ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذِّكر في الصلاة الإبراهيمية، التي تقال في التشهد الأخير في الصلاة من دون سائر الأنبياء، فنقول: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم... إلخ"؟ وهل هذا يتعارض مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل خلقِّ الله على الإطلاق؟

حكم زيادة لفظ سيدنا في التشهد الأخير في الصلاة الإبراهيمية.

. تعرف عليه المولد النبوي .. حكم زيادة لفظ سيدنا بالصلاة الإبراهيمية وفضلها

وأضافت دار الإفتاء، أن الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر دون غيره من الأنبياء عليهم السلام تظهر من عدة أوجه:

- أن سيدنا إبراهيم عليه السلام سأل اللهَ أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين.

- أنه سمَّانا مسلمين من قَبْل، فله علينا منَّة عظيمة، فجاء التخصيص من باب المجازاة ومقابلة الإحسان بالإحسان.

- أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو دعوة إبراهيم عليه السلام.

- أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام.

- أنه سلَّم على أمة سيدنا محمد دون سائر الأنبياء ليلة المعراج.

- أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا.

كما أن طلب الصلاة والبركة لسيدنا محمد مثل سيدنا إبراهيم عليهما السلام لا يتعارض مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق على الإطلاق؛ لاحتمال أن التشبيه ليس على بابه، وإنما لبيان حال المشبه من غير نظر إلى قوة المشبه به، أي: بيان حال ما لا يُعرَف بما يُعرَف، أو أن التشبيه على بابه وله عدة معان تنافي الأفضلية في القدر، وهي:

- أنه عليه الصلاة والسلام إما سأل ذلك له ولأمته على المجموع بأن آل محمد كل من اتَّبَعَهُ؛ تَكْرِمَةً لهم، بأن يُكَرَّمَ رسولهم على ألسنتهم، ولأجل أن يُثَابُوا عليه.

- أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد: اللهم أَجِبْ دعاء ملائكتك الذين دعوا لآل إبراهيم، فقالوا: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، وفي محمد وآله، كما أجبته في الذين وُجدوا يومئذ من أهل بيت إبراهيم، فإنه وآله من أهل بيته أيضًا.

- أو أراد: اللهم تَقَدَّمَتْ منك الصلاة على إبراهيم، وعلى آله، فنسأل منك الصلاة على محمد وآله، تشبيهًا لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر.

- أو أنه تشبيه في عطيةٍ تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن حصلت له قبل الدعاء؛ لأن الدعاء إنما يتعلق بمعدوم في المستقبل.

بيان فضل الصيغة الإبراهيمية للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من صيغ الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: الصيغة التي عَلَّمَهَا صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه حينما سألوا عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ورد عن كعب بن عُجْرَةَ رضي الله عنه قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» متفقٌ عليه.

دعاء قصير يقال بعد التشهد .. أدركه بـ 4 كلمات للمغفرة والعفو حكم من نسى الركوع وتذكره أثناء التشهد الأخير.. اعرف التصرف الشرعي

وهذه الصيغة تُسمَّى بـ"الصيغة الإبراهيمية"، وهي أفضل صِيَغِ الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (2/ 478، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ومعلومٌ أن أفضل الصِّيَغِ: الصِّيغَةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّة] اهـ.

الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر في الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير في الصلاة
المُلاحظ في هذه الصيغة الشريفة أن سيدنا إبراهيم عليه السلام هو الذي خُصَّ بالذِّكر دون غيره من سائر الأنبياء عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم السلام، وقد تواردت أقوال العلماء على بيان الحكمة من هذا التخصيص من عدة أوجه:

الأول: أنه عليه الصلاة والسلام سأل اللهَ تعالى أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين، فمِنْ ثمَّ كانت صلاة الأمة المحمدية الخاتمة عليه.

قال الإمام ابن المُلَقِّن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (3/ 471، ط. دار العاصمة): [فإن قلت: فلم خُصَّ التشبيه بإبراهيم عليه السلام دون غيره من الرسل؟ والجواب من أوجه: أحدها: لأنه سأل الله أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين] اهـ.

الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام سمَّى الأمة المحمدية مُسْلِمين قبل ظهورها، فله علينا منَّة عظيمة؛ فجازيناه بذلك التشبيه.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 514، ط. دار الفكر): [(قوله: وَخُصَّ إبراهيم.. إلخ) جوابٌ عن سؤال تقديره: لِمَ خُصَّ التشبيه بإبراهيم دون غيره مِن الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام؟

فأجاب بثلاثة أجوبة:. والثاني: أنه سَمَّانَا المسلمين كما أخبرنا عنه تعالى بقوله: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: 78]؛ أي بقوله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: 128]، والعرب من ذريته وذرية إسماعيل عليهما السلام، فقصدنا إظهار فضله مجازاةً على هذين الفعلين منه] اهـ.

الثالث: أن نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هو دعوة إبراهيم عليه السلام؛ لذا خُصَّ عليه الصلاة والسلام من دون الأنبياء بصلاة أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليه.

قال الإمام ابن المُلَقِّن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (3/ 471) في ذكر أوجه تخصيص التشبيه بسيدنا إبراهيم عليه السلام: [ثالثها: لأن نبينا دعوة إبراهيم عليه السلام، في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ الآية [البقرة: 129] فخُصِّصَ به] اهـ.

الرابع: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلَّم على كلِّ نبي، ولم يُسَلِّم أحدٌ منهم على أمته غير سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نُصَلِّي عليه في آخر كلِّ صلاةٍ إلى يوم القيامة جزاءً له على إحسانه.

قال الإمام بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (4/ 260، ط. مكتبة الرشد): [فإن قيل: لم خصَّ إبراهيم عليه السلام من بين سائر الأنبياء عليهم السلام بذكرنا إيَّاه في الصلاة؟

قلت: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلَّم على كلِّ نبي، ولم يُسَلِّم أحدٌ منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام، فأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نُصَلِّي عليه في آخر كلِّ صلاةٍ إلى يوم القيامة مجازاةً على إحسانه] اهـ.

الخامس: أنَّ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم مَن حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دَعَا أهلُه وأولاده بهذه الدعوة، فأُمِرْنَا بذكرهم في الصلاة؛ مُجازاةً على حُسْن صنيعهم.

قال العلامة بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (4/ 260، ط. مكتبة الرشد): [يقال: إن إبراهيم عليه السلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم مَن حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دَعَا أهلُه وأولاده بهذه الدعوة، فأُمِرْنَا بذكرهم في الصلاة؛ مُجازاةً على حُسْن صنيعهم] اهـ.

السادس: أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، وقد استجاب الله دعاء عباده، فاتخذه الله تعالى خليلًا أيضًا.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 514) في بيان أوجه تخصيص سيدنا إبراهيم بالسلام: [الثالث: أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، وقد استجاب الله دعاء عباده، فاتخذه الله تعالى خليلًا أيضًا، ففي حديث الصحيحين: «وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ»] اهـ.

بيان أن ذكر سيدنا إبراهيم في التشهد لا يتعارض مع أفضلية سيدنا محمد عليهما السلام على سائر الخلق
طلب الصلاة والبركة من الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما صلَّى وبارك على سيدنا إبراهيم عليه السلام وعلى آله، أي: تشبيهًا له بإبراهيم عليه السلام كما ورد في نَصِّ الصيغة المذكورة في أول كلامنا، -فليس متعارضًا مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل خلق الله على الإطلاق؛ فإن الثابت الذي لا يقبل شكًّا أو احتمالًا أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل الخلق على الإطلاق، وقد دلَّت نصوص الشرع الشريف على ذلك، ومنها: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» رواه مسلم.

وقد نصَّ العلماء على أنَّ هذا الحديث النبوي الشريف يُفيد أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 37، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهذا الحديث دليل لِتَفْضِيلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم على الخلقِ كُلِّهِمْ؛ لأن مذهب أهل السُّنَّة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الآدميين وغيرهم] اهـ.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء سيدنا ابراهيم الصلاة الابراهيمية التشهد الصلاة الأنبياء النبی صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وآله وسلم أفضل سیدنا إبراهیم علیه السلام ا صلى الله علیه وآله وسلم ه صلى الله علیه وآله وسلم علیه الصلاة والسلام الصلاة الإبراهیمیة على سیدنا محمد التشهد الأخیر على الإطلاق قال الإمام الصلاة على الله تعالى خلیل ا کما فی الصلاة فی التشهد محمد علیه أمة محمد أن سیدنا ع ل ى آل

إقرأ أيضاً:

قصة المحكي الشعبي: خاطف خضر عليه السلام

 

 

د. مريم بنت حميد الغافرية **

ارتبطت شخصية "الخضر" بالعِلم الإلهي والكرامات، ويظهر الخضر في سورة الكهف مع النبي موسى عليه السلام كرمز للعلم اللدُنِّي (العلم الغيبي)، الذي لا يُدرَك بالعقل البشري، وهذا ما أعطى له بُعدًا روحيًّا قويًّا وجعل الناس يربطونه بالأسرار الإلهية والكرامات.

ظهرت شخصية الخضر لأول مرة في قصص القرآن الكريم، في سورة الكهف، التي حكت قصته من الآية (60- 82)، يظهر الخضر معلمًا للنبي موسى عليه السلام، وهو يحمل علمًا لدُنيًّا لا يعرفه الأنبياء إلا -بإذن الله تعالى- ومن خلال أفعاله الغريبة:

(خرق السفينة، قتل الغلام، وإقامة الجدار) يتضح أنه يفعل أشياء ظاهرها شر وباطنها خير.

هذا التقديم القرآني الفريد لأحداث اللقاء وسرد الحوار القصصي؛ أعطى شخصية الخضر ميزات أسطورية، منها:

العلم اللدُنِّي الحكمة العميقة القدرة على خرق قوانين الظاهر الارتباط بالكرامات

بعد انتشار الإسلام والظهور القرآني؛ تلقفت الحكاية الشعبية شخصية الخضر ووظفتها بأساليب فنية وثقافية، فصار رمزًا روحيًّا في القصص الشعبية، بل إن ذكره عند العوام أصبح يتكرر في معرض المحكي الشعبي اليومي، صار الخضر يمثل رمزيات متعددة وأصبح:

رمزًا للحكمة الخارقة (العلم اللدُنِّي)، في القصص كثيرًا ما يظهر؛ ليقدم حلا لمشكلة تبدو مستحيلة، لكنه يفعلها بطريقة لا تخطر على بال بشر. رمزًا للمُنقِذ الغيبي؛ فيستحضر الحكواتي أو السارد الخضر في لحظة الأزمات (في البحر، في الصحاري، في المرض، في الحروب...) وبعضهم في الدعاء الصوفي: "يا خضر أدركني"... رمزًا للتجوال الأبدي؛ ففي بعض الحكايات الشعبية تصور الخضر على أنه لم يمتْ، وما زال يجوب الأرض. رمزًا للارتباط بالماء والخضر؛ فكلمة الخضر ارتبطت بالخصب والبركة.

وقد وُظفت رمزيته في الحكايات الشعبية بصور مختلفة، منها:

يعد الخضر "شيخ الأولياء" في الحكايات الصوفية، يظهر لمن بلغ مقامًا روحيًّا معيَّنًا. يظهر في حكايات النساء؛ يُروى أنه يساعد امرأة في ورطة أو يظهر لها كرامة. يظهر في القصص الريفية؛ فيأتي في صورة رجل مسافر بسيط لا يُعرف إلاّ بعد رحيله. وقد تعددت رموز شخصي الخضر في الأدب الشعبي؛ فرمز إلى المرشد الروحي، البركة، الحضور في الكرامات وبقوة، ورمز التصوف، والحكمة اللدنية.  شخصية الخضر في الأدب الصوفي.

وكان للصوفية دور مهم في نشر رمزية الخضر كـ"الهادي الغيبي" أو "الرفيق الروحي" وهو ما انعكس في القصص الشعبية بقوة. إن غموضه جعله أرضًا خصبة للأساطير والحكايات، كل بيئة تضيف له صبغتها؛ ففي المشرق يظهر في صور الأولياء والصالحين وأصحاب الكرامات؛ أما في المغرب العربي؛ فله مكانة خاصة كجامٍ للعيون والينابيع.

شخصية الخضر في الحكايات الشعبية العُمانية

تجلت صورة الخضر في الحكايات الشعبية العمانية، كفاتحة للحديث عن الأشياء العظيمة، وكثيرًا ما تنتهي في معرض التأمين بعد الدعاء أو أثنائه عند الحكواتيين أو كبار السن، ففي حكايات عمان الداخل وجبال الحجر الغربي والشرقي وبعض قرى الساحل، يذكرون الخضر في حديثهم المحكي بالعامية "خاطف خضر عليه السلام" أثناء سرد الحكاية أو قبل الختام وتأتي في جملة التأمين على الدعاء" يا خاطف خضر عليه السلام".

إن أغلب السرد المسموع عن الحكواتي والراوي يتضمن هاتين العبارتين:

" خاطف خضر عليه السلام"، "يا خاطف خضر عليه السلام"، والحكايات الشعبية تظهر الخضر صاحب كرامة وأنه من أولياء الصالحين، وغالبًا ما يكون الخضر هو البطل المنقذ في الأزمات.

وتتجلى كرامات الخضر في حكاية سالمة أخت الحطَّاب؛ إذ تقول الحكاية:

كان هناك ولدٌ شاب وأخته اسمها سالمة، يعيشان بحب وسعادة وتعاون. الأخ يعملُ حطابًا، وأخته سالمة تطبخ الطعام وتخبز على الرحى.

مرت الأيام وكبُر الأخوان...فكرت سالمة في البحث عن زوجة مناسبة لأخيها الحطاب، وبعد بحث طويل؛ وجدت زوجة لأخيها... عاش الثلاثة معًا. مرت الأيام وبدأت الزوجة تغار من سالمة وفكرت في طريقة للتخلص منها بعد أن كبرت ابنتها وأصبحت تساعدها في شؤون البيت. أصبح وجود سالمة مزعجًا بالنسبة لها.

بدأت تخطط وقالت لزوجها: ما رأيك أن تأخذ أختك سالمة؛ لتحتطب معك وتبقى إلا الليل ثم تتركها لتعيش حياتها، ونحن نعيش حياتنا... فكر الحطاب كثيرا ثم قال لزوجته: أخشى على أختي من الجوارح والسباع. قالت الزوجة: إن أختك نجيبة وتحسن التطرف.

اصطحب الحطاب أخته، التي كانت سعيدة بمرافقته. طال النهار وحضر موعد الغداء وتغديا سويا ومرت سويعات النهار، وجن الليل وأخبر سالمة أنهما سيبيتان في ذلك المكان. مرت ساعات الليل الأولى وتأكد أن أخته نامت؛ تركها مسرعا للبيت وأخبر زوجته بالتفاصيل؛ فهونت عليه.

أشرقت الشمس لتجد سالمة نفسها في الصحراء، فكرت بعد حزن وبكاء أن ترسم ما تتخيله في ذهنها من أشجار وأنهار وقصور وبدأت ترسم على الأرض؛ مر عليها الخضر وسألها عن الماء فأعطته مما تبقى عندها، وسألها عن الطعام فأعطته ما بقي من طعام. شكرها ثم مسح بيديه على تلك الرسومات وتحولت الأرض إلى غابة من الأشجار المثمرة والأنهار والقصور الجميلة؛ لتعيش سالمة بنعمة ونعيم.

