في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، كان العميد الهولندي روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، في زيارة للأراضي الفلسطينية المحتلة، استعرض خلالها مسؤولو دولة الاحتلال الإسرائيلي قدراتهم التقنية على حدود غزة، حيث عرضوا عليه طرق استخدامهم للذكاء الاصطناعي وأساليب المراقبة بأحدث التقنيات المتطورة. وفقا لبيان حلف الناتو، كان أحد أهداف زيارة العميد الهولندي هو التعلم من خبرات دولة الاحتلال العسكرية و"السعي وراء قدرات عسكرية مبتكرة" (1).

 

بعد مرور 10 أيام على تلك الزيارة، وفي ساعات الصباح الأولى من يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تضرب المقاومة الفلسطينية ضربة قاسية وموجعة للكيان الصهيوني، هي الأكبر منذ حرب أكتوبر عام 1973، وتفشل كل هذه الأنظمة الحديثة، وتقنيات المراقبة والتجسس الجديدة، في تقديم أي تحذير مسبق حول عملية "طوفان الأقصى"، ليصبح هذا فشلا استخباراتيا شاملا بامتياز، وفي الغالب سوف يُدرس لسنوات طويلة قادمة.

 

اقتصاد حرب!

 

خلال العقدين الماضيين، وجهت دولة الاحتلال اهتمامها نحو التقنيات العسكرية المتطورة، وبرمجيات التجسس السيبراني، ووضعت كل هذه التقنيات العسكرية في الصفوف الأمامية أثناء حروبها داخل الأراضي الفلسطينية. من الطائرات بدون طيار، التي تستخدم تقنيات التعرف على الوجوه، إلى نقاط التفتيش الحدودية وعمليات التنصت الإلكتروني على الاتصالات، ستجد أن عمليات التجسس لدولة الاحتلال على قطاع غزة هي الأكثر كثافة وتعقيدا وضراوة مقارنة بأي مكان في العالم.

 

صاحَب هذه الجهود العسكرية التقنية آلة إعلامية هائلة الضخامة، تعمل على مدار الساعة بلا توقف، لتُشكِّل الرأي العام العالمي وتوجهه نحو الاعتراف بقوة وبراعة وتمكن تقنيات الكيان المحتل، بجانب أنه أكبر مصدر للتقنيات الحديثة حاليا في الشرق الأوسط. لكن كل هذه الصورة التي تحاول إسرائيل رسمها وتشكيلها منذ سنوات طويلة محتها ضربة المقاومة المنظمة الأخيرة تماما من الوجود. قد لا يظهر هذا التأثير فورا على المدى القريب، لكن الأمور ستبدأ في الانكشاف بعد فترة، وستبدأ الدول والشركات التي تتعامل مع الكيان المحتل في الشك في قدراته، وقدرات التقنيات التي يقدمها، حتى إن كانت تلك التقنيات متقدمة فعلا، لأنهم ببساطة سيفقدون الثقة في قدرات مَن يصنع ويبيع تلك التقنيات.

 

يقوم جزء أساسي من اقتصاد الاحتلال في الوقت الراهن على تصدير الأسلحة وتقنيات التجسس الإلكتروني التي اكتسبت شهرة واسعة عالميا خلال السنوات القليلة الماضية. فمثلا وصلت قيمة صادرات دولة الاحتلال من الأسلحة إلى 12.5 مليار دولار خلال عام 2022، وهذا الرقم يمثل زيادة بنسبة 50% عن السنوات الثلاث السابقة، وبنسبة 100% مقارنة بالعقد السابق (2). وفي شهر مايو/أيار الماضي، صرّح إيال زمير، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن بلاده "تهدف إلى استغلال مهارتها التقنية لتتحول إلى قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي"، متوقعا تطورات قادمة في الحروب الآلية وسهولة في عملية صنع القرار داخل أرض المعركة (3). هذا دون أن نذكر القبة الحديدية التي روجت لها دولة الاحتلال دائما على أنها ستار حديدي لا يُقهر.

 

على صعيد التجسس السيبراني، وخلال السنوات الأخيرة، انفجر سوق المرتزقة السيبرانيين، وهو مصطلح يشير إلى مجموعة متنوعة من الشركات التي تعمل بمجال الأمن الإلكتروني وتطور وتبيع أجهزة ومعدات وخدمات إلكترونية لأغراض اختراق أجهزة الضحايا. تشير بعض التقديرات إلى وصول قيمة هذا السوق إلى أكثر من 12 مليار دولار عالميا. هذا النمو كان مدفوعا، في جزء كبير منه، بسبب الحكومات التي تسعى إلى الوصول بسهولة لهذا النوع من الأدوات، والأهداف المعلنة هي محاربة الإرهاب والعصابات الإجرامية الكبيرة، أما الأهداف غير المعلنة فهي مراقبة النشاط الإلكتروني بشكل عام. مثلا أشارت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى 74 حكومة على الأقل تعاقدت مع هذه الشركات، بين أعوام 2011-2023، لتحصل على برمجيات التجسس وتقنيات التحقيقات الجنائية الرقمية.

 

دولة الاحتلال الإسرائيلي هي أكبر مصدر لهذا النوع من الشركات والبرمجيات الخاصة بالتجسس، إذ اشترت 56 حكومة، من أصل 74 حكومة، تلك البرمجيات والتقنيات الرقمية من شركات مقرها إسرائيل أو على صلة بها، مثل الشركة التي اشتهرت منذ أعوام قليلة "إن إس أو غروب" (NSO Group)، التي طورت برمجية التجسس الشهيرة "بيغاسوس" (Pegasus)، تلك البرمجية التي تستخدمها مخابرات وأجهزة أمنية لأكبر دول العالم المتقدم ومنها المخابرات الأميركية (4).

 

قد لا تخسر دولة الاحتلال كل هذا الاقتصاد فجأة، لكنه حتما سيتأثر، ببساطة لأن الصورة الزاهية نفسها التي حاولت رسمها طوال سنوات عن مدى تقدمها التقني والاستخباراتي الخارق لن تعود كما كانت، وتلك هزيمة معنوية كبيرة على جميع المستويات والأصعدة. لكن لماذا وصل الحال بعقلية الكيان الصهيوني إلى الاعتماد المفرط على التقنية، لدرجة الغرور والزهو بالنفس والاطمئنان التام لهذه القدرات الحديثة؟

 

حكم بشري!

 

التقنيات المتطورة في حد ذاتها لا تزيد من خطر الرضا الزائف عن النفس، أو الغرور المفرط، لكنها تؤثر بصورة واضحة على عملية صنع القرار عند الاعتماد عليها بالكامل. فمثلا أصدر مجموعة من علماء الاجتماع ورقة بحثية جديدة، أجروا فيها تجربة مع مستشاري إحدى أشهر الشركات الاستشارية في العالم، وهي "مجموعة بوسطن للاستشارات" (Boston Consulting Group)، استخدم المستشارون نسخة روبوت المحادثة "GPT-4" في عملهم، وتفوقوا على نظرائهم ممن لم يستخدموا الروبوت، وهذا التفوق كان بنسبة فارقة وواضحة، في كل الجوانب، وبكل الأساليب التي قاس بها الفريق أداء هؤلاء المستشارين في الشركة.

 

لكن الفريق البحثي اختبر فكرة أخرى، وهي تصميم مهمة جديدة، واختيارها بعناية ليضمنوا ألا يصل نموذج "GPT-4" إلى الإجابة الصحيحة، ولا يتمكن من تنفيذها بنجاح. تمكن الفريق من تحديد مهمة تستفيد من النقاط العمياء لنموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، بحيث يقدم إجابة خاطئة ولكنها تبدو منطقية ومقنعة، وتحتاج إلى شخص خبير ليتمكن من حلها. بالطبع نجح المستشارون في إيجاد الحل الصحيح بنسبة 84% من الحالات دون مساعدة من نموذج الذكاء الاصطناعي، ولكن عندما استعانوا بالنموذج، كان أداؤهم أسوأ، وتمكنوا من إيجاد الحل الصحيح بنسبة 60% إلى 70% فقط من الحالات (5).

 

يخبرنا هذا أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي ربما يؤدي إلى نتائج عكسية، وهو ما أطلقت عليه ورقة بحثية أخرى مصطلح "النوم أثناء القيادة" (falling asleep at the wheel)، إذ وجدت حينها أن مَن اعتمدوا بالكامل على نموذج الذكاء الاصطناعي القوي تكاسلوا وأهملوا وانخفضت مهاراتهم القائمة على حكمهم البشري، بالإضافة إلى أن قراراتهم كانت أسوأ ممن استخدموا نماذج أقل في الإمكانيات، أو لم يستعينوا بأي مساعدة من تلك النماذج.

 

 

عندما يكون نموذج الذكاء الاصطناعي قويا ويقدم إجابات مفيدة، فلن يملك البشر حافزا لبذل أي مجهود عقلي إضافي، وبهذا يسمحون للذكاء الاصطناعي بتولي القيادة بدلا منهم، في حين أنه مجرد أداة مساعدة، ولا ينبغي منحه تلك القوة بإصدار الأحكام النهائية أو اتخاذ قرارات تخص العمل. وهو ما حدث في تجربة مجموعة بوسطن للاستشارات، إذ استسهل هؤلاء المستشارون الأمر ووثقوا في إجابات النموذج، ومن ثمّ وقعوا في فخ "النوم أثناء القيادة". موثوقية نماذج الذكاء الاصطناعي قد تكون خادعة إذا لم تعرف أين تقع حدود إمكانياته تحديدا (5).

 

بالطبع المثال السابق لمجرد توضيح فكرة امتلاك تقنية متطورة تساعدك على صنع القرار، ونحن هنا نتحدث عن شركة تعمل في الاستشارات. بينما في حالة الحروب، فإن صناعة القرار تحتاج إلى حكم بشري وتفكير منطقي وتخطيط إستراتيجي واضح، لهذا فإن الاعتماد المفرط على التقنيات المتطورة قد يؤثر على تقدير صنّاع القرار في تحديد التكاليف المحتملة للعمليات والقرارات العسكرية، وبالتأكيد يمنحهم شعورا بالتفوق، خاصة إذا كان الخصم لا يملك تقنيات مكافئة. التاريخ خير شاهد على خلق التقنيات المتطورة لهذا الإحساس الزائف بالتفوق، وحرب أكتوبر عام 1973 خير دليل؛ حينها تفاخر الكيان الصهيوني، وتراقص طربا في كل محفل، بمدى قوة وبراعة ومناعة خط بارليف، ليأتي الجندي المصري حاملا خرطوم مياه، ويدك هذا الحصن في ظرف ساعات معدودة.

 

على الجهة المقابلة، استفادت المقاومة الفلسطينية من التقنيات البسيطة والرخيصة التي تتوافر لديها لتنفيذ هذا الهجوم، مستغلة تقنيات مثل الطيران المظلي بمحرك، أو ما يُعرف بـ"Powered paragliding"، التي لم يعتقد أحد بإمكانية استخدامها لأغراض عسكرية إلا في نطاقات ضيقة. ومع ذلك، تحتاج هذه التقنية إلى تدريب جيد، لأن التدريب الضعيف سيشكل خطرا شديدا عند استخدام الآلة إذا ساءت الظروف الجوية. بالتدريب والمثابرة والتخطيط الإستراتيجي الجيد، تمكن الفلسطينيون من تحويل مظلات الهواة إلى أدوات لاختراق دولة الاحتلال (6).

 

لن تصمم متاهة وأنت بداخلها!

 

ينبغي أن توضع التقنية دائما في إطارها الصحيح وفقا لأقل إمكانات تقدمها وأكثرها محدودية؛ فهي في النهاية مجرد وسيلة وليست غاية في حد ذاتها. لكن الاحتلال الإسرائيلي تختل لوهلة أن الذي يمتلك التقنية الأقوى سينتصر مهما كانت الظروف والأحداث، وأن العالم الذي يخلقه حوله سيجعله كيانا لا يُقهر.

 

بجانب الكم الهائل من المعضلات الأخلاقية في هذا المفهوم، فإنه من الناحية العملية غير مستدام، ويقدم وعدا زائفا ومبالغا فيه بإمكانيات التقنية والأدوات الحديثة، وأنها ستوفر حلا متكاملا وسحريا لكل شيء. لكن على الجانب العملي فعلا، فإن هذا جزء من الصورة فقط، كأن تدخل المتاهة بنفسك وتحاول تصميمها وتخيل شكلها بالكامل وأنت بداخلها. هذا التفكير ببساطة يغفل أمورا إنسانية كثيرة كالخيال والإصرار والمثابرة والتدريب والتفكير المنطقي والقدرة على حل مشكلات معقدة بالنظر إلى الصورة الأكبر.

 

في عالم جديد أفرط في جرعة المادية، وضاعت في متاهات صراعاته معظم المعاني، وأصبحنا جميعا نفكر بمنطق رأس المال (مصلحة أو لا مصلحة)، ربما كان الدرس المستفاد هنا هو الرجوع ولو قليلا لتلك الصفات الإنسانية البسيطة جدا، البديهية جدا، الواضحة جدا. تفكير وتخطيط سليم، تدريب جيد على الأدوات المتاحة، دراسة دقيقة للعدو وتوقع ما سيفعله، والأهم اللعب على نقطة غروره المعتادة، كما فعل المصريون عام 1973، بأنه الأقوى بكل هذه التقنيات الحديثة التي يملكها جيشه؛ أمور بسيطة وواضحة ودون تعقيدات كثيرة، تماما مثل التقنيات والأدوات البسيطة التي استخدمتها قوات المقاومة في هذه المعركة الذكية.

 

ببساطة أكثر، ما حدث هنا هو انتصار للإنسان والإنسانية بمفهومها الأوسع على الآلة، أو ربما ليست الآلة نفسها، بل يمكننا أن نطلق عليه "الإنسان السايبورغ"، الذي اعتقد لوهلة، وصوّر له غروره، أن امتلاكه التقنيات المتطورة سيمنحه ذكاء خاصا ويجعلها تؤدي دوره في التفكير والتخطيط والاستنتاج، لأنه اندمج وتكامل تماما مع هذه التقنية للدرجة التي نسي معها إنسانيته، هذا إن كان يملكها من الأساس!

المصادر:

1) Chair of the NATO Military Committee visits Israel

2) Israel reports record $12.5 billion defence exports

3) Israel aims to be ‘AI superpower,’ advance autonomous warfare

4) المرتزقة السيبرانيون.. من هم؟ وكيف تستخدمهم الشركات والدول للقضاء على الخصوم؟

5) تعلم استخدام الذكاء الاصطناعي الآن.. أو سيسبقك الجميع

6) "ليلة سقوط النمر الورقي".. كيف حوّل الفلسطينيون مظلات الهواة إلى أدوات لاختراق دولة الاحتلال؟


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: فلسطين اسرائيل تجسس القدس الكيان الصهيوني نموذج الذکاء الاصطناعی التقنیات المتطورة دولة الاحتلال کل هذه

إقرأ أيضاً:

تأثيرات اقتصادية مدمرة.. العمليات البحرية اليمنية تُشَلّ اقتصاد “إسرائيل” وتُلحق خسائر فادحة بشركاتها ومستهلكيها

الجديد برس:

أدت العمليات البحرية اليمنية ضد “إسرائيل” إلى أضرار بالغة طالت الاقتصاد الإسرائيلي، انعكست بشكل مباشر على أسعار المنتجات الأساسية وغير الأساسية في المجتمع الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، كما ألقت بتداعياتها على قطاعات بأكملها ذات صلة بالنقل والاستيراد والتصدير.

يرصد هذا التقرير تأثيرات العمليات اليمنية في مراحلها الأولى قبل أن تبدأ المرحلة الرابعة والتي من المتوقع أن تظهر آثارها بشكل واسع خلال الأسابيع القادمة.

توقف كامل لميناء “إيلات”

يمثل ميناء إيلات منطقة حيوية لـ”إسرائيل”، قالت صحيفة “yomyom” في تقرير نشر بتاريخ 14 يونيو الجاري، إن آخر السفينة الأخيرة التي استقبلها ميناء إيلات وكانت محملة بسيارات جديدة من الشرق، رست في شهر نوفمبر 2023. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، توقف ميناء إيلات عن العمل وكذلك ميناء كاتسا الذي بقي فارغًا من ناقلات الوقود. تسبب الضرر الذي لحق بميناء إيلات في سلسلة من الأضرار في قطاعات النقل والأمن، وأثر أيضًا على إيرادات مستوطنات منطقة إيلوت وإيلات.

وبحسب الصحيفة كان ميناء إيلات يتحدث عن نقص حاد في مناطق التخزين عشية الحرب، ونتيجة لذلك، تم تأجير مناطق للميناء في مطار رامون، وتمناع، ويوطفاتا، وإيلات وقد وفرت هذه المناطق إيرادات جيدة لكبّوتسات منطقة إيلوت ولبلدية إيلات وراشوت تافورا، ونشأت حولها صناعة إضافية للأمن والنظافة، حاليا لا يوجد فيه سوى 10 آلاف سيارة وتخطط إدارة الميناء لنقلها إلى مناطق الميناء بهدف توفير تكاليف استئجار مناطق التخزين.

ووفقا للصحيفة أصبح ميناء إيلات ( البوابة الجنوبية لإسرائيل)، التي تم ترويجها طوال السنوات كـ”أصل استراتيجي يحافظ على الممرات البحرية المفتوحة لإسرائيل”، مشلولًا فجأة وأثبت أن التحالف الدولي، وكذلك إسرائيل، ليس لديهم السيطرة أو القدرة على التأثير على حرية الملاحة في البحر الأحمر.

وأدى الشلل في ميناء إيلات إلى تضرر عدد من المجموعات الاقتصادية التي كانت تعمل في النقل مثل مجموعة تسمى “تاعبورا” كانت تشغل حتى اندلاع الحرب خطًا نشطًا من مئات الشاحنات التي كانت تعبر العربة أسبوعيًا حاملة للسيارات من ميناء إيلات إلى المركز، وكانت تستحوذ على 70 % من نقل السيارات من الميناء، وتحصل على إيرادات تصل إلى حوالي 3 ملايين شيكل شهريًا، والآن انخفضت إيراداتها من جميع أنشطتها في الجنوب إلى النصف، وذلك بعد أن انخفضت كمية نقل السيارات التي تقوم بها الشركة للميناء بشكل كبير منذ شهر فبراير من هذا العام.

ووفقًا لبيانات هيئة الملاحة الإسرائيلية، قبل اندلاع الحرب كان ميناء إيلات يستقبل غالبية واردات السيارات. في عام 2023، تم استيراد 149.5 ألف سيارة عبر الميناء، مقارنة بـ 114 ألف سيارة تم استيرادها عبر ميناء أشدود و81.2 ألف سيارة وصلت عبر ميناء حيفا.

وقد انعكس الشلل في الميناء على وضع العمل الذين كان قد تم إصدار قرار بتسريحهم قبل أن يتدخل اتحاد العمال لتأجيل القرار، ونتيجة لهذا الوضع عرض الرئيس التنفيذي لميناء إيلات جدعون جولبر دفع رسوم على عبور مضيق باب المندب كما يحدث في عبور السويس من أجل استعادة النشاط في الميناء لكن ذلك غير ممكن.

وقال جولبر في مقابلة مع صحيفة “غلوبس” في مطلع يونيو الجاري إن الشلل الاقتصادي في إيلات “ليس خطأ الميناء بل خطأ ضعف دول التحالف في التعامل مع الحوثيين” ولا يمكن تجاهل هذه القضية رغم الحرب لكن لا توجد حلول، ولذلك لا أخجل من أن أقول للعملاء أن يدفعوا للحوثيين 100 ألف دولار لعبور مضيق باب المندب، وسأشارك في التمويل. أنا لا أنام ليلاً، وإذا كان علينا أن ندفع للمصريين لعبور قناة السويس، أو للحوثيين لعبور باب المندب، فهذا ما يجب فعله”.

وأضاف: “لا يوجد عمل على الإطلاق منذ سبعة أشهر. نحن نفكر الآن في عمليات فصل، لأنه في الاتفاقية الجماعية لا يوجد خيار لإجازة بدون راتب، ولكن هناك إمكانية للفصل، وربما لا يوجد لدينا خيار آخر”.

وكان جولبر قد صرح لموقع “كالكيست” الإسرائيلي  في 23 أبريل الماضي أن الميناء يخسر ما بين 6 إلى 10 ملايين شيكل شهريًا بسبب تعطل نشاطه، وليس هناك أمل لاستعادة هذا النشاط،فشركات الشحن ليست مستعدة للثقة في دول التحالف، ولا يوجد أحد مستعد للمخاطرة كما أن أسعار التأمين مرتفعة.

1.2 ارتفاع الأسعار

لم تؤثر عمليات اليمن فقط على الواردات إلى ميناء إيلات ولكن جميع الموانئ الإسرائيلية تأثرت فاعتماد الشحن على السفن الكبيرة ونقل السفينة لحاويات إلى أكثر من بلد، جعلها تفضل إما الابتعاد عن البحر الأبيض المتوسط بشكل تام أو الابتعاد عن الموانئ الإسرائيلية وتفريغ الحاويات الخاصة بإسرائيل في موانئ ترانزيت وسيطة ما جعل إسرائيل تضطر إلى تحمل تكاليف الشحن من الموانئ الوسيطة إلى موانئها، وبالإضافة إلى ذلك يفرض تحويل مسار السفن عبر المحيط الهندي تكلفة إضافية في الأسعار وزيادة في الوقت كما يتطلب العبور عبر منطقة رأس الرجاء الصالح التي تعرف بمنطقة رأس العواصف تخفيف حمولة السفن وما كانت تحمله 10 سفن بات يحتاج إلى 11 سفينة، وهو ما يزيد من حجم التكاليف، ومن تأخير وصول البضائع إلى المستهلكين.

ارتفاع أسعار شحن الحاويات

بحسب موقع غلوبس  الاقتصادي الإسرائيلي كان سعر نقل الحاوية الواحدة من شرق آسيا إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة عشية الحرب يساوي 1490 دولار، وفي يناير 2024، ارتفع إلى ما لا يقل عن 6773 دولاراً، بمعدل 3.5 أضعاف مستوى ما قبل الحرب.

وبينما كانت الرحلة من الهند إلى موانئ فلسطين المحتلة تستغرق أسبوعاً باتت تحتاج إلى نحو ثلاثة أسابيع، ووفقا لتصريح أدلى به الرئيس التنفيذي لشركة زيم الإسرائيلية إيلي جليكمان فقد أدت الطرق الأطول أدت إلى الحاجة إلى مزيد من السفن، وقال جليكمان لموقع أخبار التجارة البحرية : “على سبيل المثال، إذا أبحرنا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، فبدلاً من 10 سفن لهذه الخدمة، نحتاج إلى 15 سفينة… هذا يعني أننا لا نحتاج إلى المزيد من السفن فحسب، بل نحتاج إلى المزيد من الحاويات، لأن الحاويات تقضي وقتًا أطول في البحر”.

أما أسعار التأمين البحري فارتفعت لتصل إلى 1% من قيمة السفينة، كما رفضت شركات تأمين قبول طلبات التأمين على السفن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية.

 

المستهلكون يشعرون بوطأة ارتفاع أسعار المنتجات

ومثل الارتفاع في أسعار الشحن سببا رئيسيا لارتفاع أسعار المنتجات في الكيان الإسرائيلي، حيث كشف موقع واي نت العبري أن الأسعار شهدت موجة ارتفاع ثانية منذ بداية الحرب وطالت الآلاف من المنتجات، وبلغت نسبة ارتفاع بعض المنتجات إلى 25 %.

قائمة توضح نسب ارتفاع بعض المنتجات في الأسواق الإسرائيلية (1-3)

وقال الموقع في تقرير نشره في مطلع مايو الماضي إن شركات تنوفا وتيرا وشتراوس أعلنت عن زيادة أسعار مئات منتجات الألبان، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار منتجات سنفروست وكوكا كولا ونافيوت وتيرات تسفي وإدنات. وفي معظم المنتجات، تعد هذه الزيادة الثانية في السعر خلال عام. وبذلك، انضمت 3 من أكبر شركات الأغذية في إسرائيل إلى عشرات الشركات التي ستسعر آلاف المنتجات – والضربة على الجيب أمر لا مفر منه، وقد وصل الضرر إلى كل بيت في إسرائيل.

قائمة توضح نسب ارتفاع بعض المنتجات في الأسواق الإسرائيلية (2-3)

وأكد الموقع حينها أنه بحلول نهاية شهر مايو سيواجه الإسرائيليون صعوبة في العثور على منتجات في السوبر ماركت لم ترتفع أسعارها. نظرًا لأن مئات المنتجات أصبحت أكثر تكلفة بالفعل في بداية العام والآن أصبحت آلاف المنتجات الأخرى أكثر تكلفة.

وطالت الزيادة في الأسعار كافة الاحتياجات الأساسية للسلة الغذائية المنزلية.

قائمة توضح نسب ارتفاع بعض المنتجات في الأسواق الإسرائيلية(3-3)

كذلك شهدت أسعار السيارات ارتفاعا حادا بحسب وسائل الإعلام العبرية، وقد لقى مستوردو السيارات الإسرائيليون إخطارا من ممثل شركة الشحن “جريمالدي”، يفيد أنه من المتوقع اعتبارا من 15 يونيو، زيادة حادة في أسعار نقل السيارة على متن سفن مخصصة من أوروبا إلى إسرائيل.

وقال موقع غلوبس العبري إن هذا الارتفاع يرجع ذلك أيضًا إلى الزيادة الحادة بنحو 200% في “الرسوم الإضافية لمخاطر الحرب”، والتي تبلغ الآن 40% من قيمة الشحنة، كما تأتي الزيادة “تماشيا” مع الزيادات المماثلة التي سجلتها أسعار مركبات النقل على متن سفن “رورو” القادمة من الشرق منذ بداية هجمات البحر الأحمر. وقدرت صناعة السيارات أن الزيادة النهائية في السعر من المتوقع أن تبلغ حوالي 800 شيكل للمركبة الخاصة، والتي تنطبق عليها ضريبة شراء المركبات أيضًا. وبحسب الإعلان، فإن الزيادة في خطر الحرب تنطبق أيضًا على جميع أنواع البضائع المصدرة من إسرائيل. وتقول الصناعة إن المعنى الرئيسي، بخلاف الزيادة في الأسعار، هو أن شركات النقل البحري من أوروبا قد تتجنب الآن الرسو في إسرائيل.

وأضاف الموقع: منذ بداية الهجمات في البحر الأحمر، بدأت العديد من شركات الشحن، بما في ذلك الشركات المتخصصة في مجال نقل المركبات، في تجنب عبور قناة السويس وإرسال سفنها على الطريق الطويل حول أفريقيا. معظم شحنات السيارات القادمة من الشرق والمتجهة إلى إسرائيل تم تفريغها في أوروبا ونقلها من هناك عن طريق شركات الشحن داخل أوروبا، مثل غريمالدي. وبالتالي فإن الزيادة الإضافية في الأسعار ستنطبق أيضاً على المركبات المستوردة من الشرق، وستضاف إلى الزيادة في أسعار المعدلات «العادية» من الشرق. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر غريمالدي أيضًا واحدة من الشركات الرائدة في نقل المركبات المصنعة في أوروبا إلى إسرائيل، بما في ذلك الموديلات الكورية الشهيرة.

خسائر لا يمكن تحملها لشركة البوتاس الإسرائيلية

يعد الكيان الإسرائيلي من الرائدين في تصدير البوتاس، وكانت شركة ICL وقعت في مارس 2022 اتفاقية مدتها خمس سنوات مع شركة استيراد الأسمدة الهندية IPL، ستقوم بموجبها بتزويد الشركة الهندية بـ 600 ألف طن من البوتاس في عام 2023 مع خيار للشركة الهندية زيادة العقد بمقدار 50 ألف طن؛ وزيادة الحجم إلى 650 ألف طن مع خيار للشركة الهندية في 2024-2027 – بحيث يستوعب السوق الهندي 15% من الطاقة الإنتاجية للشركة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة.

عندما بدأت العمليات اليمنية تضررت الصادرات الإسرائيلية إلى الشرق بشكل بالغ، وكانت شركة آي سي إل في طليعة المتضررين حيث خسرت 15 % من قيمتها السوقية خلال الفترة أكتوبر-يناير.

وقالت صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية في تقرير بتاريخ 16 يناير الماضي إن العمليات اليمنية في البحر الأحمر دفعت سهم ICL إلى أدنى مستوى له في 3 سنوات، حيث قام بنك باركليز بخفض السعر المستهدف لسهم ICL من 6.5 دولارات (السعر المستهدف السابق) إلى 4 دولارات، أي بنسبة 13% أقل من سعره في وول ستريت. ، وقدر بنك باركليز أن تهديد اليمن لتسويق البوتاس إلى آسيا وحرب الأسعار في سوق البوتاس التي بدأها المنتجون الروس ستؤدي إلى انخفاض مبيعات البوتاس بنسبة 20% في عام 2024.

ووفقا لتقرير آخر في ذات الصحيفة في مايو الماضي انخفضت إيرادات ICL بنسبة 18% في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالربع المماثل له في 2023، وبلغت 1.74 مليار دولار، وهو أقل بنسبة 2% من متوسط توقعات المحللين، ونتيجة لانخفاض أسعار البوتاس خسرت الشركة 513 مليون دولار من إيراداتها.

أما بالنسبة للأرباح فيؤكد التقرير أن انخفاض الربح التشغيلي لشركة ICL بنسبة 56% في الربع الأول من عام 2024 مقارنةً بالربع المماثل له في عام 2023م، ويعزى 70% من الانخفاض في الأرباح إلى الإغلاق الفعلي لمضيق باب المندب من قبل اليمن، مما أجبر ICL على تحويل مسار تصدير البوتاس إلى الصين والهند وجنوب شرق آسيا بعيدًا عن البحر الأحمر والالتفاف حول إفريقيا.

مقالات مشابهة

  • الصواريخ الدقيقة.. تأثير الذكاء الاصطناعي والتحديات الهجومية للمقاومة اللبنانية
  • التصنيع في زمن الحرب..المقاومة تصنع المعجزات
  • بواسل المقاومة الفلسطينية يمطرون مستوطنات الاحتلال بالصواريخ
  • محافظ مسقط يُدشن النسخة الرابعة من "معسكر دوت نكست جدير" لتأهيل الشباب
  • ماذا يعني انتقال إسرائيل إلى امرحلة الثالثة من الحرب على غزة؟
  • الاحتلال يعلن أهداف عملية الشجاعية وكمائن المقاومة تلاحق جنوده وآلياته
  • تأثيرات اقتصادية مدمرة.. العمليات البحرية اليمنية تُشَلّ اقتصاد “إسرائيل” وتُلحق خسائر فادحة بشركاتها ومستهلكيها
  • اعترافات خطيرة لشبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية حول استهداف القطاع الثقافي في اليمن
  • أبو ردينة: الاستيطان جزء من العدوان الاسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني
  • الرئاسة الفلسطينية تعقب على قرار الكابينت الإسرائيلي