الوقف الخيري الموحد بين الدمج ومراعاة شروط الواقف
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
كثيرًا ما نجد عقارات صغيرة المساحة موقوفة على أعمال الخير، كالمنازل الصغيرة، والمزارع، والمحال التجاريَّة، وتجدها موزَّعة في مناطق مختلفة وربَّما يتعذَّر الاستفادة مِنْها لِقِدَمِها أو لأنَّها في منطقة طاردة للسكَّان، حيث انتقل النَّاس للسَّكن في مناطق أخرى، وكونها صغيرة وموزَّعة في مناطق متباعدة يتطلب الأمْرُ المزيد من الجهد والمال لإدارتها وصيانتها.
من هنا ظهرت فكرة جواز توحيد الوقف الخيري، أو بمعنى آخر، الوقف الموحَّد: وهو عبارة عن بيع عددٍ من العقارات الموقوفة على عمل الخير، لنَفْسِ الغرض. ومِثال ذلك: أنَّ هذه العقارات الصغيرة، والموجودة في مناطق متباعدة قَدْ أُوقفت لسكن الأرامل، ومن هنا يتمُّ استبدالها عن طريق بيعها جميعًا وشراء عقار واحد بثَمنها، ويكُونُ هذا العقار كبيرًا، كأن تُشترى عمارة سكنيَّة، ويتمُّ وقف هذه العمارة لنَفْسِ الغرض وهو سكن الأرامل، حيث يتمُّ استبدال تلك المساكن الصغيرة بعمارة كبيرة تضمُّ عددًا من الشقق يسكن فيها الأرامل مع أولادهن، وقَدْ تضمُّ العمارة محالَّ تجاريَّة تؤجَّر ويستفاد من ثَمنها لصيانة المبنى الموقوف. وهذا ما يُسمَّى بالوقف الموحَّد. ونقصد بالوقف الموحَّد هو: إدماج مجموعة من الأوقاف الصغيرة عن طريق بيعها وجمع حصيلة بيع جميع تلك الأوقاف الخيريَّة، واستبدالها بأوقاف كبيرة لنَفْسِ المنفعة.
وتُعدُّ عمليَّة دمج الوقف الخيري من باب مراعاة المصلحة العامَّة للوقف، فدمج الوقف الخيري له مميزات كثيرة حيث تقلِّل من كلفة إدارة الوقف وتزيد من العائد المالي لهذه الأوقاف، وفي الوقت نَفْسِه فإنَّ هناك محاذير من عمليَّة الدمج يجِبُ مراعاتها. فعلى سبيل المثال، يجِبُ شروط الواقف عِند عمليَّة دمج الوقف الخيري.
وما زلنا نذكر موضوعًا ورد في جريدة الأيَّام البحرينية العدد 10470 الجمعة 8 ديسمبر 2017 الموافق 20 ربيع الأوَّل 1439 بعنوان: (أوقاف إسلاميَّة حَوْلَ العالَم بقِيمة تصل إلى ألف مليار دولار مُعْظمها مهمل) حيث تمَّ توقيع مذكّرة تعاون مع معهد (IIRA) والوكالة الإسلاميَّة الدوليَّة للتصنيف، وعلى هامش توقيع هذه المذكّرة: (أكَّد خبراء صيرفة إسلاميَّة أهمِّية إعادة هيكلة الكثير من الأوقاف الإسلاميَّة حَوْلَ العالَم التي تصل قِيمتها إلى تريليون دولار، وإنقاذ مُعْظمها من الإهمال من خلال تحويلها إلى أوقاف استثماريَّة تُدار بطريقة مؤسَّسيَّة ودمجها في الأسواق الماليَّة الإسلاميَّة، بما يُسهم في دعم الوقف الإسلامي وتنمية موارده الماليَّة، وينفع الموقوف عَلَيْهم، ويُسهم في تنشيط حجم رأس المال الإسلامي بصورة أكبر من أي وقت مضى). ونستدل من هذا التصريح الصادر من مختصين في مجال الاقتصاد الإسلاميَّة على مدى أهمِّية دمج الأوقاف الصغيرة وتوحيدها للوصول الأوقاف كبيرة. فمِثل هذا الإجراء يُعزِّز من القِيمة السوقيَّة لعقارات الوقف الخيري، كما أنَّ له الأثر الإيجابي على الاقتصاد الإسلامي، وفي دمج الوقف الخيري زيادة في الاستفادة من منافع استثمار الوقف الخيري. كما يسهِّل عمليَّة إدارة الوقف الخيري، فبدلًا من تعيين عددٍ كبير من متولِّي الوقف الخيري لكُلِّ عقار موجود في كُلِّ بقعة من بقاع البُلدان، ويحصل كُلُّ متولِّي الوقف على نسبة تصل إلى 7% من إيرادات الوقف الخيري كأتعاب نظير جهوده المبذولة في إدارة الوقف الخيري، علاوة على كلفة الصيانة لكُلِّ مبنى، فمِن الأفضل دمج هذه المباني عن طريق بيعها جميعًا، ووضع حصيلة البيع في صندوق يستثمر أمواله بشراء عقار واحد كبير، ويتولَّى إدارة هذا العقار شخص واحد أو مجلس إدارة شركة وقفيَّة. ولكن يجِبُ مراعاة أمْرٍ مُهمٍّ، وهو تطبيق شروط الواقف الواردة في وثيقة الوقف، فقَدْ يشترط الواقف أن يستفيدَ من الوقف أهالي المنطقة التي يسكن فيها، أو أقاربه، وبالتَّالي بيع الوقف الخيري واستبداله بوقف آخر في منطقة أخرى يُعدُّ إخلالًا بشرط الواقف. وهنا نلجأ إلى الوقف غير المباشر. ونقصد بالوقف غير المباشر: هو استثمار الموقوف كأن يكُونَ عقارًا يتمُّ تأجيره ويستفاد من ريع الإيجار هذا لصالح الموقوف عَلَيْهم، كأن يتمَّ تأجير سكن للموقوف عَلَيْه من عائدات استثمار الوقف، بدلًا إسكانه في العقار الموقوف مباشرة، حيث يتمُّ بيع الوقف الخيري، والتشارك مع أموال ريع بيع أوقاف أخرى في شراء عقار كبير، ويتمُّ استثمار هذا العقار ويستفاد بنسبة من ريعه لصالح أهالي منطقة كُلِّ وقف خيري التي أوقف فيها الواقف منزله أو عقاره.
إنَّ تقدير التدابير الصحيحة التي تُحقِّق مصلحة الوقف الخيري يجِبُ أن ترجعَ إلى المختصِّين في مجال إدارة العقارات، بحيث يُمكِن استثمارها بالشكل الأمثل، مع مراعاة الشروط الواردة في الوثائق الوقفيَّة لكُلِّ عقار، كما يجِبُ الرجوع للمختصِّين في مجال الخدمة المُجتمعيَّة للتعرف على أولويَّات احتياجات المُجتمع في كُلِّ زمان. وعمومًا فإنَّ الرجوع لأهل الاختصاص في كُلِّ مجال من شأنه أن يُحقِّقَ مصلحة الوقف الخيري… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
najanahi@gmail.com
Najwa.janahi@
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: فی مناطق
إقرأ أيضاً:
أبو الغيط أمام القمة العربية الإسلامية بالرياض: لا بديل عن الوقف الفوري للعدوان على فلسطين ولبنان
أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية أمام القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بالرياض إن المطلوب ھو وقف فوري لإطلاق النار في غزة وفي لبنان، وعلى العالم كله ان يتحمل المسؤولية في وقف العدوان الاسرائيلي.لم تعد الكلمات تكفي لوصف المأساة التي یكابدھا أھل فلسطین، الحقائق معروفة لنا جمیعاً، ومعروفة للعالم، وھي صعبة ومخجلة وكاشفة.
واشار أبو الغيط الى أن الخطة الإسرائیلیة أیضاً لم تعد بخافیة.. .فالمطلوب ھو تدمیر المجتمع الفلسطیني في غزة أو تھجیره قسراً أو طوعاً.. المطلوب ھو إزاحة مجتمع كامل، بمؤسساته القائمة، ونسیجه الجامع.. والقضاء على إمكانیة استعادته في المستقبل.. المطلوب إسرائیلیاً ھو قتل الأمل الفلسطیني في الدولة المستقلة.. ونحن نقول ھنا لمن یسمع إن تلك الاماني الإسرائیلیة لن تتحقق أبداً بإذن ﷲ.
وأكد إن ما تقوم به حكومة اسرائیل ومناصروھا من قطعان المستعمرین الیوم إنما ھو تدمیر لمستقبل التعایش في ھذه المنطقة.. وتخریب لإمكانیات السلام الذي طالما طالبنا به، السلام القائم على العدل، العدل ھو الذي یمكننا من إقامة سلام دائم، لن یكون ھناك سلام مع الظلم والقتل والتنكیل، قمة الیوم تحمل رسالة واضحة بأن العالم لا یستطیع أن یتحمل عواقب إدارة ظھره لھذه المقتلة المتواصلة، عجز وسلبیة المجتمع الدولي أثارا شھیة قوة الاحتلال المتعطشة للدم، فانطلقت توسع دائرة النار من غزة إلى لبنان مُعرضة استقرار المنطقة كلھا للخطر البالغ.
وقال إن إسرائیل ربما تحتاج من بین من تبقى من أصدقائھا إلى من ینقذھا من نفسھا ومن أفعالھا.. فانعدام المحاسبة، وتغییب القانون الدولي، شجع قیادتھا بكل أسف على المُضي في تنفیذ مخططات لا یمُكن وصفھا سوى بالعبث والجنون. فرئیس حكومتھا یتحدث عن رسم خریطة الشرق الأوسط من جدید، أي شرق أوسط ھذا الذي ترسم خریطته بالدم والقنابل والاغتیال والتجویع وحرق مخیمات اللاجئین بمن فیھا؟
الیوم یعیش%90 من سكان غزة على 10% من مساحته، مروعین محرومین من أبسط وسائل البقاء على قید الحیاة.. معرضین لقتلٍ ینھمر علیھم بلا تمییز.. إن الشرق الاوسط الذي نریده ونسعى إلیه ولن نتنازل عنه ھو إقلیم تكون في قلبه دولة فلسطینیة مستقلة ذات سیادة على حدود الرابع من یونیو 67 وعاصمتھا القدس الشرقیة، وفي لبنان، یستمر القصف القاتل یحصد أرواحاً بریئة ویدمر ممتلكات خاصة وعامة وترتفع أعداد الضحایا من المدنیین وتتفاقم مشكلات ملیون نازح یثقلون كاھل بلدٍ یئن بالفعل تحت وطأة الأزمات منذ سنوات.
إن المطلوب ھو وقف فوري لإطلاق النار في غزة وفي لبنان، والمطلوب ھو مسار یفُضي إلى تنفیذ حل الدولتین.. في أسرع وقت ممكن وبرعایة دولیة، وبالتزام حقیقي بتجسید الدولة الفلسطینیة على الأرض، والمطلوب كذلك ھو وقف إطلاق نار في لبنان یستند إلى تنفیذ القرار 1701 بكافة مندرجاته ویحقق الأمن على جانبي الحدود.
أما التأخیر فلا یعني سوى مزید من الدماء المراقة.. مع تصاعد احتمالات الانفجار الشامل في المنطقة.. ولعل الرئیس الأمریكي المنتخب الذي وعد بوقف الحرب أن یفي بوعده في أقرب أجل.قمة الیوم ھي رسالة بأن منسوب الخطر بلغ مستوى لا یمكن احتماله.. وكلي ثقة في الحكمة التي ستتعامل بھا القمة مع ھذه الأزمة التاریخیة.