لماذا تنتظر إسرائيل حربا قاسية حال توغلت في غزة؟.. إيكونوميست تجيب
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
حرب "قاسية" تنتظر محاولة التوغل الإسرائيلي البري الجديدة، التي باتت "وشيكة"، ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة "حماس" قبل أسبوع، وسط تقديرات بأن القضاء على حركة المقاومة قد لا يكون ممكنا من دون احتلال مباشر للأرض.
هكذا يتناول تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، وترجمه "الخليج الجديد"، والذي يرجخ أن تكون محاولة الغزو البري هذه المرة "أكبر وأطول وأشد عنفا" من المحاولتين السابقتين.
وخلال السنوات الـ18 التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، غزت إسرائيل تلك المنطقة بقوتها وجبروتها مرتين، الأولى خلال عملية "الرصاص المصبوب" التي امتدت 15 يوماً من الاجتياح البري في يناير/كانون الثاني عام 2009.
أما الثانية، فكانت في عملية "الجرف الصامد" عام 2014، والتي أمضى فيها الجيش الإسرائيلي 19 يوماً في حرب برية.
وتتعرض غزة الآن لغارات جوية وقذائف المدفعية التي تشتمل على صواريخ يتم إطلاقها من البر والبحر، لكن القصف بات ينفذ على نطاق واسع وبقدر أقل من التروي أو التحذير المسبق مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الحملات السابقة.
ويقول مسؤولون إسرائيليون، إن الجيش لم يعد يطبق أسلوب "القذائف التحذيرية" والتي يحذر من خلالها سلاح الجو من غارات جوية عبر البدء بإطلاق ضربات لا تضر أحداً تستهدف بناء معيناً، ولكن حتى الآن، قتل ما لا يقل عن ألفي فلسطيني، معظمهم مدنيون، حسب ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
اقرأ أيضاً
إسرائيل تعلن بدء عملية توغل بري في قطاع غزة
خيارات
وحالياً، يدرس القادة السياسيون في إسرائيل مجال الهجمة البرية الثالثة، وأول خيار أمامهم هو تنفيذ اجتياح سطحي كذلك الذي تم في عام 2014، عندما استولى الجيش الإسرائيلي على الأراضي المتاخمة للحدود بهدف إغلاق الأنفاق التي تستخدم لتهريب الأغذية والمقاتلين والسلاح، إذ بقي الاجتياح عندئذ على تخوم المدن الرئيسية بهدف تجنب حرب المدن.
أما الخيار الثاني فهو خيار الاجتياح الأعمق بهدف احتلال مساحات أوسع من قطاع غزة، غير أن هذه المنطقة تتمتع بكثافة سكانية عالية، ويقطنها أكثر من مليوني نسمة.
كما قد يشتمل هذا الاجتياح اقتحام المدن، كما حدث في عام 2009، إلا أن هذين الخيارين غير كافيين بنظر الإسرائيليين، وذلك بسبب الكره الكبير الذي خلفته هجمات "حماس" في نفوس شريحة كبيرة من الإسرائيليين.
في مؤتمر صحفي، عقد صبيحة الثلاثاء الماضي، ذكر الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيكت، أن "مجال هذه العملية سيكون أكبر مما سبق وأشد ضراوة، أي إن العملية لن تكون نظيفة... لأننا سنعامل حماس بعدوانية شديدة للغاية".
كما تعهد القادة الإسرائيليون بضرورة تغيير هذا الأسلوب، بهدف تدمير "حماس" بدلاً من مجرد إضعافها كما حدث في السابق، إذ أعلن جلعاد إيردان، وهو المبعوث الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة أن "حقبة المنطق والتفكير مع هذه الاعتداءات الوحشية قد انتهت، وحان الوقت الآن لمسح البنية التحتية الإرهابية لحماس من الخريطة ولإبادتها كلياً، لئلا ترتكب فظائع كهذه مرة أخرى".
