ابتسم أنت في غزة!
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
مسعود الحمداني
samawat2004@live.com
(1)
ابتسم أنت في "غزة"، في مكان لا تتعدى مساحته 360 كيلومترًا، يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة، أنت في مشهد دراماتيكي غريب، ومرعب، رغم أنك في القرن الواحد والعشرين؛ حيث لم تبق دولة تستعمر دولة أخرى، ولكن لا يزال الاحتلال موجودًا هنا، وحيث تشاهد قوانين ومبادئ العالم مقلوبة رأسًا على عقب، فتنقلب الضحية قاتلًا، ويضحى السفاح ضحيةً، ابتسم فأنت لا تملك غير ابتسامة سخرية، تمامًا كما كان "حنظلة" الذي رافق رسومات ناجي العلي، ينظر إلى العالم شابكًا ذراعيه خلف ظهره، يتفرج على مآسي فلسطين، ولا يملك غير الدهشة مما يجري.
(2)
ابتسم فأنت وسط أشد بقع "دولة" فلسطين احمرارًا، ودموية؛ حيث لا يمكنك أن تتخيل نفاق دول العالم الأول، ولا يمكنك أن تستوعب المعايير المزدوجة التي يكيل بها الساسة في أوربا والولايات المتحدة الأمور، ولا يمكنك أن تفرّق بين أخلاق المدنية والهمجية حين يجتمعان معًا، ولا يمكنك أن تفهم كيف ينظر "العالم الحر" إلى بلد يعاني منذ أكثر من 75 عامًا من القتل والدمار والاحتلال البغيض، ورغم ذلك ينحاز للمحتل، ولا يمكن أن تدرك معايير هذا العالم الذي ينظر إلى قطاع محاصر منذ أكثر من 17 عامًا، لا يحرك تجاهه ساكنا، حيث يرمي المجرم قرارات الأمم المتحدة عرض حائط المبكى، ولكنه يطالب بتطبيقها على المقاوم الذي يسعى لنيل حريته، ابتسم وأنت ترى عورة "الديمقراطية"الغربية، حين تسمح بمظاهرات تؤيد القاتل، وتمنع مظاهرات تؤيد الحق، وتسجن من ينكر "الهولوكوست"، وتتعامى عن من ينكر مجازر ترتكب في حق الفلسطينيين، وتجري أمام أعين العالم مباشرة!!
(3)
لا يمكن إلا أن تبتسم وأنت ترى جيوش الدول الكبرى، تُحشد في ساعات، وتتجه لكي تؤمنّ الحماية للمحتل، ولكي تطمئن القاتل المتسلسل على أمنه، ولتقدم الدعم المعنوي والمادي للمغتصب، وتحشد الجيوش البربرية ضد مجموعة مسلحة بأسلحة بدائية محاصرة بين البر والبحر، سلاحها الأهم هو الإيمان بالله والوطن، ورغم ذلك فأني أتفاءل أحيانًا بوجود الجيش الأمريكي في اللعبة، لأنني لا أذكر حربا خاضتها الولايات المتحدة إلا وخسرتها!!
(4)
ابتسم.. فأنت بين جثث الشهداء، وبين الدمار الذي لا يمكن وصفه، وبين سماء تمطر رعبًا، وأرض تنفجر رصاصا، وبحر يجري دما، تعيش وتتعايش مع الموت، وتقاتل حيث يتفرج عليك إخوتك وأصدقاؤك العرب، ويحاصرونك، ويطبّعون مع عدوك، ويتهمونك بالإرهاب، ويعينون عدوك عليك، ويتآمرون على قضيتك، ثم يرفعون أيديهم بالدعاء بالنصر عليك..لا..لك.
ابتسم ببلاهة، فأنت في عالم لا يرى.. لا يسمع.. لا يتكلم..
ابتسم فأنت في "غزة".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
روح المسرح .. لا يمكن كبْتها
«لم أفهم ماذا أراد العرض أن يقول لنا؟»، تكرر هذا السؤال لأكثر من مرّة من قِبل الجمهور العُماني الذي حضر بكثافة ليالي مهرجان المسرح العربي الخامس عشر، وفي الغالب لم يكن مرد ذلك غموض الأعمال المُقدمة، بل لعلي أجزمُ أسبابا أخرى أهمها: انقطاع العُماني «الجمهور» عن سياق العروض المستمرة، الأمر الذي يُشوه الفهم لديه، يشوه قدرته على ربط الثيمات بسياقات أبعد مما تبدو عليه، وقد يرجع الأمر لتعوده أيضا على مستوى من الأعمال السطحية التي تكمن مهمتها في الإضحاك الباهت، غافلا -أي الجمهور- عن أشكال أخرى تُنمي هاجس السؤال لديه وتغرس شجرة النقد المتفرعة، وتجعله في مواجهة شرسة مع انفعالات نفسه التي تتمرأى انعكاساتها بجلاء على الخشبة.
علينا أيضا ألا نغفل كارثة المشتغلين بالمسرح الناتجة عن إغلاق فسحة التعليم الأكاديمي، فالمُشاهد للعروض العربية المقدمة، يجد أنّ أكثرها نضجا هي تلك التي خرجت من معاطف التعليم، وليس الارتجال العفوي التهريجي.
إنّ الأزمة الحقيقية هي أزمة فهم مُركبة.. من قبل الجهات المسؤولة التي يتضاءل اهتمامها بهذه المشاريع، جوار ضعف المعرفة بماهية المسرح وماذا نريد أن نقول من وراء عروضه أيضا، فالمشتغل بالمسرح ينبغي بدرجة أو بأخرى أن يرتبط بسياق معرفي، يوظفه في النصّ، في الحركة، في الإيماء، في الإضاءة والأزياء والديكور، في تثوير المعنى، فكل هذا بالضرورة سينعكس على الجمهور، عندما يتعود على مستوى من الخطاب، ضمن خطة عروض مستمرة، لا تبتسرُ في سياق المسابقات والمهرجانات وحسب!
لقد بدأ المسرح في عُمان مُبكرا نسبيا، بدأ في الأندية الأهلية منذ ستينيات القرن الماضي، ولكن للأسف، لم يتمكن من خلق أجيال متعاقبة مُتسلحة بالخبرات والمعرفة، كما لم يتحول إلى جزء من نسيج قصّتنا بصفتنا الجمهور المتلهف لاتصال من هذا النوع، ولذا لم يمضِ المسرح العُماني في سياق خطي متصل ومتنام.
يبدأ الأمر من تخاذل المسرح المدرسي، هنالك حيثُ يمكن أن تُسلط أول مجاهر الكشف عن المواهب الفريدة من نوعها في مجال التمثيل والكتابة المسرحية، تلك الطاقات التي غالبا ما تظل طريقها، إذ يُربط الطلبة -على اختلافهم- بطريق واحد للتميز: «الدرجات» وحسب، بينما يُغض الطرف عن الإمكانيات التي يمكن أن تتمظهر في أشكال لا محدودة، والأمر سيان في الكليات والجامعات، حيث يغدو مبدأ «تفريخ العمال» أكثر أولوية من تفتيح أفق العقل!
أذكر في أغلب الحوارات التي أجريتها مع العديد من مسرحيي عُمان، أنّ الأزمة المتكررة هي أزمة «مكان العرض»، فكانت الفرق تتدرب في الحدائق وتعرض في مسارح مدرسية، والآن توفرت خشبات مسرح حديثة، إلا أنّ العثرات ما زالت تتجلى في صور عديدة.
السؤال الأهم: من يتحمل تكلفة العرض؟ فهذا العمل الجماعي تتعدد احتياجاته من مكان إلى نصّ إلى سينوغرافيا، وينهضُ أيضا على فريق كبير من كاتب وممثل ومخرج، ينفقون أشهرا من أوقاتهم في سبيل إنجاز عمل واحد جيد، فهو اشتغال مُعقد ومتطلب، وعادة ما يرتبط نجاحه بتبني الدولة له بموازنات سنوية، ولا أدري إلى أي حد نجحت تجربة «شباك التذاكر» في تغطية تكاليفها!
ظننتُ أنّ «المسرح» هو خارج تطلع الجمهور العُماني، لكنه قلب المعادلة رأسا على عقب، فعلى مدى عشرة أيام متواصلة، كانت المسارح الثلاثة «البستان، العرفان، الكلية المصرفية» تضج بالحيوية وبإيقاع الناس الآتية من مشارب متباينة. جاء الجمهور المتعطش فأخذ حيزه، على الرغم من الملهيات الجذابة التي باتت تستحوذ عليه -في عالم استهلاكي- لتبعده عن كل ما هو عميق ومتجذر منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وعلى العموم لا يمكن التحدث عن مسرح عربي مزدهر وغير مضطرب، فالمسألة -ليست محلية وحسب- وإنّما رهن تقلبات سياسية واقتصادية، لكن علينا أن نتذكر دائما بأن المسرح قادر على منحنا إمكانيات مذهلة على استبصار الجوانب الخفية من هذا العالم، فتحت طبقات التخييل، تقبعُ القصّة التي تشبهنا جميعا، وكما يقال: «أينما كان هناك مُجتمعٌ إنساني، تتجلى روحُ المسرح التي لا يمكن كبتُها».
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى