جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-10@11:18:57 GMT

الوطن.. بين النقد وجلد الذات

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

الوطن.. بين النقد وجلد الذات

د. محمد بن خلفان العاصمي

يُحكى أنَّ رجلًا صينيًا أراد الانتحار فتوجه إلى أحد الجبال وفي الطريق لقي كهلًا يعيش في كوخ وحيدًا، فدعاه للمبيت معه، وبعد تردد وافق الرجل ودخل الكوخ، لكنه ظل مستيقظًا، فسأله الكهل عن قصته، ردَّ عليه الرجل وطلب منه أن يدعه في حال سبيله، ولمّا أصرّ عليه، حكى له قصته، وقال له حين ولدتُ توفيت والدتي، وما إن وصلت أنا وأبي إلى البيت حتى توفي هو الآخر، ثم أُخِذتُ إلى دار للأيتام لأنَّ عائلتي أرادوا التخلص مني لاعتقادهم بالنحس الذي يُرافقني بعد أن أصابتهم الرهبة، وفي دار الأيتام، أبتعد الكُل عني وكنتُ وحيدًا لأنني كلما عقدتُ صداقةً مع أحدهم أصيب بمكروه، إلى أن كبرتُ وتزوجتُ ظنًا مني أنَّ هذا النحس سيتركني، لكن في ليلة زفافي مرضت زوجتي مرضًا شديدًا وخشيتُ عليها الموت، فغادرتُ بلدتي ومن يومها وأنا أحاول ألّا أقترب من أحد حتى لا يُصاب بمكروه، طلب الكهل منه أن ينام وفي الصباح سيتحدثون، نام الرجل وفي الصباح وجد الكهل أمامه يبتسم ويقول له ها أنا ذا أمامك لم يُصبني أي مكروه؛ بل إن حتى دجاجتي التي لا تبيض باضت اليوم، لقد رسّخت في عقلك الباطن أنك سيئ الحظ لذلك صدقت نفسك وأصبحت تربط كل ما هو سيئ بك، ولو أنَّك نظرت للأمور الإيجابية التي حدثت لك في حياتك لوجدتها أكثر من السيئة، لقد نسيت أن هناك شيء اسمه قضاء وقدر وأخذت تجلد ذاتك دون رحمة.

كم من شخص بيننا يمارس جلد الذات ولوم النفس على كثير من الأمور لمرحلة أصبح البعض فاقدًا لتقديره لذاته؟ إن أسوأ ما يقدمه جلد الذات للفرد هو إيصاله لمرحلة السخط والسوداوية وتوقع الأسوأ والنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس وعدم الإيمان بقابلية الأوضاع للتبدل، وهل لهذا الأمر انعكاس سلبي على تقدير الفرد لذاته وتقديره لغيره فيصل به الحال إلى المعاناة المستمرة؟!

إننا- كأفراد- ربما نمارس جلد الذات دون أن نشعر حتى على مستوى الوطن فندخل دائمًا في مقارنات مع الغير وننظر للنواقص بعدسة مكبرة ونضخمها لدرجة تصبح الرؤية من خلالها منعدمة، ونبالغ في النقد السلبي بحسن ظن في أحيان كثيرة لدرجة نرى أن كل منجز خلفه الكثير من الفساد والشك والتأويل ونبحث من خلاله عن عثرة نضعها في إطار مزخرف باسم الرأي وحريته وأحقية ممارسته وفق ما أقرته القوانين، هذه الممارسة تعود بالضرر علينا في الدرجة الأولى؛ حيث إن القيم الوطنية تنمو إذا ما عززت ورويت بمشاعر الفخر والاعتزاز والتباهي بالأوطان وإعلاء قيم الانتماء والرضا  بما لدينا وتنتقل هذه المشاعر للأجيال عندما يشاهدونها ويحسونها لدى الكبار والعكس صحيح فمشاعر السخط والنقمة تنمي لدى الفرد الحقد والغضب والشعور بالظلم والكراهية مما يؤثر سلبًا على الأجيال التي تشاهد كل ذلك أمامها.

إنَّ للأوطان حقوقًا علينا، ومهما حدث لا بُد من الفصل بين الأوطان والممارسات التي تصدر من الأفراد.. ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي "وللأوطان في دم كل حر // يد سلفت ودين مستحق"، فإن كان للوطن حق الدم علينا فمن الأجدر أن نوفِّي حقه في الحفاظ عليه من خلال توجيه مشاعر الرضا والبذل والعطاء في سبيل رفعته ووضعه في مكانته المستحقة، والإخلاص في العمل حتى لا يصل بنا الحال للإساءة له من خلال ممارساتنا التي تنتهي بوقوع الظلم على الفرد أو الجماعة؛ فالمُستغِل لسلطته دون وجه حق هو أحد أسباب تنامي الشعور بعدم الرضا والوصول بالمواطن إلى جلد الذات والمقارنة وتقزيم المنجزات، وعليه أن يعرف أنه مساهم في هذا الحال.

لا أدعو لعدم تقديم النقد؛ بل على العكس تمامًا، فأي مجتمع لا يمارس النقد بشكله الصحيح هو مجتمع متهالك زائل لا محالة، ويدمر ذاته تلقائيًا، لأن النقد مفتاح لتجويد العمل والرقي بالأهداف، وسبيلًا للوصول إلى الغايات بشكل أسرع وأتقن..

وأخيرًا.. النقد الحقيقي ينطلق من قيم عالية تتمثل في الإخلاص والتفاني والتضحية وإنكار الذات، ولا يُتقِن النقد إلّا من يسعى لصلاح مجتمعه ورفعته بصدق.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الإنتاج الحربي تنظم ندوتين حول الشعور بالمسؤولية وعلاقته بالقدرة على حل المشكلات

القاهرة - أ ش أ

نظمت الإدارة العامة لشئون المرأة ووحدة تكافؤ الفرص بوزارة الإنتاج الحربي ندوتين توعويتين بعنوان "تنمية الشعور بالمسؤولية وعلاقته بالقدرة على حل المشكلات"، بمنشآت قطاع التدريب التابع للوزارة بمنطقتيّ السلام وحلوان، وذلك في ضوء توجيهات وزير الدولة للإنتاج الحربي المهندس محمد صلاح الدين مصطفى بتنظيم الندوات التوعوية للعاملين والعاملات بمختلف الشركات والوحدات التابعة.

وقال المستشار الإعلامي لوزير الدولة للإنتاج الحربي والمتحدث الرسمي للوزارة محمد عيد بكر إن عددا من العاملين والعاملات الممثلين لمختلف الشركات والوحدات التابعة للوزارة حضر الندوتين، مشيراً إلى أنه حاضر بالندوتين الدكتورة حنان مصطفى - المدربة المعتمدة دولياً بمجال الصحة النفسية ونائب رئيس مجلس إدارة فريق الدعم النفسي للمشروعات والتدريب بمركز إتقان، والتي تحدثت عن معنى المسؤولية ومظاهرها وأنواعها وعلاقة التحلي بها بالقدرة على حل المشكلات، وأضافت أن المسؤولية هي شعور أخلاقي يجعل الإنسان يتحمل نتائج أفعاله.

كما تحدثت عن وجود العديد من مظاهر المسؤولية في تصرفات الفرد، فعلى سبيل المثال تظهر مسؤولية الفرد الاجتماعية في رعايته لوالديه وأبنائه ورعاية الفئات الأكثر احتياجاً للدعم في مجتمعه مثل الفقراء والأيتام وكبار السن، بينما تتجلى مسؤوليته المهنية في التزامه بمهام وظيفته وتفانيه في عمله وإخلاصه في إنجاز أهداف المؤسسة التي يعمل بها والحفاظ على مواردها، ومن مظاهر تحمّل المسؤولية احترام الفرد للقوانين والمحافظة على النظام الاجتماعي، مشيرة إلى أن التزام أفراد المجتمع بمسؤولياتهم له العديد من الآثار المحمودة سواء على الفرد أو المجتمع حيث تعزز شعور الفرد بتقدير ذاته وكسب ثقة واحترام الآخرين وتساهم في الارتقاء بالمجتمعات وحل المشكلات التي تواجه أفراده.

من جانبها..ذكرت مدير عام الإدارة العامة لشئون المرأة ورئيس وحدة تكافؤ الفرص بوزارة الإنتاج الحربي أمل عبد الخالق أن تنظيم الندوتين يأتي من منطلق حرص الوزارة لتنظيم ندوات توعوية تثقيفية للعاملين بالإنتاج الحربي في مختلف مجالات المعرفة (اجتماعية - صحية - دينية) تنفيذاً لتوجيهات وزير الدولة للإنتاج الحربي بتنمية قدرات العاملين فكرياً ونشر الوعي الثقافي لهم، لافتةً إلى أنه تم خلال الندوتين تلقي استفسارات العاملين والعاملات المشاركين بالندوتين وتم الرد عليها.

مقالات مشابهة

  • الإنتاج الحربي تنظم ندوتين حول "الشعور بالمسؤولية وعلاقته بالقدرة على حل المشكلات"
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • بينها مصر.. النقد الدولي يدرس مراجعة الرسوم الإضافية للدول المثقلة بالديون
  • الإنتاج الحربي تنظم ندوتين حول الشعور بالمسؤولية وعلاقته بالقدرة على حل المشكلات
  • تجاوز على الذات الإلهية.. حاخام أمريكي يتحدث عن آثار 7 أكتوبر على إيمانه
  • صندوق النقد الدولي يؤجل مناقشة المجلس التنفيذي لمراجعة مصر الثالثة
  • الحاضر الغائب
  • "موازنة النواب": هذا موعد وصول الشريحة الثانية من صندوق النقد (فيديو)
  • 6 نقاط تشرح علاقة صندوق النقد والديون الخارجية بأزمة كينيا
  • المتلازمة السودانية والقوة الناعمة