سبب تفضيل الرسول .. وصفه الله في القرآن دون سائر الأنبياء
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
كشف الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، عن سبب تفضيل الله تعالي للنبي، على سائر الأنبياء.
سبب تفضيل النبيوقال علي جمعة، في منشور له، إن سبب هذا التفضيل يرجع إلى ما ذكره تعالى له في القرآن الكريم بأغلب أعضاءه الشريفة، فليس هناك ملك مقرب، ولا نبي مرسل أثنى الله على أعضاءه وخصاله بهذا التفصيل قط.
وأضاف، أن الله تعالى قد ذكر بعض الأعضاء لبعض الأنبياء في القرآن، كذكر لسان داوود وعيسى بن مريم عليهما السلام في كتابه؛ حيث قال : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ، وذكر يد موسى عليه السلام، قال تعالى: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ) ، وذكر يد أيوب ورجله، قال سبحانه : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ، وقال سبحانه : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ).
وتابع: لكنه لم يذكر سبحانه وتعالى أعضاء أحد من أنبيائه بهذا التفصيل، وعلى هذا الوجه من التكريم، الذي ذكر به أعضاء نبيه المصطفى، فذكر ربنا وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز، فقال سبحانه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) ، ويشمل هذا السياق على مدح جليل فوق ذكر الوجه، ووجه المدح فيه أنه بمجرد تقلب وجهه الشريف أعطاه الله به ما أراد دون سؤال منه ولا كلام، فكانت بركة وجهه في تقلبه معطية له ما تمناه ويرضاه.
كما ذكر الله تعالى، وجه سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في مواضع أخرى منها قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ(، وقال : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ( ، وقال سبحانه : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ).وقال تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً( ، وقال عز من قائل : )فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّمِ).
صفات النبي في القرآنقال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم- مقامًا عند ربه عظيم، وقدرًا جليلًا، فاق كل الخلائق أجمعين، فهو سيد ولد آدم، بل هو سيد الأكوان وصفوتها، وهو خير من الملائكة، وخير من العرش، ولا يعرف حقيقته وعظيم قدره إلا خالقه -سبحانه وتعالى-.
وأضاف « جمعة» في فتوى له، أن الله - سبحانه- خصه بمزايا عديدة، ونوع أشكال المدح له، وذكره في قرآنه بـ أجل الصفات، فوصفه ربنا بالرحمة فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، وقال: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ».
وتابع: فقال -تعالى-: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا»، وقال -سبحانه- : «يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ». وواصل المفتي السابق أن الله أثني على أخلاقه فقال -تعالى- : «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وكما أخبر هو بنفسه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، [أحمد والبيهقي والحاكم في المستدرك ومالك في الموطأ].
وأوضح أن الله فضله على الأنبياء قبله في النداء، فالناظر في القرآن الكريم يرى أن الله قد نادى الأنبياء -عليهم السلام- قبله بأسمائهم المجردة، فقال- تعالى -: «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» وقال: «يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا»، وقال -سبحانه- : «يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ»، وقال-تعالى -: «يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ»، وقال أيضًا: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ».
وأكمل: أما نبينا - عليه الصلاة والسلام- فما ناداه الله- تعالى- في كتابه العزيز باسمه مجردًا قط، بل كان دائما يناديه بقوله : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ»، أو «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ»، أو «يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ»، أو «يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ». وأردف: النبي - صلى الله عليه وسلم- يستحق تلك المكانة التي جعلها الله له، ويستحق أن نحبه بكل قلوبنا، فهو الذي كان يتحمل الأذى من أجلنا، ولا يخفى ما يؤثر من حلمه واحتماله الأذى، وإن كل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، وهو - عليه الصلاة والسلام- لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.
صفات النبي الخلقيةحدد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، صفات النبي محمد الجسدية والخلقية، مؤكدًا أن الله تعالى زكى نبيه صلى الله عليه وسلم تزكية كاملة، ظاهرًا وباطنًا: زكى باطنه وطهره من الشرك والكفر، وزكى ظاهره فجعله في أبهى صورة وأجملها.وأضاف «مركز الأزهر» عبر صفحته بـ«فيسبوك»، أن الصحابة وصفوا لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفصلوا وأجملوا في وصفه، فوصفوا وجهه وأنفه وجبينه وحاجبيه، حتى مشيته وهيئة جلوسه ووقوفه
أوضح: كان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس صورة، وأتمَّهم خلقة، وأجملهم هيئة، لَمْ يُرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن سيدنا الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجِلًا، مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَىٰ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ الْيُسْرَىٰ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» متفق عليه.
وأفاد: ومعنىٰ رجِلًا: بكسر الجيم صفة للشَّعر، أي: في شعره تَثَنٍّ قليلٌ، ليس شديدَ الاسترسال، ولا شديدَ التَّجَعُّد، وخير الأمور أوسطها، ومعنىٰ مربوعًا: أي متوسطًا بين الطول والقِصَر، و«بعيد ما بين المنكبين»: أي عريض أعلىٰ الظهر، و«الجُمَّة»: بضم الجيم وتشديد الميم المفتوحة، وهي ما سقط من شعر الرأس ووصل إلىٰ المنكبين، و«الحُلَّة»: ثوبٌ له ظهارة وبطانة، أو ثوبان: رداء وإزار.
واستدل بما روي عَنْ سيدنا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمُ الرَّأْسِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-» أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.وواصل: ومعنىٰ شَثْن: أي ممتليء الأصابع، و«ضخم الرأس»: بما يتناسب مع جسده الشريف -صلى الله عليه وسلم-، و«الكراديس»: رؤوس العظام أو مجتمعها كالركبة والمنكب، والمَسْرُبَة: الشَّعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسُرَّة، ومعنىٰ تكفأ تكفؤًا كأنما ينحط من صبب: إشارة إلىٰ سرعته وهِمَّتِه كمن ينزل من منحدر.
صفات الرسولوقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن من صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أنه كان طيب الرائحة، وكان يحب الروائح الحسنة، والنظافة، والسواك، ولا يرد الطيب.
جاء ذلك، خلال عرض المركز لصفات الرسول الكريم بمناسبة اقتراب ذكرى مولده خلال الشهر الجاري.
وأضاف مركز الأزهر في منشور له عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان طيَّب الرائحة بالطِّيب وبدونه، يصافحه المصافح فيظل يومَه يجد رِيحها، ويضع يدَه على رأس الصَّبي فيُعرَف من بين الصِّبيان بها، وما سَلَكَ طريقًا إلا عُرف أنَّه سَلَكَهُ من طِيبِه.
وأشار إلى أن من أهم صفات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يحبُّ الرَّائحة الحَسَنَة، والنَّظافَة، والسِّواك، ولا يردُّ الطِّيب.
صفات النبي الجسديةكشف الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، عن صفات الرسول الكريم من الناحية الشكلية، منوها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قوي البنية ولم يكن صاحب دهون في جسمه.
وأضاف علي جمعة، في لقائه على فضائية "سي بي سي"، أنه حينما كان يرمي بالسهم فكان يصيب كل الأهداف دون خطأ، فكان فارسا متمكنا من الحرب فوق الفرس.
وأوضح، أن وجه النبي كان في هيئة مستطيل، وكان ذو لحية سوية، وكان ذو شعر ناعم وكان في بعض الأحيان يطيل شعره إلى المنكبين، وكان يحلقه في بعض الأحيان وخاصة وقت العمرة أو الحج.
وتابع: وكان حاجبي النبي على هيئة هلال، ولا يوجد شعر بين الحاجبين، ورموش النبي كانت طويلة، وعيناه واسعتان، وكان أبيض اللون، وكانت يداه ضخمة وناعمتان كالحرير.
كما كان فم النبي كبير، وإذا تكلم أخرج الحروف واضحة وفصيحة، وعمامة النبي كانت حوالي 6 أمتار، وكان يستقبل الضيوف بالملابس الحمراء.
وفي حياته - صلى الله عليه وسلم - ما ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادما ولا امرأة، وما رؤي منتقما من مظلمة ظلمها قط، ما لم تنتهك محارم الله تعالى، فإذا انتهكت كان من أشد الناس غضبا، وكان يبشر المظلومين الذين لا يستطيعون دفع الظلم عن أنفسهم، ويؤكد لهم: «ما ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا».
كما أن النبي الكريم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، وإذا دخل بيته كان بشرا من البشر، وكان يعظم النعمة وإن قلت لا يذم منها شيئا، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وكان يمسك لسانه إلا فيما يعنيه، وكان يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، يحذر الناس، ويحترس منهم، ويلقاهم من غير أن يطوي على أحد منهم طلاقة وجهه وبشاشته، وكان يتفقد أصحابه، ويسأل الناس، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من قول بمعروف، مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة، يوقر فيه الكبير، ويرحم الصغير، ويقدم ذو الحاجة، ويحفظ حق الغريب، وقد كساه الله لباس الجمال، وألقى عليه محبة ومهابة منه.
والنبي صلى الله عليه كان لا يذم أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وكان يصبر للغريب على جفائه في كلامه ومسألته، وكان يمازح أصحابه: يضحك مما يضحكون، ويتعجب مما يتعجبون، يعود مرضاهم في أقصى المدينة، ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره، ومع شدة حبه للصلاة وولعه بها - يسرع فيها إذا سمع بكاء صبي، وكان يقول: «إني لأقوم في الصلاة وأريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه».
واتصف النبي الكريم ، بالكمال الإنساني في أرفع درجاته وأعلى منازله، والعظمة في أرقى مظاهرها وتجلياتها، احتفال بالتشبه بأخلاق الله تعالى قدر ما تطيقه الطبيعة البشرية، وقد تمثل كل ذلك في طبائع الأنبياء والمرسلين، الذين عصمهم الله من الانحراف، وحرس سلوكهم من ضلالات النفس وغوايات الشياطين، وفطر ظاهرهم وباطنهم على الحق والخير والرحمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صفات النبي الجسدية علي جمعة صلى الله علیه وسلم مرکز الأزهر صفات الرسول قال سبحانه صفات النبی الله تعالى فی القرآن علی جمعة أن الله
إقرأ أيضاً:
هل التوسل بالنبي في الدعاء حرام شرعا؟.. الإفتاء توضح
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها أجمعوا على جواز واستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه وآله وسلم، واتفقوا على أن ذلك مشروعٌ قطعًا ولا حرمة فيه، وهو ما ندين الله به؛ أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مستحبٌّ وأحد صيغ الدعاء إلى الله عز وجل المندوب إليها، ولا عبرة بمن شذ عن إجماع العلماء.
وأضافت دار الإفتاء، عبر موقعها الإلكتروني، أن القول في التوسل بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الله الصالحين؛ فإن جمهور العلماء أكدوا على أنه مشروعٌ ولا حرمة فيه.
أدلة جواز التوسل بالنبي من القرآنوذكرت دار الإفتاء عددا من الأدلة التي تبين جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن، وفي السطور التالية بيانها:
هل صيام 6 أيام من شوال ثوابه يعادل صوم العمر كله؟.. الإفتاء: بشرط
هل تصح صلاة المرأة بجوار زوجها بسبب ضيق المكان؟.. الإفتاء توضح
هل يتحقق ثواب الجماعة بأداء الرجل الصلوات المفروضة مع زوجته؟.. الإفتاء توضح
هل نسيان النية في صيام الست من شوال يبطلها؟.. الإفتاء توضح الحكم
1- قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35]. وفي ذلك أمرٌ للمؤمنين أن يتقربوا إلى الله بشتى أنواع القربات، والتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء من القربات التي ستثبت تفصيلًا في استعراض أدلة السُّنة، وليس هناك ما يُخَصِّصُ وسيلةً عن وسيلة، فالأمرُ عام بكل أنواع الوسائل التي يرضى الله بها، والدعاء عبادة، ويُقبل ما دام أنه لم يكن بقطيعة رحم أو إثم، أو احتوى على ألفاظ تتعارض مع أصول العقيدة ومبادئ الإسلام.
2- قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57]. وفي هذه الآية يُثنِي الله عز وجل على هؤلاء المؤمنين الذين استجابوا لله، وتقربوا إليه بالوسيلة في الدعاء.
3- قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]. وهذه الآية صريحة في طلب الله من المؤمنين الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستغفار الله عند ذاته صلى الله عليه وآله وسلم الشريفة، وأن ذلك أرجى في قبول استغفارهم، وهذه الآية باقية وحكمها باقٍ.
أدلة جواز التوسل بالنبي من السنة النبوية1- عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ادعُ الله أن يعافيني، قال: «إن شئتَ دعوتُ، وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك»، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: «اللهم إني أَسألُكَ وأَتَوَجَّه إليكَ بنبيكَ محمدٍ نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجَّهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه فِيَّ» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصحَّحه جماعة من الحفاظ منهم: الترمذي وابن خزيمة والطبراني والحاكم.
وهذا الحديث دليلٌ على استحباب هذه الصيغة من الأدعية؛ حيث علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد أصحابه، وأظهر الله معجزة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حيث استجاب لدعاء الضرير في نفس المجلس، وإذا علَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدًا من أصحابه صيغةً للدعاء ونُقِلَتْ إلينا بالسند الصحيح دلَّ ذلك على استحباب الدعاء بها في كل الأوقات حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وليس هناك مُخَصِّصٌ لهذا الدعاء لذلك الصحابي وحده، ولا مُقَيِّد لذلك بحياته صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالأصل في الأحكام والتشريعات أنها مطلقة وعامة، إلا أن يثبت المخصِّص أو المقيِّد لها.
قال الشوكاني في "تحفة الذاكرين" (ص: 212، ط. دار القلم): [وفي الحديث دليل جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، وأنه المعطي المانع، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن] اهـ.
ومما يدل على أن هذا الدعاء عامٌّ في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد انتقاله الشريف أن ذلك الصحابي الجليل أرشد من له حاجة إلى هذا الدعاء بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك فيما رواه الطبراني في "المعجم الصغير"، والبيهقي في "دلائل النبوة": "أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف رضي الله عنه، فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف رضي الله عنه: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصلِّ فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضى لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورُحْ إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قاله له، ثم أتى باب عثمان بن عفان، فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان وأجلسه معه على الطُّنفسة، وقال له: ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه رجل ضرير ..." ثم ذكر الحديث.
قال العلامة الحافظ السيد عبد الله بن الصديق الغماري: وهذا إسناد صحيح؛ فالقصة صحيحة جدًّا، وقد وافق على تصحيحها أيضًا الحافظ المنذري في "الترغيب"، والحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد". اهـ.
والقصة تدل على ما يدل عليه الحديث مع إغلاق الباب على مَن حاول أن يزعم أن الحديث خاص بحياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مُخَصِّص كما ذكرنا، ولكن ذلك يشد العضد ويؤيد الصواب إن شاء الله تعالى.
2- حديث الخروج إلى المسجد للصلاة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من قال حين يخرج إلى الصلاة: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي؛ فإني لم أخرج أشَرًا ولا بَطَرًا ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكَّل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته» رواه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة، وهو حديث صحيح، صحَّحَهُ كلٌّ من الحافظ البغوي، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ المنذري، والحافظ الدمياطي، والحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني.
والحديث يدل على جواز التوسل إلى الله في الدعاء بالعمل الصالح وهو سير المتوضئ إلى الصلاة، وبحق السائلين لله.
3- حديث أنس رضي الله عنه عند موت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما، وهو حديث طويل، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين» رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" وأبو نعيم في "الحلية" وغيرهما. والحديث في سنده مقال، إلا أن معناه مُؤَيَّد بما مر من أحاديث صحيحة.
4- توسل آدم عليه السلام بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن يغفر الله له، وذلك في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت مُحمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب؛ لأنك لَمَّا خلقتني بيدك، ونفخت فيَّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم؛ إنه لأحب الخلق إليَّ، ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك» رواه الطبراني في "الأوسط" والحاكم في "المستدرك"، وقد صححه الحاكم حيث عقبه بقوله: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.
وقد بالغ الحافظ الذهبي عندما حكم بوضعه؛ لأن في سنده عبد الرحمن، وعبد الرحمن ليس بكذاب ولا متهم، بل هو ضعيف فقط، ومثله لا يجعل الحديث موضوعًا، وأقصى ما فيه أن يكون ضعيفًا، والضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال، وفي الحديث دلالة واضحة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء.
5- حديث «أعينوا عباد الله»؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من نوى الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فلينادِ: أعينوا عباد الله» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" والطبراني والبيهقي في "شعب الإيمان"، وقال عن سنده الحافظ الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات.
وفي الحديث دليل على الاستعانة بمخلوقات لا نراها، قد يسببها الله عز وجل في عوننا ونتوسل بها إلى ربنا في تحقيق المراد كالملائكة، ولا يبعد أن يقاس على الملائكة أرواح الصالحين؛ فهي أجسام نورانية باقية في عالمها.
6- قصة الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قبره في زمن عمر، فعن مالك الدار وكان خازن عمر قال: "أصابَ الناسَ قحطٌ في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال: ائتِ عمر، فأقرئه مني السلام، وأخبره أنهم يُسقَون، وقل له: عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبر عمر فقال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت". رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وهو حديث صحيح صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال في "فتح الباري" ما نصه: "وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتِي الرجل في المنام فقيل له: ائتِ عمر... الحديث، وقد روى سيف في "الفتوح" أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة" اهـ. وهذه الرواية صحح إسنادَها كذلك الحافظُ ابن كثير في "البداية والنهاية"، وصححها أيضًا كبار الحفاظ، فتصلح أن تكون دليلًا على جواز الطلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاستسقاء والدعاء بعد انتقاله الشريف صلى الله عليه وآله وسلم.
7- قصة الخليفة المنصور مع الإمام مالك رضي الله عنه وهي: "أن مالكًا رضي الله عنه لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي ثاني خلفاء بني العباس: يا أبا عبد الله أَأَستقبلُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو؟ فقال له مالك: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله عز وجل يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله" اهـ.
وفيه إشارة إلى اعتبار حديث توسل آدم عليه السلام عند الإمام مالك، وأنه يرى أن من الخير استقبال قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاستشفاع به صلى الله عليه وآله وسلم. وقد روى هذه القصة أبو الحسن علي بن فهر في كتابه "فضائل مالك" بإسناد لا بأس به، وأخرجها القاضي عياض في "الشفاء" من طريقه عن شيوخ عدة من ثقات مشايخه، كذلك ذكره السبكي في "شفاء السقام"، والسمهودي في "وفاء الوفاء"، والقسطلاني في "المواهب اللدنية"، قال ابن حجر الهيثمي في "الجوهر المنظم": قد رُوِيَ هذا بسند صحيح، وقال العلامة الزرقاني في "شرح المواهب": إن ابن فهر ذكر هذا بسند حسن، وذكره القاضي عياض بسند صحيح.
وللعلامة الشوكاني كلام نفيس في هذه المسألة ننقله على طوله لِمَا فيه من الفوائد، يقول رحمه الله تعالى في كتابه "الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد": [وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث فيه، ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في "سننه" والترمذي وصححه وابن ماجه وغيرهم: أن أعمى أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت في بصري فادعُ الله لي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «توضَّأ وصلِّ ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد، يا محمد إني أستشفع بك في رد بصري، اللهم شفع النبي فِيَّ، وقال: فإن كان لك حاجة فمثل ذلك»، فَرَدَّ اللهُ بصرَه. وللناس في معنى هذا قولان:
أحدهما: أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لَمَّا قال: كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، وهو في "صحيح البخاري" وغيره، فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته في الاستسقاء، ثم توسل بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه، فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعًا وداعيًا لهم.
والقول الثاني: أن التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه، ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعًا سكوتيًّا؛ لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في التوسل بالعباس رضي الله عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لأمرين؛ الأول: ما عرَّفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم. والثاني: أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسلٌ بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة؛ إذ لا يكون الفاضل فاضلًا إلا بأعماله، فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في "الصحيحين" وغيرهما: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة؛ أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله، فارتفعت الصخرة"، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركًا كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم، وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصُّلَحاء من نحو قوله تعالى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، ونحو قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، ونحو قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ [الرعد:14]، ليس بواردٍ، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه؛ فإن قولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3] مصرِّح بأنهم عبدوهم لذلك، والمتوسل بالعالم مثلًا لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك، وكذلك قوله: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18] فإنه نهيٌ عن أن يُدعَى مع الله غيرُه كأن يقول: بالله وبفلان، والمتوسِّل بالعالم مثلًا لم يَدْعُ إلا الله، فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عَمِلَه بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم، وكذلك قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الرعد: 14]. فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم، والمتوسل بالعالم مثلًا لم يَدْعُ إلا الله ولم يَدْعُ غيرَه دونه ولا دعا غيره معه، وإذا عرفت هذا لم يَخْفَ عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجًا زائدَا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ﴾ [الانفطار: 17-19]. فإن هذه الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين، ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبيًّا أو غير نبي فهو في ضلال مبين، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: 128]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الأعراف: 188]. فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمر الله شيء وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فكيف يملك لغيره، وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء، وقد جعل الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم المقام المحمود مقام الشفاعة العظمى، وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له: "سل تُعطه واشفع تشفع". وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]: «يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئًا، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئًا». فإن هذا ليس فيه إلا التصريح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلًا عن غيرهم شيئًا من الله، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يُتوسَّل به إلى الله، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي، وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببًا للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين] انتهى كلام الشوكاني.