بكين أم واشنطن: من يؤخر تخفيف أعباء الديون عن البلدان النامية؟
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
تراكم الديون يثقل كاهل الكثير من بلدان القارة السمراء، مشكلة مستمرة منذ عقود لا آفق لحلها
تراكمت أعباء الديون على الدول النامية خاصة في القارة السمراء جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وتفاقمت ظاهرة تغير المناخ فيما حذر مراقبون من أن مستويات الديون وصلت إلى معدلات تعيق بقاء اقتصاد الدول الأفريقية على قيد الحياة.
ويؤدي ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة إلى مستويات عالية لاستنزاف خزائن الدول النامية، فيما يتفاقم الوضع مع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ودول أخرى وهو الأمر الذي ينجم عنه زيادة في تكاليف الاقتراض للحكومات جراء ارتفاع الفوائد على الديون المقومة بالدولار.كما تتزايد أعباء الديون على كاهل الدول النامية جراء التباطؤ في الصين التي تعد بمثابة البنك المفضل للدول النامية. وخلال السنوات القليلة الماضية، تخلفت نحو 10 دول بما في ذلك زامبيا وسريلانكا عن سداد الديون، فيما تواجه أكثر من 50 دولة أخرى مثل باكستان ومصر صعوبات في السداد.
مختارات خبراء يحذرون من الأسوأ.. الإفلاس يهدد دولا فقيرة إحداها عربية! غوتيريش: الدول الغنية تخنق الدول الفقيرة بمعدلات فائدة "جشعة" أزمة ديون عالمية و"دوامة هبوط مدمرة" .. تحذير من سيناريو كارثي الأزمة الاقتصادية.. هل تربك حسابات مشروعات مصر العملاقة؟وفي مقابلة مع DW، قال أكيم شتاينر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن العديد من الدول النامية "ترى أن أزمة الديون تتسبب في عدم إنفاق الأموال على استثمارات قد تحدث تغييرا جذريا في حياة وتقدم الشعوب التي تمثل ثروة الأمم الحقيقية". وتأتي عملية تباطؤ تخفيف الديون على الدول النامية في وقت يواجه فيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس للدائنين تزايد قوة الدائنين الجدد مثل الصين والهند والدول الخليجية.
تعد أزمة الديون الكارثية التي تثقل كاهل البلدان النامية من بين القضايا الرئيسية التي يناقشها المشاركون في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي انطلقت في مراكش في التاسع من الشهر الجاري وحتى الخامس عشر من الشهر ذاته.
وفي مقابلة مع DW، قال كليمنس لاندرز، زميل وباحث في مركز التنمية العالمية، إن اللحظة الراهنة "محبطة للغاية لأن طريق تخفيف الديون من الناحية النظرية والفنية والسياسية واضحة، لكن من الناحية الواقعية فإن الأمر ينطوي على مشكلة جيوسياسية تُصعب طرق تخفيف الديون".
صعود الصين؟
الجدير بالذكر أن الدول الغنية داخل نادي باريس كانت تقود في السابق جهود تخفيف أعباء الديون، لكن صعود الصين أدى إلى تعقيد هذه الجهود. وقدمت الصين قروضا تزيد قيمتها على تريليون دولار لمشاريع البنية التحتية الضخمة ضمن تنفيذ "مبادرة الحزام والطريق"، لكنها كانت قروضا بأسعار فائدة مرتفعة وبشروط تتسم بالغموض فيما باتت الدول الأكثر مديونية متعثرة.
ومتحدثا إلى DW، أوضح براد باركس، المدير التنفيذي في مختبر "أيداداتا" للأبحاث في "كلية ويليام وماري" الأمريكية، أنه خلال عام 2010، ارتفعت نسبة القروض الصينية في محفظة الاقراض الخارجي للبلدان التي تعاني ضائقة ديون من 5 بالمئة إلى 60 بالمائة في الوقت الراهن".
ويقول مراقبون إن الصين تجنبت في بادئ الأمر الانخراط في الجهود المتعددة الأطراف الرامية إلى تخفيف عبء الديون على الدول النامية حيث استعاضت عن ذلك بتكثيف تقديم قروض الإنقاذ الطارئة أو تعليق سداد الديون بشكل مؤقت وفي إطار ثنائي بينها وبين الدول المتعثرة.
وقال باركس "تدرك بكين الآن أن بعض المقترضين ضمن مبادرة الحزام والطريق باتوا عاجزين عن سداد الديون، ما يعني أن توفير السيولة على المدى القصير وحده لن يحل المشكلة".
وأضاف "إذا قامت دولة بمفردها وعمدت إلى إنقاذ دولة تعاني من صعوبات مالية دون دفعها إلى إجراء إصلاحات اقتصادية أو دون الخروج بإعادة جدولة للديون بالتنسيق مع جميع الدائنين الرئيسيين، فإن هذه الأمر يعني تأجيل التعامل مع المشكلة أو ترك التعامل مع أزمة السيولة للأخرين".
ويقول خبراء إن الصين تضفي سرية تامة على الديون التي تقدمها إلى الدول النامية وهو ما يعيق جهود تخفيف أعباء الديون فضلا عن تردد الدائنين الآخرين غير الصين في المشاركة بمحادثات تخفيف أعباء الديون حيث يشترطون الكشف عن كافة شروط وأحكام القروض الصينية خشية أن يصب ذلك في صالح الدائنين الصينيين.
وقال باركس "إذا أصرت الصين على أنه يجب ان تكون الأولوية لسداد ديونها ثم يأتي الدائنون الآخرون في المرحلة التالية، فمن المرجح أن يسفر ذلك عن جمود يستمر سنوات".
مظاهرات في أوغندا لدفع الدول الدائنة إلى تخفيف أعباء الديون، هل تغير هذه المظاهرات مواقف الدول الدائنة؟
الدور الأمريكي؟
رفضت الصين مزاعم أنها تعرقل جهود تخفيف عبء الديون على الدول النامية حيث قالت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية إن "هذه الاتهامات نابعة من سوء نية وهي محض هراء. إجمالي مدفوعات خدمة الديون التي قامت بتعليقها الصين هي الأكبر بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين."
وتصر الصين على أنه في حالة قيامها بخفض القروض، فيتعين على المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي - حيث تعد الولايات المتحدة أكبر مساهم - الإقدام على شطب جزء من قروضها.
ولم يتخذ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تقليديا خطوات ترمي إلى تخفيف أعباء الديون بسبب القول بأن هذا الأمر سوف يضر بسمعة ومكانة المؤسستين كدائن مفضل ويعيق تقديم القروض إلى البلدان المتعثرة بأسعار فائدة ميسرة.
وقال لاندرز إن "تحول الصين إلى دائن رسمي بهذا الحجم يعد بالأمر الجديد على القيادة الصينية، وهذا دور جديد تلعبه الصين في العالم، لكن الإشكالية تتمثل في كيفية دفع بكين إلى الانخراط في الإطار المتعدد الأطراف الذي توافق عليه النظام العالمي".
ويقترح لاندرز إنشاء كيان على غرار نادي باريس يضم الدائنين الرسميين مع الصين لاتخاذ القرارات الحاسمة، مضيفا "من غير الطبيعي أن يستمر نادي باريس في وضع معايير إعادة الهيكلة في حين أن أحد أكبر الدائنين في العالم للدول منخفضة الدخل (الصين) ليست ضمن هذا الكيان".
القطاع الخاص؟
وعلى وقع تزايد أعباء الديون، لجأت الدول الأفريقية إلى إصدار سندات بقيمة مليارات الدولارات للمستثمرين الأجانب حيث باعت 21 دولة أفريقية سندات بعملات أجنبية بين عامي 2007 و 2020 ، فيما قال صندوق النقد الدولي إن قيمة سوق السندات بالعملات الأجنبية في الدول الأفريقية بلغ 140 مليار دولار (132 مليار يورو) في عام 2021.
دعا غوتيريش الدول الثرية لمساعدة الدول العالقة في حلقات مفرغة تعرقل جهودها في تعزيز اقتصاداتها وتحسين الصحة والتعليم.
