دعم واشنطن لإسرائيل وأسس المسيحية الصهيونية
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى، أظهرت الولايات المتحدة دعما غير مسبوق لإسرائيل تخطى كل الدعم التاريخي الذي التزم به كل الرؤساء الأميركيين السابقين، الجمهوري منهم أو الديمقراطي. وخلال زيارته لإسرائيل، قال وزير الخارجية توني بلينكن "الرسالة التي أحملها إلى إسرائيل هي: قد تكون قويا بما يكفي للدفاع عن نفسك، ولكن ما دامت أميركا موجودة، فلن تضطر أبدا إلى ذلك، سنكون دائما بجانبك".
لا يمكن فهم دوافع الولايات المتحدة لاتخاذ مثل هذه الموقف من دون العودة للعامل الديني الذي يعد حجر الأساس الأهم، إن لم يكن الوحيد، في مصادر الدعم لإسرائيل داخل الولايات المتحدة.
فجماعات المسيحيين اليمينيين "البروتستانت الإنجيليين" في أميركا، تدفع للتعجيل بسيطرة إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة، إيمانا منها بأن هذا يُسرّع عودة المسيح الثانية.
ويعتقد والتر راسییل میید، الباحث بمعهد هادسون والكاتب بصحيفة وول ستريت جورنال، أن "التأيید الأميركي البروتستانتي للیھود وإسرائیل وُجد قبل أن يطأ الیھود الدولة الأميركیة الناشئة، وقبل أن تتأسس دولة إسرائیل".
ويرى أن عقيدة البروتستانت الإنجيليين مفادھا أنه قبل نھاية العالم سیرجع المسیح، ويمكث في الأرض ألف سنة مع المسیحیین المؤمنین، وبعد ذلك تنتھي الدنیا. ولكن المسیح -وفق ھذه العقیدة- لن يرجع إلى الأرض قبل أن يرجع جمیع الیھود إلى فلسطین.
ترجع جذور هذه العقيدة إلى ما حمله غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الأراضي الأميركية من عقيدة بروتستانتية أصولية حاولوا تطبيقها في مجتمعاتهم الأوربية ولم ينجحوا. ومنذ بداية تأسيس الدولة الأميركية في القرن الـ17، لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية الدولة.
وتأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية.
تتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية، أولاهما هيمنة الاتجاه الأصولي عليها، وسيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين.
مصطلح المسيحية الصهيونية لم تتم الإشارة إليه كثيرا قبل حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وتصنف هذه المدرسة ضمن جماعات حركة البروتستانت الإنجيليين (Protestant Evangelical)، ولهذه الحركة ما يقرب من 80 مليون تابع داخل الولايات المتحدة.
وتريد المسيحية الصهيونية إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم. وفي نظرهم، يتم ذلك عن طريق تحقيق هيمنة إسرائيلية كاملة على كل فلسطين، كون فلسطين هي "الأرض الموعودة". وتعتقد المسيحية الصهيونية أن من شأن القيام بذلك تعميم البركة الإلهية على العالم كله.
ويمكن تعريف المسيحية الصهيونية بأنها "المسيحية التي تدعم الصهيونية"، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة اسم "المسيحيين المتصهينين".
نشأة الحركةنشأت المسيحية الصهيونية -كما نعرفها اليوم- في القرن الـ17 في إنجلترا، حيث تم ربطها بالسياسة لا سيما بتصور قيام دولة يهودية حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس، ومع بدء الهجرات الواسعة إلى الولايات المتحدة أخذت الحركة أبعادا سياسية واضحة وثابتة، كما أخذت بعدا دوليا يتمثل في تقديم الدعم الكامل للشعب اليهودي في فلسطين.
وتتصل جذور هذه الحركة بتيار ديني يعود إلى القرن الأول للمسيحية ويسمى بتيار الألفية (Millenarianism)، والألفية هي معتقد ديني نشأ في أوساط المسيحيين من أصل يهودي، وهو يعود إلى استمرارهم في الاعتقاد بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك سموا بالألفية.
ويعد تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة هو أول من استخدم مصطلح "الصهيونية المسيحية"، وعرف المسيحي المتصهين بأنه "المسيحي الذي يدعم الصهيونية"، بعد ذلك تطور المصطلح ليأخذ بعدا دينيا، وأصبح المسيحي المتصهين هو "الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح".
هرتزل نفسه آمن وطرح فكرة الدولة اليهودية ولم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني، وأعلن استعداده لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين، أما المسيحيون المتصهينون، فقد آمنوا بأن فلسطين هي وطن اليهود، واعتبروا ذلك شرطا لعودة المسيح، لذا انتقدوا الموقف المتساهل من قبل هرتزل.
ويشهد الإعلام الأميركي حضورا متزايدا لهذه التيار، إذ إن هناك ما يقرب من 100 محطة تلفزيونية، إضافة إلى أكثر من ألف محطة إذاعية، ويعمل في مجال التبشير به ما يقرب من 80 ألف قسيس.
تترجم حركة المسيحية الصهيونية أفكارها إلى سياسات داعمة لإسرائيل، وتطلب ذلك خلق منظمات ومؤسسات تعمل بجد نحو تحقيق هذا الهدف. لذا، قامت حركة المسيحية الصهيونية بإنشاء عديد من المؤسسات مثل "اللجنة المسيحية الإسرائيلية للعلاقات العامة"، و"مؤسسة الائتلاف الوحدوي الوطني من أجل إسرائيل"، ومن أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائيل لدى المؤسسات الأميركية المختلفة، السياسي منها وغير السياسي. وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل"، التي يرأسها القس جو هاجي، من أهم هذه المؤسسات ذات النفوذ الطاغي في السياسة الأميركية.
هناك أيضا القس رون لادور، والقس روبرت جيفريس، وهم من أكثر القساوسة تطرفا وعنصرية في دعمهم للأساطير الإنجيلية بشأن إسرائيل والأراضي المقدسة.
وفي الوقت الذي يصوت فيه اليهود الأميركيون بنسبة كبيرة للمرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية، يصوت المسيحيون المتصهينون بنسبة كبيرة جدا للمرشحين الجمهوريين.
وحصد الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات 2016 و2020 على نحو 80% من أصوات هذه الكتلة التصويتية، ومع ذلك لم يخرج الرئيس بايدن وإدارته عن خط الدعم الكامل لإسرائيل، وذلك لأسباب دينية في جوهرها، وإن كانت تغطيها اعتبارات جيوستراتيجية في بعض الحالات.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
هل تنجح واشنطن بفك التحالف بين روسيا والصين؟
تعتبر الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم، إذ تمتلك أكبر جيش وأضخم اقتصاد، ومع ذلك تشعر الإدارة في واشنطن بالقلق المستمر.
العلاقة بين موسكو وبكين هي الأكثر إثارة للقلق
وكتب الباحث البارز في معهد "كايتو" دوغ باندو، في موقع "1945" أن ظهور العديد من الأنظمة المعادية للولايات المتحدة شكل مفاجأة في واشنطن.
ووصف خبراء "المحور" الجديد المعادي لأمريكا بأنه تهديد خطير، ما يجعل البعض يعتقد أجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة عادت.
Some US foreign policy analysts lmagine they can break up the new axis of evil, #China & #Russia. Good luck. Best hope is ending US proxy war-plus against Moscow. But neocon war lobby is agst, I discuss for @19_forty_five https://t.co/KFIxsGy5HU
— Doug Bandow (@Doug_Bandow) January 26, 2025نصائح قديمة
واقترح المحللون سابقاً التحالف مع موسكو، قائلين إن إيقاف صعود نفوذ الصين السريع لا يمكن إلا من خلال إبعادها عن روسيا.
ويبدو أن هذا رأي الرئيس ترامب أيضاً، الذي قال في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: "الشيء الوحيد الذي لا تريدون حدوثه أبداً هو اتحاد روسيا والصين، سأضطر إلى تفكيك وحدتهما، وأعتقد أنني أستطيع ذلك".
مع من يجب التحالف؟وأضاف باندو أن فكرة إضعاف التحالف الصيني الروسي عبر تحويل أحد خصوم واشنطن الرئيسيين إلى شريك هي فكرة جذابة، لكن السؤال هو: مع من ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى إلى التحالف؟
عام 1972، كانت الصين الثقل الموازن الواضح للاتحاد السوفييتي، لكن الأمور تغيرت اليوم، حيث يُعترف على نطاق واسع بالصين كأكبر تهديد، ومن المرجح أن تصبح خصماً هائلًا في المستقبل.
لذا فإن الهدف المعقول هو جعل موسكو شريكاً استراتيجياً، لكن هذا سيكون مستحيلاً تقريباً طالما استمرت الحرب الروسية-الأوكرانية.
صمود ومناوراتيقول الكاتب إن الرأي السائد في واشنطن هو أن الولايات المتحدة يجب أن تزيد من ضغوطها على الدولتين الرئيسيتين في "المحور" وأن تعاقبهما بشكل أقوى وأكثر فاعلية.
ومع ذلك، نجحت روسيا في التكيف مع العقوبات، فيما تتمتع الصين بشركاء تجاريين أكثر.
واستفادت الصين بشكل كبير من العقوبات على روسيا، ووفقاً لمجلة إيكونوميست، تشتري بكين النفط والغاز بأسعار منخفضة من روسيا، وستدفع ثمنهما بعملتها غير القابلة للتحويل".
علاوة على ذلك، ستكون تكلفة الحرب الاقتصادية المستمرة مرتفعة على الجميع، ولن تجد الولايات المتحدة سوى القليل من الدعم لمثل هذه الحملة.
ويعاقب الغرب بكين أساساً لأسباب أخرى كالعلاقات مع كوريا الشمالية، والتهديدات ضد تايوان، والتقدم في التكنولوجيا الحيوية، وغيرها. وكلما طالت قائمة العقوبات الأمريكية، ازدادت احتمالات فك الارتباط بين الصين والولايات المتحدة بدلاً من الرضوخ.
لماذا تعززت الشراكة؟وحتى لو حاولت واشنطن تعطيل العلاقات بين الصين وروسيا، فكيف لها أن تفعل ذلك؟ فرغم وجود بعض التوترات بين البلدين، إن علاقتهما اليوم أكثر انسجاماً مما كانت عليه تاريخياً.
والأهم، ليس لدى بكين وموسكو أي سبب للثقة في واشنطن.
وقال معهد بروكينغز إن "الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا ستستمر طالما استمرت كل منهما في رؤية الولايات المتحدة خصماً لها، كما لا تعتقد بكين ولا موسكو أنهما ستكسبان أي شيء من العمل مع واشنطن لكبح نفوذ الأخرى". ويعلق باندو متسائلاً: "من يستطيع أن يلومهما؟"
خطوات مستحيلةويوضح الكاتب أن سياسة واشنطن تجاه كلا البلدين معادية بشكل صريح، متسائلاً لكن كيف يمكن احتواء بكين فيما تسعى واشنطن إلى محاصرتها عسكرياً واقتصادياً وتعاملها باعتبارها عدواً محتملاً؟
Europe had the chance to become a prosperous and peaceful region if we had embraced Russia after 1991.
But no, NATO saw that as a threat to its existence—it needed an enemy to stay relevant.
And what’s the result?
Russia has been pushed straight into the arms of China, Iran, and… https://t.co/Ryj8AUUrI4
وفي حالة روسيا، انتهكت أمريكا وأوروبا العديد من الضمانات بعدم توسع حلف شمال الأطلسي، واستغلتا ضعف موسكو لتوسيع الحلف إلى حدود روسيا، وتفكيك صربيا الصديقة التاريخية لروسيا، وسعت إلى استبعاد موسكو من شؤون البلقان، ودعمت تغيير النظام على طول حدود روسيا.
الحرب الأوكرانيةويشير الكاتب إلى ضرورة إعطاء الأولوية لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، فمن شأن ذلك أن يعزز أمن الولايات المتحدة مع تحسين علاقات موسكو مع الغرب، وبالتالي تقليل الضغوط على روسيا للتحالف مع الصين.
وختم باندو "أمريكا قد لا تكون قادرة على تفيكيك أعضاء المحور الجديد، لكن يمكنها على الأقل أن تتوقف عن دفعهم للعمل معاً.