رحلة في شخصية يوسف صلاح الدين.. رجل الأعمال متعدد الاهتمامات والإسهامات

نشأ في حي كانو بالمنامة واهتم كثيرا منذ صغره بالطيران والتاريخ وحب التعلم والاطلاع، الأمر الذي شجعه على دراسة الطيران في مصر. وبسبب حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، واصل دراسته في قبرص ليحصل على شهادة الطيران التجاري الأمريكية «إف آيه آيه» ليصبح بذلك أول بحريني ينال هذه الشهادة. إنه رجل الأعمال البحريني يوسف صلاح الدين، الذي واجه في بداية المهنة رفض توظيفه بشركة الطيران الوحيدة في البلاد والمعروفة في ذلك الوقت باسم «غلف أفياشن» وهو ما خلق لديه عدم اليأس والمثابرة وأكمل مشاور حياته بدخوله إلى عالم الأعمال والتجارة.

يوسف صلاح الدين
] في البداية نود أن تعطينا نبذة عن سيرتك الذاتية؟ رجل أعمال وباحث وكاتب ارتبط اسمه بالطيران والتاريخ والتجارة والمساهمة في الأعمال الخيرية، وعضو في مجلس إدارة الأوقاف السنية والمجلس التنسيقي بمحافظة العاصمة ممثلا عن الأهالي، ورئيس لجنة الأسواق التجارية بغرفة تجارة وصناعة البحرين في الدورة 29، وعضو في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين في الدورة 30، وعضو في جمعية تاريخ وآثار البحرين وجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعضو فعال في بعض اللجان والجمعيات الأخرى، وملم بالأحداث والوقائع المحلية والإقليمية والعالمية وبتاريخ مدينة المنامة المشرق ومملكة البحرين العريق، وأنشر بعض المقالات باللغتين العربية والإنجليزية في الصحف المحلية من وقت لآخر.
] أخبرنا عن عائلتك ومولدك والبيئة التي عشت فيها؟ ولدت في حي كانو بمدينة المنامة في 12 فبراير 1951م، والذي يعتبر من الأحياء السكنية والتجارية المهمة في مدينة المنامة عاصمة البحرين منذ مايو 1923م والتي عرفت باسم «لؤلؤة الخليج» بعد أن كانت مدينة المحرق عاصمة البحرين التاريخية والتي عرفت باسم «عروس البحرين»، عائلتي متعلمة ومارست التجارة منذ قديم الزمان ولها إسهامات في المجالات الاجتماعية والتجارية والتعليمية والخيرية، والدي هو المرحوم صلاح الدين وكان أول مهندس معماري في البحرين منذ بداية أربعينيات القرن الماضي، صمم ونفذ العديد من المباني الحكومية عندما كان يعمل في إدارة الأشغال بطابع هندسي معماري جميل ومتميز منها مدارس ومكاتب ومحال تجارية ومجمع باب البحرين التجاري ومبنى باب البحرين، وكذلك صمم قصر الضيافة السابق ولكن لم ينفذه، وجدي هو المرحوم الحاج أحمد بن حسن إبراهيم، أحد وجهاء مدينة المنامة ومن مواليد عام 1314هـ «1896م» ومن الرعيل الأول المثقف، درس في جامعة ليكرة العريقة بالهند، رائد من رواد التعليم النظامي في مملكة البحرين وله أعمال وإنجازات عديدة خلال حياته التي جاوزت التسعين عاما، فقد عاصر بداية الانفتاح الحديث في عهد المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ عيسى بن على آل خليفة حاكم البحرين آنذاك (1869/‏1932) والذي يعتبر عهده البداية الحقيقية لإرساء النظم الإدارية والتشريعية العديدة في بناء وتطور الدولة الحديثة. وكان جدي من المنادين بضرورة وجود مدارس للتعليم النظامي الحديث للأولاد والبنات، ومن المناصرين للمرأة، وعاصر كثيرا من الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية خلال عهود المغفور لهم بإذن الله تعالى أصحاب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن على آل خليفة (1932/‏1942) والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (1942/‏1961) والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة «1961/‏1999»، وكان مقربا لهم ويحترموه لرأيه وثقافته وغزارة معلوماته، وكان مرجعا للباحثين والمؤرخين ومنهم المرحوم المؤرخ مبارك الخاطر في كتابه «القاضي الرئيس قاسم بن مهزع» وكتابه الآخر «الكتابات الأولى الحديثة لمثقفي البحرين».
