كثيرًا ما نجد عقارات صغيرة المساحة موقوفة على أعمال الخير، كالمنازل الصغيرة، والمزارع، والمحال التجاريَّة، وتجدها موزَّعة في مناطق مختلفة وربَّما يتعذَّر الاستفادة مِنْها لِقِدَمِها أو لأنَّها في منطقة طاردة للسكَّان، حيث انتقل النَّاس للسَّكن في مناطق أخرى، وكونها صغيرة وموزَّعة في مناطق متباعدة يتطلب الأمْرُ المزيد من الجهد والمال لإدارتها وصيانتها.


من هنا ظهرت فكرة جواز توحيد الوقف الخيري، أو بمعنى آخر، الوقف الموحَّد: وهو عبارة عن بيع عددٍ من العقارات الموقوفة على عمل الخير، لنَفْسِ الغرض. ومِثال ذلك: أنَّ هذه العقارات الصغيرة، والموجودة في مناطق متباعدة قَدْ أُوقفت لسكن الأرامل، ومن هنا يتمُّ استبدالها عن طريق بيعها جميعًا وشراء عقار واحد بثَمنها، ويكُونُ هذا العقار كبيرًا، كأن تُشترى عمارة سكنيَّة، ويتمُّ وقف هذه العمارة لنَفْسِ الغرض وهو سكن الأرامل، حيث يتمُّ استبدال تلك المساكن الصغيرة بعمارة كبيرة تضمُّ عددًا من الشقق يسكن فيها الأرامل مع أولادهن، وقَدْ تضمُّ العمارة محالَّ تجاريَّة تؤجَّر ويستفاد من ثَمنها لصيانة المبنى الموقوف. وهذا ما يُسمَّى بالوقف الموحَّد. ونقصد بالوقف الموحَّد هو: إدماج مجموعة من الأوقاف الصغيرة عن طريق بيعها وجمع حصيلة بيع جميع تلك الأوقاف الخيريَّة، واستبدالها بأوقاف كبيرة لنَفْسِ المنفعة.
وتُعدُّ عمليَّة دمج الوقف الخيري من باب مراعاة المصلحة العامَّة للوقف، فدمج الوقف الخيري له مميزات كثيرة حيث تقلِّل من كلفة إدارة الوقف وتزيد من العائد المالي لهذه الأوقاف، وفي الوقت نَفْسِه فإنَّ هناك محاذير من عمليَّة الدمج يجِبُ مراعاتها. فعلى سبيل المثال، يجِبُ شروط الواقف عِند عمليَّة دمج الوقف الخيري.
وما زلنا نذكر موضوعًا ورد في جريدة الأيَّام البحرينية العدد 10470 الجمعة 8 ديسمبر 2017 الموافق 20 ربيع الأوَّل 1439 بعنوان: (أوقاف إسلاميَّة حَوْلَ العالَم بقِيمة تصل إلى ألف مليار دولار مُعْظمها مهمل) حيث تمَّ توقيع مذكّرة تعاون مع معهد (IIRA) والوكالة الإسلاميَّة الدوليَّة للتصنيف، وعلى هامش توقيع هذه المذكّرة: (أكَّد خبراء صيرفة إسلاميَّة أهمِّية إعادة هيكلة الكثير من الأوقاف الإسلاميَّة حَوْلَ العالَم التي تصل قِيمتها إلى تريليون دولار، وإنقاذ مُعْظمها من الإهمال من خلال تحويلها إلى أوقاف استثماريَّة تُدار بطريقة مؤسَّسيَّة ودمجها في الأسواق الماليَّة الإسلاميَّة، بما يُسهم في دعم الوقف الإسلامي وتنمية موارده الماليَّة، وينفع الموقوف عَلَيْهم، ويُسهم في تنشيط حجم رأس المال الإسلامي بصورة أكبر من أي وقت مضى). ونستدل من هذا التصريح الصادر من مختصين في مجال الاقتصاد الإسلاميَّة على مدى أهمِّية دمج الأوقاف الصغيرة وتوحيدها للوصول الأوقاف كبيرة. فمِثل هذا الإجراء يُعزِّز من القِيمة السوقيَّة لعقارات الوقف الخيري، كما أنَّ له الأثر الإيجابي على الاقتصاد الإسلامي، وفي دمج الوقف الخيري زيادة في الاستفادة من منافع استثمار الوقف الخيري. كما يسهِّل عمليَّة إدارة الوقف الخيري، فبدلًا من تعيين عددٍ كبير من متولِّي الوقف الخيري لكُلِّ عقار موجود في كُلِّ بقعة من بقاع البُلدان، ويحصل كُلُّ متولِّي الوقف على نسبة تصل إلى 7% من إيرادات الوقف الخيري كأتعاب نظير جهوده المبذولة في إدارة الوقف الخيري، علاوة على كلفة الصيانة لكُلِّ مبنى، فمِن الأفضل دمج هذه المباني عن طريق بيعها جميعًا، ووضع حصيلة البيع في صندوق يستثمر أمواله بشراء عقار واحد كبير، ويتولَّى إدارة هذا العقار شخص واحد أو مجلس إدارة شركة وقفيَّة. ولكن يجِبُ مراعاة أمْرٍ مُهمٍّ، وهو تطبيق شروط الواقف الواردة في وثيقة الوقف، فقَدْ يشترط الواقف أن يستفيدَ من الوقف أهالي المنطقة التي يسكن فيها، أو أقاربه، وبالتَّالي بيع الوقف الخيري واستبداله بوقف آخر في منطقة أخرى يُعدُّ إخلالًا بشرط الواقف. وهنا نلجأ إلى الوقف غير المباشر. ونقصد بالوقف غير المباشر: هو استثمار الموقوف كأن يكُونَ عقارًا يتمُّ تأجيره ويستفاد من ريع الإيجار هذا لصالح الموقوف عَلَيْهم، كأن يتمَّ تأجير سكن للموقوف عَلَيْه من عائدات استثمار الوقف، بدلًا إسكانه في العقار الموقوف مباشرة، حيث يتمُّ بيع الوقف الخيري، والتشارك مع أموال ريع بيع أوقاف أخرى في شراء عقار كبير، ويتمُّ استثمار هذا العقار ويستفاد بنسبة من ريعه لصالح أهالي منطقة كُلِّ وقف خيري التي أوقف فيها الواقف منزله أو عقاره.
إنَّ تقدير التدابير الصحيحة التي تُحقِّق مصلحة الوقف الخيري يجِبُ أن ترجعَ إلى المختصِّين في مجال إدارة العقارات، بحيث يُمكِن استثمارها بالشكل الأمثل، مع مراعاة الشروط الواردة في الوثائق الوقفيَّة لكُلِّ عقار، كما يجِبُ الرجوع للمختصِّين في مجال الخدمة المُجتمعيَّة للتعرف على أولويَّات احتياجات المُجتمع في كُلِّ زمان. وعمومًا فإنَّ الرجوع لأهل الاختصاص في كُلِّ مجال من شأنه أن يُحقِّقَ مصلحة الوقف الخيري… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
najanahi@gmail.com
Najwa.janahi@

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: فی مناطق

إقرأ أيضاً:

سقط من السادس.. العثور على جثة يمني أسفل عقار ببولاق الدكرور

سقط يمني الجنسية من شرفة شقة بالطابق السادس في فيصل ببولاق الدكرور.

شاب يطيح بخمسيني بسيارة ملاكي أثناء عبوره الطريق بالوراق الإطار انفجر.. مصرع وإصابة 7 عمال في انقلاب سيارة بأكتوبر جثة أسفل عقار بمحطة مدكور

تلقت الأجهزة الأمنية بالجيزة إخطارا من غرفة عمليات النجدة بالعثور على جثة أسفل عقار بمحطة مدكور بمنطقة فيصل بولاق الدكرور.

انتقل على الفور رجال المباحث إلى محل البلاغ وتبين بالفحص أن الجثة لشاب  يمني الجنسية سقط من الطابق السادس بشارع الشوربجي.

تكثف مباحث بولاق الدكرور جهودها للوقوف على ملابسات الحادث والتأكد من عدم وجود شبهة جنائية في الوفاة.

مقالات مشابهة

  • مؤتمر عُمان الوقفي يستعرض الحلول المبتكرة والتجارب الدولية لضمان الاستدامة القطاع
  • مؤتمر عُمان الوقفي ينطلق في ديسمبر المقبل
  • سقط من السادس.. العثور على جثة يمني أسفل عقار ببولاق الدكرور
  • تخفيف مناهج طلاب الصف الأول الثانوي الدارسين بنظام الدمج
  • «أبوظبي الإسلامي - مصر»: مليار جنيه للتحول الرقمي في 2025
  • ورشة في المكلا تستعرض رؤية المجلس الموحد للمحافظات الشرقية: الواقع والتطلعات
  • المركز اليمني للتراث والسياحة (مِتس) يحتفي باليوم العالمي للفن الإسلامي بمحاضرة عن المبدعين اليمنيين المنسيين
  • مع بدء مناقشة قانون البناء الموحد.. منع الإعلانات على واجهات المباني والكباري
  • السيسي يؤكد على أولوية الوقف الفوري لإطلاق النار بغزة ولبنان
  • إيران تعرض شروطًا لاتفاق نووي جديد مع إدارة ترامب.. هل تعود المفاوضات؟