كل هذه الجرائم الإسرائيلية.. البوصلة الغربية المعطوبة في غزة
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
جاء الاتحاد الأوروبي برئيسة مفوضيته أورسولا فون دير لاين ورئيسة البرلمان روبرتا ميتسولا إلى تل أبيب لمواساة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتأكيد "وقوف أوروبا إلى جانب إسرائيل "في مواجهة الفظائع التي ارتكبتها حماس"، لتنضما إلى حشد من القادة الغربيين الذين تهافتوا على تل أبيب مرددين السردية نفسها.
وفي الوقت الذي كانت فيه فون دير لاين وميتسولا تواسيان نتنياهو وتعدانه بدعم كامل لإسرائيل، كان عدد الشهداء في القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة قد بلغ 1800 شهيد، بينهم 600 طفل، في حين بلغ عدد الشهداء في الضفة 45 شهيدا برصاص الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.
أكدت فون دير لاين -في مداخلتها- أن "هذا الاعتداء هو الأكثر بشاعة ضد اليهود منذ المحرقة" وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، في استدعاء له أبعاده الخطيرة في إطلاق يد إسرائيل على الفلسطينيين، وارتكاب مزيد الجرائم.
وقبل يوم من زيارة الوفد الأوروبي الكبير، يأتي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بدوره إلى تل أبيب مؤيدا ومساندا، ومتحدثا عن "الانضباط الإسرائيلي في الحرب على غزة"، وأن الحملة ستستمر في هذا "الانضباط". لم يطلع أوستن على لائحة شهداء غزة، التي ضمت مئات الأطفال والنساء الذين طالهم هذا "الانضباط" الذي يتحدث عنه.
وجاء موقف أوستن على منوال الرئيس جو بايدن، الذي بنى خطابه المتحيز على سردية مختلقة عن قطع رؤوس الأطفال خلال هجوم المقاومة على ثكنات غلاف غزة، وقد تبين من خلال الإعلام الأميركي نفسه أن تلك الرواية الكاذبة روجها أحد المستوطنين المتطرفين ويدعى ديفيد بن صهيون، وتلقفتها محطة تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ثم سرت بين وسائل الإعلام الغربية من دون تدقيق، حتى وصلت إلى الرئيس بايدن فأثث بها خطابه العاطفي، قبل أن يتراجع البيت الأبيض، وكذلك عدد كبير ممن روجوها.
استحضر الوزير أوستن المصطلح الذي تردد كثيرا على لسان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش خلال حرب العراق سنة 2002 وكان له ما بعده، عندما تحدث أوستن عن "محور الشر" الذي ضم -حسبه- إيران وحزب الله وحماس، مؤكدا أن "حماس تُذكرني بما فعله تنظيم داعش.. عندما واجهنا داعش كان شرا كبيرا، وما نراه من حماس هو شر أكبر بكثير".
لم يتحدث المسؤولون الغربيون عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربية وعدد الشهداء الذي يتزايد مع القصف العشوائي واستعمال الفوسفور الأبيض والحصار والتجويع، إلا في ما ندر، طرحوا فتح ممر إنساني لمن يحمل جنسياتهم، ولا عزاء لأهل غزة ممن هم تحت القصف والتجويع والتعطيش والقتل والحصار المطبق، الذي شبهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحصار لينينغراد من قبل القوات النازية بين عامي 1941 و1943.
وفي هذه الاستدعاءات التاريخية لمصطلحات "محور الشر و"الشر المطلق" والمحرقة"، المبنية على تلفيقات روجها الإعلام الإسرائيلي عن قتل أطفال مزعوم خلال اقتحام غلاف غزة واتضح أنه مفبرك، منح تصريح واضح بالقتل لإسرائيل، وإطلاق يدها في تقتيل الفلسطينيين، وخروج عن الحياد الذي ينبغي أن تكون عليه الدول الكبرى التي سطرت بنفسها مسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي الذي قوضته إسرائيل بالكامل.
البوصلة المعطلة
لم يكن الغرب إلى جانب الفلسطينيين في أي مرحلة من مراحل كفاحهم إلا قليلا، كان الرئيس الفرنسي شارل ديغول في مرحلة ما مختلفا قليلا في مقارباته، وكان رئيس وزرائه ميشيل جوبير موضوعيا ومتوازنا حين عاد إلى جذور الصراع مرة بقوله "هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله" في إشارة غربية نادرة إلى عدالة القضية الفلسطينية.
فرض الغرب منذ فترة الرئيس الأميركي جيمي كارتر (1977-1981) إلى رئاسة بيل كلينتون (1993-2001) مسار سلام متعثر، بدءا باتفاقية كامب ديفيد عام 1979 إلى اتفاقية أوسلو عام 1993 وما تلاها، ولم تلتزم إسرائيل بكل بنود كل الاتفاقيات، واستباحت حتى الأراضي التي أعطيت للفلسطينيين بمقتضى ذلك الاتفاق.
استعملت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) أكثر من 45 مرة منذ عام 1972 لإحباط قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل أو تنتقدها -وغالبا معها بريطانيا- ولم ترض إسرائيل بمبدأ الأرض مقابل السلام ولا السلام مقابل الأرض، وارتكبت أكثر من 100 مجزرة بشعة بحق الفلسطينيين منذ عام 1948، آخرها ما يجري حاليا في غزة.
في كل تلك التصريحات والمواقف، يتنكر الغرب للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والعدل وقيم الحرية وأسس العدالة الدولية وحق محاربة الاستعمار، ويتنكر لكل ما يحارب من أجله في أوكرانيا مثلا، وحارب من أجله في العراق بناء على "كذبة" وفي أفغانستان وغيرها.
لم تكن عملية "طوفان الأقصى" الحرب الأولى، فهي واحدة من 7 حروب اندلعت منذ 2008، مما يشير إلى أنها جزء من صراع مزمن ومستمر يشمل أيضا الضفة الغربية وكل الأراضي المحتلة، كان من الأجدر أن يتحلى المسؤولون الغربيون بمنطق آخر، ينظر إلى عدالة القضية، وأن كل احتلال سيواجه حتما بمقاومة تختلف في أشكالها.
كانت إسرائيل هي التي بدأت المعارك السابقة، ولكن هذه المرة خاضت حركة حماس والمقاومة الفلسطينية معركة هجومية في إطار حرب مستمرة وربحتها، وكانت هزيمة منكرة للجيش الإسرائيلي بشهادة العسكريين والمحللين الإسرائيليين أنفسهم، ولم يحدث قطع رؤوس أطفال أو جرائم حرب كما يتحدث عنها الغربيون، وقد اعتذر البيت الأبيض نفسه في اعتماده على سردية ديفيد بن صهيون وغيرها من الروايات التي ثبت زيفها.
يرجح أن كل هذا الضجيج لتغطية الهزيمة الإسرائيلية، وبفصل عملية "طوفان الأقصى" عن بعدها التاريخي القريب والبعيد وعن سياقها في إطار الصراع العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عقود والاحتلال الإسرائيلي، ستصبح مجرد "عملية اعتداء غير مبررة ولا أخلاقية" كما تلح السردية الأميركية والغربية على توصيفها.
معايير مزدوجة
كل الجرائم ضد المدنيين مدانة، ثم ألم تقتل الولايات المتحدة أكثر من 400 طفل وامرأة في ملجأ العامرية ببغداد عام 1991، ألم تنفذ إسرائيل مجزرة صبرا وشاتيلا البشعة بيدها أو بيد أزلامها عام 1982. ألم تقتل إسرائيل صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة في جنين بدم بارد عام 2022، وقتلت في جنوب لبنان صحفي رويترز عصام عبد الله وجرحت 6 صحفيين آخرين في استهداف مباشر يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ألا يذكر أحد كيف قتل الطفل محمد الدرة، والسجل الأسود للجرائم الإسرائيلية..
لم يلتفت الإعلام الغربي والمسؤولون الغربيون لعشرات المواقف والشهادات والمقاطع المصورة للتعامل الإنساني مع الأسرى والعائلات والأطفال في المستوطنات التي دخلتها المقاومة، ولم تؤثر في نظرتهم. ماذا لو أطلقت حركة حماس والمقاومة سراح الأسرى الغربيين لنزع الذرائع؟ يرجح أن لا شيء سيتغير، لأن الموقف مبني على أحكام وانحياز أعمى.
في نظرة الغرب ومواقفه وتصريحات قادته تكمن ازدواجية شديدة في المعايير، وإغفال صريح لروح القانون الدولي بكل أبعاده، وتمييز صارخ في النظر إلى الشهداء الفلسطينيين سواء كانوا بالعشرات أو المئات أطفالا أو نساء، والمجازر الجماعية الكثيرة بحق الفلسطينيين، وبين القتلى الإسرائيليين الذين يستحقون وحدهم الرثاء الغربي على ما يبدو.
فالتأويل المزدوج لمقتضيات القانون الدولي أو الأعراف أو القواعد الإنسانية يؤكد التفرقة الواضحة في التعامل بين ما تقترفه إسرائيل من جرائم، وما يقوم به الفلسطينيون من دفاع مشروع عن النفس بمقتضى القانون الدولي، وقد أدى كل ذلك إلى تكريس إسرائيل فوق المحاسبة والعقاب.
بمقاييس المصالح ومن منطلق المتغيرات الدولية، من مصلحة الغرب النظر بعمق وحياد إلى طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وخلفياته وتداعياته والتمعن في مدى خطورة تلك النظرة الأحادية على المنطقة وعلى العالم، فلا يمكن الوقوف ضد مقاومة المحتل، ولا يمكن بأي حال القضاء على المقاومة الفلسطينية التي تسكن في عقل وقلب كل فلسطيني، وتمتد إلى الضمير العربي والعالمي.
كان للصين موقف مختلف وموضوعي نظر إلى عمق الصراع وليس إلى سطحه، لكن الصين ما زالت تمارس صبرها الإستراتيجي، واتخذت روسيا موقفا مشابها يسعى إلى أن يحقن الدماء الفلسطينية، وكان من اللافت تشبيه الرئيس فلاديمير بوتين حصار غزة بحصار لينينغراد من قبل ألمانيا النازية عام 1943.
وليس بوتين المارشال بولغانين الذي وجه إنذاره الشهير لوقف العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على مصر عام 1956 قائلا "إن هناك دولة الآن لا يلزمها إرسال أسطول أو قوة جوية.. ولكن يمكنها استخدام وسائل أخرى مثل الصواريخ.."، تغير الزمن، ولم تعد روسيا هي الاتحاد السوفياتي، وتبقى سردية الذي تشير بوصلته دائما إلى إسرائيل هي الغالبة على حساب الدم الفلسطيني.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
استشهاد شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلية شمال الضفة الغربية
المناطق_واس
استشهد شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي اليوم، في مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
أخبار قد تهمك مصر تدين حادث الدهس في مدينة ماجديبورج الألمانية 21 ديسمبر 2024 - 7:02 مساءً معرض جدة للكتاب 2024.. مزج الأنميشن بالثقافة المحلية في ورشة إبداعية 21 ديسمبر 2024 - 7:01 مساءً
وأفادت مصادر طبية فلسطينية في مستشفى جنين الحكومي، بأن الشاب الفلسطيني استشهد برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلية، عندما اقتحمت تلك القوات لبلدة فقوعة قضاء بمدينة جنين.
وفي سياق متصل، اعتدى عشرات المستوطنين على بلدة سوسية بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
كما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ثمانية فلسطينيين في بلدة برقة بمدينة نابلس، من بينهم جريح، وثلاثة فلسطينيين من مدينة بيت لحم.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 21 ديسمبر 2024 - 7:02 مساءً شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد21 ديسمبر 2024 - 6:50 مساءًحرس الحدود بمنطقة جازان يقبض على 6 مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم 120 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر أبرز المواد21 ديسمبر 2024 - 6:47 مساءًحرس الحدود بمنطقة جازان يقبض على 4 مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم 144 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر أبرز المواد21 ديسمبر 2024 - 6:44 مساءًحرس الحدود بمنطقة عسير يحبط تهريب 100 كيلوجرام من نبات القات المخدر أبرز المواد21 ديسمبر 2024 - 6:35 مساءًالقوات الخاصة للأمن والحماية تستعرض تجهيزاتها الأمنية في مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل بالصياهد أبرز المواد21 ديسمبر 2024 - 6:08 مساءًأمسية شعرية تأسر القلوب وتُحيي جماليات الشعر العربي في معرض جدة للكتاب 202421 ديسمبر 2024 - 6:50 مساءًحرس الحدود بمنطقة جازان يقبض على 6 مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم 120 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر21 ديسمبر 2024 - 6:47 مساءًحرس الحدود بمنطقة جازان يقبض على 4 مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم 144 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر21 ديسمبر 2024 - 6:44 مساءًحرس الحدود بمنطقة عسير يحبط تهريب 100 كيلوجرام من نبات القات المخدر21 ديسمبر 2024 - 6:35 مساءًالقوات الخاصة للأمن والحماية تستعرض تجهيزاتها الأمنية في مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل بالصياهد21 ديسمبر 2024 - 6:08 مساءًأمسية شعرية تأسر القلوب وتُحيي جماليات الشعر العربي في معرض جدة للكتاب 2024 معرض جدة للكتاب 2024.. مزج الأنميشن بالثقافة المحلية في ورشة إبداعية معرض جدة للكتاب 2024.. مزج الأنميشن بالثقافة المحلية في ورشة إبداعية مصر تدين حادث الدهس في مدينة ماجديبورج الألمانية مصر تدين حادث الدهس في مدينة ماجديبورج الألمانية تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2024 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن