سبب تفضيل الرسول .. وصفه الله في القرآن دون سائر الأنبياء
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
كشف الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، عن سبب تفضيل الله تعالي للنبي، على سائر الأنبياء.
سبب تفضيل النبيوقال علي جمعة، في منشور له، إن سبب هذا التفضيل يرجع إلى ما ذكره تعالى له في القرآن الكريم بأغلب أعضاءه الشريفة، فليس هناك ملك مقرب، ولا نبي مرسل أثنى الله على أعضاءه وخصاله بهذا التفصيل قط.
وأضاف، أن الله تعالى قد ذكر بعض الأعضاء لبعض الأنبياء في القرآن، كذكر لسان داوود وعيسى بن مريم عليهما السلام في كتابه؛ حيث قال : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ، وذكر يد موسى عليه السلام، قال تعالى: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ) ، وذكر يد أيوب ورجله، قال سبحانه : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ، وقال سبحانه : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ).
وتابع: لكنه لم يذكر سبحانه وتعالى أعضاء أحد من أنبيائه بهذا التفصيل، وعلى هذا الوجه من التكريم، الذي ذكر به أعضاء نبيه المصطفى، فذكر ربنا وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز، فقال سبحانه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) ، ويشمل هذا السياق على مدح جليل فوق ذكر الوجه، ووجه المدح فيه أنه بمجرد تقلب وجهه الشريف أعطاه الله به ما أراد دون سؤال منه ولا كلام، فكانت بركة وجهه في تقلبه معطية له ما تمناه ويرضاه.
كما ذكر الله تعالى، وجه سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في مواضع أخرى منها قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ(، وقال : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ( ، وقال سبحانه : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ).وقال تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً( ، وقال عز من قائل : )فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّمِ).
صفات النبي في القرآنقال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم- مقامًا عند ربه عظيم، وقدرًا جليلًا، فاق كل الخلائق أجمعين، فهو سيد ولد آدم، بل هو سيد الأكوان وصفوتها، وهو خير من الملائكة، وخير من العرش، ولا يعرف حقيقته وعظيم قدره إلا خالقه -سبحانه وتعالى-.
وأضاف « جمعة» في فتوى له، أن الله - سبحانه- خصه بمزايا عديدة، ونوع أشكال المدح له، وذكره في قرآنه بـ أجل الصفات، فوصفه ربنا بالرحمة فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، وقال: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ».
وتابع: فقال -تعالى-: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا»، وقال -سبحانه- : «يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ». وواصل المفتي السابق أن الله أثني على أخلاقه فقال -تعالى- : «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وكما أخبر هو بنفسه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، [أحمد والبيهقي والحاكم في المستدرك ومالك في الموطأ].
صيغة الصلاة على النبي لتفريج الكروب.. تزيل الهم والغم فورا شاهد المنزل الذي ولد فيه النبي محمد .. فيديووأوضح أن الله فضله على الأنبياء قبله في النداء، فالناظر في القرآن الكريم يرى أن الله قد نادى الأنبياء -عليهم السلام- قبله بأسمائهم المجردة، فقال- تعالى -: «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» وقال: «يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا»، وقال -سبحانه- : «يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ»، وقال-تعالى -: «يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ»، وقال أيضًا: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ».
وأكمل: أما نبينا - عليه الصلاة والسلام- فما ناداه الله- تعالى- في كتابه العزيز باسمه مجردًا قط، بل كان دائما يناديه بقوله : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ»، أو «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ»، أو «يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ»، أو «يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ». وأردف: النبي - صلى الله عليه وسلم- يستحق تلك المكانة التي جعلها الله له، ويستحق أن نحبه بكل قلوبنا، فهو الذي كان يتحمل الأذى من أجلنا، ولا يخفى ما يؤثر من حلمه واحتماله الأذى، وإن كل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، وهو - عليه الصلاة والسلام- لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.
صفات النبي الخلقيةحدد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، صفات النبي محمد الجسدية والخلقية، مؤكدًا أن الله تعالى زكى نبيه صلى الله عليه وسلم تزكية كاملة، ظاهرًا وباطنًا: زكى باطنه وطهره من الشرك والكفر، وزكى ظاهره فجعله في أبهى صورة وأجملها.وأضاف «مركز الأزهر» عبر صفحته بـ«فيسبوك»، أن الصحابة وصفوا لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفصلوا وأجملوا في وصفه، فوصفوا وجهه وأنفه وجبينه وحاجبيه، حتى مشيته وهيئة جلوسه ووقوفه
أوضح: كان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس صورة، وأتمَّهم خلقة، وأجملهم هيئة، لَمْ يُرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن سيدنا الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجِلًا، مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَىٰ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ الْيُسْرَىٰ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» متفق عليه.
وأفاد: ومعنىٰ رجِلًا: بكسر الجيم صفة للشَّعر، أي: في شعره تَثَنٍّ قليلٌ، ليس شديدَ الاسترسال، ولا شديدَ التَّجَعُّد، وخير الأمور أوسطها، ومعنىٰ مربوعًا: أي متوسطًا بين الطول والقِصَر، و«بعيد ما بين المنكبين»: أي عريض أعلىٰ الظهر، و«الجُمَّة»: بضم الجيم وتشديد الميم المفتوحة، وهي ما سقط من شعر الرأس ووصل إلىٰ المنكبين، و«الحُلَّة»: ثوبٌ له ظهارة وبطانة، أو ثوبان: رداء وإزار.
واستدل بما روي عَنْ سيدنا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمُ الرَّأْسِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-» أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.وواصل: ومعنىٰ شَثْن: أي ممتليء الأصابع، و«ضخم الرأس»: بما يتناسب مع جسده الشريف -صلى الله عليه وسلم-، و«الكراديس»: رؤوس العظام أو مجتمعها كالركبة والمنكب، والمَسْرُبَة: الشَّعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسُرَّة، ومعنىٰ تكفأ تكفؤًا كأنما ينحط من صبب: إشارة إلىٰ سرعته وهِمَّتِه كمن ينزل من منحدر.
صفات الرسولوقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن من صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أنه كان طيب الرائحة، وكان يحب الروائح الحسنة، والنظافة، والسواك، ولا يرد الطيب.
جاء ذلك، خلال عرض المركز لصفات الرسول الكريم بمناسبة اقتراب ذكرى مولده خلال الشهر الجاري.
وأضاف مركز الأزهر في منشور له عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان طيَّب الرائحة بالطِّيب وبدونه، يصافحه المصافح فيظل يومَه يجد رِيحها، ويضع يدَه على رأس الصَّبي فيُعرَف من بين الصِّبيان بها، وما سَلَكَ طريقًا إلا عُرف أنَّه سَلَكَهُ من طِيبِه.
وأشار إلى أن من أهم صفات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يحبُّ الرَّائحة الحَسَنَة، والنَّظافَة، والسِّواك، ولا يردُّ الطِّيب.
صفات النبي الجسديةكشف الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، عن صفات الرسول الكريم من الناحية الشكلية، منوها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قوي البنية ولم يكن صاحب دهون في جسمه.
وأضاف علي جمعة، في لقائه على فضائية "سي بي سي"، أنه حينما كان يرمي بالسهم فكان يصيب كل الأهداف دون خطأ، فكان فارسا متمكنا من الحرب فوق الفرس.
وأوضح، أن وجه النبي كان في هيئة مستطيل، وكان ذو لحية سوية، وكان ذو شعر ناعم وكان في بعض الأحيان يطيل شعره إلى المنكبين، وكان يحلقه في بعض الأحيان وخاصة وقت العمرة أو الحج.
وتابع: وكان حاجبي النبي على هيئة هلال، ولا يوجد شعر بين الحاجبين، ورموش النبي كانت طويلة، وعيناه واسعتان، وكان أبيض اللون، وكانت يداه ضخمة وناعمتان كالحرير.
كما كان فم النبي كبير، وإذا تكلم أخرج الحروف واضحة وفصيحة، وعمامة النبي كانت حوالي 6 أمتار، وكان يستقبل الضيوف بالملابس الحمراء.
وفي حياته - صلى الله عليه وسلم - ما ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادما ولا امرأة، وما رؤي منتقما من مظلمة ظلمها قط، ما لم تنتهك محارم الله تعالى، فإذا انتهكت كان من أشد الناس غضبا، وكان يبشر المظلومين الذين لا يستطيعون دفع الظلم عن أنفسهم، ويؤكد لهم: «ما ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا».
كما أن النبي الكريم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، وإذا دخل بيته كان بشرا من البشر، وكان يعظم النعمة وإن قلت لا يذم منها شيئا، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وكان يمسك لسانه إلا فيما يعنيه، وكان يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، يحذر الناس، ويحترس منهم، ويلقاهم من غير أن يطوي على أحد منهم طلاقة وجهه وبشاشته، وكان يتفقد أصحابه، ويسأل الناس، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من قول بمعروف، مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة، يوقر فيه الكبير، ويرحم الصغير، ويقدم ذو الحاجة، ويحفظ حق الغريب، وقد كساه الله لباس الجمال، وألقى عليه محبة ومهابة منه.
والنبي صلى الله عليه كان لا يذم أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وكان يصبر للغريب على جفائه في كلامه ومسألته، وكان يمازح أصحابه: يضحك مما يضحكون، ويتعجب مما يتعجبون، يعود مرضاهم في أقصى المدينة، ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره، ومع شدة حبه للصلاة وولعه بها - يسرع فيها إذا سمع بكاء صبي، وكان يقول: «إني لأقوم في الصلاة وأريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه».
واتصف النبي الكريم ، بالكمال الإنساني في أرفع درجاته وأعلى منازله، والعظمة في أرقى مظاهرها وتجلياتها، احتفال بالتشبه بأخلاق الله تعالى قدر ما تطيقه الطبيعة البشرية، وقد تمثل كل ذلك في طبائع الأنبياء والمرسلين، الذين عصمهم الله من الانحراف، وحرس سلوكهم من ضلالات النفس وغوايات الشياطين، وفطر ظاهرهم وباطنهم على الحق والخير والرحمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صفات النبي الجسدية علي جمعة صلى الله علیه وسلم مرکز الأزهر صفات الرسول قال سبحانه صفات النبی الله تعالى فی القرآن علی جمعة أن الله
إقرأ أيضاً:
حكم تلحين القرآن وتصويره تصويرًا فنيًا
قالت دار الإفتاء المصرية لا يجوز شرعًا قراءة القرآن الكريم مع تلحينه تلحينًا موسيقيًّا؛ لكون هذا العمل يخرج القرآن عن جلالته وقدسيته، ويصرف السامع عن الخشوع والخضوع عند سماعه، كما يجعله أداة لهوٍ وطربٍ، وكل عمل يخرج كتاب الله عن غايته يعد عملًا منكرًا لا يقره الدين.
وأكدت الإفتاء أنه يجب عند قراءته مراعاة الرجوع إلى ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابه والتابعين، وكذلك لا يجوز تصوير القرآن تصويرًا فنيًّا؛ لما في ذلك من مفاسد يجب منعها؛ كتصوير الأنبياء ونحوه مما هو محاط بالقداسة في الشريعة الإسلامية.
بيان حكم تلحين القرآن الكريم تلحينًا موسيقيًّاجاء في مقدمة الإمام الطبري والقرطبي من أن العلماء قالوا: إن المعلوم على القطع والبينات أن قراءة القرآن تلقينًا متواترةٌ عن كافة المشايخ جيلًا فجيلًا إلى العصر الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس فيها تلحينٌ ولا تطريبٌ مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام وغير ذلك من كيفية القراءات، ثم إن في الترجيع والتطريب همزُ ما ليس بمهموزٍ ومَدُّ ما ليس بممدود، فترجع الألفُ الواحدة ألفاتٍ، والواوُ الواحدة واواتٍ؛ فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن، وذلك ممنوعٌ. وإن وافق ذلك موضع نبرٍ وهمزٍ صيَّروها نبراتٍ وهمزاتٍ، والنبرة حينما وقعت من الحروف فإنما هي همزةٌ واحدةٌ لا غير إما ممدودةٌ أو مقصورةٌ.
وروى عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرٍ له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته"، وذكره البخاري، وقال في صفة الترجيع: آء آء آء ثلاث مرات.
قلنا: ذلك محمولٌ على إشباع المد في موضعه، ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبًا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب، وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه، وقد خرّج أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه رضي الله عنهم قال: "كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المد ليس فيها ترجيع".
وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذن يطرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْأَذَانَ سَهْلٌ سَمْحٌ؛ فَإِنْ كَانَ أَذَانُكَ سَمْحًا سَهْلًا، وَإِلَّا فَلَا تُؤَذِّنْ» أخرجه الدارقطني في "سننه"، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى أن لا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن؛ فقال وقوله الحق: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقال تعالى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]. قلت: وهذا الخلاف إنما هو ما دام يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات، فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام بالاتفاق.
ذكر الإمام الحافظ أبو الحسين رزين وأبو عبد الله الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" من حديث حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اقرأوا الْقُرْآن بِلُحُونِ الْعَرَب وَأَصْوَاتهَا، وَإِيَّاكُم وَلُحُون أهل الْعِشْق وَأهل الْكِتَابَيْنِ؛ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قوم من بعدِي يرجعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيع الْغناء والرهبانية وَالنوح لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ، واللحون جمع لحن؛ وهو التطريب وتحسينه بالقراءة والشعر .
وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالت: "ما لكم وصلاته؛ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح" ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة ميسرة حرفًا حرفًا. أخرجه النسائي، وأبو داود، والترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. اهـ. انظر: مقدمة القرطبي في "تفسيره" (1/ 15-17، ط. دار
وأضافت الإفتاء قائلة: لذلك يجب عند قراءة القرآن مراعاة الرجوع إلى ما كان عليه الناس في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والتابعين وليس فيها ترجيع أو غناء، وإذا كان المسلمون قد بدؤوا بعد المائة الأولى من الهجرة بأن عدلوا عن القراءة على هذا النحو فإن ذلك يعتبر بدعة في قراءة القرآن أي في أمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بكتاب الله الذي نزل على رسوله وسمعَهُ الرسول من الوحي، وقرأه عليه ونقله إلى أصحابه كما سمعه.