الحاج أحمد بن حسن إبراهيم
] بماذا تميز حي كانو بالنسبة ليوسف صلاح الدين؟ تميز حي كانو مع حي الفاضل بأنهما توأمان في جسم واحد واكتسبا أهمية خاصة في مدينة المنامة العريقة، حيث كان للحيين دور مهم ومشهود في الترابط الأسري والاجتماعي والحضاري مع الوافدين والمقيمين من مختلف الدول وخاصة الأشقاء من دول الخليج العربي، حيث جسد الحيان حلم الاتحاد الخليجي مبكرا، وكانا نقطة التقاء تجاري وسكني للجميع وحلقة وصل مع العالم الخارجي عن طريق فرضة (ميناء) المنامة إلى البصرة والهند التي كانت جوهرة التاج البريطاني في ذلك الوقت وبعدها أصبحت البحرين مركزا مهما لتوقف الطائرات البريطانية التجارية من بريطانيا العظمى إلى مستعمراتها في الهند وماليزيا وهونج كونج وأستراليا.
] أخبرنا عن تاريخ المنامة ومواقفها التاريخية وكيف أثر في شخصية يوسف صلاح الدين؟ ساهمت كل هذه العوامل في تميز الحيين، بتعايش الأديان والأعراق والطوائف، حيث تعانقت مساجد الطائفتين الكريمتين من السنة والشيعة والمآتم والكنائس والمعابد وتجاورت العوائل مع بعضها البعض، فهناك عوائل عربية وفارسية وهندية ويهودية وأوروبية إذ تنوعت الديانات، فمنها الإسلامية واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية وديانات أخرى في جو من الاحترام والألفة والمحبة مما ساهم في أن تكون هذه البيئة الحضارية المتسامحة في تكويني ونشأتي منذ صغري بجو أسري منفتح ومتقبل الجميع.
المهندس المعماري صلاح الدين بن أحمد بن حسن
] هنالك نقطه تحول تؤثر وتغير في مسارات الإنسان.. ما هي نقطة تحولكم؟ كانت نقطة تحولي، رفضي من مدير شركة طيران «غلف أفياشن» البريطاني، رغم كوني أول طيار تجاري بحريني حاصل على شهادة الطيران الأمريكية «إف آيه آيه» مما جعلني أمام خيارين، الهجرة والسفر إلى إحدى الدول الأفريقية والعمل كطيار أو البقاء والتخلي عن الطيران، فاخترت البقاء في البلاد، واتجهت إلى إدارة أعمال العائلة لمدة سنة ونصف السنة، وبعدها أسست مؤسستي التجارية في تجارة مواد البناء والأدوات الصحية والمنزلية والعقارات في عام 1972م، وقدمت بعض المنتجات والخدمات المميزة، وأضفت خدمة تأجير السيارات في عام 1997م.
مجموعة صور حصرية خص بها السيد يوسف صلاح الدين صحيفة الأيام
] من خلال اهتمامكم بالتاريخ والتراث.. ما الدور الذي لعبه موقع البحرين قديما؟ وكيف أصبحت مركزًا مهمًا لطرق التجارة عبر عدة حضارات؟ لعب موقع البحرين الجغرافي الاستراتيجي دورا مهما منذ الأزمنة السابقة، أي قبل حوالي خمسة آلاف سنة، وعاصرت حضارات عديدة منها السومرية والأكدية والآشورية والبابلية في وادي الرافدين (العراق) والفينيقية (الشام) والفرعونية في وادي النيل (مصر القديمة) وملوخا في وادي السند (باكستان والهند)، وعرفت البحرين في السابق بحضارات ديلمون وتايلوس وأوال، وبأنها أرض الفردوس العظيم وأرض الخلود والحياة الأبدية، واعتقد البعض بأنها جنة عدن مما ساهم في جعلها شريان الوصل للتجارة بين دول المنطقة والعالم، وقدمت خدمات بحرية منذ القدم وقبل إنشاء فرضة المنامة وميناء سلمان وميناء خليفة بن سلمان، وتطورت الخدمات خلال مختلف العصور إلى خدمات جوية عن طريق مطار البحرين الدولي منذ منتصف العشرينات من القرن الماضي وخدمات برية بعد افتتاح جسر الملك فهد في عام 1986 مما سهل عمليات الاستيراد والتصدير عبر المنافذ البحرية والبرية والجوية.
مجموعة صور حصرية خص بها السيد يوسف صلاح الدين صحيفة الأيام
] بماذا تنصح جيل اليوم المقبل في عالم المال والأعمال؟ هناك الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على العمل والتجارة ولزوم السعي والكسب لتحصيل الرزق، ولن يظفر الإنسان بهذه النعم إلا بالعمل والجد والكسب، وخير ما نتبع وصايا وهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، لذا على التاجر وصاحب العمل والموظف الإلمام بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين رضي الله عنهم؛ لأنهم تعاملوا بالتجارة والاستفادة من تجارب التجار السابقين، والتحلي بالأمانة والصدق والطموح والابتكار ومواكبة احتياجات سوق العمل والزبائن وتوفير المنتجات المناسبة والمطلوبة ومتابعة تغيرات الأسواق المحلية والعالمية السريعة؛ لأن التجارة التقليدية ستصبح من الماضي، وعلينا احترام الآخرين والتعامل معهم كما نريد أن يعاملونا وأن تكون المنافسة شريفة، والتحلي بالصبر والانضباط، والوفاء بالعهود وطلب المستطاع والاهتمام بالوقت والحضور إلى العمل بنشاط وحماس لنكون قدوة للموظفين. ومن أسباب النجاح والتفوق في العمل دراسة المشروع من مختلف النواحي، من إيجابيات وسلبيات ومنافسات والتركيز على مشروع واحد وإعداد خطة العمل والتوسع بالتدرج؛ لأن التجارة تحتاج إلى إعداد وصبر وإلمام وتركيز مع بعض المخاطرة المحسوبة، واختيار العمل أو المشروع من خلال الهويات والميول للاستمتاع بالعمل والتفوق فيه، والاهتمام بتوفير رأس المال المناسب والملاءة المالية للاستمرار.
مجموعة صور حصرية خص بها السيد يوسف صلاح الدين صحيفة الأيام
وقد علمنا الآباء والأجداد بأن التجارة تحتاج إلى صبر، والنجاح لا يأتي منذ الوهلة الأولى، وتوزيع رأس المال بين التجارة والاستثمار والسيولة النقدية وعدم الاستسلام عند الإخفاق في العمل أو المشروع والتعلم من الأخطاء، وأن تكون الثقة مدروسة وموزونة بين الحياة العملية والشخصية، فالاجتهاد في العمل مطلوب ولكن ليس على حساب الحياة الأسرية، ومواصلة الابتكار والتعلم كلما كان ذلك ممكنا، فريادة الأعمال هي عملية ابتكار وتعلم ونمو مستمرة واختيار علامة تجارية تعبر عن المشروع أو المنتج أو الخدمة، والإعلان في الصحف والمواقع الإلكترونية بحسب الإمكانات والاحتياجات، حتى يعلم الزبائن الخدمات والبضائع التي تقدمها، والتخطيط السليم بإعداد إدارة لها دراية بالعمل وتحمل المسؤولية الملقاة عليها واختيار المنتج المنافس والمبتكر وطرحه بأنسب الأسعار.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية