طوفان الأقصى يعري أطروحات الاستشراق الجديد في إيطاليا
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
تورينو- عملية "طوفان الأقصى" هدمت أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وشاهد العالم بأسره ذلك يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل نسفت أيضا ثنائية تاريخية صمدت في إيطاليا لعقود طويلة اسمها اليمين واليسار.
ذانك الفصيلان اللذان اتفقا على ألا يتفقا في أي شأن سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو اجتماعي كان، اجتمعا يوم الـ10 من أكتوبر/تشرين الأول تحت قبة البرلمان الإيطالي للوقوف مع إسرائيل، وهو ما نوه به ماتيا فيلتري، مدير موقع "هاف بوست إيطاليا"، مشيرا بفخر إلى أن إيطاليا "تقف على الضفة الصحيحة للعالم".
من جهته، خصص فرانتشيسكو بورغونوفو نائب رئيس تحرير الجريدة اليمينية "لافيريتا" مقاله ليوم 11 من أكتوبر/تشرين الأول للحديث عما أسماه "تبرّؤ اليسار من حلفائه المسلمين" عقب هذه الحرب، حيث ذكّر بورغونوفو قُرّاءه بأن القضية الفلسطينية طالما كانت مدعومة من اليسار الإيطالي، قبل أن يقرر التقدميون وعلى رأسهم أكبر الأحزاب اليسارية في البلاد (الحزب الديمقراطي)، أن المقاومة الفلسطينية "فصيل فاشي يعتنق أيديولوجيا يمينية متطرفة".
ساحة "مريضة بالأيديولوجيا"والواقع أن اليسار الإيطالي عمل طيلة عقود على تقديم سردية مشوهة عن القضية الفلسطينية أسقط منها عمدا أحد أهم عناصر الهوية الثقافية الفلسطينية، ألا وهو الدين، واعتبره "مكونا رجعيا" في حياة الشعوب ينبغي تفكيكه، وهكذا ركزت الساحة الثقافية اليسارية "المريضة بالأيديولوجيا" -بحسب توصيف الشاعر الإيطالي دافيدي روندوني- كل جهودها البحثية والترجمية للترويج أمام الرأي العام الإيطالي لـ"ثقافة فلسطينية وعربية" مزيفة وصلت حد محاولات تسويقها في السنوات الأخيرة على أنها ثقافة إلحادية ونسوية راديكالية مؤمنة بقضايا ما يعرف بالنوع الاجتماعي (الجندر) والمثلية الجنسية.
وعلى الرغم من أن هذه السردية الهشة والمتساقطة لم تكن تقنع حتى أصحابها، فإنها كانت تمر على بعض الفئات من أنصار اليسار الراديكالي الذين بدوا "مصدومين كليا" بعملية "طوفان الأقصى"، ولا غرابة في ذلك لأنهم خضعوا لسنوات من التضليل الذي جعلهم لم يتقبلوا صور رجال مسلحين يدافعون عن أرضهم، لأنهم ربما تعوّدوا فقط على صور نساء بشعر أزرق ورجال يرتدون الكعب العالي يُطلقون "صرخات متحولين جنسيا ينشدون الحرية".
ويضاف إلى ما سبق أن الديانة الإسلامية في إيطاليا تتعرض للرقابة، ليس فقط من اليمينية، بل من طرف اليسار نفسه أيضا، لأسباب أيديولوجية تتعلق باحتقار المكون الديني واعتبار المقدس عنصر تفرقة بين الشعوب. وهذا الحظر الثقافي أثّر على نحو بالغ في وصول الصورة الحقيقية للقيم المجتمعية الفلسطينية إلى إيطاليا، وهو ما ظهر في كيفية تلقّي المَشاهد الأولى لعملية "طوفان الأقصى".
فعلى الرغم من أن جريدةً كبرى تعد هي الأكثر انتشارا في إيطاليا ("كورييري ديللا سيرا") نشرت فيديو على صفحتها بفيسبوك يُظهر مقاومين وهم يهدئون من روع سيدة إسرائيلية مع ابنيها وإظهار عدم تعرض الفلسطينيين لها إذعانا لأوامر دينية، فإن التعليقات السلبية التي حصدها الفيديو تؤكد العطب الذي ألحقه "أصدقاء فلسطين السابقون" -على حد تعبير بورغونوفو- بالشخصية الفلسطينية من خلال مراكمة سرديات مضادة للدين على مدى سنوات في مخيال المتلقي الإيطالي بشأنها.
هذا العطب حال بين المتلقي الإيطالي وتقبّل فيديو واضح لا لبس فيه عن مقاوم فلسطيني لم يؤذِّ أُما وأبناءها لدواع دينية. ليستحضر المتلقي بدلا من ذلك صور "الأبوية" و"الذكورية المتعفنة"، والصور المروجة لكراهية النساء، وكل التنظير الأيديولوجي الببغائي الذي لا تخلو منه أي دراسة إيطالية عن فلسطين والعالم العربي.
رقابة سلطويةفهل نحن أمام عملية ذهنية تم التحضير لها ونحتها لسنوات من أجل الوصول إلى هذا العمق من نكران الحقائق، حتى لو كانت مسجلة بالصوت والصورة، عندما يتعلق الأمر بالثقافة العربية؟ وهل اليمين هو المسؤول عن ذلك بوصفه "الشر المطلق" في إيطاليا، كما يحاول أن يوحي بذلك اليسار باستمرار، مقدما نفسه على أنه المنافح الوحيد عن الثقافة العربية والإسلامية في الغرب؟
في تصريح جريء لها على بودكاست "فيه ما فيه" مع الإعلامي الفلسطيني سائد نجم أكدت الباحثة الإيطالية في الأدب العربي يولندا غواردي أن الجامعة في إيطاليا "أداة سلطوية تفرض رقابة على الباحثين" وأن هناك مواضيع محددة فقط هي ما يُسمح بمناقشتها بشأن المنطقة العربية.
أما إن حاول الباحث التغريد خارج السرب فستتراوح الإجراءات العقابية في حقه من الإقصاء من المشاركة في الملتقيات، إلى الحرمان من الترقية الوظيفية أو عدم التعيين أساسا.
وذكرت الباحثة أنها هي نفسها دفعت ثمنا غاليا جدا لقاء حريتها الفكرية. هذا التصريح يأخذ أبعادا مُدويّة عندما نعلم بأن مفاصل الجامعة الإيطالية في مبحث الإنسانيات تحديدا يسيطر عليها اليسار وليس اليمين.
يجعلنا هذا المعطى نتساءل إن كانت المنظومة الاستشراقية الأكاديمية قد عادت للعمل في الغرب من بوابة اليسار من أجل تبرير حملات عسكرية حقيقية تقوم بها حاليا إسرائيل ضد فلسطين على النحو الذي نظّر له المفكر الفلسطيني الأميركي الراحل إدوارد سعيد.
فإن نحن عدنا قليلا إلى آخر الإصدارات بخصوص فلسطين باللغة الإيطالية، سنجد مثلا أنها لا تخلو من التذكير بتحالف الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين مع النظام الفاشي دون أن يتم وضع سياق هذا التحالف في إطاره التاريخي، وهو الذي كان يعد خطوة إستراتيجية لا بد منها آنذاك للطرف الفلسطيني باعتراف مؤرخين إسرائيليين، على غرار المؤرخ اليهودي البارز آفي شلايم. إلا أن "الأصدقاء" اليساريين في إيطاليا لم يجدوا مانعا في التذكير به بلا أي مناسبة، بل والتنديد به بأثر رجعي.
"الفاشية الجديدة"الفلسفات والاتجاهات المعادية للدين الإسلامي، والتي يُعدها اليسار الإيطالي ويدسها في كتب يُروّج لها على أنها صديقة للعرب والمسلمين، نجد أنها هي ما مهّد لأطروحة "الفاشية الفلسطينية" الأخيرة التي اعتنقها رسميا يساريو إيطاليا من خلال أحد أبرز الصحفيين المختصين بما يعرف باسم "الفاشية الجديدة" باولو بيريزي في مقال على جريدة "لاريبوبليكا" اليسارية، ذهب فيها للتأكيد على أن "الفاشية الجديدة تتحالف مجددا مع الإرهابيين". والإشارة هنا تعود إلى حزب "فورزا نووفا" من أقصى اليمين (غير الممثل في البرلمان الإيطالي) والذي وقف رئيسه روبيرتو فيوري مع حماس معلقا على الحرب الأخيرة بالقول إنه "لا سلام بلا عدل".
"الغوغائية" اليسارية حوّلت في اليومين الأخيرين جميع من يصطف مع الحق الفلسطيني في المقاومة إلى عنصر "فاشي رجع إلى أصله المعادي للسامية".
أما معسكر أصدقاء فلسطين اليساري الراديكالي الذي احتضن طيلة سنوات أطروحات الاستشراق الجديد عن قِصر نظر منه، أو طمعا في الحصول على فُتات بعض الامتيازات من حلفائه في معسكر اليسار المعتدل المعروف بالتصهين، فقد كان التخبط والارتباك والحرج سيد الموقف عندهم منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى تبعتها محاولة الخروج بموقف بكائي في انتظار الرد الإسرائيلي.
"أصدقاء فلسطين"اللحظة الفلسطينية الكبيرة التي أفلتها "أصدقاء فلسطين" التاريخيون، قبض عليها باقتدار أليساندرو أورسيني، أستاذ علم الاجتماع المختص بالإرهاب الدولي، حين كتب على صفحته بفيسبوك دون مواربة أو محاولة استدرار دموع أحد أن نتنياهو يمارس إرهاب دولة وأنه لا بديل آخر أمام الفسطينيين سوى حمل السلاح.
الباحث البارز الذي أصبح منذ سنتين منبوذا في وسائل الإعلام الإيطالية بسبب تحليلاته السياسية التي لا تتوافق مع سردية التيار السائد التي ترعاها الصالونات اليسارية في إيطاليا، ذكر في حوار له يوم أمس على القناة الرابعة (التابعة لشبكة ميدياست اليمينية التي أسسها رئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو بيرلوسكوني) أن "حياته المهنية تدمرت حرفيا" منذ فترة، وأنه يعاني من إجراءات انتقامية في الجامعة وضغوط رهيبة قد تدفعه عاجلا أو آجلا للبحث عن عمل خارج إيطاليا.
تصريحات أورسيني التي تلتقي مع تصريحات غواردي تُحيلنا لسؤال كبير يتعلق بالقدرة على إيصال الصورة الحقيقية لِما يحدث أمام الرأي العام الإيطالي في ضوء كل ما تتعرض له الأصوات المغردة خارج السرب من محاولات تضييق وخنق، وفي ظل عودة قوية للمنظومة الاستشراقية من الباب الخلفي.
أسماء جريئةبعيدا عن الأنشطة والإصدارات الأكاديمية التي يحوم حولها الكثير من الشبهات فيما يخص القضايا العربية، من خلال مؤلفات ملغمة وملتقيات مفخخة، تظهر بالمقابل أسماء جريئة في المشهد الاعلامي، على غرار رومانا روبيو رئيسة تحرير النسخة الإيطالية من صحيفة "بالستاين كرونيكل".
الصحفية الإيطالية التي يُحسب لها الانحياز التام للمقاومة الفلسطينية منذ الدقائق الأولى لـ"طوفان الأقصى"، يُعرف عنها أنها الصحفية الوحيدة في المشهد الإيطالي التي تعتمد السردية الفلسطينية النقية بعيدا عن أي محاولة لتلوينها بأيديولوجيات الموضة السائدة، وقد صدرت لروبيو مؤخرا ترجمة لكتاب الصحفي الفلسطيني رمزي بارود "الأرض الأخيرة"، وهي من الترجمات القليلة جدا التي لم توظّف سياسيا للطعن في مكونات الهوية الثقافية الفلسطينية والعربية في إيطاليا.
وتبقى للمفارقة، الأصوات غير المحسوبة على اليسار أو أصوات اليمين نفسها هي الأقدر على التأثير الإيجابي في الرأي العام الإيطالي حول القضايا العربية. وإذ تجدر الإشارة للصدى الذي تركه منشور فيتوريو زغاربي، وكيل وزارة الثقافة في حكومة ميلوني، الذي وصف الأعمال التي تقوم بها إسرائيل في الرد على حماس بأنها إرهابية. والأمر هنا يتعلق بأحد أشهر نقاد الفن في إيطاليا وأكثرهم تأثيرا في الساحة الثقافية.
في المقابل، نجد اليسار الإيطالي الذي لا ينشر حاليا مثقفوه المتعصّبون أيديولوجيا سوى الجهل والسطحية على حد تعبير الشاعر الإيطالي دافيدي روندوني، يكشف عن وجهه الحقيقي بعد سعيه طيلة سنوات لتدجين الصوت العربي ومحاولة الاستئثار برسم صورة الفلسطيني وصياغة سرديات كاذبة عنه تَخضع لأيديولوجيا مكروهة شعبيا. وهي نفسها الأيديولوجيا التي دفعت الناخب الإيطالي قبل سنة لإعطاء صوته لليمين، والتي تحاول الآن تسويغ إبادة الشعب الفلسطيني ومقاومته بدعوى محاربة الفاشية.
فهل آن الأوان لفتح ملفات هؤلاء المستشرقين الجدد والكلام بالتفصيل عن الفظاعات الثقافية التي ارتكبوها في حق فلسطين والعالم العربي في السنوات الأخيرة؟ أو أن "طوفان الأقصى" سيدفع هؤلاء تلقائيا للتنحي جانبا مُخرجا للمشهد أسماء تمثل مفاجأة، تقف في صف الحق الفلسطيني، وقد تأتي من ضفاف غير متوقعة؟!
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: طوفان الأقصى فی إیطالیا على أن
إقرأ أيضاً:
من هو الشهيد محمد الضيف؟.. مرعب إسرائيل الذي أرهق الإحتلال لثلاثة عقود
أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مساء الخميس 30 يناير 2025، استشهاد قائدها العام محمد الضيف، بعد مسيرة طويلة، توجها بعمليتي "سيف القدس" (2021) و"طوفان الأقصى" (2023).
ولم توضح القسام، في كلمة مصورة لمتحدثها أبو عبيدة، ظروف استشهاد الضيف الملقب بـ"أبو خالد"، واكتفت بالإشارة إلى أنه ارتقى في ساحات القتال بقطاع غزة ضد إسرائيل "مقبلا غير مدبر".
ونعاه أبو عبيدة قائلا إنه "استشهد هو وثلة من الرجال العظماء أعضاء المجلس العسكري العام للكتائب في خضم معركة طوفان الأقصى حيث مواطن الشرف والبطولة والعطاء".
وأضاف أن هؤلاء القادة "حققوا مرادهم بالشهادة في سبيل الله التي هي غاية أمنياتهم كختام مبارك لحياتهم الحافلة بالعمل في سبيل الله، ثم في سبيل حريتهم ومقدساتهم وأرضهم".
وشدد على أن "هذا ما يليق بقائدنا محمد الضيف الذي أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة، فكيف بربكم لمحمد الضيف أن يُذكر في التاريخ دون لقب الشهيد ووسام الشهادة في سبيل الله؟".
وعلى مدى سنوات، نفذت إسرائيل محاولات عديدة لاغتيال الضيف، لكنها فشلت في تحقيق هدفها، رغم إصابته في إحدى تلك المحاولات.
آخر محاولة لاغتياله أعلنتها إسرائيل كانت في 13 يوليو/ تموز 2024، حين شنت طائرات حربية غارة استهدفت خيام نازحين في منطقة مواصي خان يونس جنوب غزة، التي صنفها الجيش الإسرائيلي بأنها "منطقة آمنة"، ما أسفر عن استشهاد 90 فلسطينيا، معظمهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 300 آخرين.
لكن "القسام" نفت آنذاك صحة اغتياله، قائلة: "هذه ليست المرة الأولى التي يدعي فيها الاحتلال استهداف قيادات فلسطينية، ويتبين كذبها لاحقا، وإن هذه الادعاءات الكاذبة إنما هي للتغطية على حجم المجزرة المروعة".
** فمن محمد الضيف؟
ولد محمد دياب إبراهيم الضيف عام 1965، لأسرة فلسطينية لاجئة عايشت كما آلاف العائلات الفلسطينية آلام اللجوء عام 1948؛ لتعيش رحلة التشرد في مخيمات اللاجئين قبل أن تستقر في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وفي سن مبكرة، عمل الضيف في أكثر من مهنة ليساعد أسرته الفقيرة، فكان يعمل مع والده في محل "للتنجيد".
درس الضيف في كلية العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وخلال هذه الفترة برز طالبا نشيطا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما أبدع في مجال المسرح، وتشبع خلال دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي.
وبدأ نشاطه العسكري أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث انضم إلى حماس في 1989، وكان من أبرز رجالها الميدانيين، فاعتقلته إسرائيل في ذلك العام ليقضي في سجونها سنة ونصفا دون محاكمة بتهمة "العمل في الجهاز العسكري لحماس".
وأوائل تسعينيات القرن الماضي، انتقل الضيف إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة "القسام" في قطاع غزة، ومكث فيها مدة من الزمن، وأشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام هناك.
في عام 2002، تولى قيادة كتائب القسام بعد اغتيال قائدها صلاح شحادة.
** مدافع عن القدس والأقصى
وعلى مدار حياته وقيادته في القسام، انشغل الضيف بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى في مواجهة اعتداءات إسرائيل.
هذا الأمر جعل اسمه يترد في الهتاف الشهير "إحنا رجال محمد ضيف" الذي بات يردده الفلسطينيون بالمسجد الأقصى في مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية له، رغم أنهم لا يهتفون عادة لأي شخصية سياسية سواء كانت فلسطينية أو عربية أو إسلامية.
وبدأ الشبان الفلسطينيون في ترديد هذا الهتاف بمنطقة باب العامود، أحد أبواب بلدة القدس القديمة، في بداية شهر رمضان عام 2021 الذي وافق آنذاك 13 أبريل/ نيسان، حينما كانوا يحتجون على إغلاق الشرطة الإسرائيلية المنطقة أمامهم.
وبعد احتجاجات استمرت أكثر من أسبوعين، تخللها إطلاق أكثر من 45 صاروخا من غزة، على تجمعات إسرائيلية محاذية له، تراجعت إسرائيل وأزالت حواجزها من باب العامود.
وآنذاك، حذر الضيف إسرائيل من مغبة الاستمرار في سياساتها في القدس.
ولاحقًا، تكرر اسم الضيف في مظاهرات تم تنظيمها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، احتجاجا على قرارات إخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها في الحي لصالح مستوطنين.
وعلى إثر ذلك، خصّ الضيف، في بيان صدر في 4 مايو/ أيار 2021، سكان الشيخ جراح بأول إطلالة بعد سنوات من الاختفاء الإعلامي.
إذ قال إنه يحيي "أهلنا الصامدين في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة"، مؤكدا أن "قيادة المقاومة والقسام ترقب ما يجري عن كثب”.
ووجه "تحذيرا واضحا وأخيرا للاحتلال ومغتصبيه بأنه إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا”.
وبعد أكثر من عامين من ذلك التاريخ، عاد الضيف للدفاع عن المسجد الأقصى، عبر عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي يُعتبر من مهندسيها.
إذ كان من أبرز مبررات إقدام "القسام"، على تلك العملية، تمادي إسرائيل في العدوان على القدس والمسجد الأقصى.
وعلى مدى نحو عقدين من الزمن، جاء الضيف على رأس قائمة الأشخاص الذين تريد إسرائيل تصفيتهم، حيث تتهمه بالوقوف وراء عشرات العمليات العسكرية في بداية العمل المسلّح لكتائب القسام.
ويفتخر جل الفلسطينيين بالضيف وبما حققه من أسطورة في التخفي عن أعين إسرائيل عقودا من الزمن، ودوره الكبير في تطوير الأداء العسكري اللافت لكتائب القسام، وخاصة على صعيد الأنفاق والقوة الصاروخية.
ويعزو جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" فشله لسنوات طويلة في تصفية الضيف إلى شخصيته، وما يتمتع به من حذر، ودهاء، وحسن تفكير، وقدرة على التخفي عن الأنظار، لدرجة أنه سماه "ابن الموت".
** "كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا"
وسابقا، نجا الضيف من عدة محاولات اغتيال منها في أغسطس/ آب 2014، حيث قصفت إسرائيل منزلا شمالي مدينة غزة بخمسة صواريخ، ما أدى إلى مقتل 5 فلسطينيين بينهم زوجة القيادي الضيف (وداد) وابنه علي.
كذلك، حاولت إسرائيل اغتيال الضيف عام 2006، وهو ما تسبب، وفق مصادر إسرائيلية، في خسارته لإحدى عينيه، وإصابته في الأطراف.
وحاولت إسرائيل اغتياله للمرة الأولى عام 2001، لكنه نجا، وبعدها بسنة تمت المحاولة الثانية والأشهر، والتي اعترفت إسرائيل فيها بأنه نجا بأعجوبة وذلك عندما أطلقت مروحية صاروخين نحو سيارته في حي الشيخ رضوان بغزة.
وكان آخر المشاهد المسجلة للضيف ظهوره ضمن وثائقي "ما خفي أعظم" على قناة الجزيرة، وهو يضع اللمسات الأخيرة لعملية "طوفان الأقصى".
وحينها ردد كلمات لخصت مسيرته وهو يشير إلى خريطة فلسطين، جاء فيها:
كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا
ولِي في هذه الأرض آلافُ البُذُور
ومهما حاوَل الطُّغاةُ قلعَنَا ستُنبِتُ البُذُور
أنا هنا في أرضِي الحبيبة الكثيرة العطاء
ومثلُها عطاؤُنا نواصِلُ الطَّريق لا نوقفُ المَسير