وبعد أن تناقلت قنوات الأخبار وقوع مجزرة مروعة في مستوطنة كفار عزة الواقعة جنوبي البلاد، ازداد المزاج العام حدة وعدوانية وتصلباً على موقفه تجاه ما يجري، كما ألمح بعض القادة لأسلوب العقاب الجماعي، إذ قال جنرال إسرائيلي: "لقد تحولت حماس لداعش وأضحى المدنيون في غزة يحتفلون بدلاً من أن يشعروا بالرعب... وسيجري التعامل مع الوحوش البشرية وفقاً لذلك".
اقرأ أيضاً
بدلا من الاجتياح البري.. إسرائيل تدرس نهج لينينغراد لتجويع حماس في غزة
جذور حماس
من جانبه، يقول دانيال بايمان من جامعة جورج تاون، إن حماس متجذرة بعمق في غزة، إذ أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الجمعيات الخيرية والمدارس والمساجد.
ويضيف: "من المستحيل فصل حماس عن غزة"، كما أن احتلال غزة من جديد أمر غير منطقي، فقد خرجت منها إسرائيل في عام 2005 بسبب الثمن الكبير الذي يترتب عليها دفعه في حال بقائها هناك.
أما في الضفة الغربية، فيرى بايمان أن إسرائيل تستغل السلطة الفلسطينية بما أنها منافسة لحماس لتصبح قوة مساعدة لها.
غير أن هذا الخيار ليس مطروحاً في غزة، كما أن الاستعانة بالجنود الإسرائيليين تعني نشر قسم كبير من الجيش هناك، وهذا سيؤدي إلى ظهور نقص في عدد الجنود الموجودين في الضفة الغربية التي تعاني من اضطرابات هي أيضاً.
ولهذا يعلق بايمان بالقول: "آخر شيء يريده السياسيون الإسرائيليون هو سقوط مستمر وتدريجي للضحايا الإسرائيليين في غزة، إذ سيحمل كل أسبوع في جعبته مزيداً من القتلى بين صفوف الجنود الإسرائيليين".
أما الخيار البديل، حسب "إيكونوميست"، فهو النسخة الموسعة من عملية "الرصاص المصبوب"، بيد أن الجيش الإسرائيلي لم يستعد لذلك بعد، إذ حشد عبر التعبئة العامة 360 ألف جندي احتياطي، أي العدد نفسه تقريباً الذي حشدته إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
اقرأ أيضاً
صحيفة عبرية: على نتنياهو تنفيذ صفقة تبادل أسرى فورية مع حماس والجهاد
نموذج الضفة
لكن غالبية هؤلاء الجنود ليسوا مدربين على القتال، بل سيعملون على دعم وحدات الاستخبارات وأسراب سلاح الجو والوحدات اللوجستية، ومن المرجح أن ينشر الجيش الإسرائيلي فرقتين مدرعتين وفرقة جوية أخف منهما، وكل منها ستكون مؤلفة من خمسة ألوية.
وبعض هذه القطعات تنتظر وصول دباباتها وغيرها من العربات المصفحة إلى مسرح العمليات المحيط بغزة، في حين تكبدت قطعات أخرى خسائر خلال الأيام الماضية، في أثناء قتالها مع "حماس".
وفي حال أصدر قادة إسرائيل أوامرهم بشن غزو واسع، فمن المرجح للواء أو اثنين من الألوية المدرعة المزودة بالدبابات أن تتقدم 6 كيلومترات غرباً لتصل إلى الساحل في شمالي أو جنوبي مدينة دير البلح، وذلك حتى تقسم غزة إلى قسمين.
كما قد يقوم لواءان أو 3 ألوية لا يتجاوز عدد رجالها بضعة ألوف، بالتركيز على القسم الشمالي الذي يشمل محيط مدينة غزة، في حين سيقوم لواء أو اثنان آخران بالتركيز على خانيونس أو رفح في الجنوب.
والهدف من كل ذلك، حسب "إيكونوميست"، هو استهداف "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، وهي جماعة مقاتلة أخرى مقربة من إيران، مع التركيز على القيادات والبنية التحتية التي يمكن أن تقصف من الجو، أو في المناطق التي يترتب على قصفها سقوط عدد كبير من المدنيين.
بيد أن لـ"حماس" أنفاقا في غزة تمتد مئات الكيلومترات، ولهذا ستصبح عملية تحديد مداخل تلك الأنفاق وقصفها أولوية بالنسبة للجيش الإسرائيلي.
اقرأ أيضاً
إعلام عبري: تحذيرات من إعدام جرحى فلسطينيين بمستشفيات إسرائيل
أما التحدي الأكبر فهو حرب المدن، لما يشوبها من فوضى واضطرابات.
ويشير التقرير إلى أنه في عام 2014، استعانت "حماس" بفرق هجوم صغيرة لكنها مدججة بالسلاح ومزودة برشاشات آلية، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات وقنابل يدوية، كما ارتدى بعض رجالها زي جنود الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان، وذلك لإيقاع قتلى حتى بين أفضل التشكيلات الإسرائيلية والمدرعة.
وينقل عن دراسة أجرتها مؤسسة "راند"، القول: "كانت المقاومة بارعة ضد القوات البرية الإسرائيلية، إذ تكيفت مع الظروف وعملت بشكل منظم، فكان الجنود على استعداد للدخول في قتال قريب مع القوات الإسرائيلية ولتنفيذ عمليات تسلل وكمائن بعزم وتصميم كبيرين".
وأمام ذلك، يلفت التقرير إلى أنه "لا بد أن تعتمد كثير من الأمور على ما تعلمته إسرائيل أو حماس من جولة القتال السابقة".
ويضيف: "الجيش الإسرائيلي سيتجرأ على الاجتياح بفضل خبرته السابقة في الضفة الغربية، إذ في يويو/تموز الماضي، اقتحمت كتيبتان صغيرتان مؤلفتان من ألف رجل مزودين بدبابات ومركبات قتالية مخصصة للمشاة، مدينة جنين لمدة 48 ساعة، فدمرتا العشرات من الأبنية التي يستخدمها المقاتلون، وقتلتا 12 فلسطينياً، أغلبهم مقاتلون، في حين خسر الجيش الإسرائيلي جنديين اثنين".
ويتابع: "إلا أن ما سيسهل مهمته في غزة، خسارة حماس لزهاء 1500 رجل خلال الاقتحام الذي نفذته، معظمهم من مقاتليها الأشاوس".
اقرأ أيضاً
الاجتياح البري بات محتوماً.. إسرائيل تتجهز للرد على طوفان الأقصى
وووفق التقرير، فإن الفضل في النجاح الذي حققته إسرائيل في جنين، يعود إلى التخطيط الدؤوب، وجودة الاستخبارات، والتحرك السريع، والتغطية المتواصلة للمسيرات.
قبل أن يضيف: "إلا أن ما حدث لا يمكن أن يتكرر في غزة، لأن التغطية هناك ستحتاج إلى عدد كبير من المسيرات، ولهذا قد يلجأ الجيش الإسرائيلي للعمل على مراحل، مع التركيز على بضعة أحياء في كل مرة".
ويتابع: "لا بد أن تلعب المسيرات دوراً مهماً في هذه الحملة بسبب تدمير حماس لعدد كبير من الكاميرات وأجهزة الاستشعار المرتبطة بقواعد برية حول غزة خلال الغارة التي نفذتها، وهنا لا بد أن نتحدث عن مقتل الكولونيل روي ليفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو قائد الفرقة النخبوية التي تعرف باسم الشبح في الجيش الإسرائيلي، وهي فرقة استطلاع سرية ومتخصصة في العثور على الأهداف المخفية".
ويزيد التقرير: "لكن الاجتياح الكبير لابد أن تواجهه عقبات جمة، بصرف النظر عن التأخر في رص صفوف القوات، وذلك لأن الخسائر الإسرائيلية ستكون كبيرة، وهذا ما سيدفع الجيش الإسرائيلي للاستعانة بمزيد من القوة النارية".
وهنا يقول بايمان: "أعتقد أن الجيش الإسرائيلي مستعد لإيقاع عدد كبير من الضحايا، وذلك ليستعيد حالة الردع، وليحمي قواته أيضاً".
ويتعين على الجيش الإسرائيلي، أيضا، وفقا لبايمان، حراسة حدوده الشمالية خشية انضمام حزب الله إلى القتال، ولهذا أخليت المدن الواقعة في الشمال من سكانها.
وفي ساعة متأخرة من 10 أكتوبر/تشرين الأول، ردت إسرائيل بنيران مدفعيتها على غارات أطلقت من سوريا.
اقرأ أيضاً
فخ استراتيجي وجيش غير مؤهل.. تحذيرات لإسرائيل من اجتياح غزة بريا
ملف الرهائن
ووفق التقرير، تبقى عقبة أخرى تتمثل بوجود نحو 100 رهينة إسرائيلية وأجنبية في غزة.
وسبق أن هددت حماس بإعدام رهينة مقابل أي غارة إسرائيلية تستهدف بيوت المدنيين، ولهذا دعا بتسلئيل سموتريش وهو وزير المالية الإسرائيلي من اليمين المتطرف، الجيش الإسرائيلي لعدم أخذ قضية الأسرى بعين الاعتبار كثيراً.
ثم إن الجيش الإسرائيلي سيستعين بالقوات الخاصة ليعثر على الرهائن، ولينقذهم إن أمكن، ولكن من المرجح أن تعمل "حماس" على توزيعهم ضمن منطقة واسعة، حتى تحت الأرض.
وسبق أن عرض الرئيس الأمريكي جو بايدن، على إسرائيل مساعدة ودعماً كبيرين، وتعهد بتقديم الدعم العسكري، وقد أرسل بعضاً منه بالفعل، ومنها ذخائر موجهة بدقة وأجهزة اعتراض لدعم منظومة الدفاع الصاروخي في قبتها الحديدية، والتي لا بد أن تحتاج إلى الكثير في حال امتداد الحرب لفترة طويلة.
في نهاية الأمر، فقد ألقى قادة إسرائيل أنفسهم بين خطاب متشدد عالي النبرة يهدف إلى القضاء على حماس، وبين عدم منطقية فكرة احتلال غزة من جديد، إذ من المرجح لقيادات حماس ونسبة كبيرة من مقاتليها أن يخرجوا من مخابئهم ليستعيدوا السيطرة على القطاع بمجرد أن تجتاحه إسرائيل.
ويختتم القترير بالقول: "حتى لو نجحت إسرائيل في تدمير هذه الجماعة، من غير الواضح لمن ستلتفت إسرائيل لتعهد إليه بإدارة هذه المنطقة".
اقرأ أيضاً
أدرعي: إسرائيل تطبق حصارا محكما على غزة وخيار العملية البرية وارد بقوة
المصدر | إيكونوميست - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: طوفان الأقصى فلسطين غزة إسرائيل توغل بري الجیش الإسرائیلی عدد کبیر من إسرائیل فی من المرجح اقرأ أیضا لا بد أن فی عام فی غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا فشلت خطة ترامب؟
اجتمعت القمة العربية في القاهرة في الرابع من هذا الشهر للرد على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة.
انتهت القمة -التي دعا إليها حلفاء الولايات المتحدة العرب في المنطقة- باستصدار رفض كامل لرؤية ترامب للاستيلاء على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
لقد صيغت رؤية ترامب بعقلية استعلائية، حيث تهدف إلى تفريغ جميع سكان غزة من القطاع، وهو أمر فشلت في تحقيقه حرب الإبادة الإسرائيلية التي دامت خمسة عشر شهرًا، شنتها آلتها الحربية التدميرية.
علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الخطط العنصرية تظل غير قابلة للتحقيق دون تعاون الدول العربية المجاورة، والتي ترى في عملية الطرد الجماعي للفلسطينيين تهديدًا مباشرًا لأمنها واستقرارها.
باختصار، بعد أقل من شهر من ولايته الثانية، شكلت تصريحات ترامب الصادمة بخصوص غزة تصعيدًا كبيرًا يمكن تفسيره بقراءات متعددة.
قد تكون إحدى هذه القراءات أن ترامب جاد في موقفه، حيث يظن أن الفلسطينيين قد هُزموا من الكيان الصهيوني، وأن الدول العربية تمر الآن بحالة من الضعف والتفكك والتبعية لا تمكّنها من وقف هذا الاستخفاف الفاضح بحقوقها وسيادتها وإرادتها.
إعلانكما يمكن أيضًا أن تُقرأ كمحاولة علنية من ترامب لمكافأة بعض أكبر المتبرعين لحملته الانتخابية الرئاسية. فرغم أن لدى ترامب جدول أعمال طويلًا ومعقدًا على المستويين؛ الداخلي والدولي، يجعله لا يرغب في وراثة حرب عدمية ذات قيمة إستراتيجية ضئيلة، فإنه خلال حملته الرئاسية تلقى مئات الملايين من الدولارات من غلاة الصهاينة، بمن في ذلك رجل الأعمال الملياردير بيل آكمان ومالكة كازينوهات القمار ميريام أديلسون، التي منحت ترامب 100 مليون دولار في حملته الأخيرة مقابل دعمه أشد السياسات الإسرائيلية تطرفًا، تمامًا كما حدث عام 2017 عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأميركية إليها بعد تبرعها هي وزوجها عام 2016 بأكثر من أربعين مليون دولار.
ومع ذلك، لا يزال العديد من المراقبين غير متأكدين من جدوى أخذ هذا الاقتراح على محمل الجد، لأن التصريحات الصادمة والمتكررة لترامب منذ فوزه بالانتخابات تكررت كثيرًا، وهي في مجملها تنتهك القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية.
فعلى سبيل المثال، طالب ترامب الدنمارك بأن تسلم غرينلاند للولايات المتحدة، ودعا كندا لأن تصبح الولاية الـ51، كما أنه حاول الضغط على بنما للتخلي عن ملكيتها لقناة بنما في أميركا الوسطى.
تعتبر مثل هذه الخطابات المناقضة للأعراف والتقاليد بين الدول في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية غير لائقة بخطاب رئيس دولة، ناهيك عن كونه رئيس أكبر قوة في العالم. ومع ذلك، لم يقتصر الأمر على أنه قد أدلى بمثل هذا التصريح المستهتر بحقوق الفلسطينيين في غزة قبل أسابيع، بل أكد عليه بعد ذلك في مناسبات عدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المحللين يعتقدون أن إعلان ترامب – الذي جاء خلال زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن – قد يكون محاولة لإفشال جهود رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وهو الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب، للحصول على الضوء الأخضر لاستئناف حرب الإبادة في غزة.
إعلانفي الواقع، فاجأت مواقف ترامب العديد داخل الإدارة الأميركية، حيث لم تتم مناقشتها قبل إعلانها. في هذه القراءة، اعتبر ترامب أن الهدف من استئناف الحرب هو إزاحة حماس من غزة، لذا فإن اقتراحه لم يقتصر فقط على طرد حماس، بل شمل أيضًا طرد جميع الفلسطينيين من غزة، فقطع بذلك على نتنياهو مبرراته للعودة للحرب.
فطوال حملته الرئاسية، كان ترامب يدعو نتنياهو إلى "الانتهاء من المهمة" في غزة. ومع ذلك، فشل الكيان الصهيوني في تحقيق ذلك وفق أهدافه المعلنة، رغم حرب إبادة وحشية ضد المقاومة والشعب الفلسطيني الأعزل استمرت 471 يومًا.
هناك أيضًا قراءة أخرى تتمحور حول إستراتيجية ترامب التفاوضية. فترامب، رجل صفقات العقارات الكبرى، يتبع إستراتيجيته الخاصة التي بينها في كتابه الشهير فن الصفقات (The Art of the Deal).
يقول ترامب في كتابه إن المفاوض الناجح يجب أن يبدأ بعرض أكثر المواقف تشددًا وتطرفًا ليستثير الطرف الآخر حتى يقوم بتقديم تنازلات كبيرة، ويقترب من موقفه حتى قبل أن تبدأ المفاوضات.
في هذه الحالة، يسعى ترامب لتحقيق سياسيًا ما عجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه عسكريًا طوال خمسة عشر شهرًا من حرب دموية تدميرية.
لقد كان لحرب الكيان الصهيوني ثلاثة أهداف رئيسة:
إطلاق سراح الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس والفصائل الأخرى دون الحاجة إلى إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين. القضاء على حماس وفصائل المقاومة الأخرى ككيانات عسكرية. إزالة حماس من السلطة في غزة.وبما أنه لم يستطع تحقيق أي من هذه الأهداف ميدانيًا، بل استطاعت المقاومة أن تستنزفه لشهور، مما كلفه آلاف القتلى والجرحى في أعنف حرب استنزاف خاضها الكيان منذ نشأته، فقد اضطر في النهاية إلى قبول خطة شملت تحقيق كل أهداف حماس والمقاومة الفلسطينية.
الاتفاقية التي وقعها الطرفان كانت على الطاولة منذ شهر مايو/ أيار على الأقل، حيث قبلتها حماس، ولكنها رُفضت مرارًا من قبل الطرف الإسرائيلي، إلى أن اضطر إلى التوقيع عليها في يناير/ كانون الثاني تحت ضغط من ترامب قبل توليه الرئاسة.
إعلاننصَّت الاتفاقية على عملية من ثلاث مراحل، كل مرحلة منها تستغرق 42 يومًا، تنتهي بإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، سواء كانوا أحياء أو أمواتًا، مقابل إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين، بمن في ذلك حوالي 600 فلسطيني محكوم عليهم بالسجن المؤبد.
بالإضافة إلى ذلك، دعت الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني، إلى وقف إطلاق النار الدائم بعد المرحلة الثانية، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، وتقديم مساعدات إنسانية ضخمة، بما في ذلك الطعام والمياه والوقود والخيام والإمدادات الطبية. كما تضمنت خطة لإعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات.
في نفس الوقت، كان نتنياهو يتعرض إلى ضغط هائل من إدارة ترامب التي تسعى على الأقل إلى وقف مؤقت لاستعادة الرهائن، وكذلك من شركائه اليمينيين المتطرفين الذين يطالبونه بمواصلة الحرب. إيتمار بن غفير، الذي شغل منصب وزير الأمن القومي في إسرائيل، كان قد استقال من الحكومة، مما قلّص أغلبية نتنياهو في الكنيست، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الائتلاف إذا مضت إسرائيل قدمًا في المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار، مما قد يؤدي إلى سقوط حكومة نتنياهو.
في ظل هذه الظروف المعقدة، سعى ترامب إلى الإبقاء على حكومة نتنياهو، بينما وجّه إنذارًا للأنظمة العربية، وخاصة الأردن ومصر، داعيًا إياهم لقبول التهجير القسري لفلسطينيي غزة. ولكن إذا رفضوا خطته، فعليهم أن يقترحوا خطة بديلة تتماشى مع أهدافه الحقيقية، وهي نزع سلاح حماس وإزالة حكمها من غزة. مثل هذا الاقتراح قد يهدد بتقويض استقرار هذه الدول والنظام الإقليمي بأسره.
فمصر، على سبيل المثال، لديها اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني بشروط محددة ومعقدة حول الوضع في غزة. قد يخفف نقل مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء على الكيان الصهيوني من التزاماته كقوة احتلال، لكن ذلك سيخلق تحديات أمنية واجتماعية خطيرة للنظام المصري.
إعلانكما أن الجيش المصري، وهو المؤسسة الأهم في البلاد، غير مستعد لإدارة هذه الأزمة، حيث سيقاوم الفلسطينيون عملية التهجير القسري بقوة، مما يتسبب في حدوث توتر دائم.
وبالمثل، فإن الأردن يدرك أن قبوله بتهجير فلسطينيي غزة سيسجل سابقة خطيرة، ويجعل نقل غالبية الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الأردن مسألة وقت قد يفرضها الكيان الصهيوني متى يشاء.
ولذا فإن مقترح ترامب يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام الأردني، ويعرض توازنه الديمغرافي الدقيق للخطر. ولذلك يعارض الأردن بشدة هذا المقترح، لأنه يهدد بقاءَه، وسيؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في المملكة نفسها.
لذلك، عقد حلفاء الولايات المتحدة العرب اجتماعًا طارئًا في الرياض في أواخر فبراير/ شباط لمواجهة اقتراح ترامب الخطير، واتفقوا على خطة مفصلة لمستقبل غزة.
بعد ذلك، تلا هذا الاجتماع غير الرسمي جلسة رسمية لجامعة الدول العربية في القاهرة في 4 مارس/ آذار، حيث تم إصدار بيان رسمي يرفض بشكل قاطع مقترح ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة. بدلًا من ذلك، قدمت القمة خارطة طريق لإعادة تأهيل غزة وإعادة إعمارها.
لقد دعا البيان الختامي للقمة إلى تنفيذ فوري للمرحلتين؛ الثانية والثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، واستئناف المساعدات الإنسانية على نطاق واسع لسكانها الذين يعانون بشدة. كما طالب برفع الحصار عن غزة، وأكد الحاجة إلى حل سياسي ضمن إطار حل الدولتين.
أما بالنسبة لمطلب الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بإزالة حكم حماس من السلطة في غزة، فقد اعتمدت الخطة العربية الاقتراح المصري بإنشاء لجنة من الخبراء لإدارة غزة لمدة ستة أشهر تحت رعاية السلطة الفلسطينية، حيث كان المصريون قد توصلوا قبل عدة أسابيع إلى اتفاق مع العديد من الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس وفتح.
إعلانولأن حكومة نتنياهو رفضت عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، فقد اقترحت الخطة المصرية فترة من التأهيل والإصلاحات التي ستتبناها السلطة الفلسطينية، بما في ذلك تدريب قواتها من قبل مصر والأردن، وبعد ذلك ستتولى السلطة مسؤولية الأمن في غزة.
أما بالنسبة إلى مسألة نزع سلاح حماس – وهي فكرة ترفض حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الأخرى مناقشتها – فقد تم تناولها بشكل غامض في البيان الختامي.
اقترحت الوثيقة وضع جميع الأسلحة، بما في ذلك سلاح المقاومة، تحت سلطة واحدة، أي السلطة الفلسطينية، مما يؤدي فعليًا إلى إنهاء المقاومة، حيث إن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كانتا قد أعلنتا عن تخليهما عن النضال المسلح بموجب اتفاقيات أوسلو لعام 1993.
كما دعا البيان إلى استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتفويض قوة حفظ سلام دولية في غزة، وهو اقتراح رفضته حماس وفصائل المقاومة الأخرى بشكل قاطع، حيث صرّح المتحدثون باسم حماس والجهاد الإسلامي بأن أي قوات أجنبية في غزة ستكون بمثابة قوة احتلال، وسيتم التعامل معها على هذا النحو.
ومع ذلك، فإنه بالنسبة للعديد من المحللين، كان أحد الجوانب اللافتة للنظر في اقتراح جامعة الدول العربية هو نشر خطة إعادة إعمار غزة المؤلفة من 91 صفحة.
لقد قدمت الوثيقة مستوى ملحوظًا من التفاصيل حول كيفية إعادة بناء غزة وإعادة تأهيلها، مع تحديد خطة من ثلاث مراحل على مدار خمس سنوات، حيث ستركز المرحلة الأولى، التي ستستمر ستة أشهر، على إسكان الفلسطينيين النازحين في مساكن مؤقتة مثل الخيام والكرفانات في سبع مناطق محدّدة.
أما المرحلتان الثانية والثالثة، اللتان ستستمران ثلاث سنوات وسنتين ونصف السنة على التوالي، فستركزان على تطوير البنية التحتية بشكل كامل، بما في ذلك المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق ومحطات الكهرباء ومنشآت التحلية والإسكان بمختلف كثافاتها في القطاع.
إعلانكما شملت الخطة بناء الأسواق والمباني الحكومية والحدائق والفنادق والمواقع السياحية والمناطق الصناعية والزراعية.
لقد كان هذا المستوى من الخرائط المفصلة بمثابة دحض مباشر لادعاء ترامب بأن التهجير ضروري لإعادة إعمار غزة. وقد قدّرت خطة إعادة الإعمار التكلفة الإجمالية بـ 53 مليار دولار، مع تخصيص 3 مليارات دولار للمرحلة الأولى، و30 مليارًا للمرحلة الثانية، و20 مليارًا للمرحلة الثالثة. كما دعت الوثيقة إلى عقد مؤتمر دولي للمانحين قريبًا في القاهرة.
في لعب الورق، يحاول اللاعبون إخفاء كروتهم على أمل التفوق على خصومهم وكسب اللعبة. ولكن في هذه اللعبة الجيوسياسية، فقد رأى اللاعبون مصلحة في أن يضعوا أوراقهم مكشوفة على الطاولة.
يسعى الإسرائيليون وحلفاؤهم الأميركيون إلى طرد الفلسطينيين من غزة، وهو هدف بعيد المنال فشلوا في تحقيقه رغم 15 شهرًا من حرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني. فكيف يعتزم ترامب تحقيق ذلك في حين أنه استبعد استخدام القوة العسكرية؟
على الجانب الآخر، فإن الدول العربية لا ترغب في مواجهة مباشرة مع ترامب، رغم تجاهلها تهديداته المغلفة، إذ ترى أن مطالبه تشكل تهديدًا لبقائها. ولكنها تأمل في استثارة اهتمامه من خلال صفقات أسلحة أو استثمارات تجارية وتقديم مبادرات سياسية، مثل اتفاقيات على غرار اتفاقيات أبراهام لعام 2020.
ولقد أشار البيان الختامي للقمة إلى إمكانية الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، شريطة وجود خارطة طريق قابلة للتطبيق – وليس بالضرورة تنفيذًا فوريًا – نحو تسوية سياسية تقوم على فكرة حل الدولتين.
على النقيض من ذلك، فإن التركيبة الحالية للكيان الصهيوني، من خلال تحالفها مع إدارة ترامب، وهي الأكثر صهيونية ودينية (أي مسيانية توراتية) في تاريخ الصراع، تظن أنها قادرة على تحقيق أهدافها السياسية القصوى.
إعلانوتشمل هذه الأهداف القضاء على حركات المقاومة في المنطقة، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لحل المشكلة الديمغرافية، وتكوين أغلبية يهودية؛ حتى يمكن الادعاء بأنها "بلد ديمقراطي" مع الاحتفاظ بكل الأرض من النهر إلى البحر.
كما يسعى هذا التحالف الإسرائيلي- الأميركي إلى تفكيك برنامج إيران النووي، وفرض اتفاقيات تطبيع على دول عربية ومسلمة كبرى، واستعادة قوة الردع الإسرائيلي المفقود؛ لتعزيز هيمنته الإقليمية. هذه بالطبع قائمة مذهلة من الأهداف صعبة التحقيق.
ولذلك، فإن نتنياهو وحلفاءه في اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، إذا أصروا على تحقيق هذه الأهداف، فإنهم يحتاجون إلى إقناع ترامب بأن يعطي الأولوية لتحقيق أهدافهم، والتي بالضرورة ستعيقه عن العمل على أولوياته الأخرى في ولايته الثانية والأخيرة، حيث إن لديه برنامجًا كبيرًا ومعقدًا يسعى من خلاله إلى تفكيك ما يعتبره "الدولة العميقة" الأميركية، وإعادة بسط نفوذها العالمي تحت برنامجه الطموح.
باختصار، إن تهديدات ترامب وتصريحاته وخطابه المبهرج لن تجبر الآخرين على الخضوع لرغباته وطلباته.
وإذا لجأ إلى القوة العسكرية في غزة لتحقيق أهدافه العدوانية، فإنه سيواجه مقاومة عنيفة، ليس فقط من المعارضين التقليديين للسياسة الأميركية في المنطقة، ولكن أيضًا من الأنظمة المتحالفة مع أميركا، والتي ترى أن تصريحاته تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرارها.
مثل هذه العلاقات المتشابكة والأهداف المتناقضة ستؤدي حتمًا، في نهاية المطاف، إلى إحباط طموحات ترامب الواسعة، سواء في محاولته إعادة صياغة المجتمع الأميركي وفق أجندته الداخلية، أو إعادة تشكيل النظام الدولي تحت برنامجه "أميركا أولًا".
وكما أخبرنا كتابه فن الصفقة، فإن ترامب لا يكره شيئًا أكثر من مرارة الفشل وطعم الهزيمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline