طوفان الأقصى.. والغضبة الأمريكية الكبرى
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
التدخل العسكري الأمريكي في الحرب على غزة كان دليلا على فهم أمريكا العميق لما يمثله هجوم طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر الجاري من تهديد خطير لمصالحها العليا وهيمنتها على العالم. فمنذ غزو العراق ٢٠٠٣ لم تنخرط واشنطن بهذه الخشونة أو تستعرض عضلاتها العسكرية في منطقتنا كما تنخرط الآن في الحرب على غزة.
ولمن اتسعت حدقات عيونهم دهشة من أن تنخرط أمريكا العظمى في حرب على قطاع من الأرض يقل في مساحته عن «٢٥ ميلا» عن حي مانهاتن في نيويورك «٣٣ ميلا» وعلى منظمة محدودة وليست دولة بجيش كبير.
فبعد حرب أوكرانيا لم يتطور فقط النزاع الأطلسي/ الروسي للتنافس على أوراسيا قلب الأرض بتعبير «ماكيندر» الشهير ولكن تطور معه وهذا هو الأخطر النزاع الكوني بين الصين وأمريكا على قيادة العالم. فقد تخلت بكين جزئيا عن حذرها المبالغ فيه وصارت مستعدة لأخذ بعض المخاطر في مواجهة واشنطن بما في ذلك عدم الاكتفاء بالتمدد التجاري مع الشرق الأوسط بل بالتمدد السياسي وبدء بناء قواعد نفوذ في الإقليم. وقامت الصين في مارس من العام الجاري بإبرام اتفاق مصالحة تاريخي بين إيران والسعودية أقدم وأهم حليف عربي لواشنطن.
وكانت هذه مع توسيع عضوية منظمة «بريكس» الخطوة الأهم لها في مسعاها نحو نظام متعدد الأقطاب في حين تتشبث واشنطن بالإبقاء على النظام الأحادي القطبية وهيمنتها المطلقة على العالم. في هذا الصراع عاد العالم إلى قوانين الحرب الباردة، حيث يتواجه معسكران عالميان «بالوكالة» في كل بقاع العالم ماعدا الحرب المباشرة بينهما بسبب الردع النووي.
في هذه الحالة التي تجددت بعد حرب أوكرانيا بات كل انتصار لحليف مهما كان صغر مساحته أو قيمة النزاع هو انتصار للحلف العالمي الذي ينتظم في صفوفه.. وفي المقابل هو خسارة للحلف المعادي له. وكما نظر مثلا إلى انتصار فيتنام أواخر الستينات، والهند على باكستان في حرب ١٩٧١، على أنه انتصار لما كان يسمى حينها بالمعسكر الاشتراكي، فقد نظر كذلك على أنه انتصار للمعسكر الرأسمالي وقائع مثل انتصار إسرائيل وهزيمة العرب في ١٩٦٧ وسقوط نظام سلفادور الليندي في تشيلي ١٩٧٣.
وضع العالم جيوسياسيا الآن الذي جرت فيه ضربة «طوفان الأقصى» هو وضع المباراة الصفرية الذي تلخصه عبارة جورج بوش الابن عشية غزو العراق «من ليس معنا فهو ضدنا».
يمكن القول إن واشنطن بتدخلها العسكري الراهن يفصح أنها أكثر الأطراف فهما وبسرعة للمغزى الاستراتيجي لطوفان الأقصى، وأنها قد تتحول -لو اكتملت- إلى خطوة جبارة من شأنها فك قبضة واشنطن المطبقة على المنطقة لصالح الصين ومحورها الروسي الإيراني.
تغيير قواعد اللعبة في المنطقة كان ليصبح إيذانًا تاريخيا بنهاية الإمبراطورية الأمريكية.. لماذا؟ ببساطة لأن واشنطن توقن أن كل الإمبراطوريات تبدأ أو تتأكد رحلة صعودها هنا حيث فجر التاريخ.. مهد الأديان والحضارات. تبدأ وتتأكد بالهيمنة على الشرق المليء بالحمولات الدينية والمسيطر على شرايين التجارة العالمية والغارق في ثروات النفط والغاز.. وفي هذه المنطقة أيضًا تبدأ رحلة أفول الإمبراطوريات وانهيارها.
آخر إمبراطورية سقطت من عرشها الاتحاد السوفييتي هي مثال صارخ، فقد بدأت رحلة سقوطه منذ إخراجه من المنطقة عقب طرد مصر أكبر حليف عربي آنذاك للسوفييت من المنطقة.
وحتى المسمار الأخير في نعشه تم دقه في الشرق الأوسط بمعناه الجيو سياسي الكبير الممتد من أفغانستان حتى القرن الأفريقي. إذ جاءت النهاية كإمبراطورية وحتى كدولة نتيجة الغزو الفاشل لكابول عام ١٩٧٩.
من ذلك الوقت صارت المنطقة عصفورا مبتلا ضعيفا ومرتعشا في اليد الأمريكية تخنقه تارة في غزو العراق ومحاصرة الفلسطينيين وتصفية قضيتهم باتفاقات إبراهام وترخي القبضة قليلا أحيانا لكي يتنفس العصفور ويظل قادرا على إنتاج الثروة النفطية ومراكمة فوائضها في أذون الخزانة الأمريكية.
لم تدع واشنطن مجالا لأحد للتكهن بشأن ما الذي تدافع عنه، فدعم إسرائيل المطلق الثابت كالصخر كما قال بايدن ليس إلا جزءا مما وصفته الإدارة بأنه «سنفعل كل شيء للدفاع عن مصالح أمريكا في المنطقة والعالم».
قانون «من ليس معنا فهو ضدنا» يعمل تلقائيا، فمن المؤكد الآن أن قرار حماس بشن طوفان الأقصى كان قرارا مستواها العسكري والسياسي في غزة ولم يطلع عليه أحد. لكن هذا القرار حسب الاستراتيجي وكأنه نصر إقليمي للمحور الإيراني في المنطقة (إيران والفصائل الداعمة لها في العراق، ولبنان واليمن) وبالتالي نصر دولي لمحور الصين وروسيا.
ومن الناحية الأخرى يعتبر خسارة لأمريكا والغرب وإسرائيل ودول اتفاقات إبراهام والسلطة الفلسطينية والدول المعتدلة.
وفهم استراتيجي -على وجه الخصوص- على أنه قطع للطريق على ركوب السعودية قطار التطبيع مع إسرائيل. وهو ما كان يعني بالنسبة للمقاومة تصفية القضية الفلسطينية نهائيا وفتح أبواب العالم العربي والإسلامي على مصراعيه للتطبيع ستكون نتيجته جمعهم كلهم تحت القيادة الأمريكية في حلف ذي طابع عسكري معاد لإيران والصين وروسيا.
الذي قرأته واشنطن في النجاح المذهل لعملية طوفان الأقصى نفسها -وهي قراءة صحيحة من منظور الهيمنة الأمريكية - أن ترك حماس تنتصر معناه أن فصائل المقاومة التي ترفض التنسيق الأمني واتفاق أوسلو ستصبح القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن محور ما يسمى بالممانعة سيسيطر على الشارع العربي ويتمدد على حساب ما يسمى بمحور الاعتدال المطبع أو المتوجه للتطبيع والمرتبط بالولايات المتحدة.
في ضوء هذا يمكن فهم عناصر الاستراتيجية الأمريكية التي تبلورت رغم المفاجأة:
١- دخول مباشر للحرب بجانب إسرائيل ومدها بجسر أسلحة من الولايات المتحدة، ومن قواعد واشنطن في المنطقة ودعم بنك أهداف عمليات الإبادة الإسرائيلية بمعلومات استخباراتية ومشاركة تخطيطية من القيادة المركزية الأمريكية.
٢- منع توسع الحرب أو امتدادها إلي الجبهة اللبنانية والسورية ودخول فصائل عراقية مرتبطة بإيران إلى المعركة. ومنع -وهذا هو الأهم - إيران من الانخراط في النزاع الحالي أو إعطاء الضوء الأخضر لحزب الله لدخولها. وهنا استخدمت أمريكا وبكفاءة وخشونة كل المتاح لديها مثل التهديد العسكري الصريح عبر إرسال أكبر قوة نيران جوية وبحرية وبرية مجمعة في العالم وهي حاملة الطائرات «جيرالد فورد» للبحر المتوسط بما قد تعنيه ضمنا أنها قادرة على إبادة الجنوب اللبناني حتى الضاحية -معقل حزب الله -إبادة تامة. وتهديد مستتر لإيران بأن واشنطن قد تفك اللجام الذي كان يمنع ضربة إسرائيلية على القدرات العسكرية النووية والتقليدية الإيرانية.
تم أيضا تهديد إيران المأزومة اقتصاديا بسبب العقوبات بوقف صرف ٦ مليارات دولار من أموالها المحتجزة لدى واشنطن والتي أودعت مؤخرا لدى قطر.. أموال تعول طهران كثيرا عليها في تخفيف أزمتها.
بمنهج الترهيب العسكري المباشر ومنهج الضغط المالي على إيران ولبنان تمكنت الولايات المتحدة مؤقتا من الحيلولة دون تحقق شعار «وحدة الساحات» الذي تبناه محور الممانعة ولم ير النور عند الحاجة إليه!!.
ساعد على ذلك أن المحور العالمي الصيني الروسي.. ترك المقاومة في غزة -حتى الآن - لوحدها في مواجهة الغرب وإسرائيل آفلا مرة أخرى لسياسة الحذر والتراجع أمام الغضبة الأمريكية الكبرى.
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: طوفان الأقصى فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
نشرة أخبار العالم | إيران تعرض صفقة بتريليون دولار على الولايات المتحدة.. وهجوم دمـ.ـوي في الهمالايا.. والكشف عن مقترح ترامب النهائي لوقف الحرب الأوكرانية
نشر موقع "صدى البلد" الإخباري خلال الساعات القليلة الماضية، عددًا كبيرًا من الأخبار والموضوعات المهمة التي تتعلق بالشأنين الإقليمي والدولي، نفرد أبرزها في التقرير التالي:
وزير الخارجية الإيراني: مُستعدون لإبرام اتفاق نووي مع واشنطن.. وفرص بتريليون دولار
كشف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، عن فرص اقتصادية تقدّر بتريليون دولار يمكن أن تحصل عليها الشركات الأمريكية في حال التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن يقضي برفع العقوبات.
وشدّد وزير الخارجية الإيراني، عبر حسابه بمنصة إكس، على أهمية العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة في أي اتفاق محتمل، مضيفا: "لم تُعرقل إيران قط التعاون الاقتصادي والعلمي مع الولايات المتحدة، العائق الحقيقي كان الإدارات الأمريكية السابقة التي غالباً ما كانت تعمل تحت تأثير بعض الدوائر المؤثرة".
مقترح ترامب .. إدارة أمريكية لمحطة زابوريجيا مع تزويد الكهرباء لأوكرانيا وروسيا
كشف موقع أكسيوس مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النهائي بخصوص وقف الحرب الأوكرانية الروسية ينص على أن تدار محطة زابوريجيا النووية من قبل الولايات المتحدة مع تزويد الكهرباء لأوكرانيا وروسيا.
وستحصل أوكرانيا بحسب مقترح ترامب النهائي على "ضمان أمني قوي" يشمل مجموعة مؤقتة من الدول الأوروبية.
هجوم أمريكي على اليمن.. والاحتلال يعترض صاروخ على حيفا
شن الجيش الأمريكي غارات جوية على القاعدة البحرية ومعسكر الدفاع الساحلي بالكثيب في الحديدة ضد الميليشيات الحوثية المتمركزة في اليمن، مساء الثلاثاء.
وأفادت مصادر لفضائية العربية أن الجيش الأمريكي شن 5 غارات تستهدف معسكرات للحوثيين بمحيط مطار الحديدة.
وأوضحت المصادر أن غارتان أمريكيتان استهدفا منصات إطلاق صواريخ للحوثيين شمال غرب تعز.
وفي نفس السياق، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء عبر حسابه على منصة إكس، أن صفارات الإنذار دوت في شمال دولة الاحتلال بما في ذلك حيفا، بسبب إطلاق صاروخ من اليمن.
وأكد جيش الاحتلال في وقت لاحق أن "الصاروخ تم اعتراضه بنجاح"، بحسب ما أوردته صحيفة جيروزاليم بوست العبرية.
أوكرانيا تسعى إلى هدنة مع روسيا لمدة 30 يومًا بدلاً من خطة ترامب للسلام
أفاد موقع أكسيوس نقلاً عن مسؤول أمريكي أنه خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، كانت هناك مؤشرات من الأوكرانيين على رغبتهم في مناقشة وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا خلال اجتماعات يوم الأربعاء في لندن، بدلًا من مناقشة إطار خطة ترامب للسلام.
وأوضح المسئول الذي لم يكشف عن هويته أن ذلك كان سببا في اتُخاذ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قرارٌ بعدم السفر إلى لندن.
إيلون ماسك يقلّص دوره في إدارة ترامب مع انخفاض أرباح تسلا
قال إيلون ماسك إنه سيخصص المزيد من الوقت لشركة تسلا بدءًا من شهر مايو بعد أن أعلنت الشركة عن انخفاض كبير في أرباح الربع الأول.
وواجهت الشركة احتجاجات غاضبة بسبب قيادة ماسك لمجموعة خفض الوظائف الحكومية الفيدرالية في إدارة ترامب التي أدت إلى انقسام البلاد.
وقالت شركة تسلا، ومقرها أوستن بولاية تكساس، الثلاثاء إن أرباحها الفصلية انخفضت بنسبة 71% إلى 409 ملايين دولار، أو 12 سنتا للسهم.
كلاب مُدربة من هولندا.. وسيلة إسرائيل الجديدة لتعذيب الفلسطينيين
نشرت صحيفة ilfattoquotidiano الإيطالية عدد من الشهادات لعائلات فلسطينية تعرضت للتعذيب بسبب استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لكلاب مدربة في هولندا، بحسب تقرير جديد أصدره مركز الأبحاث SOMO، والذي يسلط الضوء على صناعة صامتة: صناعة الكلاب الهجومية المدرّبة في هولندا، والتي تستخدمها وحدة الكلاب "أوكيتز" التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل منهجي ضد الفلسطينيين.
تُدين منظمة سومو استخدام الكلاب من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتصفه بأنه ممنهج، حيث تُستخدم الكلاب لتعذيب المدنيين، بما في ذلك الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب دائمة وأحيانًا مميتة.
فتح تدعو حماس بالتوقف عن اللعب بمصير الشعب الفلسطيني وفقا لأجنداتها الخارجية
دعت اللجنة المركزية لحركة فتح، مساء الثلاثاء حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى التوقف عن اللعب بمصير الشعب الفلسطيني وفقا لأجنداتها الخارجية.
وطالبت حركة فتح بالتعاون مع الجهود التي يبذلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوقف شلال الدم الفلسطيني، وعدم إعطاء الاحتلال الذرائع للاستمرار في حربه الدموية وعدوانه التي دفع ثمنها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني بين شهيد وجريح وأسير، والالتزام بالأسس التي تقوم عليها سياسة منظمة التحرير الفلسطينية.
مصرع 26 شخصًا في هجوم مسـ.ـلح بمنطقة الهمالايا بين الهند وباكستان
أعلنت السلطات الهندية مساء الثلاثاء مقتـ.ـل 26 شخصًا على الأقل وإصابة 12 آخرين في هجوم إرهــ.ـابي مشتبه به في منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها في الهيمالايا.
ووقع الهجوم، الذي وصفه رئيس وزراء المنطقة عمر عبد الله بأنه "أكبر بكثير من أي هجوم شهدناه ضد المدنيين في السنوات الأخيرة"، في وجهة سياحية شهيرة في باهالغام، في مقاطعة أنانتناغ الجبلية، بحسب ما أوردته شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية.
وأفادت السلطات بأن مسلحين مشتبه بهم أطلقوا النار على مجموعة من السياح، ونُقل المصابون إلى المستشفى الرئيسي في المنطقة لتلقي العلاج ويُعتقد أن معظم القتلى الـ 26 من السياح.
وقال ف. ك. بيردي، المفتش العام للشرطة في كشمير، لشبكة CNN، إنه لم يتضح بعد ما إذا كان هناك مواطنون أجانب من بين الضحايا.