محمد رامس الرواس
لقطة مُؤثرة لطفل فلسطيني يقف أمام بنايتهم التي سويت بالأرض ينظر إليها وهو يتجرع آلامه وحده، لكنك عندما تنظر إلى عينيه ستجد بريقاً غريباً كله صمود وتحدٍ فلقد لقنه والداه بأن هناك غدًا ينتظره بإذن الله تعالى سيصيغ من خلاله التاريخ، من رائحة الموت ومناظر الأشلاء، ومن قلب المعاناة سيُولد جيل البواسل الذين سيتسابقون لاسترداد حقوقهم، هذا وعد الله وسنن الحياة .
أطفال غزة اليوم يتحملون هذا الأذى مضاعفًا؛ فالناجون منهم يعانون مرارة الألم دون أن يستطيعوا أن يعبروا عن مشاعرهم تلك إلا بأحد أمرين إما الصراخ وعدم تقبل الأمر، وإما بالصمت المطبق الذي ينتابهم، منازلهم تهدم وآباؤهم وأمهاتهم يقتلون أمام أعينهم، ومن ينجو من هؤلاء الأطفال تحت هذا التصعيد والقصف للجيش الإسرائيلي وما يخلفه من أضرار جسيمة يصاب البعض منهم بحالة نفسية لا يعلمها إلا الله جراء المواقف والمشاهد التي حدثت أمامهم.
نعود لمشهد الطفل الذي ذكرناه في البداية ووقفته الصامتة أمام بنايتهم، لقد كان قبل قليل يجلس أمام التلفاز يشاهد الرسوم أو في غرفة الطعام يأكل طعامه أو في سريره نائماً وفجأة يجد نفسه بالشارع ولا يعلم كيف أنجاه الله من هذه الفاجعة الكبرى التي فقد فيها الأهل والمتاع، وبينما عويل الناس وصراخهم يرتفع بجانبه وهم ينقذون بعض الأطفال ويخرجونهم من تحت الأنقاض بشبه معجزة، ولقد اختلطت بمسامعه أصوات الجميع مع صفارات الإسعاف وهي تطلق رنينها غير المستساغ، اقترب اثنان من المسعفين منه ليطمئنوا عليه فلم يعرهم بالاً إنما أشار إليهم إلى طفل يحاول أن يخرج نفسه من تحت ركام البناية، لقد كان يتساءل هذا الطفل بينه وبين نفسه أين ذهب كل ما نملك؟ أين أبي؟ أين أمي؟ أين غرفتي وألعابي؟ بل أين أخواني وأصحابي؟ كثير من هؤلاء الأطفال يفضلون الصمت حتى لا يسمعوا الإجابات على كل تلك التساؤلات المريرة لأنهم أمام مشهد يُعبر عن نفسه أمام أعينهم ولا يحتاج الأمر شرحاً، فلا أب يضمه ولا أم تحنو عليه ولا أخ وأخت تقف بجانبه، بينما ألعابه وألعاب إخوته الأطفال وأقرانه من سكان البناية مبعثرة في كل مكان حوله، لقد أعدمت ذكريات طفولته أمام بنايتهم التي نسفت وذهبت معها أرواح من يحبهم ويحبونه إلى بارئها، هؤلاء الأطفال عزيزي القارئ ليسوا من كوكب آخر في صمودهم إنهم أطفال في أحلامهم مثلهم مثل حال أطفالنا إلا أنهم يحملون قضية كبرى على أكتافهم وفي أعناقهم منذ نعومة أظفارهم.
إن تلقين الأمهات الفلسطينيات لأبنائهن منذ الصغر للاستعداد لمثل هذه المواقف العصيبة منذ الصغر، وما يسردن عليهم بعد ذلك من قصص الأبطال والشهداء جعلتهم نموذجاً فريدا للأطفال في العالم أجمع، نعم إنهم أطفال حالهم كحال باقي الأطفال يحبون الحياة واللعب ويحبون الملابس الجديدة والفرحة بالأعياد والمناسبات وينظروا للهدايا بكل بهجة وسرور، لكنهم اليوم فاقدون لكل ذلك في ظل المجازر والمذابح الإسرائيلية.
في ظل هذا القصف الإسرائيلي المسعور والمجنون، تُسرق من هذا الطفل الفلسطيني أجمل لحظات عمره وتسلب منه كل أحلام طفولته، ولا يجد أمامه سوى مرارة الألم والصبر يتجرعها لوحده، قد يتعاطف البعض منِّا معه لبعض الوقت ثم ينساهم مع الوقت، لكن هناك أناس كرام بيننا يسارعون منذ هذه اللحظة لكفالة هؤلاء الأيتام عاجلًا أو آجلًا علهم أن يعالجوا جزءًا من هذه المأساة.
صدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (التكوير: 8).. ولن يُسأل الأطفال فقط يوم القيامة عن سبب قتلهم؛ بل حتى الرضع منهم، كما سُيسأل القتلة كذلك عمّا اقترفوه من جرم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حتى أنقذ نفسي أمام زوجي.. افتريت على إبنه الذي لا أطيقه في بيتي
تأخر قطار الزواج بالنسبة لي، فلم يمرّ بمحطتي إلا وأنا في خريف العمر، رجل أرمل له إبن يحيا في كنفه.
ميسور ماديا وله بيت كبير يحيا فيه بعد أن غادر والديه للعيش في الريف.
فلم يكن أمامه إلا أن يبحث عمن تبتغي السترة وترغب في أن تكمل مشوار حياتها. إلى جانب من يحترمها ويقدرها مقابل أن ترعاه وترعى قرة عينه الوحيد.
في البداية استغربت لعمق العلاقة التي كانت بين زوجي وابنه، هذا الأخير الذي كان بمثابة الأمر الناهي في البيت.
صحيح أنه متخلق ومهذب، إلا أنني وكوني أنثى ولعلمي من أنني لن أتمكن من الإنجاب. حتى أحظى بشرف أن أصبح صاحبة القرار في البيت الذي أحيا بين جدرانه. من دون أن يكون لي غير الاحترام نصيبا جعل نار الغيرة تتقد في قلبي. لدرجة أنني فكرت في أن أخلق السواد في قلب زوجي تجاه إبنه.
الفرصة كانت بحاجة أهلي للمال بغرض تسوية بعض الأمور العالقة، فمنحت لهم مجوهراتي ليتصرفوا بها ويؤمنوا لأنفسهم ما يرغبون فيه.
ولإدراكي متأخرا من أن زوجي سيغضب مني أو قد يعايرني لأنني أعلت أهلي في حاجتهم من صيغة أهداها لي بعد زواجنا. قمت بالافتراء على ابنه كذبا بأنه سرق مجوهراتي لأنه لا يريدني مكان أمه.
فصدق زوجي الكذبة وقام بطرده من البيت، وأنا اليوم خائفة من أي شيء قد يحدث لي. فحبل الكذب قصير جدا وقد تدور ضدي عجلة الحياة فيعاقبني الله. إن أخبرت زوجي بما إقترفته فقد يطلقني، وإن بقيت على صمتي فضميري يؤنبني.
الحائرة س.نبيهة من الشرق الجزائري.
الرد:صدقيني سيدتي أنا جد متأسفة على تصرفك هذا، لانه لا يليق بامرأة منحها رجلا ثقته وأعطاها اسمه واستأمنها على بيته وابنه.
فبدل الغيرة والتخطيط بهذه الطريقة المخزية كان لابد عليك أن تجدي سبلا لمد جسور التفاهم بينكما وخلق أجواء لطيفة في البيت.
لكن بعد أن حصل ما حصل جيد أنك تشعرين بتأنيب الضمير بسبب خطأ جسيم اقترفته في حق هذا الابن الذي لا يملك سوى الله وكيلا.
فهو يتيم كان يحيا على حب والده وعطفه بعد أن فقد حنان أمه، لا يملك سوى دعوة تسافر من قلبه المنهك لتستوطن عنان السماء.
شاب ضربته في الصميم فانقلبت حياته رأسا على عقب فقط لتنجي نفسك، فلم تنالي أنت سوى الحيرة والقنوط.
لا أجد تفسيرا لما إقترفته في حق هذا الفتى الذي لا يعلم سوى الله بمدى حزنه وألمه، سوى أنك أخطأت كثيرا.
كما سيكبر خطأك ويصبح فادحا إن أنت لم تتراجعي عنه ولم تقدمي على مصارحة زوجك بالأمر. ما سيجعلك في قمة الحسرة إن أصاب الفتى مكروه أو حتى زوجك.
لذا ومن باب الأمانة حاولي أن تخبري زوجك بما قمت به مستسمحة إياه على ما جعلك الشيطان تقدمين عليه مبدية ندمك وحسرتك.
كما أنه عليك أن تتصرفي وأنت في سنك هذا بمبدأ المسؤولية، فقد ذكرت في رسالتك أن أمل إنجابك قليل.
فلتدركي أن الله حباك بهذا الفتى الذي يجب أن تكوني له الحضن الدافئ والقلب الحنون والسكينة بعد أن فارقت والدته الحياة. وبعد أن كان شرط والده للارتباط بك أن تقبلي به في حياتك ومهما كان.
لذا فعليك مصارحة زوجك وطلب السماح منه ومن ابنه وتحمل عاقبة هذا التصرف الذي نأمل أن يكون حميدا. حتى لا تعيشي عذاب هذا الافتراء طيلة حياة، غفر الله لنا ولك.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور