لجريدة عمان:
2025-01-05@05:14:55 GMT

حينما تضيع العدالة !

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

شاع مصطلح «الصدمة» في الأوساط السياسية والإعلامية خلال الأيام الأولى من حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣، حينما كان عنصر المباغتة بمثابة الصدمة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي بعد أن تفككت قواه خلال الأسبوع الأول من الحرب، وهو ما حدث يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وقد استيقظ الإسرائيليون على اجتياح كتائب عز الدين القسام «الجناح العسكري لحركة حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على حدود غزة، وقد راح الإعلام الفلسطيني يبث الأحداث لحظة وقوعها، ومساء اليوم نفسه وصل عدد القتلى من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين إلى ٣٠٠، فضلًا عن أعداد الجرحى والمفقودين، وقد عجزت إسرائيل عن حصر أعدادهم، وقد وصل عدد القتلى بعد مرور أسبوع من هذا الصراع إلى ما يقرب من ٢٠٠٠ شهيد فلسطيني، و٨٠٠٠ مصاب الكثير منهم إصابتهم خطيرة، بينما وصل عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي إلى ١٣٠٠، إضافة إلى الأسرى والمفقودين.

لم تفق إسرائيل من صدمتها، وقد جيشت كل عدادها وعدتها معلنة الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، وراحت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الاتحاد الأوروبي ودول أخرى كثيرة يعلنون عن دعمهم العسكري والسياسي، لدرجة وصول حاملة الطائرات الأمريكية إلى حدود فلسطين شرق البحر المتوسط، في مشهد سوف يسجله التاريخ دليلًا على افتقاد العدالة في هذا العالم المجنون، الذي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يشعر الساسة والعقلاء بأن هذا يعد عدوانًا فاضحًا على شعب أصابه اليأس بعد أن انصرف العالم كله عن قضيته العادلة، التي صدر بشأنها العديد من قرارات الأمم المتحدة بقيام دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، وهي القرارات التي رفضتها إسرائيل، ولم تعترف حتى بحقوق الفلسطينيين الإنسانية، لدرجة اجتياح منازلهم وقتل أطفالهم وشبابهم، بعد أن أعطى العالم ظهره لقضيتهم العادلة، ورغبتهم في حياة كريمة على أرضهم، والمؤسف أن معظم الدول العربية قد أسقطت من اهتمامها القضية الفلسطينية، التي لم يبق منها إلا بيانات إنشائية تصدر أحيانًا من جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بينما الفلسطينيون في الضفة والقطاع يواجهون الموت بصدور مكشوفة يوما بعد يوم.

عند كتابة هذا المقال، تواجه غزة عدوانًا غاشمًا بالمدافع والطائرات والصواريخ، لدرجة أن ربع المباني قد انهارت على ساكنيها، وتنقل لنا وسائل البث المباشر جثث القتلى من الأطفال والنساء بعد أن تحولت إلى أشلاء وسط صرخات الأمهات والآباء في مشهد مروع لم تلتفت إليه الولايات المتحدة والدول الغربية، وقد تابعنا بكل ألم ومرارة الجهود الدبلوماسية في محاولة لوقف إطلاق النار، إلا انه على ما يبدو فإن إسرائيل ماضية بجبروتها وعنفوانها لهدم مباني كل قطاع غزة تحت وابل متواصل من النيران، بينما حدث الاجتياح الفلسطيني صباح يوم السبت ٧ أكتوبر بأعداد قليلة لا تتجاوز المئات وبأسلحتهم التقليدية، في الوقت الذي تملك إسرائيل أحدث وسائل الحماية والردع، ورغم ذلك فقد استطاع هذا النفر القليل أن يحدث اختراقا مدويا شاهده العالم عبر وسائل الإعلام، حينما راحت تسقط المستعمرات والمعسكرات الإسرائيلية، وحالة الهلع والخوف التي سيطرت على الجنود والضباط، وكان المشهد معبرًا بصدق عن قوة إسرائيل الحقيقية، التي أسست جيوشها من المهاجرين من معظم دول العالم، بينما الفلسطينيون قد عبَّروا بمقاومتهم عن حقهم التاريخي والإنساني باعتبارهم أصحاب الأرض، وهو السبب الذي ضاعف من قوتهم وأعطاهم روحًا عظيمة وطاقة هائلة على القتال.

لم يشعر الغرب ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤوليتهم عن الحالة المأساوية التي آلت إليها أوضاع الفلسطينيين الإنسانية والمعيشية، بل راحوا يجيشون الجيوش مؤكدين على دعمهم لإسرائيل بكل الوسائل بعد أن راحت الطائرات والصواريخ تضرب غزة صباح مساء، مسببة أضرارًا بالغةً، مستهدفة المنازل على ساكنيها في مشهد مروع يعبر عن وحشية العالم وافتقاده لكل معاني العدالة والإنسانية، وقد استهدفت المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والمياه، وقطع كل وسائل الاتصال البري الذي يمد غزة بالغذاء والدواء، وهو أمر غير مسبوق، لو حدث في أي بقعة من العالم لقامت الدنيا ولم تقعد.

المشهد الأكثر إيلامًا هو الموقف المتخاذل للدول العربية، وخصوصًا الجامعة العربية، التي لم تكلف نفسها مجرد اجتماع وزراء الخارجية العرب، إلا بعد مرور عدة أيام، وقد أعلن أمينها العام من موسكو، أنه ينتظر موافقة الدولة رئيس الدورة العربية، للموافقة على الاجتماع.. هل هناك أكثر من هذا هوانًا؟ وقد تمخض اجتماع وزراء الخارجية العرب عن صدور بيان هزيل ألقاه الأمين العام، وهو ما ضاعف من شعور الأمة العربية بالخزي والهوان. أكتب هذا المقال وغزة تشهد أهوالا من الاعتداءات بالصواريخ الذكية والمدفعية الثقيلة، ولم يسأل أحد نفسه: حتى لو انهارت كل بنايات غزة على كل ساكنيها هل سيرضخ الفلسطينيون؟ وهل ستُحل المشكلة؟

كل شعوب العالم التي واجهت مثل هذا الظلم والدمار لم يحصد المعتدون ثمار اعتداءاتهم، فشعور المظلوم وما وصل إليه من يأس كان دائما بمثابة الطاقة التي تجعله قادرًا على هزيمة عدوه، ولنا في الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية مثالًا على ذلك، ولعل سؤلًا آخر يطرح نفسه: ما هي مهمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟ ألم يكن في مقدمة أهدافها - بعد أن ذاق العالم ويلات الحروب حل المشاكل العالمية بالطرق السلمية، وإنصاف الدول الضعيفة؟ وقد صدر بشأن القضية الفلسطينية العديد من القرارات بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود ما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية. وقد وافقت الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من الدول الغربية، ورغم ذلك فقد ظلت إسرائيل مستقوية بالولايات المتحدة والغرب، رافضة هذه الحقوق المتواضعة، ألم يكن ذلك جديرًا باهتمام القوى الكبرى في العالم؟

أعتقد أن الولايات المتحدة تدفع بالعالم إلى أتون حروب متواصلة لا تتوقف، وبدلًا من أن تكون الدبلوماسية والسياسية والعلاقات الدولية هي الوسيلة الناجعة لحل مشاكل العالم إلا أنها قد اختارت الحروب، ولعل ما يحدث من صراع روسي أوكراني، يعد نموذجًا لذلك، فلو بذلت أمريكا من الوسائل السياسية لحل هذا الصراع، لأنقذت البشرية من هول حروب مدمرة، لعل وقتها لم يحن بعد!

أشاهد على التلفاز وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يحدث لأهلنا في غزة، ولا نملك بسبب ضعفنا وهواننا إلا أن نستنجد بعدالة السماء.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة بعد أن

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: : إسرائيل شنت هجمات ضد مستشفيات قطاع غزة

أكد نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنه يجب احترام المستشفيات والأطقم الطبية في قطاع غزة

 

حماس: الاحتلال يرتكب أبشع الجرائم في حربه على غزة ويستهدف المنشآت الطبية فرانشيسكا: استهداف المستشفيات جريمة حرب مستمرة في غزة

وقال :نائب المتحدث" خلال تصريحاته عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”، اليوم الجمعة، إن إسرائيل شنت هجمات ضد مستشفيات قطاع غزة

 

وأشار إلى أن  قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة لا تنفذ بشكل كامل للوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة

 

 

الصحة العالمية: الممارسات الإسرائيلية في غزة تهدد حياة المرضى وتفكك القطاع الصحي



وفي إطار آخر، حذر المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق يسريفيتش، من خطورة الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة، مؤكدًا أن هذه الممارسات تعرض حياة المرضى في المستشفيات للخطر وتشكل تهديدًا كبيرًا على النظام الصحي في القطاع. 

 

وفي تصريحات لوسائل إعلام عربية، قال يسريفيتش: "ما نشهده هو عملية ممنهجة لتفكيك البنية الصحية في غزة، حيث تتعرض المستشفيات والمرافق الصحية لتهديدات مباشرة تعرقل قدرتها على تقديم الخدمات الطبية الأساسية للمرضى". 

 

وأوضح أن العمليات العسكرية ضد المستشفيات يجب أن تتوقف بشكل فوري، مشددًا على أن حماية المرافق الصحية تحت أي ظرف هو مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي الإنساني. 

 

وأضاف المتحدث باسم المنظمة أن "وقف العمليات العسكرية ضد المستشفيات في قطاع غزة لا يمكن أن يتحقق إلا بقرار سياسي"، ودعا المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لفرض احترام القوانين الدولية وضمان حماية المدنيين والمرافق الصحية. 

 

وحول جهود منظمة الصحة العالمية لمساعدة سكان غزة، أكد يسريفيتش: "نبذل كل ما نستطيع لمساعدة الناس في قطاع غزة، لكن الوضع يتطلب وقفًا فوريًا للقتال، حيث لا يمكن لأي منظمة إنسانية أن تقدم الدعم الكامل في ظل الظروف الحالية". 

 

واختتم يسريفيتش تصريحاته بالتأكيد على ضرورة "تجنيب المستشفيات أي عمل عسكري في كل الظروف"، داعيًا الأطراف المتصارعة إلى احترام حق المرضى في تلقي العلاج والحصول على الرعاية الصحية دون تعريض حياتهم للخطر. 

مقالات مشابهة

  • «الأونروا»: حظر إسرائيل مساعدتنا للفلسطينيين اقترب
  • نطاح الجماء مع القرناء
  • أكسيوس: الولايات المتحدة تعتزم بيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار إلى إسرائيل
  • الأمم المتحدة: : إسرائيل شنت هجمات ضد مستشفيات قطاع غزة
  • جدعون ليفي: سيعرف العالم كله أن إسرائيل تقف وراء مجرمي حرب
  • بوفون يكشف مفاجآة بخصوص اللعب في كأس العالم للأندية
  • إسرائيل ثالث أكبر سجن للصحافيين في العالم
  • تعرف على الدول التي تمتلك أقوى الطائرات بدون طيار في العالم: هذا ترتيب تركيا
  • هل تصبح الهند ثالث قوة عظمى في العالم؟
  • العالم يتجاوز 8 مليارات نسمة في 2024.. نمو في إفريقيا وتباطؤ عالمي