جاء الاتحاد الأوروبي برئيسة مفوضيته أورسولا فون دير لاين ورئيسة البرلمان روبرتا ميتسولا إلى تل أبيب لمواساة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتأكيد "وقوف أوروبا إلى جانب إسرائيل "في مواجهة الفظائع التي ارتكبتها حماس"، لتنضما إلى حشد من القادة الغربيين الذين تهافتوا على تل أبيب مرددين السردية نفسها.

وفي الوقت الذي كانت فيه فون دير لاين وميتسولا تواسيان نتنياهو وتعدانه بدعم كامل لإسرائيل، كان عدد الشهداء في القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة قد بلغ 1800 شهيد، بينهم 600 طفل، في حين بلغ عدد الشهداء في الضفة 45 شهيدا برصاص الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.

أكدت فون دير لاين -في مداخلتها- أن "هذا الاعتداء هو الأكثر بشاعة ضد اليهود منذ المحرقة" وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، في استدعاء له أبعاده الخطيرة في إطلاق يد إسرائيل على الفلسطينيين، وارتكاب مزيد الجرائم.

وقبل يوم من زيارة الوفد الأوروبي الكبير، يأتي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بدوره إلى تل أبيب مؤيدا ومساندا، ومتحدثا عن "الانضباط الإسرائيلي في الحرب على غزة"، وأن الحملة ستستمر في هذا "الانضباط". لم يطلع أوستن على لائحة شهداء غزة، التي ضمت مئات الأطفال والنساء الذين طالهم هذا "الانضباط" الذي يتحدث عنه.

وجاء موقف أوستن على منوال الرئيس جو بايدن، الذي بنى خطابه المتحيز على سردية مختلقة عن قطع رؤوس الأطفال خلال هجوم المقاومة على ثكنات غلاف غزة، وقد تبين من خلال الإعلام الأميركي نفسه أن تلك الرواية الكاذبة روجها أحد المستوطنين المتطرفين ويدعى ديفيد بن صهيون، وتلقفتها محطة تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ثم سرت بين وسائل الإعلام الغربية من دون تدقيق، حتى وصلت إلى الرئيس بايدن فأثث بها خطابه العاطفي، قبل أن يتراجع البيت الأبيض، وكذلك عدد كبير ممن روجوها.

استحضر الوزير أوستن المصطلح الذي تردد كثيرا على لسان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش خلال حرب العراق سنة 2002 وكان له ما بعده، عندما تحدث أوستن عن "محور الشر" الذي ضم -حسبه- إيران وحزب الله وحماس، مؤكدا أن "حماس تُذكرني بما فعله تنظيم داعش.. عندما واجهنا داعش كان شرا كبيرا، وما نراه من حماس هو شر أكبر بكثير".

لم يتحدث المسؤولون الغربيون عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربية وعدد الشهداء الذي يتزايد مع القصف العشوائي واستعمال الفوسفور الأبيض والحصار والتجويع، إلا في ما ندر، طرحوا فتح ممر إنساني لمن يحمل جنسياتهم، ولا عزاء لأهل غزة ممن هم تحت القصف والتجويع والتعطيش والقتل والحصار المطبق، الذي شبهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحصار لينينغراد من قبل القوات النازية بين عامي 1941 و1943.

وفي هذه الاستدعاءات التاريخية لمصطلحات "محور الشر و"الشر المطلق" والمحرقة"، المبنية على تلفيقات روجها الإعلام الإسرائيلي عن قتل أطفال مزعوم خلال اقتحام غلاف غزة واتضح أنه مفبرك، منح تصريح واضح بالقتل لإسرائيل، وإطلاق يدها في تقتيل الفلسطينيين، وخروج عن الحياد الذي ينبغي أن تكون عليه الدول الكبرى التي سطرت بنفسها مسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي الذي قوضته إسرائيل بالكامل.


البوصلة المعطلة

لم يكن الغرب إلى جانب الفلسطينيين في أي مرحلة من مراحل كفاحهم إلا قليلا، كان الرئيس الفرنسي شارل ديغول في مرحلة ما مختلفا قليلا في مقارباته، وكان رئيس وزرائه ميشيل جوبير موضوعيا ومتوازنا حين عاد إلى جذور الصراع مرة بقوله "هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله" في إشارة غربية نادرة إلى عدالة القضية الفلسطينية.

فرض الغرب منذ فترة الرئيس الأميركي جيمي كارتر (1977-1981) إلى رئاسة بيل كلينتون (1993-2001) مسار سلام متعثر، بدءا باتفاقية كامب ديفيد عام 1979 إلى اتفاقية أوسلو عام 1993 وما تلاها، ولم تلتزم إسرائيل بكل بنود كل الاتفاقيات، واستباحت حتى الأراضي التي أعطيت للفلسطينيين بمقتضى ذلك الاتفاق.

استعملت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) أكثر من 45 مرة منذ عام 1972 لإحباط قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل أو تنتقدها -وغالبا معها بريطانيا- ولم ترض إسرائيل بمبدأ الأرض مقابل السلام ولا السلام مقابل الأرض، وارتكبت أكثر من 100 مجزرة بشعة بحق الفلسطينيين منذ عام 1948، آخرها ما يجري حاليا في غزة.

في كل تلك التصريحات والمواقف، يتنكر الغرب للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والعدل وقيم الحرية وأسس العدالة الدولية وحق محاربة الاستعمار، ويتنكر لكل ما يحارب من أجله في أوكرانيا مثلا، وحارب من أجله في العراق بناء على "كذبة" وفي أفغانستان وغيرها.

لم تكن عملية "طوفان الأقصى" الحرب الأولى، فهي واحدة من 7 حروب اندلعت منذ 2008، مما يشير إلى أنها جزء من صراع مزمن ومستمر يشمل أيضا الضفة الغربية وكل الأراضي المحتلة، كان من الأجدر أن يتحلى المسؤولون الغربيون بمنطق آخر، ينظر إلى عدالة القضية، وأن كل احتلال سيواجه حتما بمقاومة تختلف في أشكالها.

كانت إسرائيل هي التي بدأت المعارك السابقة، ولكن هذه المرة خاضت حركة حماس والمقاومة الفلسطينية معركة هجومية في إطار حرب مستمرة وربحتها، وكانت هزيمة منكرة للجيش الإسرائيلي بشهادة العسكريين والمحللين الإسرائيليين أنفسهم، ولم يحدث قطع رؤوس أطفال أو جرائم حرب كما يتحدث عنها الغربيون، وقد اعتذر البيت الأبيض نفسه في اعتماده على سردية ديفيد بن صهيون وغيرها من الروايات التي ثبت زيفها.

يرجح أن كل هذا الضجيج لتغطية الهزيمة الإسرائيلية، وبفصل عملية "طوفان الأقصى" عن بعدها التاريخي القريب والبعيد وعن سياقها في إطار الصراع العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عقود والاحتلال الإسرائيلي، ستصبح مجرد "عملية اعتداء غير مبررة ولا أخلاقية" كما تلح السردية الأميركية والغربية على توصيفها.


معايير مزدوجة

كل الجرائم ضد المدنيين مدانة، ثم ألم تقتل الولايات المتحدة أكثر من 400 طفل وامرأة في ملجأ العامرية ببغداد عام 1991، ألم تنفذ إسرائيل مجزرة صبرا وشاتيلا البشعة بيدها أو بيد أزلامها عام 1982. ألم تقتل إسرائيل صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة في جنين بدم بارد عام 2022، وقتلت في جنوب لبنان صحفي رويترز عصام عبد الله وجرحت 6 صحفيين آخرين في استهداف مباشر يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ألا يذكر أحد كيف قتل الطفل محمد الدرة، والسجل الأسود للجرائم الإسرائيلية..

لم يلتفت الإعلام الغربي والمسؤولون الغربيون لعشرات المواقف والشهادات والمقاطع المصورة للتعامل الإنساني مع الأسرى والعائلات والأطفال في المستوطنات التي دخلتها المقاومة، ولم تؤثر في نظرتهم. ماذا لو أطلقت حركة حماس والمقاومة سراح الأسرى الغربيين لنزع الذرائع؟ يرجح أن لا شيء سيتغير، لأن الموقف مبني على أحكام وانحياز أعمى.

في نظرة الغرب ومواقفه وتصريحات قادته تكمن ازدواجية شديدة في المعايير، وإغفال صريح لروح القانون الدولي بكل أبعاده، وتمييز صارخ في النظر إلى الشهداء الفلسطينيين سواء كانوا بالعشرات أو المئات أطفالا أو نساء، والمجازر الجماعية الكثيرة بحق الفلسطينيين، وبين القتلى الإسرائيليين الذين يستحقون وحدهم الرثاء الغربي على ما يبدو.

فالتأويل المزدوج لمقتضيات القانون الدولي أو الأعراف أو القواعد الإنسانية يؤكد التفرقة الواضحة في التعامل بين ما تقترفه إسرائيل من جرائم، وما يقوم به الفلسطينيون من دفاع مشروع عن النفس بمقتضى القانون الدولي، وقد أدى كل ذلك إلى تكريس إسرائيل فوق المحاسبة والعقاب.

بمقاييس المصالح ومن منطلق المتغيرات الدولية، من مصلحة الغرب النظر بعمق وحياد إلى طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وخلفياته وتداعياته والتمعن في مدى خطورة تلك النظرة الأحادية على المنطقة وعلى العالم، فلا يمكن الوقوف ضد مقاومة المحتل، ولا يمكن بأي حال القضاء على المقاومة الفلسطينية التي تسكن في عقل وقلب كل فلسطيني، وتمتد إلى الضمير العربي والعالمي.

كان للصين موقف مختلف وموضوعي نظر إلى عمق الصراع وليس إلى سطحه، لكن الصين ما زالت تمارس صبرها الإستراتيجي، واتخذت روسيا موقفا مشابها يسعى إلى أن يحقن الدماء الفلسطينية، وكان من اللافت تشبيه الرئيس فلاديمير بوتين حصار غزة بحصار لينينغراد من قبل ألمانيا النازية عام 1943.

وليس بوتين المارشال بولغانين الذي وجه إنذاره الشهير لوقف العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على مصر عام 1956 قائلا "إن هناك دولة الآن لا يلزمها إرسال أسطول أو قوة جوية.. ولكن يمكنها استخدام وسائل أخرى مثل الصواريخ.."، تغير الزمن، ولم تعد روسيا هي الاتحاد السوفياتي، وتبقى سردية الذي تشير بوصلته دائما إلى إسرائيل هي الغالبة على حساب الدم الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي يفرج عن الدفعة الأولى من الأسرى الفلسطينيين

يمن مونيتور/قسم الأخبار

أفرجت السلطات الإسرائيلية، ليلة الأحد/الإثنين، عن عشرات الأسرى الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال، من سجن عوفر غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل بوساطة دولية وإقليمية.

وشوهدت حافلات تحمل شارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ترافقها مركبات تابعة للجنة، تغادر السجن حاملة الأسرى الفلسطينيين إلى مناطقهم.

وفي الوقت نفسه، أفرجت إسرائيل عن عدد من الأسرى المقدسيين مباشرة إلى منازلهم في مدينة القدس، حيث أكدت مؤسسات حقوقية فلسطينية نشر أسماء 90 أسيرا، بينهم 20 طفلا وفتى، ممن شملتهم المرحلة الأولى من الاتفاق.

وفي محيط السجن من جهة بيتونيا (بلدة فلسطينية تقع بين القدس ورام الله)، أعلن الجيش الإسرائيلي المنطقة القريبة من السجن منطقة عسكرية مغلقة ومنع تجمع ذوي الأسرى.

واحتشد عشرات من ذوي الأسرى المفرج عنهم قرب السجن، انتظارا لذويهم المحررين، وتعرضوا لإطلاق قنابل غازية من الجيش الإسرائيلي.

وعلى الرغم من المضايقات الإسرائيلية، إلا أن المئات من الفلسطينيين احتفلوا وسط بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله بإطلاق الألعاب النارية ابتهاجاً بتحرير الأسرى.

وحيّت حشود متحمسة، بصيحات الفرح والغناء، الأسرى المحررين، عند مرور حافلتين أقلتاهم من سجن عوفر في الضفة الغربية المحتلة.

وتحتجز إسرائيل أكثر من 10 آلاف و400 أسير فلسطيني في سجونها، وتقدر حاليا وجود نحو 96 أسيرا إسرائيليا في غزة، أعلنت حماس مقتل عشرات منهم في غارات إسرائيلية عشوائية.

وبدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل صباح الأحد، ويستمر في مرحلته الأولى لمدة 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة.

ومن المقرر أن تطلق حماس في المرحلة الأولى سراح 33 أسيرا وأسيرة إسرائيليين، مقابل أسرى فلسطينيين يتوقف عددهم على صفة كل أسير إسرائيلي إن كان عسكريا أم “مدنيا”.

وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

 

 

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية تعرب عن إدانة واستنكار المملكة بأشد العبارات الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة
  • الخارجية تعرب عن إدانة واستنكار المملكة بأشد العبارات الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية
  • مصر والأردن يشددان على ضرورة إنهاء العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
  • أرقام صادمة لعدد الحواجز والبوابات التي تحاصر الفلسطينيين في الضفة
  • أرقام صادمة لعدد الحواجر والبوابات التي تحاصر الفلسطينيين في الضفة
  • الرئيس السيسي يشاهد فيلما عن جهود «الداخلية» في مواجهة الجرائم الإلكترونية
  • صحيفة عبرية: ابن سلمان قال إن الفلسطينيين أغبياء حاربوا إسرائيل
  • إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة  الإسرائيلية على غزة .. تقرير
  • متحدث حركة فتح: حكومة الاحتلال الإسرائيلي تشجع المستوطنين على ارتكاب الجرائم
  • الاحتلال الإسرائيلي يفرج عن الدفعة الأولى من الأسرى الفلسطينيين