وسط حزن وغضب.. تشييع صحفي لبناني فارق الحياة خلف عدسته
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
شيعت بلدة الخيام جنوب لبنان ظهر، السبت، جثمان الصحافي المصور في وكالة "رويترز" عصام عبد الله، الذي قضى أثناء تغطية على الحدود الجنوبية للبنان.
ملفوفا بالعلم اللبناني، ووسط حشد غفير من أهله وأصدقائه وزملائه الصحفيين، وممثلين عن أحزاب سياسية وشخصيات رسمية، نُقل جثمان عبدالله (37 عاما) من منزله إلى مقبرة بلدة الخيام، حيث أقيمت صلاة الجنازة عند الساعة الواحدة ظهرا، تبعها مراسم الدفن وسط حالة من الحزن الشديد والغضب الذي خيم على الحضور.
تشييع جثمان المصور الصحفي في وكالة رويترز #عصام_عبدالله بعد مقتله في #جنوب_لبنان#الحرة #شاهد_الحرة #الحقيقة_أولا pic.twitter.com/OXk1T02WSQ
— قناة الحرة (@alhurranews) October 14, 2023مقتل عبدالله ترك صدمة كبيرة في لبنان، لاسيما في الأوساط الإعلامية التي عرفته وشهدت على مناقبه ومهنيته وأخلاقه لـ 15 عاما من العمل مع وكالة "رويترز"، وأكثر منها في العمل الصحفي، تمكن خلالها من ترك بصمة كبيرة في العمل الإعلامي، متنقلا بين الأحداث حول العالم كمنتج ومصور، محققا نجاحا حاز على تقدير وتميز في مناسبات عدة.
ناقل الأخبار تحول إلى خبر أول، كان له حصرية نقله بعدسته التي وثقت لحظة سقوط القذيفة على فريق الصحفيين، ومن خلف الكاميرا، كان عصام وزملاؤه الجرحى محور الصورة وموضوعها.
View this post on InstagramA post shared by قناة الحرة | Alhurra (@alhurranews)
واكب عبدالله في السنوات الماضية أبرز الأحداث والتطورات التي شهدها لبنان، حيث ارتكز عمله بصورة رئيسية، وتنقل في أدائه لواجبه الإعلامي بين معظم الدول التي شهدت أحداثا وحروبا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فغطى احتجاجات الربيع العربي في دول عربية عدة، كما شارك في تغطية الحرب على داعش في العراق، وغطى معارك في الحرب السورية وعلى الحدود اللبنانية السورية.
كذلك كان لعبد الله حضور لافت في تغطية مأساة الزلزال الذي وقع في تركيا وسوريا، وفي تغطية الحرب الروسية على أوكرانيا حيث قدم قصصا مصورة عدة من ميدان المعركة، فضلا عن تنقله بين كثير من دول العالم في تغطيته للأحداث والحروب والانتخابات والكوارث الطبيعية.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ضجت بخبر مقتل عبدالله، حيث ودعه آلاف اللبنانيين ممن عرفوه وجمعتهم به لقاءات وجلسات ورحلات عمل، ومواقف مضحكة وفكاهية اشتهر الصحافي اللبناني بها، ونشر أصدقاؤه صورا جمعتهم به في مناسبات عدة، ممهورة برسائل الوداع والتقدير.
"الخلوق، الصديق، اللطيف، المثقف والمندفع، صاحب الضحكة والابتسامة، المحبوب، صديق الجميع، الفكاهي وصاحب المقالب، المهني والمحترف، الداعم والمشجع، النموذج والمثال..." كلها وأكثر، أوصاف استذكرها محبو عبدالله في رثائهم له، كثير منهم كان على موعد محدد مسبقا مع عصام قبل رحيله، لعقد لقاء أو الاجتماع على فنجان قهوة، أو الاحتفال بمناسبة، فهو المعروف بحضوره اللافت في كل المناسبات، إلى حد غير متوقع.
تاريخه المهني ليس سوى جزءا بسيطا من شخصيته، فالجانب الشخصي من حياته ازدحم أيضا بهواياته المتعددة، وشبكة علاقاته الواسعة، وخفة ظله المشهودة بين المحيطين به ومتابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي.
عشق عصام السفر والتنقل بين الدول، كذلك تابع الآلاف رحلاته على الدراجة النارية التي كانت من أبرز هواياته، وثق من خلالها جولاته في معظم المناطق اللبنانية.
لتناول الطعام مع عصام قصة أخرى، فالشاب الذي أحب الطهي وشارك لحظاته عبر صفحاته، لطالما كان دليلا لمتابعيه يبحث له ولهم عن تجارب أكل جديدة، يشاركهم حبه للطعام.
"كانت تليق به الحياة، كان يعرف كيف يعيش"، يتكرر هذا الوصف لعصام، يرد محبوه بذلك على خبر موته غير القابل للاستيعاب أو التصديق، وكأن اجتماع عصام بالموت أمرا مستحيلا، فعصام "يعني حياة، صعب أن يرتبط شخص مثله بالموت" كما يقول أحد أصدقائه المقربين في تشييعه.
آخر صورة نشرها عبدالله عبد حسابه على موقع إنستغرام كانت للصحفية الفلسطينية التي قتلت برصاص الجيش الإسرائيلي شيرين أبو عاقلة، أرفقها بقلب أحمر، وهي أكثر الصور التي انتشرت لعبدالله بعد مقتله على مواقع التواصل الاجتماعي.
