نوافذ: تلفظ أنفاسها الأخيرة
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
«يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال»، لم يكن هذا الرأي تعليقًا على عملية «طوفان الأقصى» الأخيرة التي كتبتْ صفحة جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وإنما اعتراف عمره سبع سنوات كتبه الكاتب الإسرائيلي آري شبيت عام 2016 ونشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.
المثير للتأمل هنا، أن هذا الرأي المتنبئ بنهاية إسرائيل ليس جديدًا، لكن الإسرائيليين والصهاينة لا يتذكرونه إلا عندما يتلقون ضربات المقاومة الموجِعة. ونستذكر هنا على سبيل المثال ما جاء في مقال للباحث المصري الراحل عبدالوهاب المسيري صاحب موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» بعنوان «نهاية إسرائيل» (نشِر في «الجزيرة نت» في 18 سبتمبر 2006م) من أنه في أوج حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 والصمود المشرف للمقاومة اللبنانية؛ نشر الصحفي الإسرائيلي يونتان شيم مقالًا متشائمًا في صحيفة معاريف (في 17 أغسطس 2006م) بعنوان: «أُسِّستْ تل أبيب في عام 1909، وفي عام 2009 ستصبح أنقاضًا» وجاء في المقال أنه «قبل مائة عام أقاموا أولى المدن العِبرية، وبعد مائة عام من العزلة قُضِي أمرها».
إلى هنا، لا يبدو ما يكتبه الإسرائيليون عن «دولتهم» المزعومة وهشاشتها واحتمالات زوالها مثيرًا للدهشة، فهم يرون بأمهات أعينهم كل عدة سنوات ما يواجه كيانهم المحتل لأرض فلسطين من بسالة المقاوِمين، الذين كلما ضُيِّق عليهم ابتكروا طرقًا جديدة للمقاومة تثير إعجاب العالم ودهشته. لكن أن يأتي هذا التشاؤم من مؤسس إسرائيل وعقلها الاستراتيجي ديفيد بن جوريون فهذا بالفعل ما يدعو للتوقف قليلا. فقد أورد الباحث اللبناني سركيس أبو زيد في كتابه «إسرائيل إلى نهايتها» نقلًا عن السياسي ناحوم جولدمان، وهو أحد مؤسسي إسرائيل أيضًا ورئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، وكان صديقا لـ«بن جوريون»، أورد تنبؤًا من هذا الأخير بنهاية إسرائيل، وهي لم تتجاوز عامها الثامن بعد. إذ يروي جولدمان في كتابه «المفارقة اليهودية» تفاصيل لقاء ليليّ طويل جمعه في منزل بن جوريون سنة 1956، وُصِفَ بــ«لقاء البوح الخطير». يكتب جولدمان: «في تلك الليلة الجميلة فتح كل منّا قلبه للآخر، وكان حديثنا حول مشكلتنا مع العرب. أنا لا أفهم سبب تفاؤلك، قال لي بن جوريون. بنظري لا يوجد أي سبب يشجع العرب على إقامة سلام معنا. ولو كنتُ، أنا شخصيا، زعيمًا عربيًا لما وقّعت على شيء مع إسرائيل، وهذا طبيعي جدًّا، إذْ نحن الذين قمنا بالسطو على بلدهم»، ثم يضيف: «إنهم لا يرون سوى شيء واحد: لقد جئنا وسرقنا بلدهم. فلماذا عليهم أن يقبلوا بذلك؟».
ليس هذا كل ما قاله بن جوريون، فقد نقل عنه جولدمان ما هو أخطر: «اسمع يا ناحوم. لقد أصبحتُ على مشارف السبعين من عمري. فإن سألتَني ما إذا كان سيتم دفني، إثر موتي، في دولة إسرائيل لقلت لك نعم. فبعد عشر سنوات أو عشرين سنة ستبقى هنالك دولة يهودية. ولكن إذا ما سألتَني ما إذا كان ابني عاموس، الذي سيبلغ الخمسين من عمره في أواخر السنة الجارية (1956)، سيكون له الحظ أن يدفن بعد موته في دولة يهودية فسوف أجيبك: 50/50». قاطعه جولدمان: «كيف لك أن تنام على هذا التوقع فيما أنت رئيسٌ لحكومة إسرائيل؟!» فأجاب بن جوريون بهدوءِ من يحذّر من الآتي: «من قال لك إنني أعرف ما هو النوم يا ناحوم»!
علينا أن نتذكّر هنا أن بن جوريون مَثّل في تاريخ إسرائيل «القابِلة»، والأم الحنون، والعقل المفكّر الذي ينظر إلى بعيد البعيد، وهو صائغ استراتيجيتها للأمن القومي، كما أنه صاحب العبارة الممتلئة تفاؤلًا ببقاء الكيان المحتل عندما قال عن الفلسطينيين إن كبارهم سيموتون والصغار سينسون، فإذا كان هذا هو استشراف مؤسس إسرائيل لمستقبلها وهي طفلة في عمر ثماني سنوات، فإن علينا ألا نندهش عندما يقول إسرائيلي اليوم ممن مَرّغت المقاومةُ الفلسطينية الباسلة أنوفهم في الوحل إن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بن جوریون
إقرأ أيضاً:
طائرة المساعدات المصرية التي وصلت دمشق لن تكون الأخيرة (فيديو)
رصد مراسل القاهرة الإخبارية من دمشق، اللحظات الأولى لوصول طائرة المساعدات المصرية إلى سوريا، وعلى متنها 15 طنا من المساعدات، موضحًا أنه وصلت أول طائرة مصرية إلى مطار دمشق وهي تحمل مساعدات غذائية وطبية وإنسانية إلى سوريا، مشددًا على أن طاقم السفارة المصرية في العاصمة السورية دمشق ومسئولين من الهلال الأحمر العربي السوري وإدارة عمليات المطار استقبلوا الطائرة في مطار دمشق لبدء توزيعها.
خبير: مصر تتعامل بحذر مع ما يحدث داخل سوريا القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا يوجه دعوة لرئيس الحكومة اللبنانية لزيارة سوريا الجسر الجويوأوضح خلال رسالة على الهواء من مطار دمشق، عبر شاشة «القاهرة الإخبارية»، أن هذه الإجراءات تأتي في إطار الجسر الجوي الذي بدأ منذ أول أمس بوصول عدد من طائرات المساعدات العربية، مشددًا على أنه بحسب ما صرح به المسؤولين في السفارة المصرية بدمشق تم التأكيد على أنه سيكون هناك عدد من المساعدات الأخرى خلال الفترة المقبلة.
طائرة المساعدات المصريةوأشار إلى أن طائرة المساعدات المصرية لن تكون الأخيرة وسف تتبعها شحنات من المساعدات عن طريق البحر أو الجو، موضحًا أن الجميع يعلم أنه كان لمصر الدور الأكبر في إرسال المساعدات إلى سوريا في وقت الزلزال الذي ضرب سوريا منذ عامين.
وشدد على أن الهلال الأحمر السوري سيتولى عملية توزيع المساعدات المصرية على الأشقاء في سوريا.
جدير بالذكر أن الدكتور محمد سيد أحمد، الخبير بالشأن السوري، قال إن موقف مصر تجاه الأزمة السورية واضح وثابت، فهو يعبر عن رفض قاطع لتقسيم سوريا أو المساس بوحدة أراضيها وشعبها.
هناك مؤامرات تستهدف الأمن القومي العربيوأضاف الدكتور محمد سيد أحمد، في مداخلة هاتفية لبرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، مصر تتعامل بحذر مع ما يحدث داخل سوريا في الوقت الراهن، مدركة تمامًا أن هناك مؤامرات تستهدف الأمن القومي العربي، لذلك، تعمل بكل طاقتها لمنع تفتيت سوريا أو جرها إلى مستنقع الحرب الأهلية أو الصراعات الداخلية التي قد تحولها إلى نموذج مشابه لما حدث في لبنان، العراق، السودان، أو أفغانستان.
وتابع:" وفي سياق التحديات الراهنة، تنتقد مصر التعديلات المفاجئة التي تُجرى على المناهج الدراسية في سوريا، والتي تعكس توجهات خطيرة تهدف لإعادة البلاد إلى الوراء قرونًا وترى مصر أن هذه المحاولات قد تمهد الطريق لجعل سوريا نسخة أخرى من الدول التي تعاني الفوضى والصراعات المستدامة ومن هذا المنطلق، تحذر مصر من تلك المخططات وتؤكد دعمها الكامل للشعب السوري ووحدة أراضيه، مشددة على أنه لا يمكن القبول بأي مشروع يتعارض مع هذه المبادئ.