ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

هل يمكن أن تكون الأجسام الفضائية التي تشاهد منذ عقود من الزمن وجهود السعي لكشف هذا اللغز المحير عبارة عن غطاء يستر برامج التطوير التقني الحكومي -الأمريكي- وتكون تلك الأجسام عبارة عن أشكال تقنية مبتكرة في مجال الدفاع وذات تصاميم فريدة، وكذلك، هل من الممكن أن تكشف الحكومة عن تلك القدرات بشكل تدريجي خاصة مع بدء جلسات الاستماع للحكومة الرسمية التي بدأت مؤخرًا؟

هذه الأسئلة تستحق أن تُطرح ويتم النظر فيها، وذلك لأن عمليات التحقيق وراء هذه الأجسام الطائرة المجهولة أصبحت ذات تركيز عام وموضع اهتمام كبير.

في هذا العام تحديدا، زادت ملاحظة العامة وانبهارهم بالأجسام الطائرة المجهولة، والتي يرمز لها بـ«UFOs»، وقال: «ديفيد جروش»، وهو مسؤول مختبرات سابق وقائد عمليات دراسة ظاهرة تلك الأجسام الطائرة المجهولة بالجيش الأمريكي: «إن الولايات المتحدة كانت تحصد المركبات غير البشرية لعقود من الزمن»، وذلك في جلسة أمام الكونجرس الأمريكي في يوليو الماضي.

وفي جلسة مناظرة للحزب الجمهوري عُقدت في 23 أغسطس، تم توجيه سؤال للمرشحين عن مسؤولية الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بالكشف عن حقيقة الأجسام الطائرة المجهولة، وبعدها في 31 أغسطس أطلق البنتاجون موقعا إلكترونيا جديدا هدفه نشر المعلومات للجمهور حول تلك الأجسام، وكانت تلك المعلومات سرية.

الأجسام الطائرة المجهولة موضوع طويل الأمد، وقد أوِّلت قديما إلى أنها مؤامرات، وربما بدايات هذا التأويل في عام 1947 لما يسمى حادثة زويل، وقد وصفها الجيش الأمريكي حينها بأن المركبة المشاهدة هي «قرص طائر»، ولكنه بعد ذلك أفاد أن الجسم عبارة عن منطاد مخصص لقياس الطقس.

وفي مسعى لمحاولة تهدئة القلق العام من العامة ووقف تكهناتهم حول الأجسام الطائرة المجهولة، تم تشكيل فرق بحثية رسمية للتحقيق في تلك الأجسام، ومن تلك الفرق «مشروع الكتاب الأزرق» و«علامة المشروع»، وكذلك «مشروع الضغينة»، وفي ذات الأثناء كانت الحكومة الأمريكية تخشى من محاولات الاتحاد السوفييتي لتعزيز تلك المشاهدات الكاذبة وتأكيد نظرية المؤامرة لزيادة الذعر بين الجمهور الأمريكي، لذلك كانت تتابع عن كثب المجال الجوي.

وكانت أخبار الأجسام الطائرة منتشرة بشكل كبير في أيام الحرب الباردة، وغالبا ما كانت تطلق تلك الأخبار في الأثناء التي يتم فيها اختبار الصواريخ والقذائف، «وهو أمر مستمر إلى هذا اليوم»، وقد قدم الكثير من الجنود الأمريكيين والسوفييتيين شهاداتهم بأن تلك الأجسام الطائرة المجهولة كانت قادرة على السيطرة -ولو بشكل مؤقت- على المنشآت الصاروخية النووية.

وفي عام 1997 أطلقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيانا قويا، أفاد بأن الجيش الأمريكي كان يكذب على الجمهور طيلة فترة الحرب الباردة، وذلك فيما يتعلق بمشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة، وكان الكذب في سبيل إخفاء المشاريع العسكرية السوداء، ومحاولة أن تبقى موسكو تجهل التقدم التقني في المجال، وبعد ذلك زادت الظواهر الطبيعية النادرة من زعزعة الثقة بشكل أكبر بين الجمهور الأمريكي والجيش الأمريكي، خاصة في تلك الظواهر مثل: بلورات الجليد وتقلبات درجة الحرارة.

وبعد ذلك حدث الكثير من اللغط بين الطائرات العسكرية السرية الأمريكية، والأجسام الطائرة المجهولة، ومثال على ذلك الطائرة السرية للاستطلاع «يو 2»، التي تم تدشينها في خمسينيات القرن الماضي، والتي تتميز بتصميم غريب وذات إطار رمادي يعكس الشمس، وكذلك طائرة «اس آر -71 بلاك بيرد» التي دشنت في عام 1966، وظلت تلك الطائرات سرية حتى تم الكشف عنها في التسعينيات، ولكنها عندما كانت تظهر في السماء بشكلها الغريب وسرعتها العالية كانت تؤوَّل بأنها أجسام غريبة مجهولة.

وفي أواخر الثمانينيات طرحت طائرة بتصميم ديناميكي فريد، وتعرف بـ«بي 2 سبايرت» وكانت تتمتع بقدرتها على التحرك بسرعات منخفضة وتعطي مظهرا كأنها تحوم في الجو.

خلال الحرب الباردة كانت الطائرات العسكرية التجريبية تُصدر تقارير عن الأجسام المجهولة، وتنسبها إلى أنها ظواهر غير مفهومة، وهذا بدوره غذَّى نظرية المؤامرة.

في عام 2004 قام طيارون من البحرية الأمريكية برصد أجسام طائرة مجهولة قبالة سواحل سان دييجو، وكانت تلك الاجسام تتسارع بشكل هائل وتغيِّر اتجاهاتها بشكل مفاجئ يتحدى قوانين الفيزياء، وغيرها من المشاهد التي تم الكشف عنها للجمهور في عام 2017، وكثير من الذين شاهدوا تلك الاجسام لم يفصحوا عنها خشية اتهامهم بالكذب أو السخرية منهم.

أما فيما يتعلق بعدم كشف الجيش الأمريكي عن تلك الأجسام في حينها، فيرجع إلى حماية تكنولوجيتها السرية، كما لا يمكن للوكالات العسكرية تأكيد تلك المعلومات أو نفيها.

وقد طلب موقع الشفافية الحكومي -بموجب القانون- من البحرية الأمريكية معلومات حول تلك الأجسام، لكن جاء الرد بالرفض لأسباب أمنية.

ومن المحتمل أن يكون كشف الجيش الأمريكي لمقاطع فيديو صورت في 2004 دون إضافة معلومات، وسيلة للتلميح عن القدرات التكنولوجية التي يمتلكها، والكشف فجأة عن تلك التقنيات يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية، ولكن مجرد التلميح سيكون رادعا للخصوم.

إعداد الجمهور لتلك التكنولوجيات الحديثة أمر مهم، وذلك لدحض التكهنات حول تلك الأجسام التي قد تكون غير صحيحة وذات عواقب.

وفي تقرير نشرته وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في عام 2021، أفادت بأن العديد من الأجسام الطائرة المجهولة كانت تقنيات نشرتها الصين أو روسيا أو دول أخرى أو «كيانات غير حكومية»، وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز القصة في عام 2022.

وفي تحقيق نشرته مجلة «منطقة الحرب» أشارت إلى أن الكثير من الأجسام الطائرة المجهولة كانت عبارة عن طائرات بدون طيار معادية فشلت الحكومة الأمريكية بالكشف عنها.

عدم قدرة الحكومة الأمريكية عن الكشف عن الطائرات بدون طيارة -وهي تجريبية بالغالب- لدول أخرى، وتصنيفها بأنها «أجسام طائرة مجهولة» من شأنه أن يظهر بشكل جلي أوجه القصور لدى الجيش الأمريكي وأنظمة دفاعاته الجوية. في المقابل فإن قدرة الجيش الأمريكي على كشف طائرات الشبح ونشر تلك الوثائق واكتشاف التكنولوجيات الخاصة بالدول الأخرى يعطي تصورا للدول بالأخرى بأنها مراقَبة.

الأمر لا يتعلق بالحكومة الأمريكية في مسألة التضليل أو الحكومات الأخرى فحسب، بل كذلك بعض الشركات تتحمل مسؤولية عدد كبير من التقارير التي تتحدث عن الأجسام الطائرة المجهولة.

بالنسبة للطائرات بدون طيار، فهي تقنية قديمة تم تصنيعها قبل أكثر من قرن في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وتطورت تلك الصناعات بشكل كبير منذ صناعتها الأولى وحتى اليوم.

واليوم أصبحت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار متاحة بشكل كبير تجاريا، ومن الصعب تمييزها بوضوح، ومن أكبر الشركات المصنعة لها شركة الشركة الصينية «DJI» وفي عام 2022 دخلت المئات من تلك الطائرات المجالات المحظورة في الولايات المتحدة، وهذه الطائرات متاحة للشراء من قبل الحكومات الأخرى.

في حين أن الطائرات بدون طيار المستخدمة في المجال العسكري ما زالت تتبوأ الصدارة في المؤسسة العسكرية الأمريكية من الناحية التكنولوجية المتقدمة.

وقد أخذت وكالة الفضاء الدولية «ناسا» على عاتقها التوسع في تقنيات المركبات الفضائية، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي، ومن تلك التقنيات ما ابتكره المهندس «آرثر كانترويتز» من استخدام الليزر لإطلاق الأقمار الصناعية بدلا من المحركات التي تعمل بالوقود، وتم اجراء اختبارات ناجحة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وبعد ذلك واصلت كل من «ناسا» والقوات الجوية الأمريكية تطوير تلك التقنيات واختبارها، وقد يبرر ذلك رؤية العديد أجسام الطائرة المجهولة، ولم تتوقف تلك الاختبارات ومسيرة تطويرها، حتى عرفت التقنية بـ«تقنية البلازما المستحدثة لليزر»، ونالت من خلالها على براءة اختراع في عام 2018، وهذه التقنية يمكنها توليد درجات حرارة عالية للغاية في الهواء، وما يصحبها من أشكال ضوئية ترى بصريا.

كما طور الجيش الأمريكي تقنيات يمكنها من إنتاج الصوت من أشعة الليزر، ما يضيف بعدا مؤثرا آخر علاوة على الأشكال الضوئية.

وفي السنوات القليلة الماضية أثار المهندس «سالفاتوري سيزار بايس» اهتمام العالم نحوه، وهو مهندس طيران يعمل في البحرية الأمريكية، حيث إن لديه إنجازات بحثية -مزعومة- في مجال توليد الطاقة التي ستحدث نقلة تكنولوجية كبيرة في التاريخ، وقد حصل على «براءات اختراع» عديدة في مجال تطوير أنظمة الدفع المتقدمة للطاقة، وهي ذات دفع سريع للطاقة النظيفة، ومنها «مركبة تستخدم جهاز تقليل الكتلة بالقصور الذاتي» التي منحته براءة اختراع في عام 2018، كما قدم اختراع «دمج ضغط البلازما» إلا أنه كما يبدو قد تخلى عنه لاحقا.

ومع ذلك، تشير الوثائق التي تم استرجاعها بواسطة مجلة «منطقة الحرب» إلى أن اختراعات «سالفاتوري سيزار بايس» هي لصالح القوات الجوية الأمريكية ووكالة «ناسا» ووكالة أبحاث الدفاع المتقدمة.

وبالعدوة إلى الثمانينيات، كان الرئيس الأمريكي حينها «رونالد ريجان» قد اقترح نظام الدفاع الصاروخي «حرب النجوم»، وبربط ذلك مع اختراعات «بايس» من الممكن أن تكون بمثابة تقنيات مصممة لإغراء الخصوم ودفعهم إلى سباق التسلح ذي تكلفة مرتفعة، وهذا يعني أن البلدان فعلا تعمل على تطوير قدراتها الجوية.

فالصين فعلا قامت بتطوير تكنولوجيا البلازما الضوئية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وتعمل جنبا إلى جنب مع ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة لتحسين القدرات الجوية، وفي الأثناء حققت دول الاتحاد الأوروبي في اختراقات مجالاتها الجوية، وأصدرت تقاريرها في ما يتعلق بالأجسام الطائرة المجهولة.

في هذا السياق، يبقى من الأهمية بمكان أن يظل الجمهور منخرطا ومطلعا على ماهية تلك الأجسام الطائرة، ويجب أن يكون مطلعا على كافة التقارير الصادرة بهذا الشأن، في الوقت الذي أصبح فيه من الصعب تظليل الناس ببعض التأويلات، ينبغي على العالم أن يعي أنه ليس هناك حياة ذكية خارج هذا الكوكب، وهذا ما تعمل عليه مبادرات عديدة، منها «The Black Vault»، مشاريع مثل «غاليليو» الذي يقوده الباحث «آفي لويب» من قسم علم الفلك في جامعة هارفارد، وتلك المبادرات تبحث بنشاط عن دلائل وجود حياة فضائية وتسهم في توسيع فهمنا للفضاء الخارجي.

أخيرا، إن إشراك الجمهور في البحث عن إجابات منطقية سيساهم في بناء جسور لسد الفجوات في الفهم والاقتراب أكثر من فك غموض هذه الظواهر.

جون بي رويل صحفي أسترالي أمريكي مؤلف كتاب «القوة العظمى للميزانية: كيف تتحدى روسيا الغرب باقتصاد أصغر من تكساس».

عن آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأجسام الطائرة المجهولة الحکومة الأمریکیة الجیش الأمریکی بشکل کبیر بدون طیار ما یتعلق عبارة عن فی عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

البنتاغون يغرق في الفوضى: استقالات وإقالات جماعية تكشف انهيار القيادة الأمريكية وسط فشل عسكري متصاعد

يمانيون../
تشهد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) واحدة من أعقد أزماتها الإدارية والعسكرية منذ عقود، مع تصاعد موجة استقالات وإقالات في صفوف كبار المسؤولين العسكريين، في مشهد يعكس بوضوح تصدع القيادة داخل أهم مؤسسات الدولة الأمريكية.

صحيفة واشنطن بوست، في تقرير موسع حمل دلالات خطيرة، كشفت أن أكثر من 12 مسؤولًا عسكريًا رفيع المستوى، من ضمنهم رئيس هيئة الأركان المشتركة وكبار الأدميرالات في البحرية، غادروا مواقعهم خلال فترة قصيرة، ما يشير إلى أن حالة التآكل باتت تضرب جذور البنتاغون.

هذه الفوضى، بحسب التقرير، لم تكن نتاج ضغوط خارجية أو حروب ميدانية فقط، بل نتاج مباشر لأسلوب قيادة وزير الدفاع الحالي بيت هيغسيث، المثير للجدل، والذي جاء من خلفية إعلامية شعبوية عبر قناة فوكس نيوز، بلا خبرة حقيقية في إدارة منظومة عسكرية معقدة بحجم البنتاغون.

ووفقًا لما أورده التقرير، فإن جو كاسبر، رئيس أركان وزير الدفاع، قدم استقالته طواعيةً، ولكن في ظل أجواء مسمومة من الانقسامات والاتهامات المتبادلة، بين مستشاري هيغسيث، الذين أقال ثلاثة منهم مؤخرًا بتهم “التسريب”، وهي تهم رفضها المستشارون بشدة، معتبرين أن الإقالات جاءت على خلفية صراعات نفوذ داخلي وشكوك مفرطة من الوزير، الذي يصفه كثيرون داخل الوزارة بأنه “مصاب بجنون العظمة” و”مهووس بالتغطيات الإعلامية اليومية” أكثر من اهتمامه بتطوير الأداء العسكري.

التقرير أشار إلى أن كاسبر، الذي كان من الشخصيات المحترمة نسبيًا داخل البنتاغون، وجد نفسه عاجزًا عن العمل وسط هذه الأجواء، خصوصًا بعد أن تعمقت عزلة هيغسيث، وضيّق دائرة القرار إلى عدد محدود جدًا من الأسماء الموالية له، مما أضعف كفاءة الإدارة العسكرية وأدى إلى شلل واضح في اتخاذ القرار.

ولم تتوقف الأزمة عند حدود الانقسامات الإدارية، بل امتدت إلى تجاوزات أمنية خطيرة. فحسب التحقيقات الجارية، يستخدم هيغسيث تطبيق “سيجنال” المشفر لتداول رسائل تتعلق بشؤون الدفاع، في خرق محتمل لقوانين التعامل مع المعلومات المصنفة، مما دفع المفتش العام لوزارة الدفاع لفتح تحقيق رسمي قد يضع الوزير نفسه تحت طائلة المساءلة القانونية.

من جهة أخرى، انفجرت موجة جديدة من الغضب السياسي ضد الإدارة، بعد تصاعد خسائر المدنيين في اليمن نتيجة الغارات الأمريكية الأخيرة، وهو ما دفع ثلاثة من أبرز أعضاء مجلس الشيوخ (كريس فان هولين، إليزابيث وارن، وتيم كين) إلى المطالبة العلنية بتحقيق فوري في هذه العمليات، معتبرين أن ما يحدث “ينسف بالكامل” الادعاءات التي يروج لها ترامب بأنه يسعى لتحقيق “سلام عالمي” في ولايته الثانية.

التعليقات الشعبية التي رصدها تقرير الصحيفة بدت أكثر قسوة، حيث اعتبر كثيرون أن الإدارة الحالية تتصرف بطريقة “متهورة ولا إنسانية”، وأن “الاستهتار بحياة المدنيين في اليمن سيولد موجات عداء جديدة ضد الولايات المتحدة، تفوق ما خلفته مغامراتها العسكرية السابقة”.

التقرير لم يخفِ قلقه من أن الانقسامات الداخلية داخل البنتاغون تأتي في وقت حساس للغاية، حيث تواجه واشنطن تحديات استراتيجية متصاعدة على عدة جبهات، من البحر الأحمر إلى المحيط الهادئ، في مواجهة قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، بينما يظهر أن البنية القيادية التي يُفترض أن توجه هذه المواجهات تنهار من الداخل بفعل التخبط، وانعدام الرؤية، والصراعات الشخصية.

وفي الخلاصة، يبدو أن انهيار الثقة داخل وزارة الدفاع الأمريكية لم يعد مجرد أزمة مؤقتة، بل تحول إلى ظاهرة بنيوية عميقة، تنذر بإضعاف الجاهزية العسكرية الأمريكية على المدى المتوسط، وتكشف عن فشل ذريع في إدارة التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالعالم اليوم.

في ظل هذا المشهد المضطرب، تتزايد التساؤلات:
من يقود فعليًا الدفاع الأمريكي؟
وما الذي تبقى من مصداقية الولايات المتحدة أمام حلفائها وخصومها على السواء؟
وهل يستطيع البيت الأبيض إنقاذ ما تبقى من مؤسسات الدولة قبل أن ينهار المشهد بالكامل؟

تشير هذه الاضطرابات غير المسبوقة داخل البنتاغون إلى أزمة أعمق بكثير مما تبدو عليه من الخارج؛ فهي تعكس تآكل البنية المؤسسية للنظام الأمريكي ذاته، الذي كان لسنوات طويلة يتباهى بصلابته واستقراره الإداري.

اليوم، وبينما تتصدع وزارة الدفاع تحت وطأة الصراعات الداخلية وسوء الإدارة، يتآكل في المقابل دور الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على النظام الدولي. فالعالم لم يعد ينتظر توجيهات واشنطن كما في السابق؛ إذ تصعد قوى بديلة مثل الصين وروسيا بثقة، مستفيدة من هذا الانكشاف الأمريكي المتسارع.

في الشرق الأوسط، يتجلى هذا التراجع بأوضح صوره؛ إذ لم تعد الغارات الأمريكية، رغم قسوتها ووحشيتها كما في اليمن، قادرة على فرض إرادة واشنطن كما كانت تفعل من قبل. وفي أوكرانيا، أصبحت المساعدات الأمريكية محل جدل داخلي، وسط انقسام عميق بين النخب السياسية والشعبية. أما في آسيا والمحيط الهادئ، فإن التحالفات التي تبنيها الصين مع دول الجوار باتت تهدد النفوذ الأمريكي التقليدي.

إن ما يحدث اليوم داخل البنتاغون، من انهيار الثقة إلى الانقسامات الداخلية، ليس مجرد أزمة إدارة، بل هو عرض من أعراض مرض أعمق: أفول الإمبراطورية الأمريكية. فبينما تغرق القيادات الأمريكية في صراعاتها الصغيرة وأوهامها الإعلامية، يفقد النظام الأمريكي أدواته الناعمة والصلبة التي كانت تُمكّنه من فرض رؤيته على العالم.

وبينما تتزايد الفوضى في الداخل، تتسع الفجوة بين صورة الولايات المتحدة كـ “قوة عظمى” وبين واقعها كقوة تتآكل من الداخل، عاجزة عن فرض استقرارها الداخلي ناهيك عن إعادة فرض هيبتها على الساحة الدولية.

وبالتالي، فإن السؤال لم يعد “متى تستعيد الولايات المتحدة دورها الريادي؟”، بل أصبح “كيف ومتى سيتشكل النظام العالمي الجديد على أنقاض التفكك الأمريكي المتسارع؟”.

مقالات مشابهة

  • شاهد بالصورة.. هكذا تم اسقاط الطائرة الأمريكية “إف 18”
  • شاهد بالفيديو.. تقرير مفصل عن مواصفات الطائرة الأمريكية F18
  • حاملة الطائرات انعطفت لتجنب نيران الحوثيين.. البحرية الأمريكية تكشف عن سبب سقوط المقاتلة في البحر الأحمر
  • البحرية الأمريكية: سقوط مقاتلة من على متن حاملة الطائرات “ترومان” في البحر الأحمر
  • البحرية الأمريكية: سقوط طائرة إف 18 من حاملة طائرات في البحر الأحمر
  • البحرية الأمريكية: سقوط طائرة F-18 من على متن حاملة طائرات بالبحر الأحمر
  • محلل عسكري أمريكي يتحدث عن كابوس صيني للدفاعات الجوية الأمريكية (شاهد)
  • وزارة الدفاع الروسية تنشر مشاهد للقوات الكورية الشمالية التي ساعدت في تحرير كورسك
  • عضوة بمركز الأزهر توضح حكم الصلاة على متن الطائرة وكيفية أدائها بشكل صحيح
  • البنتاغون يغرق في الفوضى: استقالات وإقالات جماعية تكشف انهيار القيادة الأمريكية وسط فشل عسكري متصاعد