لجريدة عمان:
2024-09-19@02:48:42 GMT

حينما تضيع العدالة !

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

شاع مصطلح «الصدمة» في الأوساط السياسية والإعلامية خلال الأيام الأولى من حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣، حينما كان عنصر المباغتة بمثابة الصدمة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي بعد أن تفككت قواه خلال الأسبوع الأول من الحرب، وهو ما حدث يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وقد استيقظ الإسرائيليون على اجتياح كتائب عز الدين القسام «الجناح العسكري لحركة حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على حدود غزة، وقد راح الإعلام الفلسطيني يبث الأحداث لحظة وقوعها، ومساء اليوم نفسه وصل عدد القتلى من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين إلى ٣٠٠، فضلًا عن أعداد الجرحى والمفقودين، وقد عجزت إسرائيل عن حصر أعدادهم، وقد وصل عدد القتلى بعد مرور أسبوع من هذا الصراع إلى ما يقرب من ٢٠٠٠ شهيد فلسطيني، و٨٠٠٠ مصاب الكثير منهم إصابتهم خطيرة، بينما وصل عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي إلى ١٣٠٠، إضافة إلى الأسرى والمفقودين.

لم تفق إسرائيل من صدمتها، وقد جيشت كل عدادها وعدتها معلنة الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، وراحت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الاتحاد الأوروبي ودول أخرى كثيرة يعلنون عن دعمهم العسكري والسياسي، لدرجة وصول حاملة الطائرات الأمريكية إلى حدود فلسطين شرق البحر المتوسط، في مشهد سوف يسجله التاريخ دليلًا على افتقاد العدالة في هذا العالم المجنون، الذي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يشعر الساسة والعقلاء بأن هذا يعد عدوانًا فاضحًا على شعب أصابه اليأس بعد أن انصرف العالم كله عن قضيته العادلة، التي صدر بشأنها العديد من قرارات الأمم المتحدة بقيام دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، وهي القرارات التي رفضتها إسرائيل، ولم تعترف حتى بحقوق الفلسطينيين الإنسانية، لدرجة اجتياح منازلهم وقتل أطفالهم وشبابهم، بعد أن أعطى العالم ظهره لقضيتهم العادلة، ورغبتهم في حياة كريمة على أرضهم، والمؤسف أن معظم الدول العربية قد أسقطت من اهتمامها القضية الفلسطينية، التي لم يبق منها إلا بيانات إنشائية تصدر أحيانًا من جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بينما الفلسطينيون في الضفة والقطاع يواجهون الموت بصدور مكشوفة يوما بعد يوم.

عند كتابة هذا المقال، تواجه غزة عدوانًا غاشمًا بالمدافع والطائرات والصواريخ، لدرجة أن ربع المباني قد انهارت على ساكنيها، وتنقل لنا وسائل البث المباشر جثث القتلى من الأطفال والنساء بعد أن تحولت إلى أشلاء وسط صرخات الأمهات والآباء في مشهد مروع لم تلتفت إليه الولايات المتحدة والدول الغربية، وقد تابعنا بكل ألم ومرارة الجهود الدبلوماسية في محاولة لوقف إطلاق النار، إلا انه على ما يبدو فإن إسرائيل ماضية بجبروتها وعنفوانها لهدم مباني كل قطاع غزة تحت وابل متواصل من النيران، بينما حدث الاجتياح الفلسطيني صباح يوم السبت ٧ أكتوبر بأعداد قليلة لا تتجاوز المئات وبأسلحتهم التقليدية، في الوقت الذي تملك إسرائيل أحدث وسائل الحماية والردع، ورغم ذلك فقد استطاع هذا النفر القليل أن يحدث اختراقا مدويا شاهده العالم عبر وسائل الإعلام، حينما راحت تسقط المستعمرات والمعسكرات الإسرائيلية، وحالة الهلع والخوف التي سيطرت على الجنود والضباط، وكان المشهد معبرًا بصدق عن قوة إسرائيل الحقيقية، التي أسست جيوشها من المهاجرين من معظم دول العالم، بينما الفلسطينيون قد عبَّروا بمقاومتهم عن حقهم التاريخي والإنساني باعتبارهم أصحاب الأرض، وهو السبب الذي ضاعف من قوتهم وأعطاهم روحًا عظيمة وطاقة هائلة على القتال.

لم يشعر الغرب ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤوليتهم عن الحالة المأساوية التي آلت إليها أوضاع الفلسطينيين الإنسانية والمعيشية، بل راحوا يجيشون الجيوش مؤكدين على دعمهم لإسرائيل بكل الوسائل بعد أن راحت الطائرات والصواريخ تضرب غزة صباح مساء، مسببة أضرارًا بالغةً، مستهدفة المنازل على ساكنيها في مشهد مروع يعبر عن وحشية العالم وافتقاده لكل معاني العدالة والإنسانية، وقد استهدفت المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والمياه، وقطع كل وسائل الاتصال البري الذي يمد غزة بالغذاء والدواء، وهو أمر غير مسبوق، لو حدث في أي بقعة من العالم لقامت الدنيا ولم تقعد.

المشهد الأكثر إيلامًا هو الموقف المتخاذل للدول العربية، وخصوصًا الجامعة العربية، التي لم تكلف نفسها مجرد اجتماع وزراء الخارجية العرب، إلا بعد مرور عدة أيام، وقد أعلن أمينها العام من موسكو، أنه ينتظر موافقة الدولة رئيس الدورة العربية، للموافقة على الاجتماع.. هل هناك أكثر من هذا هوانًا؟ وقد تمخض اجتماع وزراء الخارجية العرب عن صدور بيان هزيل ألقاه الأمين العام، وهو ما ضاعف من شعور الأمة العربية بالخزي والهوان. أكتب هذا المقال وغزة تشهد أهوالا من الاعتداءات بالصواريخ الذكية والمدفعية الثقيلة، ولم يسأل أحد نفسه: حتى لو انهارت كل بنايات غزة على كل ساكنيها هل سيرضخ الفلسطينيون؟ وهل ستُحل المشكلة؟

كل شعوب العالم التي واجهت مثل هذا الظلم والدمار لم يحصد المعتدون ثمار اعتداءاتهم، فشعور المظلوم وما وصل إليه من يأس كان دائما بمثابة الطاقة التي تجعله قادرًا على هزيمة عدوه، ولنا في الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية مثالًا على ذلك، ولعل سؤلًا آخر يطرح نفسه: ما هي مهمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟ ألم يكن في مقدمة أهدافها - بعد أن ذاق العالم ويلات الحروب حل المشاكل العالمية بالطرق السلمية، وإنصاف الدول الضعيفة؟ وقد صدر بشأن القضية الفلسطينية العديد من القرارات بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود ما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية. وقد وافقت الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من الدول الغربية، ورغم ذلك فقد ظلت إسرائيل مستقوية بالولايات المتحدة والغرب، رافضة هذه الحقوق المتواضعة، ألم يكن ذلك جديرًا باهتمام القوى الكبرى في العالم؟

أعتقد أن الولايات المتحدة تدفع بالعالم إلى أتون حروب متواصلة لا تتوقف، وبدلًا من أن تكون الدبلوماسية والسياسية والعلاقات الدولية هي الوسيلة الناجعة لحل مشاكل العالم إلا أنها قد اختارت الحروب، ولعل ما يحدث من صراع روسي أوكراني، يعد نموذجًا لذلك، فلو بذلت أمريكا من الوسائل السياسية لحل هذا الصراع، لأنقذت البشرية من هول حروب مدمرة، لعل وقتها لم يحن بعد!

أشاهد على التلفاز وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يحدث لأهلنا في غزة، ولا نملك بسبب ضعفنا وهواننا إلا أن نستنجد بعدالة السماء.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة بعد أن

إقرأ أيضاً:

البيت الأبيض: الولايات المتحدة لم تشارك في الهجمات التي شهدها لبنان أمس واليوم

البيت الأبيض: الولايات المتحدة لم تشارك في الهجمات التي شهدها لبنان أمس واليوم

مقالات مشابهة

  • الغارديان: حرب التفخيخ التي تشنها إسرائيل غير قانونية وغير مقبولة
  • الغارديان: حرب التفخيخ التي تشنها إسرائيل: إنها غير قانونية وغير مقبولة
  • البيت الأبيض: الولايات المتحدة لم تشارك في الهجمات التي شهدها لبنان أمس واليوم
  • الخارجية : إن الجمهورية العربية السورية، التي عانت على مدى ال ۱۳ سنة الماضية، من حرب كونية هدفت لتدمير دولتها وكسر إرادة شعبها بذريعة ادعاء الغرب الكاذب بحماية الديمقراطية وتعزيزها من خلال ممارساته الإرهابية المماثلة لتلك التي مارسها الصندوق الوطني للديمق
  • بنكيران في تصريح جديد: لو كنت رئيس الحكومة لما وافقت على التطبيع مع إسرائيل!
  • ترامب: جهاز الخدمة السرية قام بعمل جيد حينما تعامل مع محاولة الاغتيال
  • عمرو خليل: إسرائيل في أزمة كبرى أمام العالم ولا يوجد ما يبرر جرائمها
  • نميرة نجم تسلم "أوكسانا سلطان "جائزة "العدالة " لأبرز قانونية في العالم
  • حينما تنحني الجامعات وتسقط الأقنعة
  • حسن الجزولي: حينما ادعيت كاذبا أنني صاحب العربة وليس جمال محمد احمد