View this post on InstagramA post shared by Issam Abdallah-عصام العبدالله (@issamabdallah)
غضب يزاحم الحزنوحده الغضب يزاحم الحزن في أجواء التشييع، الجميع يطالب بالمحاسبة، في ظل قناعة راسخة لدى أهل وأصدقاء وزملاء عبدالله بمسؤولية إسرائيل عن مقتله، تعززها الرواية الرسمية اللبنانية عن قصف إسرائيلي تسبب بهذه المأساة، في ظل عدم إعلان مسؤولية من الجانب الإسرائيلي.
View this post on InstagramA post shared by قناة الحرة | Alhurra (@alhurranews)
الغضب طال وكالة "رويترز" أيضا، التي واجهت حملة واسعة في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي التعليقات على صفحاتها، تطالبها بتحميل إسرائيل مسؤولية مقتل عبدالله، فيما تتريث الوكالة بتحميل المسؤوليات بانتظار تبيان الملابسات.
وقالت رويترز: "نسعى بشكل عاجل للحصول على مزيد من المعلومات، ونعمل مع السلطات في المنطقة، وندعم عائلة عصام وزملاءه".
أحدث الروايات المقدمة عبر الوكالة تتحدث عن مقتل عبدالله في قصف من ناحية إسرائيل، سبقها رواية قالت فيها أن مقتل عبدالله أتى نتيجة تبادل إطلاق نار واشتباكات على الحدود، ما أثار استفزازا كبيرا على الجانب اللبناني، الذي حملت السلطات الرسمية فيه المسؤولية للقصف الإسرائيلي، واصفة الأمر بأنه "جريمة حرب".
مقتل مصور تلفزيون رويترز عصام عبد الله في جنوب لبنان في إطلاق صواريخ من ناحية إسرائيل pic.twitter.com/qHgwOQcxtG
— Reuters | عربي (@araReuters) October 14, 2023وفي هذا السياق أوعزت وزارة الخارجية اللبنانية إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك "تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي عن قتل إسرائيل المتعمّد للصحافي اللبناني عصام عبدالله، وإصابة صحافيين آخرين بجروح من وكالة الصحافة الفرنسية وقناة الجزيرة".
واعتبرت الخارجية اللبنانية أن ما حصل "يشكّل اعتداء صارخا وجريمة موصوفة على حرية الرأي والصحافة وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، من خلال استسهال قتل الصحافيين العزل ضحايا رغبتهم بنقل الحقيقة، وفق ما جاء في البيان.
كذلك أعلن الجيش اللبناني في بيان له أن قذيفة صاروخية أطلقها الجيش الإسرائيلي "أصابت سيارة مدنية تابعة لفريق عمل إعلامي" مما أدّى إلى مقتل المصور عصام عبد الله وإصابة 5 آخرين.
وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي آخر الفيديوهات الموثقة للفريق الصحفي الذي تعرض للقصف، حيث جرى التأكيد على الفريق الصحفي التزم بإظهار نفسه بلباسه وشعاراته وخوذه وكاميراته بصورة واضحة لا لبس يدفع للشك بها ويستدعي استهدافها.
من جهته علق المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيخت على الحادثة بالقول: "نحن على علم بالحادث الذي وقع مع صحفي رويترز. إننا ننظر في الأمر. لدينا بالفعل لقطات. ونجري استجوابا. إنه أمر مأساوي". معربا عن "أسفه الشديد" لمقتل عبد الله، خلال قصف على جنوب لبنان.
في السياق نفسه، قال مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، في إفادة، الجمعة: "بالتأكيد لا نريد مطلقا إيذاء أو قتل أو إطلاق النار على أي صحفي يؤدي عمله. لكن كما تعلمون، نحن في حالة حرب، وقد تحدث أشياء نأسف لها"، مضيفا أن بلده سيحقق في الأمر.
بدورها أكدت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، إنها على علم بأنباء مقتل وإصابة صحفيين في لبنان، مضيفة أن مسؤوليها يعكفون على جمع المزيد من المعلومات. وجاء ذلك ردا على طلب للتعقيب على مقتل عبد الله.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أوليفيا دالتون، للصحفيين، الجمعة، إن صلوات الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع عائلة مصور رويترز الذي قُتل أثناء عمله في جنوب لبنان، وأضافت "نحن نعلم أن العمل الذي تقومون به جميعا خطير بشدة واليوم هو تذكير بذلك".
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الجمعة، إن مقتل عصام عبد الله أثناء تأدية عمله في جنوب لبنان يعكس الخطر الهائل لاتساع نطاق الصراع بين إسرائيل وحماس إلى لبنان.
وفي بيان صادر عنها، قالت قوات اليونيفل المنتشرة في جنوب لبنان أن يوم أمس (الجمعة) "شهد إطلاق نار كثيف عبر الخط الأزرق على مدى فترة طويلة من الوقت وعلى عدة نقاط على الخط، وشكّل ذلك برمته تبادلا لإطلاق النار عبر الخط الأزرق".
وأضاف: "فيما يتعلق بعلما الشعب، نعلم أن إسرائيل ضربت موقعا يبعد حوالي 2,5 كيلومترا عن البلدة عند الساعة 5:20 مساء تقريبا، وسمع جنود حفظ السلام على بعد بضعة كيلومترات إطلاق نار وانفجارات بعد ذلك. وبناء على ما تمكّنت اليونيفيل من ملاحظته، لا يمكننا في هذه المرحلة أن نقول على وجه اليقين كيف أصيبت مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يغطون الأحداث، وقُتل أحدهم."
وختم البيان "إذا استمر الوضع في التصعيد، فمن المرجح أن نرى المزيد من هذه المآسي. إن أي خسارة في أرواح المدنيين هي مأساة ويجب منعها في جميع الأوقات."
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: مواقع التواصل الاجتماعی فی جنوب لبنان عصام عبد الله مقتل عبد الله فی
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني