خلف بوابات من الأسلاك الشائكة العالية لقاعدة عسكرية في وسط إسرائيل، وبعيدا عن الأعين، كان الجنود ورجال الشرطة وخبراء الطب الشرعي يعملون بجد، خلال الأسبوع الماضي، لإنجاز مهمة كان من المستحيل تقريبا تخيلها خارج هذا المكان، ألا وهي التعرف على ضحايا الهجوم الذي شنته حماس.

كان يعمل إلى جانب هؤلاء الرجال في وقت متأخر من الليل، مجموعة أخرى من الأفراد، يمكن التعرف عليهم من خلال ستراتهم الصفراء، إنهم متطوعو منظمة “زاكا”، وهي منظمة دينية تحمل على عاتقها مسؤولة بعض أصعب الأعمال في إسرائيل منذ شن الهجوم.

تتمثل مهام “زاكا” في جمع رفات الموتى، بما في ذلك دمائهم، حتى يمكن دفنهم وفقا للشريعة الدينية اليهودية، إنها منظمة تخصصت في التعامل مع الأحداث الجسام، بما في ذلك الكوارث الطبيعية وحالات الانتحار من المباني والإرهاب. أعضاؤها جميعهم تقريبا من اليهود المتدينين.

ما هي منظمة “زاكا”؟
BBC
متطوع في منظمة “زاكا” ينتظر وصول مئات الجثث إلى المشرحة في تل أبيب.

تأسست منظمة “زاكا” (وهو اختصار عبري لعبارة تحديد هوية ضحايا الكوارث) في عام 1995، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية تعمل في مجال الإنقاذ والإغاثة، وتضم ما يزيد على ثلاثة آلاف متطوع منتشرين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة.

تعود جذور المنظمة إلى عام 1989، عندما كان مؤسسها واحدا من بين مجموعة متطوعين متدينين جمعتهم مهام جمع رفات موتى لقوا حتفهم في أعقاب هجوم نفذه انتحاري استطاع السيطرة على عجلة قيادة إحدى الحافلات العامة في إسرائيل وسقط بها في أحد الأودية.

تعمل المنظمة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، استجابة لأي هجوم إرهابي أو كارثة أو حادث، بشكل احترافي وباستخدام المعدات اللازمة.

كما تتعامل منظمة “زاكا” التطوعية المدنية مع حوادث الوفاة غير الطبيعية، وتتعاون على نحو وثيق مع جميع خدمات الطوارئ وقوات الأمن الإسرائيلية.

تنامى نشاط “زاكا” رسميا على مدى العقدين الماضيين مع اتساع نطاق العمل التطوعي بها.

ما هو نشاط المنظمة؟
Getty Images
حصلت “زاكا” في عام 2005 على اعتراف الأمم المتحدة باعتبارها منظمة تطوعية إنسانية دولية

تقدم “زاكا” خدمات تطوعية احترافية تتسم بمهارات عالية في مجالات الاستجابة لحالات الطوارئ والبحث والإنقاذ والوقاية من الحوادث والمساعدة في الكوارث الدولية، بحسب ما ذكرته على موقعها الإلكتروني.

كما أنشأت وحدات بحث وإنقاذ متخصصة تضم متطوعين مدربين تدريبا عاليا، كل منهم متخصص في مجاله، ويقدم مهاراته للمنظمة والاستجابة الأسرع والأكثر احترافية ووفقا للحادث الطاريء.

كما شكلت وحدة إنقاذ دولية بالتعاون مع مئات المتطوعين في إسرائيل وفي شتى أرجاء العالم، يتمتعون بالجاهزية والقدرة على الاستجابة في أسرع وقت لأي حادث يخلف إصابات جماعية أو هجوم إرهابي.

وفي عام 2005، حصلت “زاكا” على اعتراف الأمم المتحدة باعتبارها منظمة تطوعية إنسانية دولية، وأصبحت منذ ذلك الوقت نموذجا لخدمات الطوارئ في جميع أنحاء العالم.

“خدمة مقدسة”
BBC
يقول فرانكل إن التعامل مع رفات الأطفال هو أسوأ ما في المهمة.

عندما شنت حماس هجومها على جنوبي إسرائيل يوم السبت الماضي، كان أحد متطوعي “زاكا”، يدعى باروخ فرانكل، البالغ من العمر 28 عاما، يحافظ على تقاليد يوم السبت كعادته في شقته في بني براك، وهي مدينة تقع على مقربة من تل أبيب يقطن بها العديد من المتطوعين، ولكن في صباح ذلك اليوم سمع عبر جهاز الاتصال اللاسلكي الخاص به مع “زاكا” أن هناك حالة طوارئ.

يُسمح بتشغيل جهاز الاتصال اللاسلكي في ذلك اليوم ولا يعتبر انتهاكا لتقاليد السبت نظرا لاعتبارات تتعلق بالحياة والموت، بيد أن فرانكل لا يستطيع مطالعة هاتفه إلا عند غروب الشمس، عندئذ علم تماما بحجم الهجوم، وحمل مستلزمات تحتوي على أكياس لحفظ الجثث وقفازات وقائية وأغطية أحذية وقماش لامتصاص الدماء وانطلق مسرعا بسيارته.

في موقع المهرجان الموسيقي، الذي أقيم يوم السبت الماضي، كان الظلام لا يزال سائدا عندما وصل فرانكل إلى المكان، وكان الجنود الإسرائيليون يتبادلون إطلاق النار مع حماس، لذا استلقى على الرمال منتظرا استقرار الوضع حتى أصبح آمنا، ثم بدأ عمله.

يعمل متطوعو “زاكا” منذ ذلك الوقت في جميع المواقع التي شهدت الهجوم، ويجمعون الجثث في نوبات عمل مدتها ساعتين نظرا لصعوبة العمل للغاية.

ويقول فرانكل إن التعامل مع رفات الأطفال هو أسوأ ما في المهمة، وأثناء انتقاله من موقع المهرجان إلى “كيبوتس” قريب يوم السبت، وكلمة كيبوتس هي كلمة عبرية تشير إلى مجتمعات صغيرة مأهولة بالإسرائيليين الذين يعيشون ويعملون بطريقة مشتركة، حذرت الشرطة متطوعي “زاكا”، المعروفين على نطاق واسع بخبرتهم في هذا العمل، من صعوبة ما ينتظرهم من مشاهد مروعة بالداخل.

وفي مساء يوم الأربعاء، كان متطوعو زاكا قد أنهوا آخر عملهم في جمع رفات الموتى في جنوبي إسرائيل، بعدها توجه فرانكل بسيارته شمالا إلى قاعدة عسكرية تضم وحدات لحفظ الجثث.

داخل القاعدة، كان هناك نحو 20 وحدة تبريد ضخمة، مثل حاويات الشحن، موضوعة لحفظ الجثث، وكان الحاخامات ومتطوعو “زاكا” يبذلون قصارى جهودهم للحفاظ على جثث الموتى وتأبينها، على الرغم من حجم العملية وحالة بعض الرفات، كما حرصوا على الصلاة على كل شخص قدر الإمكان.

كان يعقوب زكريا، البالغ من العمر 39 عاما، نائب رئيس بلدية مدينة بني براك، مسقط رأس فرانكل، في نوبة عمله الليلية الخامسة على التوالي لزاكا في القاعدة، وقال: “تمر ساعات وساعات بدون نوم، إن حمل الجثث عمل شاق جسديا … لكننا نتغلب على ذلك”.

المصدر: جريدة الحقيقة

كلمات دلالية: یوم السبت

إقرأ أيضاً:

عن عملياته في لبنان.. بيان للجيش الإسرائيلي يكشف ماذا قصف

في خضم حربه العبثية على الجنوب، يكمل الجيش الإسرائيلي بعملية الاستهدافات المتكررة التي تطال القرى الحدودية، وآخرها كان اليوم استهداف بلدات جديدة تبعد عن الحدود قرابة 20 كلم، إذ طال القصف المدفعي والفوسفوي للمرة الاولى أطراف بلدة يحمر في قضاء النبطية، حيث أكّد الدفاع المدني أنّه وبعد استهداف خراج بلدة يحمر والاراضي الزراعية داخل البلدة، لم تسجّل أي إصابة، ما عدا بعض حالات الهلع.   وفي بيان له، قال الجيش الإسرائيلي أن المدفعية الإسرائيلية قصفت اليوم مصادر إطلاق صواريخ باتجاه زرعيت في الجليل الغربي ومزارع شبعا.   وزعم البيان أن سلاح الجو هاجم أحد عناصر حزب الله في مركبا، بعد رصد دخوله إلى مبنى عسكري.   كما وزعم استهداف منصة صواريخ أرض جو في بلدة الريحان الجنوبية كانت تستخدم في استهداف الطائرات الإسرائيلية.    

مقالات مشابهة

  • مع استئناف المفاوضات.. سيناريوهان “أميركي وإسرائيلي” لوقف إطلاق النار في غزة
  • عن عملياته في لبنان.. بيان للجيش الإسرائيلي يكشف ماذا قصف
  • من شخص بلا كاريزما إلى منقذ.. ماذا تعرف عن رئيس وزراء بريطانيا الجديد؟
  • "شرعنة" ثلاث بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية
  • عن عمليات إسرائيل في الجنوب.. بيان يكشف ماذا استهدفت اليوم
  • مزايا وتحالفات قوية.. ماذا يعني انضمام قطر لمنظمة شنغهاي؟
  • “شنغهاي للتعاون”: استقرار آسيا الوسطى ضمان لأمن المنظمة
  • الصفدي وبلينكن يبحثان سبل الوقف “الفوري” لحرب إسرائيل على غزة
  • "أم أطفال مصر".. ماذا تعرف عن عبلة الألفي نائب وزير الصحة الجديد؟
  • هل هي رسالة إلى “إسرائيل” أم السعودية؟.. صنعاء تُعلن عن “3 أيام” حاسمة