على الولايات المتحدة أن تنقذ حليفتها إسرائيل من نفسها؛ فـ"الغزو الوشيك" لقطاع غزة سيشكل لتل أبيب "كارثة إنسانية وأخلاقية واستراتيجية" تهدد مصالح واشنطن، بحسب مارك لينش، في تحليل بمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية (Foreign Affairs) ترجمه "الخليج الجديد".

فهذا الغزو، بحسب لينش، "لن يضر بشدة بأمن إسرائيل على المدى الطويل ويسبب تكاليف بشرية لا يمكن تصورها للفلسطينيين فحسب، بل سيهدد أيضا المصالح الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا، وفي منافسة واشنطن مع الصين على النظام في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

ومن شأن غزو إسرائلي لغزة أن يزيد تورط الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ما قد يضعف تركيزها منذ فترة على مواجهة نفوذ الصين المتصاعد في آسيا، ودعم أوكرانيا في التصدي لحرب روسية مستمرة منذ فبراير/ شباط 2022.

وتابع لينش: "الآن بعد أن أظهرت تعاطفها مع إسرائيل، يجب على واشنطن أن تركز على مطالبة حليفتها بالامتثال الكامل لقوانين الحرب، وأن تصر على أن تجد إسرائيل سبلا لمنع القتال مع (حركة المقاومة الإسلامية) حماس من أن يؤدي إلى تهجير وقتل جماعي للمدنيين الفلسطينيين الأبرياء".

ولليوم الثامن على التوالي، تشن إسرائيل السبت غارات مكثفة على أهداف في غزة؛ ما أدى إلى استشهاد 2215 فلسطينيا معظمهم مدنيون، وبينهم 724 طفلا و458 سيدة، وإصابة 8714 آخرين بجروح، بينهم 2450 طفلا و1536 سيدة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وردا على "اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته"، تشن "حماس" وفصائل أخرى من غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عملية "طوفان الأقصى"؛ ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 1300 إسرائيلي وإصابة 3626 آخرين، وأسر أكثر من مئة إسرائيلي، وفقا لمصادر رسمية.

و”في عام 2005، انسحبت إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة (بعد أن استولت عليه من مصر خلال حرب 1967)، لكنها لم تنه احتلالها الفعلي له؛ إذ  احتفظت بسيطرتها الكاملة على حدوده ومجاله الجوي، وواصلت ممارسة رقابة مشددة (بالتعاون مع مصر) من خارج المحيط الأمني على حركة السكان والبضائع والكهرباء والأموال"، كما تابع لينش.

ويعيش في غزة نحو 2.2 مليون فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة للغاية؛ جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وتدير الحركة القطاع منذ العام التالي في ظل خلافات مستمرة مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، بزعامة الرئيس محمود عباس.

اقرأ أيضاً

تهجير سكان غزة.. رفض دولي وعربي مقابل ضوء أخضر أمريكي

تكاليف كبيرة

"سيكون غزو غزة مليئا بالشكوك، ومن المؤكد أن حماس توقعت مثل هذا الرد الإسرائيلي، ومستعدة جيدا لحرب شوارع طويلة الأمد ضد القوات الإسرائيلية المتقدمة، وتأمل في إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الذي لم يشارك في مثل هذا القتال منذ سنوات عديدة"، كما أردف لينش.

وأضاف أن "قصف إسرائيل للمدن وتسويتها بالأرض وإخلاء المناطق الشمالية من غزة من السكان، سيأتي بتكاليف كبيرة على سمعتها".

وتابع: "حتى لو نجحت إسرائيل في إسقاط حماس، فستواجه التحدي المتمثل في حكم الأراضي التي تخلت عنها في 2005، ثم حاصرتها وقصفتها بلا رحمة في السنوات الفاصلة (خلال عمليات عسكرية وحروب)".

و"في السيناريو الأسوأ، لن يبقى الصراع محصورا في غزة، فالغزو المطول لغزة من شأنه أن يولد ضغوطا هائلة في الضفة الغربية، ولن يكون لدى السلطة الفلسطينية سوى القليل من القدرة،  أو ربما النية،  على احتوائها"، وفقا للينش.

وزاد بأن "الصراع قد يؤدي إلى نزوح جماعي قسري آخر للفلسطينيين، أو موجة جديدة من اللاجئين إلى الأردن ولبنان المثقلين بالفعل بأعباء خطيرة، أو احتوائهم بالقوة من جانب مصر في جيوب بشبه جزيرة سيناء".

اقرأ أيضاً

و.س. جورنال: إسرائيل تريد تدمير حماس و5 سيناريوهات لمصير غزة

غضب عربي

"على الرغم من أن الزعماء العرب واقعيون بطبيعتهم ومنشغلون ببقائهم ومصالحهم الوطنية، إلا أنه توجد حدود لقدرتهم على الوقوف في وجه جماهير محتشدة بغضب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بفلسطين"، كما أضاف لينش.

وتابع: "ربما تقوم السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الهوس الغريب لإدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن، عندما يكون ذلك مقابل تكاليف سياسية قليلة، لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك عندما يتعرض الجمهور العربي للصور الشنيعة (القادمة) من فلسطين".

وأردف أنه "في السنوات الماضية، سمح القادة العرب بشكل روتيني بالاحتجاجات المناهضة لإسرائيل كوسيلة للتنفيس عن الغضب الشعبي وتحويله نحو عدو خارجي لتجنب انتقاد سجلاتهم الكئيبة، ومن المرجح أن يفعلوا ذلك مرة أخرى".

واستدرك: "لكن الانتفاضات العربية في 2011 أثبتت مدى سهولة وسرعة تحول الاحتجاجات من شيء محلي إلى موجة إقليمية قادرة على الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية التي حكمت لفترة طويلة".

اقرأ أيضاً

ذا هيل: طوفان الأقصى حطم الحلم الأمريكي بالتكامل الأمني بين إسرائيل والعرب

حزب الله وإيران

"وقد يشكل غزو غزة خطا أحمر من شأنه أن يجبر (جماعة) حزب الله (اللبنانية حليفة إيران) على التحرك"، بحسب لينش.

وأردف: "وإذا دخل حزب الله المعركة بترسانته الهائلة من الصواريخ، فستواجه إسرائيل أول حرب على جبهتين منذ نصف قرن من الزمن".

وزاد بأن "توسيع الحرب لتشمل إيران من شأنه أن يفرض مخاطر هائلة، ليس فقط  في شكل انتقام إيراني ضد إسرائيل، بل وأيضا في شكل هجمات ضد شحن النفط في الخليج وتصعيد محتمل عبر العراق واليمن والجبهات الأخرى التي يسيطر عليها حلفاء إيران".

لينش قال إن "أولئك الذين يحثون إسرائيل على غزو غزة لتحقيق أهداف متطرفة يدفعون حليفهم إلى كارثة استراتيجية وسياسية (...) ومنذ الغزو الأمريكي للعراق لم يكن هناك مثل هذا الوضوح المسبق حول الفشل الذريع المقبل".

وزعم أن "حماس ارتكبت جرائم حرب خطيرة في هجماتها الوحشية على الإسرائيليين، وينبغي محاسبتها"، مؤكدا في الوقت نفسه أن "العقاب الجماعي المفروض على غزة، عبر الحصار والقصف والتهجير القسري لسكانها، يمثل جرائم حرب خطيرة".

وشدد على أنه "من الصعب التوفيق بين ترويج الولايات المتحدة للمعايير الدولية وقوانين الحرب دفاعا عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي الوحشي  وتجاهلها المتعجرف لنفس المعايير في غزة".

و"قد أوضحت إدارة بايدن أنها تدعم إسرائيل في ردها على هجوم حماس، ولكن الآن هو الوقت المناسب لمنع إسرائيل من خلق كارثة (...)، فإذا اتخذ الغزو الإسرائيلي لغزة مساره الأرجح، مع كل المذابح والتصعيد، ستندم إدارة بايدن على خياراتها"، كما ختم لينش.

