تراكم الديون يثقل كاهل الكثير من بلدان القارة السمراء، مشكلة مستمرة منذ عقود لا آفق لحلها

تراكمت أعباء الديون على الدول النامية خاصة في القارة السمراء جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وتفاقمت ظاهرة تغير المناخ فيما حذر مراقبون من أن مستويات الديون وصلت إلى معدلات تعيق بقاء اقتصاد الدول الأفريقية على قيد الحياة.

وقد أفادت الأمم المتحدة بأن 3.3 مليار شخص يعيشون في بلدان تدفع فوائدا عن الديون أكثر مما تنفق على التعليم أو الصحة.

ويؤدي ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة إلى مستويات عالية لاستنزاف  خزائن الدول النامية، فيما يتفاقم الوضع مع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ودول أخرى وهو الأمر الذي ينجم عنه زيادة في تكاليف الاقتراض للحكومات جراء ارتفاع الفوائد على الديون المقومة بالدولار.كما تتزايد أعباء الديون على كاهل الدول النامية جراء التباطؤ في الصين التي تعد بمثابة البنك المفضل للدول النامية. وخلال السنوات القليلة الماضية، تخلفت نحو 10 دول بما في ذلك زامبيا وسريلانكا عن سداد الديون، فيما تواجه أكثر من 50 دولة أخرى مثل باكستان ومصر صعوبات في السداد.

مختارات خبراء يحذرون من الأسوأ.. الإفلاس يهدد دولا فقيرة إحداها عربية! غوتيريش: الدول الغنية تخنق الدول الفقيرة بمعدلات فائدة "جشعة" أزمة ديون عالمية و"دوامة هبوط مدمرة" .. تحذير من سيناريو كارثي الأزمة الاقتصادية.. هل تربك حسابات مشروعات مصر العملاقة؟

وفي مقابلة مع DW، قال أكيم شتاينر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن العديد من الدول النامية "ترى أن أزمة الديون تتسبب في عدم إنفاق الأموال على استثمارات قد تحدث تغييرا جذريا في حياة وتقدم الشعوب التي تمثل ثروة الأمم الحقيقية". وتأتي عملية تباطؤ تخفيف الديون على  الدول النامية  في وقت يواجه فيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس للدائنين تزايد قوة الدائنين الجدد مثل الصين والهند والدول الخليجية.

تعد أزمة الديون الكارثية التي تثقل كاهل البلدان النامية من بين القضايا الرئيسية التي يناقشها المشاركون في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي انطلقت في مراكش في التاسع من الشهر الجاري وحتى الخامس عشر من الشهر ذاته.

وفي مقابلة مع DW، قال كليمنس لاندرز، زميل وباحث في مركز التنمية العالمية، إن اللحظة الراهنة "محبطة للغاية لأن طريق تخفيف الديون من الناحية النظرية والفنية والسياسية  واضحة، لكن من الناحية الواقعية فإن الأمر ينطوي على مشكلة جيوسياسية تُصعب طرق تخفيف الديون".

صعود الصين؟

الجدير بالذكر أن الدول الغنية داخل  نادي باريس  كانت تقود في السابق جهود  تخفيف أعباء الديون، لكن صعود الصين أدى إلى تعقيد هذه الجهود. وقدمت الصين قروضا تزيد قيمتها على تريليون دولار لمشاريع البنية التحتية الضخمة ضمن تنفيذ "مبادرة الحزام والطريق"، لكنها كانت قروضا بأسعار فائدة مرتفعة وبشروط تتسم بالغموض فيما باتت الدول الأكثر مديونية متعثرة.

ومتحدثا إلى DW، أوضح براد باركس، المدير التنفيذي في مختبر "أيداداتا" للأبحاث في "كلية ويليام وماري" الأمريكية، أنه خلال عام  2010، ارتفعت نسبة القروض الصينية في محفظة الاقراض الخارجي للبلدان التي تعاني ضائقة ديون من 5 بالمئة إلى 60 بالمائة في الوقت الراهن".

ويقول مراقبون إن الصين تجنبت في بادئ الأمر الانخراط في الجهود المتعددة الأطراف الرامية إلى تخفيف عبء الديون على الدول النامية حيث استعاضت عن ذلك بتكثيف تقديم قروض الإنقاذ الطارئة أو تعليق سداد الديون بشكل مؤقت وفي إطار ثنائي بينها وبين الدول المتعثرة.

وقال باركس "تدرك بكين الآن أن بعض المقترضين ضمن مبادرة الحزام والطريق باتوا عاجزين عن سداد الديون، ما يعني أن توفير السيولة على المدى القصير وحده لن يحل المشكلة".

وأضاف "إذا قامت دولة بمفردها وعمدت إلى إنقاذ دولة تعاني من صعوبات مالية دون دفعها إلى إجراء  إصلاحات اقتصادية  أو دون الخروج بإعادة  جدولة للديون بالتنسيق مع جميع الدائنين الرئيسيين، فإن هذه الأمر يعني تأجيل التعامل مع المشكلة أو ترك التعامل مع أزمة السيولة للأخرين".

ويقول خبراء إن الصين تضفي سرية تامة على الديون التي تقدمها إلى الدول النامية وهو ما يعيق جهود  تخفيف أعباء الديون  فضلا عن تردد الدائنين الآخرين غير الصين في المشاركة بمحادثات تخفيف أعباء الديون حيث يشترطون الكشف عن كافة شروط وأحكام القروض الصينية خشية أن يصب ذلك في صالح الدائنين الصينيين.

وقال باركس "إذا أصرت الصين على أنه يجب ان تكون الأولوية لسداد ديونها ثم يأتي   الدائنون الآخرون  في المرحلة التالية، فمن المرجح أن يسفر ذلك عن جمود يستمر سنوات".

مظاهرات في أوغندا لدفع الدول الدائنة إلى تخفيف أعباء الديون، هل تغير هذه المظاهرات مواقف الدول الدائنة؟

الدور الأمريكي؟

رفضت الصين مزاعم أنها تعرقل جهود تخفيف عبء الديون على الدول النامية حيث قالت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية إن "هذه الاتهامات نابعة من سوء نية وهي محض هراء. إجمالي مدفوعات خدمة الديون التي قامت بتعليقها الصين هي الأكبر بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين."

وتصر الصين على أنه في حالة قيامها بخفض القروض، فيتعين على المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي - حيث تعد الولايات المتحدة أكبر مساهم - الإقدام على شطب جزء من قروضها.

ولم يتخذ   صندوق النقد الدولي  والبنك الدولي تقليديا خطوات ترمي إلى تخفيف أعباء الديون بسبب القول بأن هذا الأمر سوف يضر بسمعة ومكانة المؤسستين كدائن مفضل ويعيق تقديم القروض إلى البلدان المتعثرة بأسعار فائدة ميسرة.

وقال لاندرز إن "تحول الصين إلى دائن رسمي بهذا الحجم يعد بالأمر الجديد على القيادة الصينية، وهذا دور جديد تلعبه الصين في العالم، لكن الإشكالية تتمثل في كيفية دفع بكين إلى الانخراط في الإطار المتعدد الأطراف الذي توافق عليه النظام العالمي".

ويقترح لاندرز إنشاء كيان على غرار نادي باريس يضم الدائنين الرسميين مع الصين لاتخاذ القرارات الحاسمة، مضيفا "من غير الطبيعي أن يستمر نادي باريس في وضع معايير إعادة الهيكلة في حين أن أحد أكبر الدائنين في العالم للدول منخفضة الدخل (الصين) ليست ضمن هذا الكيان".

القطاع الخاص؟

وعلى وقع تزايد أعباء الديون، لجأت الدول الأفريقية إلى إصدار سندات بقيمة مليارات الدولارات للمستثمرين الأجانب حيث باعت 21 دولة أفريقية سندات بعملات أجنبية بين عامي 2007 و  2020 ، فيما قال صندوق النقد الدولي إن قيمة سوق السندات بالعملات الأجنبية في الدول الأفريقية بلغ  140 مليار دولار (132 مليار يورو) في عام 2021.

دعا غوتيريش الدول الثرية لمساعدة الدول العالقة في حلقات مفرغة تعرقل جهودها في تعزيز اقتصاداتها وتحسين الصحة والتعليم.

وقد أدى دخول القطاع الخاص في سباق الديون إلى زيادة تعقيد جهود تخفيف عبء الديون حيث يتعين على المقترضين في الوقت الراهن تنسيق برنامج تخفيف مع هذه الكيانات الخاصة.

الجدير بالذكر أن زامبيا توصلت في يونيو/حزيران الماضي إلى اتفاق لإعادة هيكلة 6.3 مليار دولار من  الديون المستحقة  للدائنين بما في ذلك الصين، لكنها لم تتمكن من إبرام اتفاق مماثل مع حاملي السندات بالعملات الأجنبية.

وكانت زامبيا أول دولة أفريقية تتخلف عن السداد خلال جائحة كورونا. وفي محاولة لحل هذه الأزمة، أنشأت مجموعة العشرين إطارا مشتركا جديدا لإعادة هيكلة الديون يجمع أعضاء نادي باريس والدائنين من خارجه في خطوة أحرزت بعض التقدم في الأشهر الأخيرة.

وقال صندوق النقد الدولي إن فترة التفاوض والحصول على التزام من الدائنين بتخفيف الديون خلال عام 2021 تباينت بين الدول النامية، حيث استغرقت 11 شهرا في تشاد و9 أشهر في زامبيا و6 أشهر في سريلانكا و5 أشهر في غانا.

وفي حديثه إلى DW، قال غيوم شابير، نائب مدير إدارة الاستراتيجية والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي، إن الفترة ما تزال  " أكثر من شهرين أو ثلاثة لاحظناها في الماضي، معدل الوقت لم يصل إلى المستوى المنشود، لكنه يحمل الكثير من التقدم".

أشوتوش باندي – مراكش / م. ع

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: الصين تراكم الديون افريقيا سريلانكا فخ الديون ديون الدول الفقيرة الصين تراكم الديون افريقيا سريلانكا فخ الديون ديون الدول الفقيرة صندوق النقد الدولی الدول النامیة والبنک الدولی تخفیف الدیون الدیون على نادی باریس

إقرأ أيضاً:

«المصرية للمؤتمرات» تفتتح جناحا للمنتجات المصرية في معرض الصين الدولي

افتتحت الهيئة المصرية العامة للمعارض والمؤتمرات، اليوم، جناح عرض المنتجات المصرية في معرض الصين الدولي للاستيراد CIIE 2024 في دورته السابعة، على مساحة 132 مترا، بمشاركة وفد مصري يضم 6 شركات محلية. 

وقال اللواء شريف الماوردي، رئيس الهيئىة، إن الشركات المصرية المشاركة في المعرض من قطاعات متعددة، منها الصناعية والأغذية والصناعات اليدوية التي تتميز بها مصر، مؤكدا أن هيئة المعارض تسعى بشكل مستمر لتأهيل الكيانات المحلية للمشاركة في المعارض الدولية، لفتح قنوات جديدة من التجارة والاستثمار.

أصحاب المشروعات الصغيرة

وأكد أن الباب مفتوح أمام أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة في تلك الفعاليات الدولية للترويج لمنتجاتهم والاستفادة من الدعم المادي واللوجستي، الذي توفره الدولة لزيادة الصادرات المصرية، وتعزيز التبادل التجاري بين تلك الدول.

وأوضح أن هيئة المعارض تخطط خلال 2025 لزيادة مشاركتها في المعارض الخارجية خاصة دول مجموع بريكس، للاستفادة من انضمام مصر للمجموعة حديثا لنمو فرص الاستثمار المشترك بين الدول الأعضاء وتعزيز تنافسية المنتج المحلي وفتح أسواق تصديرية جديدة، والعمل على دراسة تلك الأسواق لتلبية متطلباتها، معرض الصين الدولي للاستيراد.

انطلقت فعاليات معرض الصين الدولي للاستيراد في دورتة السابعة في الفترة من 5 الى 10 نوفمبر الجاري، في مدينة شنجهاي بمشاركة نحو 3500 عارض من شركات محلية واجنبية من 129 دولة مختلفة.

 

مقالات مشابهة

  • الصحة العالمية: مصر من أولى الدول التي طبقت معايير منع ومكافحة العدوى
  • سياج الصين العظيم أمام السلاسل الأميركية فهل ستتحول بكين من الدفاع للهجوم؟
  • «المصرية للمؤتمرات» تفتتح جناحا للمنتجات المصرية في معرض الصين الدولي
  • افتتاح جناح للمنتجات المصرية في معرض الصين الدولي للاستيراد بدورته السابعة
  • التغيرات المٌناخية أم الصراعات والحروب؟.. دراسة: التغير المناخي يهدد بخسارة 38 تريليون دولار سنويا .. خبراء: الحروب تجارب للأسلحة وتسبب كوارث مناخية وتوفير التمويلات الخضراء للدول النامية فريضة غائبة
  • بعد عودة ترامب للبيت الأبيض.. بكين تحث على التعاون مع واشنطن
  • مدير بالبنك الدولي لـ"البوابة نيوز": استراتيجيات شاملة لدعم الدول النامية في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمناخية
  • البنك الدولي: نصف سكان العالم في الدول النامية يعيشون في فقر
  • شيخ الأزهر يعرب عن أسفه لغياب العدالة العالمية والتخاذل في دعم الدول النامية
  • بدء المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي اليوم: الحكومة المصرية تؤكد عدم فرض أعباء جديدة على المواطنين