في "تصنيع" سرديّة داعش
لم يقوَ تنظيم داعش وينتشر ويصعد إلّا بعد اغتيال حلم الديمقراطية بعد الربيع العربي.
ينساق خطاب الغرب الإعلامي والسياسيين اليوم بسهولة إلى وضع حماس (طالما اتّهمتها "القاعدة" و"داعش" بأوصاف سلبية) بأنّها تنظيم داعش.
ألم نقل لكم، أميركا أساس البلاء والحكومات العربية متواطئة والديمقراطية كذبة أميركية غربية أمام حقيقة واحدة صلبة، قالها قبل ثلاثة عقود هنتنغتون "صدام الحضارات"!
دعشنة "حماس" عنوان الرواية الإسرائيلية والأميركية بدعم حكوماتٍ غربية، وهو عنوانٌ يسهّل على حكومة نتنياهو القيام بجرائم ضد الإنسانية، طالما أنهم يقاتلون "حيواناتٍ بشرية"!
تقود إبادة غزّة لمرحلة جديدة تجتاح فيها رياح الغضب والمظلومية والرغبة بالانتقام ملايين البشر، وموجة جديدة خطيرة من العنف الدموي، وقد يخرُج بعدها من يتساءل: لماذا يكرهوننا؟!
* * *
بصورة موازية ومكثّفة لمجريات الحرب العسكرية في غزّة اليوم، تدور رحى حربٍ شرسة بين الروايات والسرديات، التي تمثّل أحد أهم الأبعاد الاستراتيجية والرمزية في حروب اليوم، بخاصة مع دخول الإعلام المجتمعي والتكنولوجيا الحديثة في صلب صناعات السياسات والمواقف وتعليب الرأي العام.
وربما صُدم عرب ومسلمون كثيرون، فضلاً عن الفلسطينيين، بالانحياز الطاغي للسياسات الغربية والأميركية والإعلام الغربي للرواية الإسرائيلية، بل والمساعدة على بنائها ونشرها.
وبسرعة البرق، التقط العالم السردية الإسرائيلية وعمل الإعلام الغربي والساسة الغربيون على وسم حركة حماس بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومضى الإعلام الغربي في بناء هذه الصورة الذهنية في أوساط الرأي العام العالمي، وتداول صور وفيديوهات مفبركة لهجوم "حماس"، وتجاهل الكوارث الإنسانية وحرب الإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في القطاع المحاصر المنكوب.
دعشنة "حماس" هو عنوان الرواية الإسرائيلية والأميركية بمساندة من حكوماتٍ غربية، وهو عنوانٌ يسهّل على حكومة نتنياهو القيام بجرائم ضد الإنسانية، طالما أنهم يقاتلون "حيواناتٍ بشرية" (شبيهة بجنود تنظيمي القاعدة وداعش في المنظور الإعلامي الغربي)، وسهّلت على الحكومات الغربية أن تُغمض عينيها عما يحدُث من فظائع!
لكن المفارقة أنّ هنالك طرفاً آخر نسيه مكتب الرئيس الأميركي بايدن ومستشاروه (الذين تفانوا في إظهار مشاعرهم وعواطفهم تجاه اليهود)، وهو "داعش" نفسه ومعه "القاعدة"، اللذان تمثّل لهما أحداث غزة بيئة مثالية مناسبة جداً لتطوير سرديّتهم، وتدشين فصل جديد فيها، واستقطاب وتجنيد آلاف الشباب العربي والمسلم المحبط والمصدوم من المواقف الغربية والأميركية التي أخذت مواقف سافرة ضد حقوق الشعب الفلسطيني.
لا يوجد سيناريو أفضل ولا أقوى مما يحدُث حالياً ليقف خلفاء بن لادن والزرقاوي والبغدادي والظواهري في كل مكان في العالم الإسلامي، ويصوغون رسالتهم السياسية والإعلامية بكل قوة:
ألم نقل لكم، أميركا هي أساس البلاء والحكومات العربية متواطئة، والديمقراطية كذبة أميركية غربية أمام حقيقة واحدة مفصلية، وهي التي قالها قبل ثلاثة عقود، صموئيل هنتنغتون "صدام الحضارات"!
لتذكير السياسيين الغربيين الذين تسابقوا على توصيف ما حدث بـ11 سبتمبر الإسرائيلية، كما فعل الدبلوماسي الأميركي، مارتن أنديك، أنّ "11 سبتمبر" في نيويورك وواشنطن جاءت بعد عام من دخول شارون إلى المسجد الأقصى وانتفاضة الأقصى، واشتعال الأراضي المحتلة.
وبعدها أعادت مراكز التفكير والخبرة في واشنطن صوغ السؤال المعروف والشهير "لماذا يكرهوننا؟"، وخرجت مجموعة من الباحثين والسياسيين ببيان خطير تحت عنوان "لماذا نقاتل؟!" لتبرير الحرب في أفغانستان.
وردّت عليهم حينها نخبة من العلماء والمفكرين السعوديين (سلمان العودة وسفر الحوالي وغيرهما) ببيان أُطلق عليه بيان مكّة بعنوان "على أي أساس نتعايش؟" في محاولة للفت الانتباه إلى أنّ سيناريو "صدام الحضارات" سيأخذ الجميع إلى مساراتٍ كارثية.
لم تنته الحربُ على الإرهاب (التي أطلقها المحافظون الجدد) بهزيمة "القاعدة" في أفغانستان، ولا بخروج حركة طالبان من الحكم هناك، ولا باحتلال العراق (في ربط آخر غريب بين نظام صدّام حسين و"القاعدة"، لتبرير تدمير قدرات العراق والجيش العراقي لصالح إسرائيل أيضاً).
بل خرج لاحقاً ما هو أكثر راديكالية وقدرات من "القاعدة"، إنّه تنظيم داعش الذي أرعب العالم، وجنّد عشرات الآلاف من الشباب والشابات، وشكل طفرة كبيرة في مسار الحركات المتشدّدة والراديكالية.
ثم لمّا هُزم عسكرياً بصعوباتٍ شديدة، فإنّ "طالبان" تمكّنت، مرّة أخرى، من العودة إلى أفغانستان بتوقيع من البيت الأبيض نفسه، الذي وجد نفسَه عاجزاً بعد آلاف الجنود القتلى ومليارات الدولارات على حساب الشعب الأميركي.
المفارقة أنّ الخطاب الإعلامي الغربي والسياسيين الغربيين والأميركيين ينساقون اليوم بسهولة إلى وضع حركة حماس (طالما اتّهمت من "القاعدة" و"داعش" بشتّى الأوصاف السلبية) بأنّها تنظيم داعش.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ ملايين المؤيدين لهذه الحركة في كل أنحاء العالم مع القاعدة الاجتماعية الفلسطينية والعربية والإسلامية كلهم تستعديهم الولايات المتحدة اليوم وحكومات غربية، وتؤجج مشاعر الغضب والإحباط والصدمة لديهم من هذا الصمت العالمي تجاه ما يحدُث في غزّة.
لم يقوَ تنظيم داعش وينتشر ويصعد إلّا بعد اغتيال حلم الديمقراطية بعد الربيع العربي. واليوم تقودنا حرب إبادة غزّة إلى مرحلة جديدة تجتاح فيها رياح الغضب والشعور بالظلم والرغبة في الانتقام ملايين البشر، ولموجة جديدة خطيرة من العنف الدموي، وأرجو ألا يخرُج بعدها من يتساءل: لماذا يكرهوننا؟!
*د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أميركا الغرب إسرائيل داعش القاعدة سردية حماس الديمقراطية الربيع العربي الرأي العام جو بايدن جرائم ضد الإنسانية إبادة غزة تنظیم داعش ة جدیدة
إقرأ أيضاً:
دول غربية تلتزم بتطبيق أمر الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت
أعلنت عدد من الدول العربية والغربية، اليوم الخميس 21 نوفمبر 2024، إلتزامها بقرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يؤاف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في قطاع غزة .
وقالت بيترا دي سوتر، نائبة رئيس وزراء بلجيكا، إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي الامتثال لمذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق نتنياهو ووزير جيشه غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وأضافت دي سوتر، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: "يتعين على أوروبا أن تمتثل (للقرار)، وتفرض عقوبات اقتصادية، وتعلق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، وتدعم مذكرتي الاعتقال".
وأشارت إلى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن تمر دون عقاب.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية اليوم إن رد الفعل الفرنسي على أمر المحكمة الجنائية الدولية باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيكون متوافقا مع مبادئ المحكمة.
بدوره أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي اليوم أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن "تنفذ وتحترم" وإن الفلسطينيين يستحقون العدالة.
وجاء ذلك في رد فعله على أوامر اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
وفي وقت سابق الخميس، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو، وغالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب الإبادة على قطاع غزة.
جاء ذلك في بيان عبر حسابها الموثق في منصة "إكس".
وقالت المحكمة: "الغرفة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية ترفض الطعون التي تقدمت بها إسرائيل بشأن الاختصاص القضائي، وتصدر أوامر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت".
وفي 20 مايو/ أيار الماضي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتكبها الجيش الإسرائيلي بغزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
كما طلب خان مرة أخرى في أغسطس/ آب الماضي من المحكمة سرعة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وبدعم أمريكي ترتكب قوات الاحتلال الٌإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
المصدر : وكالة سوا - صحيفة القدس العربي