثورة على يد من لم يستطع الإنعتاق من التبعية للامام؟ و الثورة ثورة شعب متقدم على نخبه و بالتالي لا يمكن أن تحقق شعارها ما لم يتقدمها الشعب و ليست الأحزاب أي أحزاب الطائفية و كذلك أتباع الشيوعية السودانية المتكلسة.
حال النخب السودانية في الأحزاب السودانية كحال النخب كما في فرنسا حيث أدى فشلها لإنتخاب ماكرون من قبل الشعب كمعاقبة لليسار الفرنسي و اليمين و لذلك يجب معاقبة الأحزاب السودانية الطائفية و الجذريين المتكلسين كما حدث لنخب فرنسا. و هنا في السودان معاقبتهم إلا بوضع منظمات المجتمع المدني في المقدمة و بعدها تصبح إمكانية إنعتاق الأتباع للامام و الختم ممكنة لأن منظمات المجتمع المدني كامن فيها وعي المجتمعات الحديثة و سوف تسوق الثورة الى مراميها و تحقيق شعارها.
نفس الشئ إنتخاب ترامب في أمريكا كان عقاب للنخب الامريكية على فشلها و بالتالي على القائميين بخلق تجمع جديد يمثل روح الثورة ألا يكرمّوا أتباع الأحزاب على فشلهم أي إعطاهم قيادة الثورة من جديد للمرة الثانية و بالتالي إضافة أتباع الشيوعية المتكلسة و هذا يكون جمع التعيس على خايب الرجاء و إعطاء وسام لاغنجاز للفاشل.
بالمناسبة هناك أزمنة مريضة تمر بالشعوب مثلا لحظة تنامي النازية في المانيا كانت من لحظات الأزمنة المريضة و ساقت المانيا الى حرب عالمية ثانية و كذلك نحن في السودان نمر بزمن مريض يسوقه أتباع الامام و الختم و الشيوعي السوداني المتكلس و اذا لم تنتبه النخب السودانية الى أوهام المثقف التراجيدي أي الشيوعي و كذلك الملحمي في أحزاب الطائفية فاننا سائرون على نهاية قاسية جدا كحال المانيا بعد نهاية الحرب العالمية الاولى.
لهذا جاء زمن أن يبعد أتباع الأحزاب السودانية الفاشلة و يتقدم الشعب و اذا ظننت أيها القارئ أن الأحزاب فيها مثقف سوداني فأنت واهم لأن مثقف الزمن المريض مضطرب و نضرب لك مثلا بذلك في زمن النازية في ألمانيا إلتحق فيلسوف كبير مثل مارتن هيدجر بالنازية و قد تحيرت فيه النخبة الاوروبية و في أمره الى يومنا هذا.
بالتالي لا يوهمك أي مغفل بأن داخل الحزب الشيوعي السوداني مفكر يفوق مارتن هيدجر في الفلسفة و التفكير و بالتالي أتباع الحزب الشيوعي السوداني في زمن مريض فلا تستدل على وعيك بوعي مثقفي الزمن المريض. نقول لك لو عاد الجذريين الى قحت فإنها عودة التعيس الى خايب الرجاء و جميعهم لا يجسدون غير فكر الرجال البلهاء و بالتالي من الأحسن أن تنتظر سفيه و لا تنتظر عاطل مثل أتباع الأحزاب السودانية.
و عليه مسألة خلق تجمع من الشعب ليوقف الحرب و يرجع الى مسألة التحول الديمقراطي أول خطواته ظهور شخصية تاريخية تكون قاسم مشترك و لكن ليس على طريقة كبيركم و أبوك و ثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط بل شخصية تاريخية تقول لكم بأن زمن العبودية للامام و الختم قد ولى و زمن الركون لشيوعية متكلسة لا تؤمن بفكرة الدولة من الأساس قد فات و مسألة أن يصغي أتباع الحزب الشيوعي السوداني لفكر اقتصادي تابع للحزب و يمثل دور من يقوم بعمودية الأتباع و يقول لهم أن الشيوعية نظرية شاملة و تغطي السياسة و الاجتماع و الاقتصاد هذا امر مضحك.
و كذلك أن يقوم المؤرخ التقليدي داخل الحزب الشيوعي بتغبيش الوعي و يخلق و يزيد الوعي الزائف بصحة الماركسية فهذا وهم و أمر مثير للضحك. على أي حال السودان في زمن مفترق طرق و في زمن إنتظار لشخصية تاريخية تفارق العقل الجمعي الكاسد الذي لا ينتج إلا الخانعيين للامام و الختم و المرشد و التابعيين لحزب الأستاذ الشيوعي و تحت ظلال عقلهم الكاسد لم يتحقق أي إزدهار مادي و لا تطور و تقدم اجتماعي.
نقول هذا القول و نذكّر بأن هذه اللحظة السودان تشبه لحظة قدوم فولتير من منفاه في إنجلترى و كان متقدم في العمر و لكن كان يقول لمن حوله ألم تسمعوا وشوشة الثورة؟ أنها قادمة و كذلك أقول لكم أن التغيير قادم ألم تسمعوا وشوشة التغيير و التحول الديمقراطي؟ و لكن أقول لكم بأنه لم يتم التغيير على أيدي أتباع الامام و الختم و المثقف التراجيدي أي الشيوعي السوداني. و لم يك التحول الديمقراطي ثمرة من ثمرات الاتباع أي أتباع الامام و الختم قبل إنعاتقهم و تخلصهم روح العبودية.
و بالتالي عودة الجذريين الى تجمع قحت أو نجاح قحت لخلق أي تجمع لا يحقق تحول ديمقراطي لأن فاقد الشئ لا يعطيه لا ديمقراطية تأتي في زمن يكون فيه من يتحدث عن الديمقراطية مثل حميدتي و دعمه السريع كأداة موت و صنيع الكيزان و لا تأتي الديمقراطية في زمن يكون فيه البرهان بوعيه المتدني للغاية جزء من حل و لا تأتي الديمقراطية من أتباع الطائفية.
و بالتالي لا تأتي الديمقراطية من الشيوعي السوداني و هو سليل حزب قام في زمن ترك فيه فلاسفة كثر الشيوعية أي تركوا الشيوعية قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني و أذكر من ضمنهم إدغار موران. و عليه عودة الجذري لقحت هي إضافة صفر الى صفر.
و في غياب إدراك أن الفكر التقليدي لا يفتح على ديمقراطية دليل أن مسيرة التحول الديمقراطي في السودان ما زالت على بعد أي على نفس مسافة بعد الثورة عندما تحدث عن وشوشتها فولتير ربما يطول الزمن أو يقصر الزمن المريض في السودان و لكن زمن الحرية و زمن التغيير و زمن التحول الديمقراطي قادم و بقوة لأننا في زمن حديث تسير فيه مسيرة الانسانية بلا قصد و لا معنى و أنها مأساوية و تراجيدية لا يلزمها أتباع الوثوقيات و أتباع الحتمية مهما إستكانوا لسباتهم و نومهم الدوغمائي العميق.
و الحرية لا يجلبها التوفيقي و الترقيعي و المجاور و المساكن و المصادق لفكر أحزاب الطائفية في السودان و لا أتباع الشيوعية السودانية المتحجرة لأن نصابها هو الشرط الإنساني و لا يتحقق الشرط الإنساني بغير العقلانية التي تنتصر الى النزعة الانسانية.
taheromer86@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی منظمات المجتمع المدنی التحول الدیمقراطی فی السودان من الأساس فی زمن
إقرأ أيضاً:
التعليم بين الرؤية والواقع
#التعليم بين #الرؤية و #الواقع
الكاتب: عبد البصير عيد
لطالما كان للمعلم هيبته وللعلم قيمته الرفيعة في قلوب الناس على مر العصور، كما كانت الكتب تُكتب في صفات طالب العلم والقصص تروى والأمثال تضرب في شغف اكتساب العلم وتعلمه. إن القائمة تطول، لكن الزمان يتغير، فهذا التطور المتسارع جعل كثيراً من تلك الأقوال والحكم تشهد ملامح علاقات متغيرة مست طبيعة المعلم ومكانته، وسمات الطالب وشغفه، وباتت العملية التعليمية تواجه تحديات مختلفة في مختلف الأصعدة، لتخلق فينا أسئلة صعبة على رأسها: أين نحن الآن بين الرؤية المثالية للتعليم والواقع الذي نعيشه؟
لقد كان لتعليم هالته القدسية التي أحاطت به على مر التاريخ من ترسيخ المبادئ، وتعزيز القيم النبيلة، من أجل خدمة المجتمعات والارتقاء بها. فهي رسالة تحمل في طياتها الإخلاص والإبداع، وهيبة تجعل المعلم مصدر احترامٍ وإلهامٍ للطلاب والمجتمع على حدٍ سواء.
كان الطالب يسعى للتعلم بكل إصرار غير مكترثٍ ببعد المسافات ولا وعورة الطرق، فقد كان الشغف دافعه والعزيمة زاده، يرحل في طلب العلم، وينهل من ينابيعه الصافية، مدركًا أن التعليم هو مفتاح مستقبله وأساس نهضته.
أما اليوم في عصرنا هذا، أصبح التعليم في العديد من الأحيان يخضع لتأثيرات خارجية أو داخلية، تؤثر على العملية التعليمية لتحويلها من رسالة أخلاقية نبيلة إلى معادلة حسابية مادية. وكنتيجة لذلك تتراجع قيم التعليم الأصيلة أمام التحديات اليومية التي تواجه المعلمين والطلاب على حدٍ سواء.
تُضاف إلى ذلك ظاهرة دخول بعض الأفراد إلى مهنة التعليم دون امتلاك رؤية واضحة أو شغف حقيقي، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم ومخرجاته، ليصبح التعليم جسداً لا روح فيه.
وتتعدى المشكلة إلى أبعد من مجرد تحويل التعليم إلى سلعة تجارية إلى مرحلة غياب الرؤية الحقيقية لدى بعض القائمين على التعليم. الرؤية التي تُغرس في النفوس، وتستند إلى حب المهنة والرغبة في تحقيق تغيير إيجابي. فلا شك في أن للجانب المادي طريقه وفلسفته في قطاع التعليم، لكن لا يمكن أن يُتَهَاوَن في جوهر العملية التعليمية وهي كونها رسالة ورؤية لها مكانتها، بل وهي حجر أساسها وركيزتها.
الرؤية ليست مجرد كلمات تُعلق على الجدران، أو تُكتب في التقارير، بل هي إيمان داخلي يتجلى في العمل اليومي للمعلم وبوصلة يهتدي بها العاملون كلهم في هذا المجال معلمين وقادة من أجل تقديم التعليم المطلوب بحب وشغف وإخلاص.
يواجه التعليم اليوم أجيالاً تعيش في عالم متغير يتطلب مهارات ومعارف مبدعة ومبتكرة. هؤلاء الطلاب هم بناة المستقبل، لكن إعدادهم لمواجهة التحديات يتطلب رؤية تعليمية متكاملة، تُوازن بين القيم المتوارثة والأصيلة والرؤية العصرية والحديثة واستشراف المستقبل.
ومع كل هذا لا ننكر أن المعلمين يواجهون تحديات كبرى، مثل التعامل مع طلاب مختلفي الخلفيات والاحتياجات، والضغط الناتج عن المناهج المكثفة، والتقنية المتسارعة، فضلاً عن ضعف التقدير المجتمعي في بعض الأحيان.
لذلك، ومن أجل إحداث فرق حقيقي، يجب أن يكون لكل فرد في مجال التعليم رؤيته الخاصة التي تُميّزه عن غيره. رؤية تقوم على المبادئ الأصيلة، والإبداع في مواجهة التحديات، والإيمان بأهمية الرسالة، فيجب ألا يفقد المعلم شغفه وبوصلته ورؤيته تجاه هذه المهنة النبيلة. هذه الرؤية يجب أن تكون صامدة أمام التحديات، فلا تُحيدها الظروف، أو تجعلها تتأثر بضغوط الحياة اليومية.
رغم تعقيد المشهد الحالي، لا بد أن نحافظ على أهم مبادئ هذه المهنة والعودة بها إلى بساطتها وقيمها الأولى. فالعودة إلى رؤية واضحة ومخلصة للتعليم ليست ترفًا، بل ضرورة لإعادة بناء الأجيال القادمة.
فحينما تغيب الرؤية، يصبح التعليم مجرد وظيفة، وقد يفقد المعلم شغفه، والطالب دافعيته، والمجتمع أمله في مستقبل أفضل. التعليم ليس مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو فن يحيى العقول، وأمانة تضمن بقاء القيم، وطريق لتحقيق النهضة. لهذا، يجب أن نسعى جاهدين لتحقيق التوازن بين الرؤية المثالية للتعليم والواقع الذي نعيشه، واضعين نصب أعيننا أن التعليم هو أساس أي نهضة حضارية مستدامة.
كاتب وخبير تربوي
مقالات ذات صلة استنهاض هِمَم / مروى الشوابكة 2024/12/20