وقد أدى دخول القطاع الخاص في سباق الديون إلى زيادة تعقيد جهود تخفيف عبء الديون حيث يتعين على المقترضين في الوقت الراهن تنسيق برنامج تخفيف مع هذه الكيانات الخاصة.
الجدير بالذكر أن زامبيا توصلت في يونيو/حزيران الماضي إلى اتفاق لإعادة هيكلة 6.3 مليار دولار من الديون المستحقة للدائنين بما في ذلك الصين، لكنها لم تتمكن من إبرام اتفاق مماثل مع حاملي السندات بالعملات الأجنبية.
وكانت زامبيا أول دولة أفريقية تتخلف عن السداد خلال جائحة كورونا. وفي محاولة لحل هذه الأزمة، أنشأت مجموعة العشرين إطارا مشتركا جديدا لإعادة هيكلة الديون يجمع أعضاء نادي باريس والدائنين من خارجه في خطوة أحرزت بعض التقدم في الأشهر الأخيرة.
وقال صندوق النقد الدولي إن فترة التفاوض والحصول على التزام من الدائنين بتخفيف الديون خلال عام 2021 تباينت بين الدول النامية، حيث استغرقت 11 شهرا في تشاد و9 أشهر في زامبيا و6 أشهر في سريلانكا و5 أشهر في غانا.
وفي حديثه إلى DW، قال غيوم شابير، نائب مدير إدارة الاستراتيجية والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي، إن الفترة ما تزال " أكثر من شهرين أو ثلاثة لاحظناها في الماضي، معدل الوقت لم يصل إلى المستوى المنشود، لكنه يحمل الكثير من التقدم".
أشوتوش باندي – مراكش / م. ع
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: الصين تراكم الديون افريقيا سريلانكا فخ الديون ديون الدول الفقيرة الصين تراكم الديون افريقيا سريلانكا فخ الديون ديون الدول الفقيرة صندوق النقد الدولی الدول النامیة والبنک الدولی تخفیف الدیون الدیون على نادی باریس
إقرأ أيضاً:
هل يكون الجنوب العالمي بوابة الصين لبناء نظام عالمي جديد؟
لا تُخفي الصين منذ سنوات امتعاضها من النظام العالمي القائم، الذي تصفه بأنه نظام مبني على الهيمنة الغربية ويعامل الدول الأخرى بازدواجية ونظرة فوقية، وتؤكد أن هذا النظام فشل في حل الأزمات الدولية، مشددة على الحاجة إلى نظام جديد أكثر عدالة وفعالية.
وتشير الصين إلى أن النظام العالمي الحالي، "غير عادل ويُقصي مصالح الدول النامية" حسب وصفها، مستدلة بالتفاوتات الاقتصادية، والتدخلات السياسية، وفرض المعايير الغربية على غالبية دول العالم.
وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت تصريحات الصين التي تدعو إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يتناسب مع قيمها ومصالحها، ويعمل على حل الأزمات الدولية بشكل أكثر عدلا وفعالية.
وهو ما تدركه الولايات المتحدة، حيث قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في سبتمبر/أيلول 2022، إن العالم يقف على أعتاب حقبة جديدة من العلاقات والمنافسة على تحديد شكل النظام العالمي، وإن روابط الدول أصبحت متشابكة أكثر من أي وقت مضى.
وأوضح المستشار سوليفان في كلمته أمام المنتدى العالمي في دافوس، أن هناك منافسة حامية الوطيس انطلقت وعنوانها "الحق في تحديد شكل النظام العالمي الجديد"، وأشار إلى أن الولايات المتحدة تقوم بتعبئة العالم لعدم التخلي عن النظام الاقتصادي العالمي، وإنما تكييفه مع "تحديات اليوم والغد".
سوليفان: الولايات المتحدة تقوم بتعبئة العالم لعدم التخلي عن النظام الاقتصادي العالمي وإنما تكييفه مع التحديات (الفرنسية) الجنوب العالميظهر مصطلح "الجنوب العالمي" في ستينيات القرن العشرين كبديل لمصطلحات مثل "العالم الثالث" و"البلدان النامية"، واستخدم للتأكيد على استقلالية هذه الدول وتحدي هيمنة الدول الغربية في السياسة الدولية والاقتصاد، ويُستخدم اليوم للإشارة إلى الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ويشمل بلدانًا في أفريقيا، أميركا اللاتينية، وآسيا، وأيضا لتسليط الضوء على التفاوتات العالمية بين الشمال والجنوب.
إعلانويعتبر كذلك مرادفا حاليا لمجموعة الـ77 التي يبلغ عددها الآن 134 دولة، وهي مجموعة من البلدان ما بعد الاستعمارية والبلدان النامية التي اتحدت في عام 1964 للدفاع المشترك عن مصالحها الاقتصادية وتعزيز قدرتها التفاوضية في الأمم المتحدة.
ويواجه هذا المصطلح تحديات بسبب اختلاف المصالح والتنوع بين أعضائه وهي دول تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، من الناحية الاقتصادية والسياسية، مما يجعل من الصعب صياغة سياسات ورؤية موحدة تمثلها، إضافة للتهديدات الأميركية والتحذيرات الأوروبية.
كما ينظر إلى مصطلح "الجنوب العالمي" على كونه عامًا، يُغفل التنوع والتعقيدات الداخلية لكل دولة، ويفترض أن دوله كتلة واحدة يفترض أن تدعم مجموعة من القضايا الليبرالية الغربية، سواء تبنتها البلدان المصنّفة بالفعل أم لا.
الصين والجنوب العالميتسعى بكين إلى تجاوز العداء الغربي ومخططات إيقاف صعودها، معتمدة على قوتها الاقتصادية ونفوذها المتزايد في "الجنوب العالمي"، الذي يمثل 85% من سكان العالم ونحو 39% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتعد الصين الدولة الوحيدة حاليا التي تُظهر طموحًا وقدرة على إعادة تشكيل النظام وهي لم تُخف طموحاتها.
ولتحقيق هذه الأهداف، طرحت سلسلة من المبادرات الكبرى على صعيد الاقتصاد والسياسة والتنمية والعلاقات الدولية ومشاريع متعددة، مثل مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية والتجارة العالمية، و"مبادرة الأمن العالمي" لتعزيز السلام والاستقرار، و"مبادرة أصدقاء السلام" التي تركز على حل النزاعات السياسية.
ومبادرات التنمية والأمن والحضارة ومبادرات لحل الأزمات السياسية وخاصة الأزمة بين إيران والمملكة العربية السعودية والحرب الروسية الأوكرانية، انطلاقا من شعار "مجتمع من أجل مستقبل مشترك"، وهو الشعار الذي تتبناه بكين لتقديم نفسها كقوة دافعة للسلام والاستقرار العالميين.
إعلانترى الصين أنها أصبحت قوة عالمية عظمى، وبالتالي تريد أن تنعكس طموحاتها وسياستها وقيمها على النظام الدولي بالطريقة نفسها التي فرضت من خلالها الولايات المتحدة بصماتها على المؤسسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وشركاؤها في هذا المشروع يشملون دول الجنوب العالمي، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، إضافة إلى روسيا ودول الخليج.
شي جين بينغ استخدم مصطلح الجنوب العالمي 13 مرة خلال خطابه في قمة بريكس بلس 2024 (الفرنسية)ومع ذلك، تواجه هذه الطموحات عقبات كبيرة، أبرزها التناقضات بين المصالح الاقتصادية والسياسية لشركائها، خاصة داخل دول الجنوب العالمي، وتزايد الضغوط الأميركية والأوروبية، حيث تُظهر هذه الدول معارضة واضحة لأي مَساع لتقويض النظام القائم من قبل الصين، وعدم وجود رؤية وسياسة واضحة لهذا النظام الجديد وعدم قدرة الصين على تقديم نموذج شامل له.
وتحاول الصين تصدير صورة باعتبارها بطلة للجنوب العالمي، ولا تفوت فرصة للتأكيد على أنها "دولة نامية"، وهو ما أكده "لي شي" الممثل الخاص للرئيس الصيني شي جين بينغ، في قمة مجموعة الـ77 والصين التي عقدت في هافانا عاصمة كوبا سبتمبر/أيلول 2023، حيث قال "الصين هي أكبر دولة نامية في العالم وعضو طبيعي في الجنوب العالمي وستظل الصين باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم عضوا بعائلة الدول النامية وعضوا بدول الجنوب العالمي إلى الأبد، مهما وصلت من مرحلة تنموية".
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ استخدم المصطلح 13 مرة خلال خطابه في قمة "بريكس بلس" بأكتوبر/تشرين الأول 2024، في الترويج للنظام العالمي الجديد عبر الدعوة لتعزيز صوت الدول النامية، مشيرة إلى أهمية هذه الدول في تشكيل المستقبل العالمي، ورفض سياسات الهيمنة التي وصفها بأنها تعيق التعاون الدولي.
وتعمل الصين على تعزيز حضورها في المؤسسات الدولية، حيث نجحت الصين في توسيع نفوذها داخل الأمم المتحدة، لتصبح ثاني أكبر مساهم مالي في ميزانيتها، وفي مجلس الأمن، تستخدم نفوذها وحق النقض لتعزيز مواقف معينة وحشد الدول الأعضاء لدعم مواقفها.
مندوبو الحكومات وممثلوها في الجلسة الافتتاحية لقمة الجنوب الثالثة لمجموعة الـ77 والصين (الفرنسية) بريكسكما تستغل بكين مؤسسات مثل "منظمة شنغهاي، ومجموعة "بريكس" التي تمثل أكثر من 40% من سكان العالم، لتوسيع دائرة نفوذها الاقتصادي والسياسي، حيث ضمت مؤخرًا دولًا جديدة مثل الأرجنتين ومصر وإيران إليها، إضافة لوجود البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا، كوسيلة لتعزيز رؤيتها للنظام الجديد، وتقديم بديل للنظام الاقتصادي والسياسي الحالي.
إعلانوترى الصين في بريكس -الذي تعد لاعبا رئيسيا فيها- أداة لتحقيق نظام عالمي جديد، وتعمل على دعم توسعها وضم دول جديدة مثل الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضمن رؤيتها لتعزيز التحالفات الاقتصادية والسياسية التي تدعم رؤيتها لنظام عالمي متوازن، ومسعى إلى "تسريع جهود إعادة ترتيب النظام العالمي"، حسب ما وصفته وكالة رويترز للأنباء.
كما تعمل على زيادة الاستثمارات في البنية التحتية عبر مبادرة "الحزام والطريق"، وتعزيز التجارة الثنائية مع الدول الأعضاء، إضافة إلى تقديم بدائل اقتصادية للمؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، وكان الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا وعد أن الصين والبرازيل تستطيعان معًا "تغيير الحوكمة العالمية".
واستثمرت وأقرضت ما يقدر بنحو تريليون دولار في مختلف دول "الجنوب العالمي"، وذلك بشكل رئيسي من خلال مبادرة الحزام والطريق ولكن أيضا من خلال مبادرة التنمية العالمية (التي بدأت في عام 2021)، ومبادرة الأمن العالمي (2022)، ومبادرة الحضارة العالمية (2023)، وهي مبادرات تشمل حوالي 150 دولة.
ويلقى طرح إنشاء نظام عالمي جديد أو إصلاح النظام الحالي من قبل الصين تأييدا من بعض الدول العربية والأفريقية، حيث قال الرئيس السنغالي السابق ماكي سال خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، في بكين، نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "أفريقيا تدعم التعاون مع الصين في إطار نظام عالمي أكثر تعددية، يعكس مصالح الجميع وليس هيمنة فئة بعينها".
ومن جانبه قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال القمة الصينية العربية، التي أقيمت في الرياض، ديسمبر/كانون الأول 2022 إن "الشراكة مع الصين تمثل خطوة نحو تحقيق نظام دولي أكثر عدلا وشمولا للجميع".
وربما أكثر التصريحات العربية صراحة في دعم الطرح الصيني، هو تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال القمة الصينية الأفريقية الافتراضية حول التضامن ضد الجائحة، في يونيو/حزيران 2020: "الصين شريك حقيقي لأفريقيا في مواجهة التحديات الدولية، ونؤيد رؤيتها لنظام عالمي يخدم مصالح الجميع".
عبد المجيد تبون (يسار): الصين شريك حقيقي لأفريقيا في مواجهة التحديات الدولية ونؤيد رؤيتها لنظام عالمي يخدم مصالح الجميع (رويترز) الموقف الأميركيتواجه مبادرات الصين مقاومة شديدة من الولايات المتحدة، خصوصًا بعد تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي وصف "بريكس" بأنها تهديد للأمن القومي الأميركي، وتشكل تحديًا لهيمنة الدولار في التجارة العالمية، خاصة مع مناقشات المجموعة حول إنشاء عملة موحدة كبديل للدولار.
إعلانوهدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الواردات من دول "بريكس" إذا ما أقدمت على إنشاء عملة موحدة كبديل للدولار، وقال في منشور على شبكته الاجتماعية "تروث سوشيال" إن "فكرة أن تحاول دول بريكس الابتعاد عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب قد انتهت.. نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لها، أو دعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي العظيم، وإلا فإنها ستواجه تعرفات جمركية بنسبة 100%، ويجب أن تتوقع وداعًا للبيع بالاقتصاد الأميركي الرائع".
كما أكد ترامب في مقابلة مع "سي إن بي سي" -في مارس/آذار 2024- أن الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية عالمية أمر لا يمكن التنازل عنه، محذرًا من أن التخلي عن الدولار يمثل ضربة قاسية للاقتصاد الأميركي، كما توعد بأن يظل الدولار العملة الاحتياطية العالمية، وأنه لن يسمح للدول بالتخلي عن الدولار لأن ذلك سيكون "ضربة لبلدنا".
إضافة إلى التهديدات الأميركية، تواجه "بريكس" تحديات كبرى بسبب التنوع الاقتصادي والسياسي بين أعضائها، بالإضافة إلى ذلك، التوترات الجيوسياسية بين الصين والهند.
ترامب: الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية عالمية أمر لا يمكن التنازل عنه 2024 (شترستوك) التخوفات الأوروبية من النظام الجديدمن جهة أخرى، تشارك دول الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة مخاوفها من الصعود الصيني، وكذلك في الخطوات لمحاصرتها وفرض عقوبات تجارية عليها، وتنظر بتخوف إلى طرح بكين مبادرات تهدف إلى تغيير النظام الدولي القائم، وتعتقد أن سعي الصين لاستبدال النظام القائم بنموذج يضعها في المركز، قد يُضعف ويُهدد المصالح الأوروبية.
وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن على الدول الأوروبية الحذر من سعي الصين إلى "تغيير منهجي" للنظام الدولي، لتصبح هي من تترأسه.
ولدى الدول الأوروبية قلق من طرح الصين لمشروع "الجنوب العالمي" وتعزيز الشراكات الصينية مع روسيا ودول الجنوب، مما يُعتبر تحديًا للنفوذ الأوروبي على الساحة الدولية.
إعلانبالإضافة إلى ذلك، تخشى أوروبا من تأثير النفوذ الصيني المتزايد على الاقتصادات الناشئة التي تُعد سوقا تقليدية للاتحاد الأوروبي، كما أنها ترى أن الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والتكنولوجيا في دول مثل أفريقيا وأميركا اللاتينية قد تؤدي إلى تقليل الاعتماد على الشركات والمؤسسات الأوروبية، وبالتالي إضعاف النفوذ الاقتصادي والسياسي لأوروبا على المستوى الدولي.
تحديات النظام الجديدرغم الطرح والطموحات الصينية في إنشاء نظام دولي جديد، تواجه جهودها عقبات عديدة، منها التناقضات الكبيرة بين الأعضاء في منظمة "شنغهاي" ومجموعة بريكس وعدم وجود رؤية أو سياسة متفق عليها بين الأعضاء، وتناقضات في السياسات الدبلوماسية.
ففي الوقت التي تدعو فيه بكين إلى تعزيز التعددية وزيادة دور المؤسسات الدولية والأمم المتحدة، تتجاهل قممًا دولية كبرى مثل قمة مجموعة العشرين وترسل مسؤولين من رتب متدنية لحضور اجتماعات الجمعية العامة، وهو ما يثير تساؤلات حول التزامها بالتعاون الدولي.
وفي عام 2023، أصدرت الصين "اقتراحا بشأن إصلاح وتطوير الحوكمة العالمية"، من خلال دعم الأمم المتحدة "في لعب دور مركزي في الشؤون الدولية" و"زيادة صوت البلدان النامية"، ولكنها أرسلت في اجتماع الجمعية العامة، مسؤولا من الدرجة الثالثة فقط، في حين كان كبير دبلوماسييها وزير خارجيتها وانغ يي مشغولا برحلة رفيعة المستوى إلى روسيا، التقى خلالها فلاديمير بوتين.
وتكرر الصين تصريحاتها حول الشراكة مع روسيا في إنشاء نظام عالمي جديد وهو ما يتعارض مع وعودها حول بناء نظام عالمي جديد تشاركي ومتعدد الأطراف مع الجنوب العالمي، كما أنها تناقض إداناتها المتكررة لكيفية "تفشي الأحادية والهيمنة" في النظام الحالي.
وكان الرئيس الصيني قال خلال مؤتمر صحفي مع بوتين في ختام زيارته الرسمية إلى الكرملين في مارس/آذار 2023 إنه "في الوقت الحالي، هناك تغييرات لم نشهد مثلها منذ 100 عام، عندما نكون معًا، يمكننا قيادة هذه التغييرات"، وهو ما يتعارض مع دعوته الدول للمشاركة في "قيادة عملية إصلاح النظام الدولي".
وعلاوة على ذلك، يفتقر مشروع الصين إلى رؤية واضحة ومتماسكة، مما يثير مخاوف لدى الدول الداعمة لهذا المشروع من إمكانية خلق فوضى بدلا من نظام جديد، كما أن التهديدات السياسية والاقتصادية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجعل إقدام تلك الدول على المجازفة أمرًا صعبًا، خاصة مع سيطرتها على المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إعلانوفي ظل هذه الطموحات والتحديات، يبقى السؤال مطروحًا: هل تستطيع الصين بناء نظام عالمي جديد يتحدى النظام الحالي؟ الإجابة تعتمد على قدرة بكين على تقديم رؤية شاملة ومقبولة دوليًا، وتجاوز العقبات الداخلية والخارجية التي تعترض طريقها.
الصدام بين الصين والولايات المتحدةيشهد العالم اليوم تحوّلا جذريا في النظام الدولي الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الولايات المتحدة، فالديناميكيات التي أسست هذا النظام بدأت بالتآكل، في وقت تتحدى فيه القوى الصاعدة، مثل الصين، الأسس المادية والمعيارية لهذا النظام.
وبصفتها قوة اقتصادية وعسكرية عظمى، باتت الصين تُشكّل قطبًا عالميًا منافسًا للولايات المتحدة، مع مراعاة أن العلاقات بينهما ليست كحالة تقليدية للثنائية القطبية كما كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.
فحتى حلفاء أميركا التقليديون ودول "الجنوب العالمي" يرفضون الانحياز الكامل لأي طرف، مفضلين تبني سياسات أكثر استقلالية وتجنب -قدر الإمكان- الوصول للمواجهة المباشرة، في وقت تسعى فيه واشنطن لإقناع العالم بوجود صراع جوهري بينهما، وزيادة الضغط على "الجنوب العالمي" لاختيار جانب.
وتصاعد التوتر والمنافسة بين القوتين، من سباق التسلح إلى التوترات الإقليمية، مثل أوكرانيا، تايوان، وحتى في القضايا العالمية مثل المناخ والأوبئة، يجعل الحوار والتعاون بينهما أكثر صعوبة، ويعزز الاستقطاب في النظام الدولي.
ومع استحواذ القوتين العظميين على قدرات هائلة اقتصاديًا وعسكريًا، تتعمق المخاوف من أن هذا الصراع قد يؤدي إلى مزيد من عسكرة السياسة العالمية وتصعيد سباق التسلح، مما يهدد الأمن الدولي ويزيد من احتمالية نشوب نزاعات كبرى.