لجريدة عمان:
2025-03-16@10:27:09 GMT

حينما تضيع العدالة !

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

شاع مصطلح «الصدمة» في الأوساط السياسية والإعلامية خلال الأيام الأولى من حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣، حينما كان عنصر المباغتة بمثابة الصدمة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي بعد أن تفككت قواه خلال الأسبوع الأول من الحرب، وهو ما حدث يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وقد استيقظ الإسرائيليون على اجتياح كتائب عز الدين القسام «الجناح العسكري لحركة حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على حدود غزة، وقد راح الإعلام الفلسطيني يبث الأحداث لحظة وقوعها، ومساء اليوم نفسه وصل عدد القتلى من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين إلى ٣٠٠، فضلًا عن أعداد الجرحى والمفقودين، وقد عجزت إسرائيل عن حصر أعدادهم، وقد وصل عدد القتلى بعد مرور أسبوع من هذا الصراع إلى ما يقرب من ٢٠٠٠ شهيد فلسطيني، و٨٠٠٠ مصاب الكثير منهم إصابتهم خطيرة، بينما وصل عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي إلى ١٣٠٠، إضافة إلى الأسرى والمفقودين.

لم تفق إسرائيل من صدمتها، وقد جيشت كل عدادها وعدتها معلنة الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، وراحت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الاتحاد الأوروبي ودول أخرى كثيرة يعلنون عن دعمهم العسكري والسياسي، لدرجة وصول حاملة الطائرات الأمريكية إلى حدود فلسطين شرق البحر المتوسط، في مشهد سوف يسجله التاريخ دليلًا على افتقاد العدالة في هذا العالم المجنون، الذي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يشعر الساسة والعقلاء بأن هذا يعد عدوانًا فاضحًا على شعب أصابه اليأس بعد أن انصرف العالم كله عن قضيته العادلة، التي صدر بشأنها العديد من قرارات الأمم المتحدة بقيام دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، وهي القرارات التي رفضتها إسرائيل، ولم تعترف حتى بحقوق الفلسطينيين الإنسانية، لدرجة اجتياح منازلهم وقتل أطفالهم وشبابهم، بعد أن أعطى العالم ظهره لقضيتهم العادلة، ورغبتهم في حياة كريمة على أرضهم، والمؤسف أن معظم الدول العربية قد أسقطت من اهتمامها القضية الفلسطينية، التي لم يبق منها إلا بيانات إنشائية تصدر أحيانًا من جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بينما الفلسطينيون في الضفة والقطاع يواجهون الموت بصدور مكشوفة يوما بعد يوم.

عند كتابة هذا المقال، تواجه غزة عدوانًا غاشمًا بالمدافع والطائرات والصواريخ، لدرجة أن ربع المباني قد انهارت على ساكنيها، وتنقل لنا وسائل البث المباشر جثث القتلى من الأطفال والنساء بعد أن تحولت إلى أشلاء وسط صرخات الأمهات والآباء في مشهد مروع لم تلتفت إليه الولايات المتحدة والدول الغربية، وقد تابعنا بكل ألم ومرارة الجهود الدبلوماسية في محاولة لوقف إطلاق النار، إلا انه على ما يبدو فإن إسرائيل ماضية بجبروتها وعنفوانها لهدم مباني كل قطاع غزة تحت وابل متواصل من النيران، بينما حدث الاجتياح الفلسطيني صباح يوم السبت ٧ أكتوبر بأعداد قليلة لا تتجاوز المئات وبأسلحتهم التقليدية، في الوقت الذي تملك إسرائيل أحدث وسائل الحماية والردع، ورغم ذلك فقد استطاع هذا النفر القليل أن يحدث اختراقا مدويا شاهده العالم عبر وسائل الإعلام، حينما راحت تسقط المستعمرات والمعسكرات الإسرائيلية، وحالة الهلع والخوف التي سيطرت على الجنود والضباط، وكان المشهد معبرًا بصدق عن قوة إسرائيل الحقيقية، التي أسست جيوشها من المهاجرين من معظم دول العالم، بينما الفلسطينيون قد عبَّروا بمقاومتهم عن حقهم التاريخي والإنساني باعتبارهم أصحاب الأرض، وهو السبب الذي ضاعف من قوتهم وأعطاهم روحًا عظيمة وطاقة هائلة على القتال.

لم يشعر الغرب ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤوليتهم عن الحالة المأساوية التي آلت إليها أوضاع الفلسطينيين الإنسانية والمعيشية، بل راحوا يجيشون الجيوش مؤكدين على دعمهم لإسرائيل بكل الوسائل بعد أن راحت الطائرات والصواريخ تضرب غزة صباح مساء، مسببة أضرارًا بالغةً، مستهدفة المنازل على ساكنيها في مشهد مروع يعبر عن وحشية العالم وافتقاده لكل معاني العدالة والإنسانية، وقد استهدفت المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والمياه، وقطع كل وسائل الاتصال البري الذي يمد غزة بالغذاء والدواء، وهو أمر غير مسبوق، لو حدث في أي بقعة من العالم لقامت الدنيا ولم تقعد.

المشهد الأكثر إيلامًا هو الموقف المتخاذل للدول العربية، وخصوصًا الجامعة العربية، التي لم تكلف نفسها مجرد اجتماع وزراء الخارجية العرب، إلا بعد مرور عدة أيام، وقد أعلن أمينها العام من موسكو، أنه ينتظر موافقة الدولة رئيس الدورة العربية، للموافقة على الاجتماع.. هل هناك أكثر من هذا هوانًا؟ وقد تمخض اجتماع وزراء الخارجية العرب عن صدور بيان هزيل ألقاه الأمين العام، وهو ما ضاعف من شعور الأمة العربية بالخزي والهوان. أكتب هذا المقال وغزة تشهد أهوالا من الاعتداءات بالصواريخ الذكية والمدفعية الثقيلة، ولم يسأل أحد نفسه: حتى لو انهارت كل بنايات غزة على كل ساكنيها هل سيرضخ الفلسطينيون؟ وهل ستُحل المشكلة؟

كل شعوب العالم التي واجهت مثل هذا الظلم والدمار لم يحصد المعتدون ثمار اعتداءاتهم، فشعور المظلوم وما وصل إليه من يأس كان دائما بمثابة الطاقة التي تجعله قادرًا على هزيمة عدوه، ولنا في الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية مثالًا على ذلك، ولعل سؤلًا آخر يطرح نفسه: ما هي مهمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟ ألم يكن في مقدمة أهدافها - بعد أن ذاق العالم ويلات الحروب حل المشاكل العالمية بالطرق السلمية، وإنصاف الدول الضعيفة؟ وقد صدر بشأن القضية الفلسطينية العديد من القرارات بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود ما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية. وقد وافقت الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من الدول الغربية، ورغم ذلك فقد ظلت إسرائيل مستقوية بالولايات المتحدة والغرب، رافضة هذه الحقوق المتواضعة، ألم يكن ذلك جديرًا باهتمام القوى الكبرى في العالم؟

أعتقد أن الولايات المتحدة تدفع بالعالم إلى أتون حروب متواصلة لا تتوقف، وبدلًا من أن تكون الدبلوماسية والسياسية والعلاقات الدولية هي الوسيلة الناجعة لحل مشاكل العالم إلا أنها قد اختارت الحروب، ولعل ما يحدث من صراع روسي أوكراني، يعد نموذجًا لذلك، فلو بذلت أمريكا من الوسائل السياسية لحل هذا الصراع، لأنقذت البشرية من هول حروب مدمرة، لعل وقتها لم يحن بعد!

أشاهد على التلفاز وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يحدث لأهلنا في غزة، ولا نملك بسبب ضعفنا وهواننا إلا أن نستنجد بعدالة السماء.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة بعد أن

إقرأ أيضاً:

تقرير أممي: إسرائيل دمرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة

خلص تحقيق للأمم المتحدة اليوم الخميس إلى أن إسرائيل ارتكبت أعمال إبادة في قطاع غزة عبر التدمير الممنهج لمنشآت الرعاية الصحية الإنجابية.

وأفادت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بأن إسرائيل هاجمت ودمّرت عمدا مركز الخصوبة الرئيسي في القطاع الفلسطيني وفرضت حصارا بشكل متزامن ومنعت المساعدات بما في ذلك الأدوية اللازمة لضمان سلامة الحمل والإنجاب ورعاية المواليد.

ردّت بعثة إسرائيل في جنيف بالقول إن الدولة العبرية "ترفض بشكل قاطع الاتهامات التي لا أساس لها".

وخلصت اللجنة إلى أن السلطات الإسرائيلية "دمّرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة كمجموعة عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية".

وأضافت أن ذلك يرقى إلى "فئتين من أعمال الإبادة" المرتكبة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية هذه الجريمة بأنها أفعال ارتُكبت بنيّة تدمير مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية بالكامل أو جزئيا.

وأفاد التحقيق بأن إسرائيل تورطت في اثنين من خمسة أفعال تعرفها اتفاقية الأمم المتحدة بأنها "أعمال إبادة"، مشيرا إلى أن الدولة العبرية كانت "تتسبب عمدا في ظروف حياتية للمجموعة (أي الفلسطينيين) محسوبة للتسبب بتدميرها بدنيا" و"تفرض إجراءات تهدف إلى منع حدوث ولادات ضمن المجموعة".

إعلان

وقالت رئيسة اللجنة نافي بيلاي في بيان إن "هذه الانتهاكات لم تتسبب بإيذاء بدني ونفسي شديد مباشر للنساء والفتيات فحسب، بل أدت كذلك إلى تداعيات طويلة الأمد لا يمكن إصلاحها على الصحة النفسية والإنجابية وفرص الخصوبة للفلسطينيين كمجموعة".

أسس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة التحقيق الدولية المستقلة المكوّنة من ثلاثة أشخاص في مايو/أيار 2021 للتحقيق في الانتهاكات المفترضة للقانون الدولي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وشغلت بيلاي في الماضي مناصب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وقاضية في المحكمة الجنائية الدولية، ورئيسة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

من جانبها، اتّهمت إسرائيل اللجنة بتمرير "أجندة سياسية منحازة ومحددة سلفا.. في محاولة وقحة لتجريم قوات الدفاع الإسرائيلية".

تدمير عيادة للإخصاب المخبري

وذكر التقرير أنه تم تدمير أقسام ومستشفيات الولادة بشكل ممنهج في قطاع غزة، إضافة إلى "مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب"، العيادة الرئيسية للخصوبة المخبرية في غزة.

وقال إن مركز البسمة تعرّض للقصف في ديسمبر/كانون الأول 2023، مما ألحق -وفق تقارير- أضرارا بنحو 4 آلاف جنين في عيادة كان يتردد عليها ما بين ألفين و3 آلاف مريض شهريا.

وخلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية هاجمت العيادة عمدا ودمرتها، بما في ذلك جميع المواد الإنجابية المخزّنة من أجل الحمل مستقبلا في القطاع.

ولم تعثر اللجنة على أي أدلة موثوقة تشير إلى أن المبنى كان مستخدما لأغراض عسكرية.

وخلصت إلى أن التدمير كان "إجراء يهدف إلى منع الولادات في أوساط الفلسطينيين في غزة، وهو عمل إبادة جماعية".

كما لفت التقرير إلى تزايد إلحاق الضرر بالنساء الحوامل والمرضعات والأمهات الجدد في قطاع غزة على "نطاق غير مسبوق" مع تأثير لا يمكن إصلاحه على فرص الإنجاب في أوساط أهالي غزة.

إعلان

وخلصت اللجنة إلى أن هذا النوع من الأعمال "يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية"، وإلى مساع متعمدة لتدمير الفلسطينيين كمجموعة.

إبادة

جاء هذا التقرير بعدما عقدت اللجنة جلسات علنية في جنيف يومي الثلاثاء والأربعاء للاستماع إلى شهادات ضحايا العنف الجنسي والشهود عليه.

وخلص إلى أن إسرائيل استهدفت النساء والفتيات المدنيات مباشرة في "أفعال تمثّل جريمة ضد الإنسانية هي القتل وجريمة الحرب المتمثلة بالقتل العمد".

توفيت نساء وفتيات أيضا نتيجة مضاعفات مرتبطة بالحمل والولادة نظرا إلى الظروف التي فرضتها السلطات الإسرائيلية وتؤثر على الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية، وهي "أعمال ترقى إلى الإبادة وهي جريمة ضد الإنسانية".

وأضافت اللجنة أن تجريد الأشخاص من ملابسهم علنا والتحرش الجنسي، بما في ذلك التهديد بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية، تشكّل جميعها جزءا من "إجراءات العمل الموحدة" التي تتبعها قوات الأمن الإسرائيلية حيال الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • ارتفاع عدد قتلى العاصفة القوية التي ضربت الولايات المتحدة إلى 28
  • صفقة ترامب للمعادن.. هل يتجه للتكنولجيا الخضراء التي يسخر منها؟
  • فضل أبو غانم.. “حينما تضعف القبيلة تقوى الدولة” 
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس
  • الأمم المتحدة تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال "عنف وإبادة جماعية" في غزة
  • تحقيق أممي: هجمات "إسرائيل" على مراكز الإنجاب في غزة إبادة جماعية
  • تقرير أممي: إسرائيل دمرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة