بيروت- شيّعت بلدة الخيام جنوب لبنان في جنازة مهيبة الصحفي المصور اللبناني عصام عبد الله، الذي استشهد مساء الجمعة، وجرح 5 صحفيين آخرين، بينهم مراسلة ومصور قناة الجزيرة، جراء قصف إسرائيلي مباشر، استهدف تجمعا للصحفيين في بلدة علما الشعب الحدودية بين لبنان وإسرائيل.

ووسط أجواء من الحزن والصدمة والغضب الشديد، حمل ذوو عبد الله وزملاؤه جثمانه على الأكف ولفوه بالعلم اللبناني، متسائلين عن موقف المجتمع الدولي من جرائم إسرائيل؟!

كان المصور عصام (37 عاما) يعمل مع وكالة رويترز منذ نحو 15 عاما، واستشهد جراء إطلاق الاحتلال الإسرائيلي قذيفة صاروخية أصابت سيارة فريق قناة الجزيرة بشكل مباشر، حيث كان يتمركز رفقة صحفيين من رويترز وقناة الجزيرة ووكالة الصحافة الفرنسية.

كما أصابت الضربة زميلا له بالوكالة، وأصيبت مراسلة قناة الجزيرة كارمن جوخدار وزميلها المصور إيلي برخيا، وأصيبت من وكالة الصحافة الفرنسية صحفية -ترقد حاليا في العناية المركزة- ومصور.

ونعى عصام المئات من زملائه وأصدقائه، وهو المتميز بشبكة علاقات واسعة في محيطه، كما أنه معروف بابتسامة لا تفارق وجهه، واشتهر بتعدد هواياته وشغفه الكبير بحمل عدسته، التي وثق بها عددا من القصص في لبنان، وأحداثا أخرى كحرب أوكرانيا وزلزال تركيا.

عصام عبد الله وثّق بعدسته أحداثا كثيرة منها زلزال تركيا (رويترز) بيان غير مكتمل

اعتبر كثير من الصحفيين والحقوقيين أن البيان الذي أصدرته وكالة رويترز عقب استشهاد عصام، واكتفت فيه بقول إنه قُتل أثناء عمله جنوب لبنان، يأتي استكمالاً لنهج تفادي بعض وسائل الإعلام الأجنبية توجيه اتهام مباشر لإسرائيل، ولو على محمل الاشتباه.

كما تساءل كثيرون عن سبب عدم المطالبة الصريحة لدى كبرى وسائل الإعلام العالمية، بمحاسبة وملاحقة من تسبب بهذه الجريمة، التي جسّدت فيها إسرائيل الاعتداء على الصحافة، كأداة منها لتضليل الرأي العام عما ترتكبه من جرائم مروعة، تبلغ ذروتها في قطاع غزة، وعليه، تقدم السجال لدى حقوقيين وصحفيين حول إشكالية الحياد ومقاربة معظم الوسائل الإعلامية الأجنبية لجرائم إسرائيل.

ولعل ما يضاعف القلق من جريمة إسرائيل بحق الصحفيين، أنها وقعت في سياق عدم شنها حربا مباشرة على لبنان، واقتصارها على تبادل القذائف والصواريخ مع حزب الله اللبناني ضمن مساحات معروفة.

يقول نقيب المصورين في لبنان علي علوش للجزيرة نت، إنه على الرغم من مرور ساعات على جريمة إسرائيل بحق الصحفيين، "لم نلحظ أثر وجود المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام العالمية لإدانة وملاحقة إسرائيل على عملها الاجرامي".

وكان علوش قد التقى عصام قبل ساعات قليلة من استشهاده، "كان على أهبة الاستعداد والحماس لتغطية الأحداث، وكان يمزح ويضحك ويلتقط صورا مع زملائه بالخوذة والدرع، رغم حساسية وصعوبة المهمة، إلى أن غدرت إسرائيل بالصحفيين بقذيفة صاروخية".

ويؤكد علوش أن ثمة مساعي على أعلى مستوى لتقديم مذكرة احتجاج ضد إسرائيل لدى الأمم المتحدة، "رغم خيبتنا التاريخية من هذا المسار بعد الجرائم التي سبق أن ارتكبتها مباشرة بحق الصحفيين".

وأضاف "من يعاين مسرح الجريمة يدرك أن إسرائيل تعمدت استهداف الصحفيين، وليس عن طريق الخطأ"، ووجّه دعوة لمختلف وسائل الإعلام أن "تكون سلامة الصحفيين والمصورين أولوية عليا في وجه عدو لا يستثني أحدا من إجرامه".


شهادة مراسلي الجزيرة

يستكمل الزميلان كارمن جوخدار وإيلي برخيا علاجهما من الشظايا التي أصابت أنحاء مختلفة من جسدهما داخل أحد المستشفيات الجامعية في بيروت، وإلى جانبهما الأهل والأصدقاء الذين فجعوا بإصابتهما، ويمتنون نجاتهما بعد سقوط قذيفة صاروخية على سيارة الجزيرة.

وفي لقاء مع الجزيرة نت داخل المستشفى، تخبرنا كارمن جوخدار بشهادتها عن القصف الإسرائيلي الذي استهدفهم قبيل وقت قصير من استعدادها لنقل رسالة مباشرة على الهواء.

فقبل التوجه إلى علما الشعب، بدأ برخيا وكارمن جوخدار نهارهما في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، بغية تغطية مظاهرة داعمة لغزة، وبعد الانتقال إلى الناقورة، توجها عصرا إلى بلدة علما الشعب، حيث صور برخيا عمليات القصف في بث مباشر.

تقول كارمن "في البث المباشر الثاني، وقرابة الساعة الخامسة والربع، صورنا مروحية أباتشي إسرائيلية في أجواء البلدة، لاحقا، ومن دون أي قصف تحذيري، سقط أول صاروخ، وبعد ثوان سقط صاروخ ثان مباشرة على سيارة الجزيرة".

وبصوت ممتلئ بالحزن على إصابة زملائها واستشهاد عصام، تتابع جوخدار "هرعت سريعا بالاتجاه المعاكس لسيارتنا التي كانت تحترق، وسمعت صراخ زميلتي، ثم سقطت أرضا جراء الإصابة بالشظايا، إلى أن توالت أصوات الاستغاثة من الزملاء المصابين والمضرجين بالدماء".

تذكّر جوخدار بأن إسرائيل سبق أن حاولت استهداف الفرق الصحفية، وتحديدا الجزيرة، حين سقط خلفهم قبل أيام صاروخ في منطقة مروحين.

"الجزيرة مستهدفة لأنها تنقل الواقع والأحداث بوضوح على الهواء، مع العلم أننا نأخذ كامل الاحتياطيات ونلتزم بالمعايير العالمية لحماية الصحفيين في أماكن النزاع، ولكن يبدو أن كلمتها قاسية على الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى أساسا لإقفال مكتبنا في فلسطين، والآن يسعى لإسكاتنا وترهيبنا، لكننا سنواصل نقل الحقيقة"، تضيف جوخدار.

وكانت شبكة الجزيرة قد أصدرت بيانا أدان الاعتداء الإسرائيلي الجديد على الصحافة، والذي استهدف فريق عملها ووسائل إعلام دولية، وحمّلت الجزيرة إسرائيل المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة عن هذا الاعتداء، وطالبت المجتمع الدولي "بالتحرك لضمان سلامة الصحفيين، ومحاسبة كل من يقف وراء هذا العمل الإجرامي الذي لن ينجح في إرهاب طواقمها".

نسوة يجلسن حول جثمان الصحفي عصام عبد الله قبل تشييعه لمثواه الأخير (رويترز) مواقف وبيانات

تعتزم وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، متعلقة بقتل إسرائيل المتعمد للصحفي عصام عبد الله وإصابة صحفيين آخرين بجروح، وتتضمن شرحا للاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في الأسبوع الأخير، وما سببته من إصابات في الأرواح والممتلكات، وخرق مستمر لسيادة لبنان، ولقرار مجلس الأمن الدولي 1701.

وأصدر الجيش اللبناني بيانا قال فيه إن "العدو الإسرائيلي أطلق قذيفة صاروخية أصابت سيارة مدنية تابعة لفريق عمل إعلامي، ما أدّى إلى استشهاد المصور عصام عبد الله وإصابة 5 آخرين".

وأدانت العلاقات الإعلامية في حزب الله ما أسمته "الانحياز الأعمى والتجاهل المقصود، من قبل الأمين ‏العام للأمم المتحدة وقوات اليونيفيل والناطق الرسمي باسم البيت الأبيض ووكالة رويترز ووسائل الإعلام العالمية، الذين امتنعوا عمدا عن ‏تسمية اسم الجهة التي قتلت الصحفي عصام عبد الله وجرحت عددا آخر ‏من الصحفيين".

وكان بيان قوات اليونيفيل قد أثار موجة استنكار أخرى باعتباره لا يحمّل إسرائيل المسؤولية المباشرة لاستهداف الصحفيين.

وجاء في البيان "نعلم أن إسرائيل ضربت موقعا يبعد حوالي 2.5 كيلومتر عن البلدة عند الساعة 5:20 مساء تقريبا، وسمع جنود حفظ السلام إطلاق نار وانفجارات بعد ذلك، وبناء على ما تمكنت اليونيفيل من ملاحظته، لا يمكننا القول على وجه اليقين كيف أصيبت مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يغطون الأحداث".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عصام عبد الله بحق الصحفیین

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تقصف جنوب لبنان وتطلب تأجيل الانسحاب من 5 مواقع

قال الجيش الإسرائيلي إنه دمر مخازن احتوت على وسائل قتالية ومنصات إطلاق صواريخ في جنوب لبنان، بزعم أنها كانت موجهة نحو الأراضي الإسرائيلية، فيما نقلت صحيفة هآرتس عن مصادر أن إسرائيل طلبت تأجيل انسحاب الجيش من 5 مواقع في جنوب لبنان.

وأضاف الجيش الإسرائيلي أنه صادر كذلك جميع الوسائل القتالية ودمر جميع البنى التحتية في المناطق المستهدَفة جنوب لبنان.

في غضون ذلك، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، أن بيروت تتابع الاتصالات لإلزام إسرائيل بالانسحاب من جنوب بلاده في 18 فبراير/شباط الجاري.

والتقى عون، في قصر بعبدا بالعاصمة بيروت، نقيب الصحافة عوني الكعكي على رأس وفد من النقابة هنأه بانتخابه رئيسا للجمهورية في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، وفق وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.

وقال عون، خلال اللقاء، إن "لبنان يتابع الاتصالات لإلزام إسرائيل بالانسحاب في الموعد المحدد". وأضاف أن لبنان يتواصل مع "الدول المؤثرة، لا سيما الولايات المتحدة وفرنسا للوصول إلى الحل المناسب"، دون تفاصيل.

يأتي ذلك فيما نفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية، في بيان مساء الأربعاء، صحة تقارير تحدثت عن اتفاق بين لبنان وإسرائيل على تمديد وقف إطلاق النار لما بعد عيد الفطر.

إعلان

وأشار البيان إلى أن "الرئيس عون أكد مرارا إصرار لبنان على الانسحاب الكامل للعدو الإسرائيلي ضمن المهلة المحددة في 18 فبراير/شباط الجاري.

من جهتها، نقلت صحيفة هآرتس عن مصادر أن إسرائيل طلبت تأجيل انسحاب الجيش من 5 مواقع في جنوب لبنان، تقع على مقربة من منطقة إصبع الجليل. وقالت المصادر إن الولايات المتحدة لم تقرر بعد الموافقة على طلب إسرائيل بشأن جنوب لبنان.

ومنذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يسود اتفاق لوقف إطلاق النار أنهى قصفا بين إسرائيل وحزب الله، بدأ في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول الماضي.

وكان من المفترض أن يستكمل الجيش الإسرائيلي انسحابه من المناطق التي احتلها في جنوب لبنان بحلول فجر 26 يناير/كانون الثاني الماضي، وفق مهلة محددة في الاتفاق بـ60 يوما، إلا أن تل أبيب لم تلتزم بالموعد، وأعلنت واشنطن لاحقا تمديد المهلة باتفاق إسرائيلي لبناني حتى 18 فبراير/شباط الجاري.

ومع اقتراب الموعد الجديد، عاد الجيش الإسرائيلي إلى التنصل من الاتفاق، معلنا في بيان الأربعاء "تمديد فترة تطبيق الاتفاق". ولم يحدد الجيش موعدا جديدا، لكن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية ذكرت أن إسرائيل طلبت من اللجنة الدولية لمراقبة الاتفاق تمديد مهلة الانسحاب حتى 28 فبراير/شباط، وهو ما رفضته بيروت.

وتتألف لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق من لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل".

ومنذ سريان الاتفاق، ارتكبت إسرائيل ما لا يقل عن 923 خرقا له في لبنان؛ ما أسفر عن 73 قتيلا و265 جريحا، استنادا إلى بيانات رسمية لبنانية.

وإجمالا، خلّف العدوان الإسرائيلي على لبنان 4104 قتلى و16 ألفا و890 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.

إعلان

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في لبنان وفلسطين وسوريا، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

مقالات مشابهة

  • من إسرائيل... هذا ما قِيلَ عن الإنسحاب من جنوب لبنان
  • الجزيرة نت تكشف تفاصيل أزمة الطائرات الإيرانية في لبنان
  • إسرائيل تتجه نحو الانسحاب من جنوب لبنان .. تفاصيل
  • إسرائيل تخرق وقف إطلاق النار وتعلن اغتيال قيادي بارز في حزب الله جنوب لبنان
  • ممّا تخاف إسرائيل في لبنان؟ صحيفة تتحدّث!
  • إسرائيل ترد على المقترح الفرنسي بشأن الانسحاب من جنوب لبنان
  • غارات على جنوب لبنان وخطة فرنسية لتسريع انسحاب إسرائيل
  • إسرائيل تماطل في خروجها من جنوب لبنان.. ومقترح جديد من فرنسا
  • إسرائيل تقصف بلدتين في جنوب لبنان
  • إسرائيل تقصف جنوب لبنان وتطلب تأجيل الانسحاب من 5 مواقع