اقرأ أيضاً

ما هي الكذبات الثلاث التي أطلقها بايدن منذ الحرب الإسرائيلية الفلسطينية؟

المصدر | مارك لينش/ فورين أفيرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: طوفان الأقصى إسرائيل غزة حماس غزو أمريكا اقرأ أیضا غزو غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل تحاول إسرائيل جر أمريكا إلى حرب ضد إيران؟

تناول بول وود، مراسل سابق لهيئة الإذاعة البريطانية لمدة 25 عاماً، التوتر المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله، متسائلاً عما إذا كان الهدف النهائي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هو جر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران.

إذا شنت إسرائيل هجوماً على إيران، فإنها ستجتذب الولايات المتحدة



ودفع قرار نتانياهو شن غارات جوية على لبنان بعض المعلقين إلى تسميتها "حرب لبنان الثالثة"، حيث قُتل المئات من مقاتلي حزب الله والمدنيين بينما تسعى إسرائيل إلى تحييد قدرات الحزب الصاروخية. ويعكس رد حزب الله المحدود والمقيد نسبياً التردد الداخلي بشأن مدى دفع الصراع.

الوساطة الأمريكية


وقال الكاتب في مقاله بموقع مجلة "سبكتيتور" البريطانية، إن جهود الوساطة الأمريكية، بقيادة آموس هوكشتاين، تهدف إلى منع المزيد من التصعيد من خلال السعي إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق حزب الله للصواريخ على إسرائيل. ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب انسحاب الحزب من الحدود الإسرائيلية، وهو ما قد يُنظَر إليه بوصفه تنازلاً مهيناً. وقد تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تفتيت مكانة حزب الله كلاعب رئيسي في "محور المقاومة" الذي تقوده إيران.


ضبط النفس...إلى متى؟


ولفت وود النظر إلى أن ضبط النفس الذي يتسم به حزب الله، حتى الآن، يرجع جزئياً إلى الرأي العام اللبناني، الذي ما يزال يعارض بشدة أي إجراءات قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل. ولكن هذا الشعور العام قد يتغير نظراً للأضرار الواسعة النطاق التي أحدثتها الغارات الجوية الإسرائيلية، والتي استهدفت بعضها البنية التحتية للاتصالات التابعة لحزب الله، مما تسبب في إصابات بين المارة.
ورغم الجهود الأمريكية لاحتواء الصراع، فإن اعتقاد نتنياهو الراسخ بأن إيران المسلحة نووياً تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل دفع بعض المنتقدين إلى التكهن بأنه ربما يستغل هذه الفرصة للمناورة نحو مواجهة أكبر مع إيران.

 

Distinguished Columbia Univ. Prof. Jeffrey Sachs:

"Israel is trying therefore to bring the US into a WIDER WAR, specifically a war with Iran...This is a CRISIS made by Israel's refusal to negotiate with Palestine." pic.twitter.com/iOnk7R5wc6

— Steve Hanke (@steve_hanke) September 23, 2024


وقال وود إن رقعة الشطرنج في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط توضع بعناية، حيث تعمل الضربات الإسرائيلية ضد حزب الله في الشمال كمقدمة لصراع مستقبلي محتمل مع إيران. ويخشى منتقدو نتانياهو، بما في ذلك البعض داخل إسرائيل، أن تكون خطته النهائية هي إثارة رد إيراني من شأنه أن يبرر عملاً عسكرياً أوسع نطاقاً ويجر الولايات المتحدة إلى المعركة.
وأشار الكاتب إلى الدعاية الأخيرة لحزب الله، حيث زعم نجاحه في شن هجوم بطائرة دون طيار على مواقع استخباراتية إسرائيلية رئيسية، وهو الادعاء الذي تم رفضه على نطاق واسع خارج وسائل الإعلام الإيرانية. ومع ذلك، قد يشعر حزب الله في نهاية المطاف بالحاجة إلى التصعيد رداً على الخسائر المتزايدة، مما يزيد من مخاطر اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل.

 

https://t.co/PFX0LdQDZt

'Some believe that Netanyahu has been manoeuvring all along to attack Iran.' ✍️ Paul Wood pic.twitter.com/0jqHP9ZYYb

— Coffee House (@SpecCoffeeHouse) September 26, 2024


وقال الكاتب إن الشاغل الأوسع نطاقاً هو ما إذا كان نتانياهو يضع إسرائيل في موقف يسمح لها بضرب إيران. لطالما خشيت إسرائيل من طموحات إيران النووية، وأعرب نتانياهو مراراً وتكراراً عن أن إيران المسلحة نووياً تمثل تهديداً خطيراً.


نتانياهو يلعب لعبة خطيرة


ويخشى البعض داخل الإدارة الأمريكية، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، أن تكون الإجراءات العسكرية التي يقوم بها نتانياهو ضد حزب الله جزءاً من خطة أوسع لإثارة حرب مع إيران. وتنسجم مخاوف بايدن مع أولئك الذين يعتقدون أن نتانياهو يلعب لعبة خطيرة، مما قد يدفع المنطقة إلى صراع أوسع، مع عواقب وخيمة على كل من إسرائيل وحلفائها.
ورجّح الكاتب أنه إذا شنت إسرائيل هجوماً على إيران، فإنها ستجتذب الولايات المتحدة، نظراً للعلاقات الأمنية الطويلة الأمد بين البلدين. ومع ذلك، فإن مثل هذا الصراع لن يخلو من مخاطر هائلة، ليس فقط لإسرائيل بل وللمنطقة بأكملها. ومن المرجح أن يكون رد إيران شديداً، وتستخدم فيه وكلاءها، بما في ذلك حزب الله، لإلحاق الضرر بالمدن الإسرائيلية والأصول العسكرية. ويشير وود إلى أنه في حين قد تخرج إسرائيل منتصرة، فإن التكاليف البشرية والاقتصادية والسياسية ستكون مدمرة لجميع الأطراف المعنية.


أسئلة حاسمة حول أهداف نتانياهو


وقال وود إن الحملة العسكرية الحالية لنتانياهو في لبنان تثير أسئلة حاسمة حول أهدافه الاستراتيجية الأوسع. وبينما يبدو تأمين الحدود الشمالية كهدف مباشر لإسرائيل من خلال تحييد حزب الله، تتزايد المخاوف من أن يكون هدفه النهائي هو إثارة صراع مع إيران، مما قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط. ما تزال نتيجة هذا الصراع غير مؤكدة، لكن المخاطر بالنسبة لإسرائيل ولبنان والمنطقة الأوسع أصبحت أعلى من أي وقت مضى.

مقالات مشابهة

  • «CNN»: أمريكا تعتقد أن إسرائيل قد تشن هجوما بريا محدودا على جنوب لبنان قريبا
  • كيف تحرّكت إسرائيل في لبنان بعد اغتيال نصرالله.. وهل اقترب الغزو البريّ؟
  • إسرائيل تهدد ماهر الأسد بالاغتيال
  • الجارديان: قتل إسرائيل لحسن نصر الله يجر الشرق الأوسط نحو كارثة
  • إسرائيل تحت القلق: صواريخ ومسيرات اليمن والعراق تهدد الجبهة الداخلية
  • إيران تهدد إسرائيل بـ "رد فعل حاسم"
  • هل تحاول إسرائيل جر أمريكا إلى حرب ضد إيران؟
  • إيران: أمريكا تتحمل أيضاً مسؤولية مقتل نصر الله
  • إسرائيل تهدد باستهداف مطار بيروت
  • حدث ليلا.. حزب الله يشعل النيران في إسرائيل وروسيا تهدد باستخدام النووي (فيديو)