إسرائيل .. كيان استعماري
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
حمد الحضرمي **
دأب الكيان الصهيوني منذ تأسيسه على أراضي فلسطين العربية عام 1948م، على ترويج مجموعة أكاذيب مزيفة لتجميل صورته وتبرير شرعيته كدولة؛ فعلى مدى أكثر من سبعين عامًا يقدم الكيان الصهيوني نفسه بوصفه دولة ديمقراطية، لكن سياساته الاستيطانية العنصرية وعمله على تهويد كيانه، وضعت صورة هذا الكيان أمام مأزق تاريخي، لأنه يتنافى مع المشروع الصهيوني ومع سياسات التهويد التي يمارسها الكيان الصهيوني كل يوم، ويتنافى أيضًا مع ممارساته العدوانية اليومية في مواجهته أبناء البلد الأصليين في كامل الأراضي الفلسطينية.
والصهيونية حركة استعمارية استيطانية، فالمؤسسات الصهيونية العلمانية، الاشتراكية وغير الاشتراكية، لم يخطر لها ببال استيعاب الفلسطينيين، فاليهود العلمانيون منذ بداية تأسيس الصندوق القومي اليهودي منعوا بيع الأراضي لغير اليهود، ويتبين من ذلك أن الكيان الصهيوني ليس دولة يهودية، وإنما كيان استعماري استيطاني احتلالي، وحرب الفلسطينيين ضدهم ليس لأنهم يهود، وإنما لأنهم محتلون، فالقضية هي قضية احتلالهم أرض فلسطين وليس يهودية كيانهم ودولته المزعومة.
والخطاب اليهودي يتناقض مع الديمقراطية ليس بوصفه دينًا فحسب، وإنما بوصفه ديانة يهودية على وجه التحديد، كما إن الخطاب الإسرائيلي يظهر إسرائيل كدولة احتلال تُمارس قمعًا ممنهجًا بحقوق الشعب الفلسطيني، فالكيان الصهيوني يمارس على الأرض سياسة تمييز عنصري؛ الأمر الذي يتناقض تمامًا مع المبادئ والقيم الديمقراطية. لقد أقيمت إسرائيل على أرض مدعية بأنها لها نتيجة وعد إلهي، ومارست خلال احتلالها شتى صنوف الإرهاب والقمع من قتل وتشريد واعتقالات بمئات الآلاف من الفلسطينين ومصادرة الأراضي والممتلكات والحريات، واستبدلت أسماء الشوارع العربية بأسماء يهودية، ورغم كل هذه التصرفات العدائية، فهي مصرة على الإعلان عن نفسها أنها دولة ديمقراطية.
لقد جاهرت الصهيونية منذ بداية مشروعها بعدائها للعرب، وأعربت عن نيتها القيام بتهجيرهم من فلسطين، وأنها تسعى للتوسع، لأنَّ بعض القادة الصهاينة أعلنوا بأن الوطن اليهودي يشمل ضفتي نهر الأردن، بينما تعلن منظمات أحزاب اليمين أن إسرائيل الكبرى يجب أن تمتد من النيل وحتى الفرات. وقد جاءت الحروب الإسرائيلية منذ 1948م وحتى اليوم لتؤكد طبيعة إسرائيل العدوانية والتوسعية الهادفة إلى بسط هيمنتها على المنطقة برمتها، وتحويل إسرائيل إلى إمبراطورية دينية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن رؤساء الولايات المتحدة أصروا منذ سنة 2007م على أنه ينبغي على العرب والفلسطينيين الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية. وقد قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب- الذي تم الإعلان عن صفقة القرن في ظل ولايته، والذي يوصف بشدة عدائه للفلسطينيين- بتهديدهم إن رفضوا الصفقة. وتهدف صفقة القرن التي صيغت بأيدٍ إسرائيلية وليس للولايات المتحدة فيها أي دور سوى تبنيها والإعلان عنها رسميًا، إلى تصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل. وتهدف صفقة القرن إلى إلغاء حق العودة للاجئين في الشتات، عبر إنهاء دور منظمة الأونروا، من أجل ضمان عدم تفوق أعداد الفلسطينيين على الأقلية اليهودية، وقد قامت الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب على تنفيذ العديد من القرارات التي تدعم إسرائيل وتدمر القضية الفلسطينية، ومن هذه القرارات التدميرية، الإعلان في 6 ديسمبر 2017، عن أن مدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وفي 14 مايو 2015 نُقلت السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وفي 10 سبتمبر 2018 أُغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وغيرها من القرارات التي تدعم إسرائيل وتدمر القضية الفلسطينية.
إن عملية طوفان الأقصى الذي زلزلت الأرض تحت أقدام الكيان الصهيوني وجيشه منذ أسبوع مضى، والتي مثلت عنصر مُفاجأة كبيرة للاحتلال الإسرائيلي من خلال الهجوم الاستراتيجي الدقيق النوعي في الكم والكيف للقاومة الفلسطينية، خير دليل على أن هذه المقاومة لم تمت ولن تنتهي، إلّا بتحرير كامل الأراضي الفلسطينية. نعم إن فارق القوة العسكرية بين الطرفين كبير، ولكن بصمود المجاهدين الأحرار في وجه عدو الله وعدوهم سيمكن الله لهم النصر والغلبة، مصداقًا لقول الله تعالى "وإن جندنا لهم الغالبون" (الصافات: 173) وقوله تعالى "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" (المنافقون: 8) فجند الله لهم الغلبة بالسيف والسنان وبالحجة واللسان، وذلك أن ربهم معهم يؤيدهم ويقويهم "إن ينصركم الله فلا غالب لكم" (آل عمران: 160).
يا إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين بأسرها، تمر عليكم في هذه الساعات والأيام أوقات صعبة قاسية، وهي فترة ابتلاء، فعليكم بالصبر يا أيها الرجال الأبطال المجاهدون الأحرار، واعلموا أنها مشيئة الله، وما من شيء يحدث من رخاء وشدة وخوف وأمن وصحة ومرض وحرب وسلم، إلا كله بمشيئة الله تعالى. إنها محنة تعيشونها، والبلايا والشدائد والنوازل والمحن يكشف الله بها عما في القلوب وتظهر بها مكنونات الصدور، وقد تبين التضامن الشعبي العربي الكبير مع إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين، لكن للأسف الشديد كان موقف الأنظمة العربية ضعيفًا، أما أنتم أيها الرجال المرابطون في غزة وفلسطين قد أثبتم للعالم أنكم أبطال أصحاب قضية حق ولم ولن تستسلموا، فغايتكم النصر أو الشهادة؛ لأنكم لا ترضون بالضيم ولا بالظلم ولا بالقهر، وستكون بإذن الله تعالى ومشيئته كلمة الله هي العليا وكلمة الصهاينة الذين كفروا هي السفلى، وسيكون لكم النصر يا المجاهدين الأحرار نصرًا عزيزًا وستحررون المسجد الأقصى وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة من أيدي الصهاينة المغتصبين.
إنَّ التاريخ قد سجل لنا أن اليهود يحملون في قلوبهم على المؤمنين الحقد والغل والكره والحسد والروح العدائية، فلا ننسى يهود بني قينقاع ولا يهود بني النضير ولا يهود بني قريظة؛ لأن اليهود هم اليهود فقد خانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل ونقضوا عهدهم معه، وأعانوا الأحزاب وساندوهم ضد المسلمين، وهذا ديدن اليهود الخيانة والمكر والخداع والغدر على مدار التاريخ، لأنهم فاسدين ومفسدين وأصحاب نفوس ضعيفة وقد جاؤوا لقتل المؤمنين وتدمير الحضارة الإنسانية، وسوف ينالون جزاءهم المستحق وستقع عليهم العقوبة الإلهية بسبب مكرهم وغدرهم وخيانتهم ونقضهم للعهود والمواثيق، ولن تمنعهم حصونهم من الله وستكون عليهم لعنًة ووبالًا وستقودهم مغامراتهم الطائشة إلى الهزيمة والخزي والعار.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأسر الفلسطينية .. صمود في وجه صقيع الشتاء والعدوان الصهيوني المستمر
الأسرة / خاص
الالتفاف حول الظروف القاسية هو أبرز صمود واستبسال الأسر الفلسطينية رغم كل ما يحل بها من قتل ودمار وخراب ورغم الجرائم الابادية التي يمارسها الكيان الصهيوني بدعم أمريكي بهدف إبادة الشعب الفلسطيني ودفع السكان والعائلات إلى ترك أرضهم وديارهم وتهجيرهم قسريا، لكن الكيان المحتل يسجل كل يوم فشلا جديدا على صعيد تحقيق أهدافه والسبب هو صمود واستبسال الأسر الفلسطينية الثابتة، رغم الخراب والدمار والقتل الإسرائيلي والاستهداف المباشر والكثيف للمنازل والعائلات ومعاناة التهجير القسري.
كثيرة هي الأسر الفلسطينية التي تعيش الآن صقيع الشتاء والصمود أمام نيران العدو الصهيوني، حيث بات أبناء هذه الأسر الفلسطينية يدركون انه لا تهاون ولا انكسار ولا فزع ولا هروب، صامدون بوحه العدو رغم القصف المتواصل على رؤوسهم.
أمام كل هذه المجازر يسطر شعب فلسطين فصولا مشرفة في النضال والتحرر من نير الاحتلال والظلم والاستبداد ويعلن للدنيا عن وفاة كل الاتفاقيات الخاصة بحماية المدنيين أثناء الصراعات المسلحة وكافة المواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة، بما فيها القانون الدولي الإنساني الذي فشل فشلاً ذريعاً في إيقاف هذه الإبادة الجماعية.. التي تنفذ اليوم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، نساء فلسطين هن عنوان الدفاع عن الأرض والإنسان والتمسك بالحياة والنضال في سبيل الحرية والاستقلال.
تعلمت الأسر الفلسطينية الالتفاف على الظروف ومساعدة بعضها البعض، فطالما عاشت في ظل حصار محكم فقدرتها الفائقة في الوقوف أمام هذا المحتل انما هي من قوة إيمانها بالله التي تمدها بالصبر والقوة معا.
الأوضاع المعيشية والصحية في قطاع غزة لم تكن بخير طيلة العقود الماضية، ويعيش القطاع غزة الذي يعتبر من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم ويسكن فيه قرابة ثلاثة ملايين نسمة، أوضاعاً إنسانية صعبة ومعقدة منذ 75 عاماً ولكنها أخذت بالتدهور الشديد بعد اندلاع العدوان الصهيوني الحالي والذي استباح خلال الأشهر الماضية كل شيء في قطاع غزة وسفك دماء البشر هناك على نطاق واسع، كانت غزة تحت الحصار الصهيوني الخانق لنحو عقدين من الزمان، لكن ما تواجهه حاليا على يد حكومة الكيان المحتل الوحشية، هو حرب إبادة شاملة وجرائم حرب ضد الإنسانية لم تعرفها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية.. ناهيك عن حرمان ملايين المدنيين من حقوقهم الإنسانية الأساسية، ليجد الأطفال والنساء وذوو الإعاقة وكبار السن انفسهم أمام مخاطر جمة للبقاء على قيد الحياة، بينما تلاحقهم الصواريخ والقنابل الأمريكية والصهيونية في كل بقعة من القطاع .
ويقول مختصون إن ملايين الفلسطينيين اضطروا إلى ترك منازلهم رغم عدم توفر مأوى بديل، كما كانت عمليات الإجلاء مهددة للحياة ومعقدة للغاية من الناحية اللوجستية بالنسبة للعديد من الأشخاص بمن فيهم المقيمون في المستشفيات باعتبارهم يعتمدون على أجهزة دعم الحياة أو يحتاجون إلى الرعاية الحثيثة ومع ذلك ظل الفلسطينيون وفي مقدمتهم النساء والأطفال، متمسكين بحقهم في الحياة وفي العيش الحر الكريم ولم تستطع آلة القتل الصهيوامريكية أن تقهر عزيمتهم أو تكسر إرادتهم، فراحوا يواجهون الدمار الشامل لمنازلهم ولأحيائهم السكنية وجرائم القتل الواسعة والتدمير الممنهج لحياتهم بمزيد من الصمود والتحدي وعشق الحياة، مسطرين من وسط الركام وأشلاء أبنائهم قصة إنسانية عظيمة أذهلت شعوب الدنيا فراحت تبحث بدهشة عن سر عظمة وصمود واستبسال وإيمان هذا الإنسان ومدى عشقه للحياة وللحرية والكرامة .
ورغم أن الموت يحيط بأبناء غزة من كل حدب وصوب سواء جراء انعدام الماء والغذاء أو بسبب انتشار الأوبئة، إلا أن الموت بفعل القصف الصهيوني يمثل الخطر الأكبر بالنسبة لأهالي غزة، حيث يتزايد عدد الشهداء بشكل يومي إلى قرابة المئات، والذي يعتبر -بحسب مراقبين- واحداً من أعلى معدلات الضحايا بين المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية.. كما عملت الأسر الفلسطينية على تقنين شرب المياه وتقليص تناول الغذاء المتاح إلى وجبة واحدة فقط في اليوم بل والعيش على قطعتي خبز للفرد الواحد، كما تؤكد ذلك منظمات دولية.
وتؤكد وزارة الصحة الفلسطينية ان هناك عشرات الأسر في غزة قد أبيد جميع أفرادها وقد تم شطبها نهائيا من السجلات المدنية بفعل الغارات الوحشية الأمريكية الصهيونية التي مسحت أحياء سكنية بالكامل، لتمثل معدلات الضحايا واحدة من أعلى معدلات القتل والإصابة في أوساط المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية ومع ذلك ظل القلب الفلسطيني ينبض بالحياة وبعشق الكرامة والحرية والاستقلال.
أمام هذه الأعداد المهولة من الشهداء والجرحى من الشيوخ والأطفال والسيدات والمسالمين والعزل، وأمام هذه المجازر التي لم تراع أي ذمة أو عهد، أو معايير وضوابط أخلاقية وقانونية وبتواطؤ دولي يندى له جبين الإنسانية، يسطر الشعب الفلسطيني فصولا مشرفة في النضال والتحرر من نير الاحتلال والظلم والاستبداد.
الدوافع لصمود الأسر الفلسطينية منبعها إيمانها الصادق بالله المستقر في أعماق نفوس أفرادها وفي كل الأحوال تبقى الأسر الفلسطينية تضرب أروع الأمثلة للعالم بقدرتها على الصبر والتحدي والتصدي .