مرت الأيام وبعد مدة حن الحطاب لمعرفة مصير أخته وما حل بها، وفعلاً ذهب للمكان الذي تركها فيه، لكنه تفاجأ بتلك الجنة الدنيوية ووجد أخته كالأميرة، وطلب منها السماح؛ فسامحته، وأعطته من خيرات الثمار ما لذ وطاب.

ذهب وحكى القصة للزوجة الظلوم، وأصرت عليه أن يفعل مع ابنته كما فعل مع أخته. نفذ الخطة نفسها، لكن ابنته كانت سيئة الطباع، صعبة المزاج... حين استيقظت، بدأت تنادي أباها ولا مجيب، وأخذت بعد تعب طويل ترسم السباع والضباع، ومر عليها الخضر عليه السلام، سألها: ماذا تفعل؟ صرخت عليه! ما شأنك أنت، دعني في حالي. قال لها: عابر سبيل يطلب الماء والطعام. نهرته وامتنعت عن إعطائه شيئًا مما تملك من الطعام الوفير الذي أعدته أمها. مسح الخضر عليه السلام بيديه على تلك الرسومات وتحولت إلى سباع حقيقية، افترست تلك الفتاة، سليطة اللسان.

مر يومان وقررت الزوجة الذهاب لزيارة ابنتها؛ لترَ الجنة التي رزقت بها ابنتها. تفاجأت ببقايا قماش كانت ترتديه الابنة عندما تركت أمها وأن السباع تنتظرها في المكان، التهمت الأم الظالمة وبقي الحطاب وأخته سالمة.

ظهرت شخصية الخضر صاحب الكرامة، الذي أنقذ سالمة وأهلك زوجة الأخ وابنتها، كما ظهرت شخصية الخضر كعابر سبيل اختبر كرم وبخل المرأتين؛ فكان الجزاء من جنس العمل، وكما زرعت الزوجة الظالمة؛ حصدت.

وتستأنس الجدات عند الحكاية بقولهن: "خاطف خضر عليه السلام" أو أثناء الحديث عن هول أو دعاء يعقبه قول: "يا خاطف خضر عليه السلام"، وهذا التكرار والاستحضار يدل على أثر المعتقد الديني في التراث الشعبي الحكائي العُماني، وتنبثق قصة هذا المحكي من وجود بعد ديني روحي في الحكايات الشعبية العمانية وأن وظيفة الحكاية الشعبية تؤدي دورًا في التربية والتوجيه قديمًا وحديثًا.

** باحثة وكاتبة في الدراسات الأدبية والنقدية

مقالات مشابهة

  • الحكمة من اختلاف صلاة الجنازة عن أداء باقي الصلوات.. دار الإفتاء توضح
  • قصة المحكي الشعبي: خاطف خضر عليه السلام
  • أفضل وقت لـ صلاة الضحى.. لا تفوت ثوابها العظيم
  • دعاء زوال الفقر وقلة الرزق.. احفظه وداوم عليه يوميا
  • حكم الصلاة على النبي لطلب الشفاء من الأمراض.. الإفتاء توضح
  • هل يجوز إضافة لفظ سيدنا عند ترديد الصلاة على النبي؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم عدم تحريك إصبع السبابة في التشهد.. الإفتاء تكشف هل الصلاة صحيحة
  • هل نسيان التشهد الأوسط يبطل الصلاة ويتطلب إعادتها؟.. أمين الفتوى يجيب
  • ماذا أصلي بعد طلوع الشمس الفجر أم الصبح؟.. لا تخالف السنة
  • ما حكم ترديد الصلاة على النبي أثناء الصلاة؟.. الإفتاء تجيب