لجريدة عمان:
2025-01-08@14:07:25 GMT

هناك إبادة جماعية تحدث!

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

ما الذي تقوله الصورة في هذا الهزيع المتأخر من ليلِ غزة؟ وما الذي يدور هناك، ما الذي يدور ما بعد الصورة في ليل بلا كهرباء؟ في واقع الأمر، فإنه لا المصورون ولا الصحفيون ولا العالم المتفرج يعرفون شيئًا أبعد من ذهول الصورة التي تشظت إلى صور وشظايا منذ الساعات الأولى من صباح سبت السابع من أكتوبر، التي بلغت مع الفجر الذي أكتب فيه هذه السطور (السبت، 14 أكتوبر) أكثر ساعات الكارثة التباسًا وعتمة في تلك الأرض المُقتطعة من الأرض بعدما قطع عنها لصوص المكان والزمان شرايين والماء وخطوط الكهرباء.

وإذا قيل إن أول ضحايا الحرب هي الحقيقة؛ فسأقول إن الحقيقة الوحيدة هي التي تحدث الآن هناك، لا في دهاليز السياسة المغلقة. كلُّ الحقيقة هناك لا في مكان آخر، هي من نصيب الضحية وحدها، هي حظ الضحية وسرها المدفون معها بعد الصرخة التي أحرقت النجوم - «لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ» قبل أن تنطفئ تلك الصرخة تحت جحيم الطيران ورعد المدفعية وبرق البوارج، تنطفئ لتحشر العالم بعدها في دوي هذا الصمت الكوني الأعمى.

أما نحن، البعيدون الواقفون خارج إطار الصورة المتشظية، فليس لنا سوى الكلام الذي لم يتحرر بعدُ من فصحى الخطابة وعبء الاستعارة، شهودًا أمام الحقيقة والحق من مقاعدنا الباردة في ظلام المسرح، نكتشف أنفسنا كأسرى لهذه الفُرجة المهينة على شعب من 5 ملايين نسمة ونصف يساقون في هذه الساعات لإبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة والبث الحي، حيث ستعاد صياغتهم كضحايا ضروريين لهذه الحرب، ليصبحوا عما قريب مجرد عدَّاد أرقام يتفاقم كل دقيقة، إلى حين تتعب المستشفيات ووسائل الإعلام من إحصاء الشهداء فردًا فردًا، قبل أن تعود لتشرع بإحصائهم مُجملين في أسماء عائلات تباد بأكملها من السجلات.

لا حاجة لنا الآن بالحديث أكثر عن مشاعر جماعية -يعتبرها البعض ثورية- مثل الكرامة والشرف و«النخوة العربية» ونصرة المستضعفين، تلك المشاعر التي يبدو أنها تراجعت مع الزمن وتبلدت من قلة الاستعمال، أو ربما من كثرة الاستعمال والاستهلاك في الخطاب السياسي. ولا وجدوى في هذا المقام، ولا وقت؛ لأن نُذكر من لا يرعوي ولا يتذكر، من الكبار والصغار، بالعيب وضرورة الخجل والحياء والتيمم بالصمت المحتشم حين يجف ماء الوجه، فالسؤال الضروري هذه الأيام هو ذلك الذي يرتد إلى بئر القلب ليفتش عن أضعف الإيمان فينا، عن رفض القلب لأبشع ألوان الإهانة الأخلاقية والحضارية والسياسية في التاريخ المعاصر- ولندع البطولات والشرف والمجد لأهلها، أهلنا الصامدين المعاندين في القطاع وفي سائر الأرض المحتلة.

ولكن كم مرةٍ سيتكرر هذا المشهد المُكرر بلا هوادة! إسرائيل تقصف بجحيمها الجوي والبري والبحري القطاع المحاصر منذ 16 عاما بأربعة آلاف طن من المتفجرات، منذ السبت حتى الخميس الماضي فقط، هذا وفقا لبيان جيش الاحتلال نفسه. ومرة أخرى، خلال عمر صغير أشاهد هذا المشهد الذي يتكرر في حياتي للمرة السابعة على الأقل، وأحاول أن أحصي وأتذكر، حتى لا ينال التكرار من ذاكرتي، سبعَ حروب مباشرة شنتها إسرائيل على غزة، أخذت في الغالب عناوين توراتية تريد إسرائيل من خلالها أن تحشر الصراع في سياق ديني، فارضةً على المقاومة أن ترد عليها بعناوين مضادة من معجمها القرآني.

أما ما يحدث في هذه الأثناء فهو استئناف للنكبة الفلسطينية المستمرة، ولكن لن يذبح الفلسطينيون في وديان الصمت هذه المرة كما ذبحوا وشردوا عام 1948، بل علنًا وعلى رؤوس الأشهاد. ولكن ماذا بعد أن نسأم من متابعة يوميات الجريمة/ الفضيحة العلنية على شاشات الأخبار وعلى شبكات التواصل المعولمة؟ سنعود إلى مخادعنا لنحاول أن نرمم ما يمكن ترميمه من الضمير الذي نخاف عليه كل يوم من أثر الاعتياد والتكرار في هذا الروتين الدموي الثقيل والبطيء، ولنسأل عن بقايا «الإنسانية» فينا، هذا المصطلح الذي لا أذكر أنه استهلك في الإعلام، وفي حبر المثقفين وخطب السياسيين، كما استهلك طوال هذا الأسبوع، وذلك على أثر كذبة سافرت من تل أبيب إلى واشنطن في اتصال هاتفي يحكي فيه نتانياهو لبايدن عن «إرهابيين يقطعون رؤوس الأطفال» في غلاف غزة، ليطلق الأخير الكذبة من على منبر البيت الأبيض كمن سمع وشاهد بأم عينيه، في خطاب سيذكره التاريخ من بين أسوأ خطب أمريكا للعالم في تاريخها.

لكن الصراع على السردية والمفهوم يشي بما هو أبعد من الحرب على الأرض، ويكشف عن صراع دائر داخل اللغة. وهنا يكتشف العربي غياب التنظير المضاد والفلسفة المضادة القادرة على إنتاج مفاهيم مقابلة للمفهوم الحصري الغربي الذي يُصدِّق على جواز الإنسانية بختم أمريكي ويسحبه حين يشاء.

أخيرًا، لا ننسى أن الإبادة الجماعية التي تحدث في هذه الأثناء داخل القطاع المحاصر، والمستمرة منذ أسبوع كامل تحت إشراف أمريكي وغربي، بدعم عسكري وسياسي ولوجستي مباشر، هي محاولة يائسة من حكومة الحرب الفاشية في إسرائيل، بزعامة نتانياهو وغانتس، هدفها المعنوي الأول هو محو انتصار المقاومة الإسلامية على غرور القوة الإسرائيلية في معركة طوفان الأقصى التي جاءت متزامنة مع الانتصار الكبير الذي سطره أبطال الجيش المصري في ذات الموعد من أكتوبر عام 1973، دون أن ندري حتى اللحظة إن كان هذا التزامن موقوتا عن سابق قصد وترقب من قبل المقاومة، أم أنه حدث جاء بمحض الصدفة التاريخية المذهلة، إلا أن أكتوبر، في الحالتين، سيبقى موسم شؤم لدى الإسرائيليين، وستبقى صبيحة السابع من أكتوبر أمثولة شاخصة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني «لم تُنسَف فيها تحصينات إسمنتية فحسب، بل أيضا حصون فكرية من الأفكار التنميطية المُسبقة». كما كتب عزمي بشارة قبل أيام.

سالم الرحبي شاعر وكاتب

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من جباليا.. رئيس أركان إسرائيل يتوعد باستمرار إبادة غزة

غزة – ​​​​​​​توعد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، مساء الثلاثاء، باستمرار حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة حتى إعادة الأسرى منه.

وأجرى هاليفي تقييما للوضع في جباليا شمال غزة، رفقة قائد القيادة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان، وقائد الفرقة 162 العميد إيتسيك كوهين، وقادة الألوية المقاتلة في القطاع، وفق بيان للجيش.

وقال هاليفي من جباليا: “لن نتوقف، سنوصلهم حركة الفصائل إلى نقطة يفهمون فيها أنهم بحاجة إلى إعادة جميع المختطفين”.

وتحتجز تل أبيب في سجونها أكثر من 10 آلاف و300 فلسطيني، فيما تقدر وجود 100 أسير إسرائيلي بقطاع غزة، في حين أعلنت حماس مقتل عشرات من الأسرى لديها في غارات عشوائية إسرائيلية.

وأضاف أنه إذا لم تطلق حماس سراح الأسرى “سيكون هناك مزيد من الأسرى (الفلسطينيين) والقتلى”.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل بدعم أمريكي حرب “إبادة جماعية” على غزة أسفرت عن أكثر من 155 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

ويأتي وعيد هاليفي في وقت تتصاعد فيه دعوات داخل إسرائيل إلى إنهاء حرب الإبادة في غزة فورا، لعدم تحقيقها أهدافها وللحيلولة دون مقتل مزيد من العسكريين والأسرى الإسرائيليين دون جدوى.

والثلاثاء، قال اللواء غيورا إيلاند إن الطريق إلى إنهاء حكم حركة الفصائل في غزة “ليس من خلال الحل العسكري الذي لم يثبت فعاليته”.

ويعتبر إيلاند مهندس ما تُعرف بـ”خطة الجنرالات”، التي تدعو لمحاصرة شمال غزة وتهجير الفلسطينيين من المنطقة تحت قصف دموي وحصار تجويعي مشدد، وهو ما ينفذه الجيش بالفعل منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي دون إعلان رسمي.

وقال إيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، لإذاعة “94 إف إم” العبرية: “يتعين على إسرائيل أن تعلن استعدادها لإنهاء القتال في غزة مقابل عودة جميع المختطفين”.

وحذر من أن “استمرار الوضع الحالي لن يؤدي سوى إلى مقتل مزيد من المختطفين والجنود (الإسرائيليين) ولن يحقق شيئا”.

كما قال زعيم حزب “الديمقراطيين” المعارض يائير غولان، عبر منصة “إكس” الثلاثاء، إن كل جندي إسرائيلي يُقتل في غزة “شهادة على الإهمال السياسي والأمني للحكومة”.

وتابع غولان أن “الحرب في غزة انتهت منذ زمن”، وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم تقم بأي خطوات سياسية “رغبة في البقاء بالسلطة وأوهام الاستيطان بالقطاع”.

كذلك دعا زعيم المعارضة يائير لابيد إلى إنهاء الحرب، معتبرا أن بقاء الجيش في غزة “يجعلنا لا نعقد صفقة شاملة لإعادة المختطفين ويتعارض مع المصالح السياسية والأمنية لإسرائيل”.

وتتهم المعارضة نتنياهو بالاستمرار في حرب الإبادة خوفا من فقدان منصبه، إذ يهدد وزراء متطرفون بالانسحاب منها وإسقاطها في حال إنهاء الحرب.

لكن المعارضة ليست وحدها التي تطالب نتنياهو بوقف الحرب فورا، بل أيضا مقربون منه، وبينهم ناتان إيشيل المدير السابق لمكتبه (2010- 2012).

وكتب إيشيل، في مجموعة تضم مقربين منه عبر تطبيق “واتس اب”، إن “استمرار الحرب يحصد خسائر فادحة في أرواح الجنود، دون تحقيق نتائج تذكر في عودة المختطفين أو الأهداف الأمنية”.

وأضاف: “لذلك لا يوجد أي منطق في استمرار الحرب في قطاع غزة، وبالتالي يجب أن تتوقف فورا”.

وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • واشنطن تتهم قوات الدعم السريع السودانية بارتكاب "إبادة جماعية" في دارفور  
  • أطفال يموتون من البرد.. “أونروا”: مشافي غزة باتت “مقابر جماعية” ويجب وقف الحرب
  • من جباليا.. رئيس أركان إسرائيل يتوعد باستمرار إبادة غزة
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة وتُعلن وقوع إبادة جماعية في السودان
  • إبادة دون حرب.. مسؤول إسرائيلي سابق يقترح خطة لإنهاء القتال في غزة
  • واشنطن تتّهم “الدعم السريع” بارتكاب إبادة جماعية في السودان وتفرض عقوبات على زعيمها
  • الولايات المتحدة تقول إن قوات الدعم السريع سودانية ارتكبت إبادة جماعية وتفرض عقوبات على زعماء الجماعة
  • أمريكا تتهم "الدعم السريع" السودانية بارتكاب "إبادة جماعية"
  • أمريكا تفرض عقوبات على الدعم السريع بسبب إبادة جماعية خلال حرب السودان
  • بلينكن: واشنطن تأكدت من ارتكاب ميليشيا الدعم السريع إبادة جماعية في السودان